الاميات يشكلن الاغلبية بين النساء العربيات لا يستطيع أحد ان يزعم ان غالبية الذين يشرفون على قنواته المحلية والفضائية من أنصار تحرير المرأة ناهيك ان يكون ممولو تلك المحطات من أصحاب النزعات التحررية المعروفة فصناعة التلفزيون عربيا اما ان تكون ذات أهداف تجارية بحتة أو ذات طموحات سياسية خفية وعلنية وبما انه لا ديمقراطية في البلاد العربية فلا يمكن الزعم بان هناك من يقدم خدمات اضافية مخصوصة للحصول على أصوات النساء .
ان متابعة دقيقة للبرامج التلفزيونية التي تستهدف النساء في أكثر من قناة عربية تكشف عن استراتيجية برامجية غير معلنة تعاملهن ككائنا استهلاكية تحركها غرائزها وشهواتها ولا تفكر بغير جسدها فمعظم القنوات تقدم للنساء برامج الموضة وعروض الازياء والطبيخ ومواد التجميل ودروس الرشاقة والقليل المتبقي وهو أقل من ثلاثة بالمئة من البرامج التي تستهدف المرأة يخاطب عقلها ويركز على بعض المشكلات الجوهرية التي تواجهها في العصر الحديث وحتى هذه البرامج المعروفة بانفتاحها لا تجرؤ على تجاوز الخطوط الحمراء فتأتي رسائلها اما مبتورة او ناقصة لاضطرارها للتواؤم مع المناخ العام الذي لن يتشرب بعد الافكار الداعية الى المساواة القانونية والاجتماعية بين الجنسين .
ولأعطي مثالا معقولا على هذا الزعم سأختاره من أحدث ما شاهدت فقد تابعت بالصدفة قبل اسبوعين برنامج ( للنساء فقط )الذي تقدمه قناة الجزيرة وكانت الحلقة تناقش الخيانة الزوجية ولدهشتي وجدت من يقترح تعدد الزوجات كحل من حلول القضاء على الخيانة الزوجية وعندها لم أتمالك أن أسأل أيهما افضل للمرأة ان يخونها زوجها في نزوة عابرة مع امرأة واحدة أم يتزوج ثلاثة معها ليظل محصنا ضد غواية النساء .؟
ان قانون الأحوال الشخصية في كل البلاد العربية باستثناء تونس يبيح تعدد الزوجات وحين تناقش امثال هذه المشاكل في البرامج النسائية لا يكون الحل الواضح المطالبة بمنع التعدد بحكم القانون انما تنصح معظم الحلول الرجال بمحاولة التقليل منه قدر الامكان لأن تعدد الزوجات مباح في الشريعة الاسلامية واللواتي يقدمن تلك البرامج يدركن ان الرقابة ااجتماعية والدينية أخطر من الرقابة الرسمية للدولة فهن في الواقع يعملن تحت ضغط عدة أشكال من الرقابة التي تكاد تقتل وفي أحسن الأحول تميع كل محاولة جادة لمناقشة معمقة لقضايا المرأة في التلفزيون والامر نفسه يتكرر في الاذاعات والصحافة المكتوبة فالاحكام الشرعية لهكذا قضايا تقيد حرية الجميع وتزرع الخوف في صفوف المتحررات والمتحررين من الاعلاميين والاعلاميات وعددهن دوما اقل وكذلك تأثيرهن وحصتهن من المناصب الاعلامية ففي الاعلام العربي المهاجر لا يوجد غير نائبة رئيس تحرير واحدة لجريدة يومية .
ولانريد القفز الى المثاليات والاستنتاجات الخاطئة بالقول ان الغاء الرقابة سيحل تدريجيا هذه الاشكاليات اذ لا توجد مرحلة من التاريخ اختفت فيها الرقابة على الأفكار نهائيا فالأفضل ان نقر سلفا بصواب حكم الكاتب البريطاني دونالد توماس مؤلف كتاب( تاريخ الرقابة الادبية ) الذي يقول :ان السؤال الذي يكاد يكون وثيق الصلة بأية مرحلة من مراحل التاريخ الانساني ليس هو : هل هناك رقابة أم لا ؟ بل هو تحت أي نوع من الرقابة نعيش ؟في العالم العربي ما زلنا نعيش بعد الرقابة الذاتية المشددة تحت ظل الرقابة الرسمية والاجتماعية والدينية والاخيرتان هما الاخطر فحين يمنح الأزهر في مصر ووزارة الأوقاف في سورية وجمعية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية أقول حين تمنح هذه الهيئات نفسها حق الرقابة على كل ما يقال في وسائل الاعلام وتتدخل لمصادرة الكتب ومنع نشرها فمن الطبيعي ان تكون قضايا المرأة وبرامجها هي المستهدف الأول بتلك الرقابة القروسطية – من القرون الوسطى-
التي لا تجيزها القوانين الرسمية لكن الدول عاجزة عن منعها فهي مكملة للرقابة الأجتماعية التي لاتقل عنها مكرا وتأثيرا .ومع الرسائل المعروفة الحاضة على الطاعة التي تبثها البرامج الدينية ومعظمها تركزعلى قضايا النساء من وجهة نظر الشرع يبدو الشيخ يوسف القرضاوي في الجزيرة وعمرو خالد في قناة اقرأ اكثر تأثيرا في مجال اعلام المرأة من أي برنامج تقدمي متحرر فاذا أضيف الى هذين الشيخين عشرات الداعيات المحجبات اللواتي يقدمن الدروس الدينية في التلفزيونات العربية ندرك ان حجم المادة الاعلامية التي تساعد على ابقاء النساء في وضعهن الحالي هي أضعاف تلك التي تحضهن على الثورة على واقعهن ومحاولة تغييره لتحرير أرواحهن وأجسادهن من سجون لا تختلف كثيرا عن حرملك الجدات .ومع وفرة الرسائل الواضحة ومعظمها غير تحرري ولا تنويري تأتي الرسائل المضمرة التي تقدمها المذيعة التلفزيونية بزيها ومواقفها وأقوالهاوغالبا ما تكون المذيعة التي تنتقل من السفور الى الحجاب كما فعلت خديجة بن قنة مثلا مثارتعليقات لا تصب بالضرورة في مسار تحرر المرأة ناهيك عن ان التصرف ذاته مادة للتقليد
فالمذيعة المحجبة بعد سفور لها تأثير اكبر من النجمة السينمائية التي تتحجب وتختفي بينما المذيعة تواصل الظهور بزيها الجديد الذي هو بحد ذاته رسالة سياسية وموقف عقائدي واجتماعي يعبر عن نفسه دون كلام .واذا بحث الجيل الجديد من الشابات العربيات عن قدوة بين المذيعات غير المحجبات فهو لن يجدها قطعا عند مذيعات قناة ال بي سي وأخواتها اللبنانيات فالمشكلة مع الاعلاميات التلفزيونيات العربيات انهن يتوزعن على قطبين متنافرين من الحجاب الكامل الى العري شبه الكامل وفي الحالتين لا يساعدن على تقديم رسالة متوازنة ذات أفق تنويري تحرري تساعد النساء العربيات على الخروج من مأزقهن الصعب .
ومما يزيد هذه المشكلة تعقيدا ان القنوات التلفزيونية تهمل المرأة الاكاديمية والطبيبة والمهندسة والاديبة والعالمة وقائدة الطائرة ولا تلمع غير الممثلات السينمائيات وكأنهن القدوة المثالية للنساء العربيات . ان التلفزيون بل وأي اختراع تكنولوجي حديث هو كالسكين تماما بمعنى انه ذو حدين وان طبيعة استخدامه تتوقف على نوايا صاحبه وتوجهاته فهل يمكن القول ان الذين يستثمرون في صناعة التلفزيون العربي تعنيهم مسائل تحرر المرأة ؟ او يعطونها ذات الاولوية التي تعطى لبرامج الرياضة والشباب ؟العكس قد يكون هو الصحيح فممولوالقنوات العربية وهم الذين يضعون سياساتها ويشرفون على تنفيذها لا يضعون كدول ولا كأشخاص مسائل تحرر المرأة ولا تحرر الانسان بالمجمل بين أهدافهم وتكتمل قتامة هذه الصورة بالحقيقة التي نعرفها جميعا وهي ندرة العناصر النسائية في الحقل الاعلامي العربي فوفرة المذيعات الجميلات لا تعني انهن هن اللواتي يصغن الرسالة الاعلامية فمعظمهن كالببغاوات احيانا يلقين كلاما معدا من قبل رجال في الكواليس يحرسون مصالح العقلية الابوية البطرياركية التي تمتلك التلفزيون وتسيطر على برامجه وتوجهها و يعرف اصحابها انهم سيكونون أول الخاسرين من شيوع نزعات التمرد والتحرر بين النساء .
وفي امثال هكذا مواقف تتحالف النساء عادة مع رجال يعطفون على قضية المرأة ويتبنونها في الاطار العام لتحرر الانسان فالرجل العربي – وقبل ان ننسى – كالمرأة العربية محروم من الحقوق السياسية ومن الطبيعي ان يجد رغم امتيازاته الاجتماعية في النساء حليفا طبيعيا مضمونا في مسيرة تحرر المجتمعات العربية التي تعثرت طويلا منذ عصر النهضة الاولى في القرن التاسع عشر لأنها لم تول الاهتمام الكافي لمشاكل النساء .لقد اقتحمت المرأة العربية تاريخيا مجال الاعلام وكان لماري عجمي في سورية وروز اليوسف في مصر دورا في تشجيع النساء على توظيف الاعلام من أجل تحرر بنات جنسهن فقد اصدرت الاولى مجلة شهرية في دمشق مطلع القرن العشرين وأنشأت الثانية في اربعينات القرن الماضي مجلة اسبوعية ما تزال تواصل الصدور في القاهرة وتحمل اسمها لتكريس تلك الريادة وذلك الدور الاعلامي المميز قبل عصر التلفزيون .
وهذاالمثال التاريخي يعني ان المجال كان مفتوحا على الدوام أمام النساء العربيات لاقتحام المجال الاعلامي لكن مبادراتهن لاسباب معروفة كانت قليلة وبكل أسف فان هذه الظروف ما تزال قائمة الى اليوم رغم المناخ الدولي الذي يبدو مشجعا على المبادرات النسوية لكنه ليس ضاغطا بما فيه الكفاية للدخول في تفاصيلها وجوهرها والضغط من اجل تعميقها لتعالج القضايا النسوية الحيوية وليس الهامشية ففي السعودية وهي الاكثر تزمتا مع النساء في البلاد العربية يجري التركيز حديثا على قضايا المرأة في الاعلام بفعل الضغوط الخارجية و تقام في الاشهر الاخيرة ندوات متلاحقة حول المرأة لكنها كالبرامج النسوية لاتقترب من الجوهر وتكتفي بمس التعقيدات الاجتماعية مسا خفيفا فجميع ندوات السعودية التلفزيونية والاكاديمية
الاخيرة عن المرأة ومنها مؤتمر وطني للحوار حول قضاياها تحاشت الاقتراب من موضوع حيوي هو حق المراة في قيادة السيارة الذي ما يزال ممنوعا في تلك البلاد .ان استراتيجية الاعلام مرتبطة عمليا ببرامج التعليم والاثنان متخلفان عربيا الى حد كبير وهذا ما يجعل دور الاعلام مربكا ومتناقضا احيانا فاذا أضفت الى تخلف التربية العربية الاشكالية الفلسفية المعاصرة التي تؤكد على هيمنة الصورة وتواري الفكرة ومركزية الجسد وهامشية العقل في الفكروالاعلام الحديثين تدرك صعوبة الدعوة الى اعلام متوازن
يعامل المرأة كانسان وليس كحيوان استهلاكي او مادة جنسية للأثارة .ولا يعامل الاعلام العربي المرأة كجسد فقط ولا يحبسها في الاطار التقليدي كمستهلك نهم لمواد التجميل والازياء فحسب بل كمشاهد مدمن للمسلسلات والافلام التافهة التي تشكل ثلاثة أرباع حجم المادة الاعلامية المبثوثة في التلفزيونات العربية ومعظم تلك البرامج والأفلام تشوه صورة النساء وتقدمهن كغانيات وبنات هوى وساقطات ومنحرفات ودوما كنماذج سلبية مغلوبة على امرهالا تفكر لا بتمرد ولا تحرر ولا انعتاق .
ان متابعة دقيقة للبرامج التلفزيونية التي تستهدف النساء في أكثر من قناة عربية تكشف عن استراتيجية برامجية غير معلنة تعاملهن ككائنا استهلاكية تحركها غرائزها وشهواتها ولا تفكر بغير جسدها فمعظم القنوات تقدم للنساء برامج الموضة وعروض الازياء والطبيخ ومواد التجميل ودروس الرشاقة والقليل المتبقي وهو أقل من ثلاثة بالمئة من البرامج التي تستهدف المرأة يخاطب عقلها ويركز على بعض المشكلات الجوهرية التي تواجهها في العصر الحديث وحتى هذه البرامج المعروفة بانفتاحها لا تجرؤ على تجاوز الخطوط الحمراء فتأتي رسائلها اما مبتورة او ناقصة لاضطرارها للتواؤم مع المناخ العام الذي لن يتشرب بعد الافكار الداعية الى المساواة القانونية والاجتماعية بين الجنسين .
ولأعطي مثالا معقولا على هذا الزعم سأختاره من أحدث ما شاهدت فقد تابعت بالصدفة قبل اسبوعين برنامج ( للنساء فقط )الذي تقدمه قناة الجزيرة وكانت الحلقة تناقش الخيانة الزوجية ولدهشتي وجدت من يقترح تعدد الزوجات كحل من حلول القضاء على الخيانة الزوجية وعندها لم أتمالك أن أسأل أيهما افضل للمرأة ان يخونها زوجها في نزوة عابرة مع امرأة واحدة أم يتزوج ثلاثة معها ليظل محصنا ضد غواية النساء .؟
ان قانون الأحوال الشخصية في كل البلاد العربية باستثناء تونس يبيح تعدد الزوجات وحين تناقش امثال هذه المشاكل في البرامج النسائية لا يكون الحل الواضح المطالبة بمنع التعدد بحكم القانون انما تنصح معظم الحلول الرجال بمحاولة التقليل منه قدر الامكان لأن تعدد الزوجات مباح في الشريعة الاسلامية واللواتي يقدمن تلك البرامج يدركن ان الرقابة ااجتماعية والدينية أخطر من الرقابة الرسمية للدولة فهن في الواقع يعملن تحت ضغط عدة أشكال من الرقابة التي تكاد تقتل وفي أحسن الأحول تميع كل محاولة جادة لمناقشة معمقة لقضايا المرأة في التلفزيون والامر نفسه يتكرر في الاذاعات والصحافة المكتوبة فالاحكام الشرعية لهكذا قضايا تقيد حرية الجميع وتزرع الخوف في صفوف المتحررات والمتحررين من الاعلاميين والاعلاميات وعددهن دوما اقل وكذلك تأثيرهن وحصتهن من المناصب الاعلامية ففي الاعلام العربي المهاجر لا يوجد غير نائبة رئيس تحرير واحدة لجريدة يومية .
ولانريد القفز الى المثاليات والاستنتاجات الخاطئة بالقول ان الغاء الرقابة سيحل تدريجيا هذه الاشكاليات اذ لا توجد مرحلة من التاريخ اختفت فيها الرقابة على الأفكار نهائيا فالأفضل ان نقر سلفا بصواب حكم الكاتب البريطاني دونالد توماس مؤلف كتاب( تاريخ الرقابة الادبية ) الذي يقول :ان السؤال الذي يكاد يكون وثيق الصلة بأية مرحلة من مراحل التاريخ الانساني ليس هو : هل هناك رقابة أم لا ؟ بل هو تحت أي نوع من الرقابة نعيش ؟في العالم العربي ما زلنا نعيش بعد الرقابة الذاتية المشددة تحت ظل الرقابة الرسمية والاجتماعية والدينية والاخيرتان هما الاخطر فحين يمنح الأزهر في مصر ووزارة الأوقاف في سورية وجمعية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية أقول حين تمنح هذه الهيئات نفسها حق الرقابة على كل ما يقال في وسائل الاعلام وتتدخل لمصادرة الكتب ومنع نشرها فمن الطبيعي ان تكون قضايا المرأة وبرامجها هي المستهدف الأول بتلك الرقابة القروسطية – من القرون الوسطى-
التي لا تجيزها القوانين الرسمية لكن الدول عاجزة عن منعها فهي مكملة للرقابة الأجتماعية التي لاتقل عنها مكرا وتأثيرا .ومع الرسائل المعروفة الحاضة على الطاعة التي تبثها البرامج الدينية ومعظمها تركزعلى قضايا النساء من وجهة نظر الشرع يبدو الشيخ يوسف القرضاوي في الجزيرة وعمرو خالد في قناة اقرأ اكثر تأثيرا في مجال اعلام المرأة من أي برنامج تقدمي متحرر فاذا أضيف الى هذين الشيخين عشرات الداعيات المحجبات اللواتي يقدمن الدروس الدينية في التلفزيونات العربية ندرك ان حجم المادة الاعلامية التي تساعد على ابقاء النساء في وضعهن الحالي هي أضعاف تلك التي تحضهن على الثورة على واقعهن ومحاولة تغييره لتحرير أرواحهن وأجسادهن من سجون لا تختلف كثيرا عن حرملك الجدات .ومع وفرة الرسائل الواضحة ومعظمها غير تحرري ولا تنويري تأتي الرسائل المضمرة التي تقدمها المذيعة التلفزيونية بزيها ومواقفها وأقوالهاوغالبا ما تكون المذيعة التي تنتقل من السفور الى الحجاب كما فعلت خديجة بن قنة مثلا مثارتعليقات لا تصب بالضرورة في مسار تحرر المرأة ناهيك عن ان التصرف ذاته مادة للتقليد
فالمذيعة المحجبة بعد سفور لها تأثير اكبر من النجمة السينمائية التي تتحجب وتختفي بينما المذيعة تواصل الظهور بزيها الجديد الذي هو بحد ذاته رسالة سياسية وموقف عقائدي واجتماعي يعبر عن نفسه دون كلام .واذا بحث الجيل الجديد من الشابات العربيات عن قدوة بين المذيعات غير المحجبات فهو لن يجدها قطعا عند مذيعات قناة ال بي سي وأخواتها اللبنانيات فالمشكلة مع الاعلاميات التلفزيونيات العربيات انهن يتوزعن على قطبين متنافرين من الحجاب الكامل الى العري شبه الكامل وفي الحالتين لا يساعدن على تقديم رسالة متوازنة ذات أفق تنويري تحرري تساعد النساء العربيات على الخروج من مأزقهن الصعب .
ومما يزيد هذه المشكلة تعقيدا ان القنوات التلفزيونية تهمل المرأة الاكاديمية والطبيبة والمهندسة والاديبة والعالمة وقائدة الطائرة ولا تلمع غير الممثلات السينمائيات وكأنهن القدوة المثالية للنساء العربيات . ان التلفزيون بل وأي اختراع تكنولوجي حديث هو كالسكين تماما بمعنى انه ذو حدين وان طبيعة استخدامه تتوقف على نوايا صاحبه وتوجهاته فهل يمكن القول ان الذين يستثمرون في صناعة التلفزيون العربي تعنيهم مسائل تحرر المرأة ؟ او يعطونها ذات الاولوية التي تعطى لبرامج الرياضة والشباب ؟العكس قد يكون هو الصحيح فممولوالقنوات العربية وهم الذين يضعون سياساتها ويشرفون على تنفيذها لا يضعون كدول ولا كأشخاص مسائل تحرر المرأة ولا تحرر الانسان بالمجمل بين أهدافهم وتكتمل قتامة هذه الصورة بالحقيقة التي نعرفها جميعا وهي ندرة العناصر النسائية في الحقل الاعلامي العربي فوفرة المذيعات الجميلات لا تعني انهن هن اللواتي يصغن الرسالة الاعلامية فمعظمهن كالببغاوات احيانا يلقين كلاما معدا من قبل رجال في الكواليس يحرسون مصالح العقلية الابوية البطرياركية التي تمتلك التلفزيون وتسيطر على برامجه وتوجهها و يعرف اصحابها انهم سيكونون أول الخاسرين من شيوع نزعات التمرد والتحرر بين النساء .
وفي امثال هكذا مواقف تتحالف النساء عادة مع رجال يعطفون على قضية المرأة ويتبنونها في الاطار العام لتحرر الانسان فالرجل العربي – وقبل ان ننسى – كالمرأة العربية محروم من الحقوق السياسية ومن الطبيعي ان يجد رغم امتيازاته الاجتماعية في النساء حليفا طبيعيا مضمونا في مسيرة تحرر المجتمعات العربية التي تعثرت طويلا منذ عصر النهضة الاولى في القرن التاسع عشر لأنها لم تول الاهتمام الكافي لمشاكل النساء .لقد اقتحمت المرأة العربية تاريخيا مجال الاعلام وكان لماري عجمي في سورية وروز اليوسف في مصر دورا في تشجيع النساء على توظيف الاعلام من أجل تحرر بنات جنسهن فقد اصدرت الاولى مجلة شهرية في دمشق مطلع القرن العشرين وأنشأت الثانية في اربعينات القرن الماضي مجلة اسبوعية ما تزال تواصل الصدور في القاهرة وتحمل اسمها لتكريس تلك الريادة وذلك الدور الاعلامي المميز قبل عصر التلفزيون .
وهذاالمثال التاريخي يعني ان المجال كان مفتوحا على الدوام أمام النساء العربيات لاقتحام المجال الاعلامي لكن مبادراتهن لاسباب معروفة كانت قليلة وبكل أسف فان هذه الظروف ما تزال قائمة الى اليوم رغم المناخ الدولي الذي يبدو مشجعا على المبادرات النسوية لكنه ليس ضاغطا بما فيه الكفاية للدخول في تفاصيلها وجوهرها والضغط من اجل تعميقها لتعالج القضايا النسوية الحيوية وليس الهامشية ففي السعودية وهي الاكثر تزمتا مع النساء في البلاد العربية يجري التركيز حديثا على قضايا المرأة في الاعلام بفعل الضغوط الخارجية و تقام في الاشهر الاخيرة ندوات متلاحقة حول المرأة لكنها كالبرامج النسوية لاتقترب من الجوهر وتكتفي بمس التعقيدات الاجتماعية مسا خفيفا فجميع ندوات السعودية التلفزيونية والاكاديمية
الاخيرة عن المرأة ومنها مؤتمر وطني للحوار حول قضاياها تحاشت الاقتراب من موضوع حيوي هو حق المراة في قيادة السيارة الذي ما يزال ممنوعا في تلك البلاد .ان استراتيجية الاعلام مرتبطة عمليا ببرامج التعليم والاثنان متخلفان عربيا الى حد كبير وهذا ما يجعل دور الاعلام مربكا ومتناقضا احيانا فاذا أضفت الى تخلف التربية العربية الاشكالية الفلسفية المعاصرة التي تؤكد على هيمنة الصورة وتواري الفكرة ومركزية الجسد وهامشية العقل في الفكروالاعلام الحديثين تدرك صعوبة الدعوة الى اعلام متوازن
يعامل المرأة كانسان وليس كحيوان استهلاكي او مادة جنسية للأثارة .ولا يعامل الاعلام العربي المرأة كجسد فقط ولا يحبسها في الاطار التقليدي كمستهلك نهم لمواد التجميل والازياء فحسب بل كمشاهد مدمن للمسلسلات والافلام التافهة التي تشكل ثلاثة أرباع حجم المادة الاعلامية المبثوثة في التلفزيونات العربية ومعظم تلك البرامج والأفلام تشوه صورة النساء وتقدمهن كغانيات وبنات هوى وساقطات ومنحرفات ودوما كنماذج سلبية مغلوبة على امرهالا تفكر لا بتمرد ولا تحرر ولا انعتاق .