نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


هل تفكك الأزمة الولايات المتحدة الأميركية؟





" أميركا بلد يافع بذهنية عتيقة "
الفيلسوف والشاعر الإسباني جورج سانتايانا


أحسب أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لا دن – إن كان على قيد الحياة – سوف يقرأ هذا المقال باهتمام شديد، وسيوزعه على من تبقى من أعوانه. فهو أحد "المبشِرين" – عن جهل بالطبع – بأن الولايات المتحدة الأميركية سوف تتفكك في يوم من الأيام، وكذلك يرى "زميله" زعيم طالبان الملا عمر الممتلئ جهلا، ومعهما "الفيلسوف" أيمن الظواهري الذي تحول منذ سنوات إلى "محلل صحافي" بعدما فقد تنظيمه الإرهابي الكثير من الإمكانيات، وخسر المزيد من الأتباع.
لكن القضية ليست كما يتمنى ويدعو هؤلاء، فلا يمكن لـ "دعواتهم" أن تتحقق، لأن دعوات الضالين لا تستجاب ولا قيمة لها. غير أن الفشل المؤكد لهذه التمنيات والدعوات، لا يلغي حراكا أوجدته الأزمة الاقتصادية العالمية على الساحة الأميركية، يهدف إلى تعزيز مشاعر انفصال بعض الولايات عن هيكلية "الاتحاد الوطني" الأميركي، ويسعى إلى إبعاد هذه الولايات، عن واجباتها الاتحادية، لاسيما في أوقات الأزمات. وكما خلقت الأزمة في العالم – وخصوصا في أوروبا - ما يمكن تسميته بـ " القومية الاقتصادية"، أي تراجع مشاعر الإقبال والاندفاع نحو الاتحاد، لحساب المشاعر الوطنية والقومية من الناحية الاقتصادية – المعيشية، كذلك فعلت في بلد كالولايات المتحدة. فقد أججت مشاعر – بصرف النظر عن قوة تأثيرها أو مدى اتساع رقعتها – على الساحة الأميركية، تشبه إلى حد بعيد تلك التي انتشرت في عدد من الولايات الأميركية في منتصف القرن التاسع عشر، ودفعت شرائح اجتماعية – وحتى سياسية وفكرية – في بعض الولايات، لإعادة طرح قضية من المفترض أنها انتهت منذ عهد الرئيس الأميركي الشهير أبراهام لينكولن، ووضعت في الواجهة مفردات ظننا أنها ليست موجودة إلا في سجلات التاريخ. فالشح المالي، ومعه الفوضى الاقتصادية التي أحدثتها الأزمة، أحييا أشياء لم تكن في الحسبان، لا عند "الملهمين" الذين ارتكبوا الأزمة، ولا عند غيرهم من الذين اكتووا بنارها ويعيشون بين براثنها.
أميركيون مهتزون في مشاعرهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم الاتحادية، وجدوا أن الأزمة أتت بـ "وحش" ضار، لا يمكن مجابهته إلا من خلال ضخ المزيد من الأموال. وبما أن الأموال تبخرت – بفعل الأزمة- فلا يوجد على الساحة إلا أموال الضرائب القاسية، من أجل تنفيذ خطط الإنعاش الاقتصادي التي وضعتها الإدارة الأميركية، خصوصا وأن " مهزوزي المشاعر"، لم يلمسوا بعد انعكاسات إيجابية، من جراء ضخ الأموال الهائلة. فالتداعيات والآلام والمصائب هي..هي. ولأن الأمر كذلك، أخذ هؤلاء يدفعون مرات ويحثون مرات أخرى القائمين على ولاياتهم، لا لكي يوقفوا (أو يقللوا) التمويل عن الحكومة الاتحادية، بل لإبطال القوانين الفيدرالية، التي تربط قلادة الدولة وعقدها. ويمضي بعض هؤلاء أبعد من ذلك بالتشجيع على الانفصال!. فالدولة الاتحادية – حسب رؤيتهم – لم تعد مؤهلة للقيادة، والتوجهات المستقلة، توفر ضمانات اقتصادية ومعيشية جيدة، خصوصا في ظل الأزمة. والثقة لدى هؤلاء تجاه " اتحادية الدولة"، لم تتراجع بفعل الأزمة فقط، بل بسبب قناعتهم بأن الحكومات الاتحادية، ليست سوى منفذ لأوامر وتوجيهات.. وتوجهات سوق المال الأميركي "وول ستريت"، على الرغم من كل الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الحالية، لكبح جماح هذه السوق، التي صنعت بالفعل كارثة، انغرست في التاريخ كأزمة عالمية شاملة، نالت من أكبر المصارف قاطبة، ومن راتب عامل النظافة في الوقت نفسه.
والحقيقة أن التيار المعادي للدولة المركزية الأميركية، كان موجودا قبل الأزمة، ولكن رقعته اتسعت بصورة واضحة وبمؤثرات صوتية مسموعة في أعقابها. أي أن إدارة الرئيس باراك أوباما ليست مسؤولة عن صعود هذا التيار وارتفاع صوته، لاسيما وأنها ورثت – من ضمن ما ورثت من مصائب – أزمة اقتصادية لا تحدث إلا مرة كل مئة عام، حسب توصيف "الملهم" الاقتصادي الأكبر ألان جرينسبان رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي السابق، فضلا عن وراثتها لمجتمع مهزوز ملوث بقوانين وقرارات إدارة كان رئيسها " يفسر ويحلل" بأن واردات بلاده تأتي من الخارج!، دون أن نتحدث عن فشله حتى في قراءة موجزة ومبسطة لميزانية بلاده!.
بعد انفجار الأزمة، أصبح تدخل الدولة الاتحادية أكثر قوة وشراسة في الاقتصاد، مما وضع الكثير من القطاعات والأعمال ومصادر الدخل التي كانت تنعم باستقلالية ضمن نطاق ولايتها، في أيدي الحاكمين في واشنطن. ومع الارتفاع المتزايد والخطير في النفقات الحكومية، وجد "التيار الانفصالي" – إن جاز التعبير – أنه من الضروري حماية المؤسسات والمعايير المحلية، التي اضمحلت أو تراجعت في "وجبة" الاستحواذ الاتحادي الطارئ. وفي ظل "الهجمة" الاتحادية، شعر " الانفصاليون" بأن الوقت قد حان، لرفع "الكارت" الأصفر، في وجوه أولئك القابعين في واشنطن، و"الكارت" الأحمر في وجوه أولئك اللاعبين في "وول ستريت". أراد " الانفصاليون" بهذه "الكروت" تحذير السياسيين بالأصفر، وطرد وزجر الاقتصاديين بالأحمر. والذي ينبغي أن يدفع واشنطن للتأمل أكثر في هذه القضية، أن الجماعات الانفصالية، باتت موجودة على الساحة في عشر ولايات على الأقل، من بينها فيرمونت وتكساس وألاسكا وهاوي. بل أن حاكم تكساس ريك بيري أعلن على الملأ، أنه يؤيد الانفصال، ومضى أبعد من ذلك، عندما لم يعترض على ما قاله المتحدث باسم الحركة القومية في هذه الولاية ديف موندي : بأن الدولة الاتحادية باتت متفتتة!. أي أن الأجواء الرسمية في هذه الولاية، باتت ضمن إطار الطرح الانفصالي.
والواقع أن الولايات المتحدة شهدت في السابق تحركات انفصالية استطاعت أن تحقق أهدافها لفترة من الزمن، أدت إلى اندلاع حرب أهلية بين الولايات نفسها، عندما رفضت سبع ولايات الإصلاحات الإنسانية – لاسيما في مسألة العبودية – التي وضعها الرئيس أبراهام لينكولن. ولم تكن هذه الحرب دموية فحسب، بل كانت أيضا طويلة استمرت من العام 1861 إلى العام 1865. فقد اعتبر الانفصاليون آنذاك، أن قوانين الحد من العبودية تصيب أعمالهم بخسائر فادحة، بل هناك من نظر إليها كحرب اقتصادية "اتحادية" موجهة ضدهم!.
لن تحدث حرب أهلية في الولايات المتحدة لا من أجل الانفصال ولا من أجل أي هدف آخر، لأن الاتحاد اليوم يقوم على أسس أكثر رسوخا وأعمق نضوجا. لكن هذا لا ينفي وجود النشاط الانفصالي في عدد مهم من الولايات. صحيح أن دعاة الانفصال لا يزالون قلة، وإن كانت أصواتهم صاخبة. وصحيح أن طرحهم هذا اليوم، لن يستحوذ على قلوب وعقول الأغلبية العظمى من الأميركيين، لكن الصحيح أيضا، أن تيارا مصاحبا – وليس متفقا – مع هؤلاء، بدأ يظهر وبتماسك على الساحة، يدعو إلى ضرورة منح الولايات مزيدا من السلطات والصلاحيات. والذي يُكسب هذا الطرح أهمية كبيرة، أنه يحظى بتأييد متنام ليس من الانفصاليين، بل من الاتحاديين أنفسهم. ولأنهم يقدمون قضيتهم هذه بصورة منطقية – لا غوغائية أو عصبية – فقد بدأ نفوذهم يتزايد ويحظى بآذان تسمع وعقول تفكر، خصوصا وأن الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأميركية لمواجهة الأزمة الاقتصادية، لم تظهر آثارها الإيجابية على الساحة بعد، والأمر يحتاج لمزيد من الوقت، ولنقل لسنوات، وهذا أمر يصب في مصلحة الفكر الانفصالي الأميركي – إن جاز وصفه بالفكر – ويدعم توجهات دعاته. فهؤلاء يرفعون شعارا جذابا على الصعيد المحلي. شعار في صيغة سؤال غير مباشر: لماذا ندفع فواتير مشتريات ليست لنا؟!. هذا السؤال يتزامن من إعلان ميزانية اتحادية سجلت عجزا لا مثيل له منذ أربعينات القرن الماضي، بلغ 1417 مليار دولار أميركي، وسط توقع الحاكمين في واشنطن، بأن أداء البلاد الاقتصادي لن يتحسن في العام 2010.
وإذا كان الأزمة العالمية، أوجدت " قومية اقتصادية" في العالم أجمع، فقد خلقت نوعا من "القومية المحلية الأميركية"، قد تتحول إلى حاضر دائم في المستقبل.
-------------------------------

m@karkouti.net

محمد كركوتــي
الاربعاء 4 نونبر 2009