نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


هل تصبح مصر حصان طروادة لأمريكا ؟




التاريخ لا يكرر نفسه مرتين بصيغة الحافر على الحافر ، حتى وإن تشابهت غايات صانعيه، سيما حين يُخطَّط لتلك الغايات على منحدرات الشر والظلم . في المرة الأولى تنجم عن الحدث مأساة ٌ لا مفر منها. أما المرة الثانية فلا مندوحة من أن تأتي في هيئة مهزلة كاملة الأوصاف . ينطبق هذا المبدأ على علاقة مصر بالفرس القدامى والفرس الجدد انطباقا ً لا يعكر عليه استبدال إيران المعاصرة راية الإسلام ببيارق الإمبراطورية الفارسية القديمة ، كما سنرى .


 

                                      تبدأ الوقائع التاريخية  بقورش الأكبر ملك الفرس ، الذي طالما أبدى توقه لضم مصر توسيعا ً لملكه ، فعمد إلي خطبة ابنة الفرعون أحمس الثاني توطئة ً لتحقيق غرضه بالقوة الناعمة Soft Power  بيد أن أحمس – بوعيه السياسي – رفض الخطبة ، مما جعل قورش يستشيط غضبا ً ، فراح يعد العدة للهجوم على مصر لولا أن عاجلته المنية . وما لبث ابنه قمبيز حتى اندفع بجيوشه لتنفيذ مخطط أبيه . في ذلك الوقت مات أحمس الثاني ، وتولى حكم مصر آخرُ فراعينها : بسماتيك الثالث ، الذي تصدى للغزو بنفسه ليسقط شهيدا ً في ميدان القتال عام 525 ق.م . بعده وقعت مصر في قبضة الفرس  لمائتين وأربعة وتسعين عاما ً  .

 تلك كانت مأساة المرة الأولى في علاقة الفرس بمصر : تلمظ  وتحرش ، فهجوم فاحتلال، وما أدراك ما الاحتلال ؟ هوان ومذلة وإفقار وطمس للهوية .. والدليل على هذا الطمس أن الإسكندر وخلفاءه البطالسة حين حلوا بالغزو محل الفرس في مصر ؛ لم يجدوا صعوبة تذكر في تحويلها عن مصريتها ، لتغدو إغريقية لثلاثة قرون تالية  ثم تمسي – بالغزو أيضا ً- رومانية لأكثر من ستة قرون كاملة  ، حتى انتزعها العرب من أيدي الرومان عام 641 ميلادي ، ثم ليتخطفها منهم الأيوبيون 1171 فالمماليك 1250 فالأتراك العثمانيون 1517

   كان على الوطن المزّمل بدُثر المأساة المتجددة أن يناضل طوال تلك العصور المظلمة من أجل استعادة هويته المصرية ، وقد تحقق له مبتغاه بثورة شعبه عام 1919 على الاحتلال البريطاني ، نابذا ً انتماءه لدولة الخلافة العثمانية التي سقطت عام 1923 وحين اكتمل استقلاله بعد جلاء المحتل الأجنبي  ؛ صارت مصر مركز الثقل في المنطقة العربية بل والشرق الأوسط جميعا ً ، إلى أن تعرضت للضربة الامبريالية الصهيونية عام 1967 ، لكنها استطاعت – بمعجزة حرب أكتوبر – أن تستعيد بعضاً من أرضها التي احتلتها إسرائيل ، وأن تستعيد الباقي منها بالمفاوضات عام 1977 فيما اعتبرته الدول العربية تفريطا ً في الحق العربي ، فكانت النتيجة تهميش الدور الإقليمي لمصر لأعوام عشرة ، كان فيها المد الإيراني  يصعد تحت راية  ما  سُمىَّ بالثورة الإسلامية  ، وهو شعار يعبر - في المسكوت عنه - عن حاجة إيران المعاصرة إلى بعث المجد الساساني الفارسي القديم ولو بغطاء جديد، ولكن سرعان ما انكشف الغطاء " الإسلاموي " عن دولة  ذات أنياب، غايتها التوسع على حساب جاراتها ، مبتدئة ً  بدولة الإمارات العربية تقتطع منها جزر أبي موسى ، وطنب الكبرى والصغرى ، ومثنية ً بفرض هيمنتها على دولة مستقلة هي لبنان  بواسطة حزب لبناني شيعي موال لها ، وثالثاً باستقطاب حركات للمقاومة الفلسطينية (حماس)  تربطها بأجندتها ( مناكفةً لأمريكا ) منحرفة بها عن غايتها في تحرير الأرض المحتلة ! فضلا ً عن السعي الدءوب لتقسيم اليمن إلى دولتين من خلال تأليب الحوثيين ( من الشيعة الزيدية ) ضدا ً على الدولة الموحدة ، وفي ذلك إضعاف للمملكة السعودية ( قبلة العالم  السنيّ ) أيّ  إضعاف .

 غير أن هذا كله ما كان ليجدي – من وجهة نظر هذا المشروع الفارسي الجديد –  ما لم يتوج بوضع " القمر المصري " في الفلك الإمبراطوري الفارسي الجديد ، لا بطريق الاحتلال المباشر، فذلك لم يعد ممكنا ً تبعا ً لشروط العصر ، وإنما  من خلال  محاصرة  مصر بواسطة الصبية السياسيين ، والحلفاء الأيديولوجيين ، والعملاء المحليين بل وبأبواق الفضائيات ممن يسعدهم هدم الدولة المدنية المصرية ، وتشييد دولة دينية على أنقاضها !      الفرس الجدد إذن يريدون استعادة التاريخ ولو بمكائد معاصرة ،. وآية ذلك ما قام به الشيخ نصر الله – منذ سنوات - من تحريض صريح للقوات المسلحة المصرية لقلب نظام الحكم تحت شعار مناصرة  أهل غزة ! بجانب معاونة حزب الله لحلفائه الحمساويين على الدفع بأنصارهم  لتحطيم الحواجز عند معبر رفح  وتسريب الألوف من كوادرهم  وكوادر حزب الله، ليقيموا في مصر ما يعرف بالخلايا النائمة  التي تنتظر أوامر الملالي الفرس كي تضرب وتدمر  وهو الأمر الذي ما فتئ يتجدد حتى يومنا هذا .

  هذه المثيرات وغيرها ، برهنت للشعب المصري بما لا يدع  مجالا ً للشك على أن أمنه واستقراره رهينان باستقلال الوطن سياسياً واقتصادياً ، فهل هذا هو واقع حال الوطن اليوم ؟ لا أظن ذلك صحيحاً بفضل هيمنة أمريكا أولاً ومطامع إيران ثانياً كما سوف نرى في نهاية المقال . ولكن دعنا الآن نذكر ببدايته التي أكدنا فيها أن التاريخ لا يكرر نفسه ، وإن فعل فهو يأتي في المرة الثانية على هيئة مهزلة . وقد تبدت المهزلة في اللحظة التي جوبه فيها رئيس إيران الزائر للقاهرة، بحذاء مصري يُلقى على سيارته ثم بمحاولات الاعتداء عليه في مقر إقامته وأماكن تحركه أثناء زيارته لمصر في إطار أعمال القمة الإسلامية .

أما الملهاة فقد تمثلت في ترحيب رئاسة مصر " الزائد " برئيس إيران ، رغم تململ الجيش المصري وإظهاره الامتعاض من مجرد طرح فكرة التقارب مع الفرس الجدد، ورغم ردود الأفعال الصارمة من جانب الأزهر، والقاسية من جانب القوى السلفية على زيارة الرئيس الإيراني. وكلها إشارات واضحة لنفور المصريين من لعب دور التابع لمشروع الفرس الجدد . فما هو إذن سر الترحيب الرئاسي بأحمد نجاد ؟

  هنا تبلغ الملهاة ذروتها حيث يمكن التفكير في أن أمريكا ( المتخبطة والمرتبكة حالياً ) ربما تخطط لتسويق هذا الدور الإيراني من تحت المنضدة لأسباب إستراتيجية أهمها تجنب الحرب مع إيران مع إضعافها داخلياً بدعم مجاهدي خلق وقوى المعارضة الإيرانية ، وهو ما يتطلب – بجانب تدابير أخرى - الدفع بمصر للتسلل إلى القلعة "الفارسية " كحصان طروادة ! ولو صح هذا الافتراض لكان على الحكم الأخواني الذي قدم نفسه كنزاً استراتيجياً لأمريكا أن يواجه ليس فحسب جموع الوطنيين المصريين الذين يرفضون التبعية للأمريكان ويتوجسون من بالفرس ، بل وأيضاً  " أهل السنة والجماعة " على المستوى العقائدي الملتهب .

 


مهدي بندق
السبت 16 فبراير 2013