وفي هذه المرحلة، ربما يبدو وكأن الوقت قد فات بحيث لا تستطيع الولايات المتحدة أن تؤثر على الأزمة السورية. ويقيناً، إن تزويد كميات صغيرة من المساعدات الفتاكة سوف لن يكون لها تأثير كبير على الوضع. فإيران و «حزب الله» عازمان على إبقاء الأسد في السلطة، حتى إلى حد استخدام قواتهما الخاصة. وعلى هذا النحو، سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهد للتأكد من أن توفير المساعدات الفتاكة يمكن أن يؤثر على توازن القوى. وسوف يتطلب هذا فعلياً تحمل مسؤولية إدارة مساعي تقديم المساعدات بصورة كلية إلى المعارضة.
ولن يكون هذا سهلاً؛ إذ سوف يتطلب الأمر تنسيق كافة مصادر الدعم المتباينة في الخارج - من المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا وفرنسا - والتأكد من تحويل كافة المساعدات المالية والتدريبات والأسلحة والمساعدات غير الفتاكة والإنسانية بطريقة تكاملية وتعاونية.
ولا ينبغي أن تكون هناك أية أوهام أو انطباعات خاطئة: إذ لو تولت الولايات المتحدة إدارة مساعي تقديم المساعدات - الأمر الذي سيتطلب استثماراً جدياً من الوقت ورأس المال السياسي من جانب الإدارة الأمريكية - فإن تحويل الوضع وميزان القوى سوف يستغرق بعض الوقت، وهذا أمراً ليس مسلماً به في هذه المرحلة.
وفي النهاية، لا تزال المعارضة السورية منقسمة رغم تشكيل "الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية" العام الماضي. وعلاوة على ذلك، تحتفظ العناصر الجهادية، بعد تلقيها أكبر قدر من المال والسلاح، باليد العليا داخل المعارضة، على الأقل في هذه المرحلة. وفي سبيل المساعدة في إحداث نتيجة إيجابية، سوف تحتاج الإدارة الأمريكية إلى ضمان ذهاب جميع المساعدات - فقط إلى من هم ملتزمون ببناء سوريا غير طائفية ومتسعة للجميع. وهذه الجماعات هي في وضع غير مؤات الآن، وحتى إذا ما أتيح لها ذلك النوع من المساعدات والتدريبات التي تحتاجها، فسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تكون قادرة على استغلالها.
والنقطة الأهم هنا هي أن الولايات المتحدة، وغيرها من الجهات التي تدعم المعارضة، تحتاج إلى تحديد هدف واضح. إن توفير المزيد من المساعدات المادية - بما في ذلك الأسلحة - بطريقة أكثر منهجية وتنسيقاً هو وسيلة لتغيير ميزان القوى على الأرض، وهذا هو السبيل الوحيد الذي يصبح من خلاله التحول السياسي التفاوضي أمراً ممكناً.
إن هذا هو الأمل، لكنه يبقى أمراً بعيد المنال في الوقت الراهن. فليس فقط يجب أن تصبح المعارضة أكثر مصداقية وأقل انقساماً، بل يجب على التحالف الدولي الذي يدعم المعارضة أن يصبح نفسه أكثر توحداً ويوفر دعماً حازماً ومتواصلاً لأولئك الذين يحاربون نظام الأسد. وحتى لو أمكن الوصول إلى نوع من الاتفاق السياسي، فسوف يلزم تنفيذه تواجد قوات دولية لحفظ السلام.
ولو بدا أن التوصل إلى حل سياسي للأزمة أصبح هدفاً ميؤوساً منه بشكل متزايد، فكيف يمكن للولايات المتحدة أن تستجيب للنتيجة الأكثر احتمالاً وهي تصدع سوريا وانهيارها؟ وبغض النظر عما يعتقده الأسد [حول إمكانية سيطرته على الأوضاع بصورة كاملة] فلن ينجح بذلك. وربما يواصل السيطرة على مناطق معينة داخل سوريا لفترة من الزمن، إلا أن تقسيم البلاد أصبح أمراً أكثر احتمالاً. ومثل هذا التدهور سوف يشكل تهديداً للمجتمع الدولي بأسره: فلن يسعى تنظيم «القاعدة» إلى إيجاد موطئ قدم له فيما قد تصبح فعلياً دولة فاشلة فحسب، ولكن فقدان السيطرة على الأسلحة الكيميائية في سوريا يمكن أن تكون له آثار كارثية على الجميع. وإذا ازداد الوضع سوءاً بصورة مماثلة، فلن تكن هناك دولة اسمها سوريا كما نعرفها منذ عقود.
وعلى أقل تقدير، إذا افتُرض أنه سيكون من المستحيل قيام حل سياسي، فستحتاج الولايات المتحدة إلى اتباع استراتيجية احتواء بديلة تهدف إلى إقامة منطقة عازلة في سوريا وحولها. وفي حين أن ذلك ليس نموذجاً مرضياً للغاية، إلا أنه لا يمكن السماح لسوريا المشرذمة أن تزعزع استقرار المنطقة بأسرها.
دينيس روس هو مستشار في معهد واشنطن.