احتفلت الصحافة العربية الممولة من دولة قطر بقرار الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس رفض جائزة الشيخ زايد للكتاب، وهي، لشدة ما احتفلت بهذه الواقعة، تشعرك بأن هابرماس يقيم في قطر، وأن تبريره رفض الجائزة بـ”العلاقة التي تربط المؤسسة التي تمنحها بالنظام السياسي في أبو ظبي”، إنما صادر عن إعجاب وانحياز للنظام السياسي في الدوحة! مقالات رأي سقطت على رؤوسنا، وتحول الفيلسوف الألماني إلى أيقونة الصحافة القطرية العابرة للحدود والجنسيات.
وفي هذا الوقت، أصيبت وسائل الإعلام نفسها بإرباك شديد في تغطيتها التقارب المصري- التركي، ذاك أن هذا التقارب طرح مستقبل وجود قيادة الإخوان المسلمين المصريين في تركيا. فمن جهة ما من تناول انتقادي للخطوة التركية، ومن جهة أخرى لا قدرة على تبنيها. حصل ذلك في وقت أصيب به الإعلام الممول من الامارات بإرباك موازٍ، فالتقارب يملي عليه مهادنة لسلطة رجب طيب أردوغان سبقتها حملات شيطنة هائلة. لكن إعلام الإمارات عثر على ضالته في هذا السياق عبر تشفيه من المصير البائس الذي قد يصيب الإخوان المسلمين إذا ما عقد صفقة الصلح بين أنقرة والقاهرة
والحال أن على زملائنا في المؤسسات الإعلامية على طرفي الانقسام الخليجي، أن يبحثوا عن وسيلة لمغادرة المواقع السجالية التي يتمحورون حولها، ذاك أن التحولات التي تصيب أنظمة المنطقة ستصيبهم بالدوار خلال انتقالهم من موقع الى آخر، لا سيما أن هذه الأنظمة لا تقيم وزناً في تحولاتها التراجيدية لارتدادات أفعالها على الماكينة الإعلامية المواكبة لهذه التحولات المأساوية! فعلى قناة “الجزيرة” مثلاً أن تنتقل بين ليلة وضحاها من منصة هجوم على السعودية إلى مهادن لها ثم إلى داعم لسياساتها، وعلى قناة “العربية” أن تمتدح التقارب المصري- التركي بعدما كانت أنقرة مدينة الشيطان بالنسبة إليها.
لكن ثمة محطة تنتظرنا على هذا الصعيد ستصير فيها هذه الملهاة مأساة! ذاك أن أخباراً بدأت تتسرب عن تقارب سعودي مع النظام السوري، وحديث عن زيارة قام بها مدير المخابرات السعودية إلى دمشق، وهي خطوة تمهيدية لفتح الرياض سفارتها هناك. من المرجح أن تكون هذه التسريبات صحيحة، والملهاة بدأت تلوح قبل تأكيدها. في العادة خبر من هذا النوع سيمثل جوهرة خبرية لقناة “الجزيرة”. ساد صمت مريب حوله، فاكتفينا في ضوء هذا الصمت بتعقب تغريدات عبد الباري عطوان ووئام وهاب. وسائل إعلام الممانعة لم تسعفنا، ذاك أن الدوار وصل إليها، وعليها في ضوء هذا الخبر أن تكف عن اتهام الوهابيين بالوقوف وراء ظاهرة “داعش”، لا سيما أن تقارباً موازياً بدأ يلوح بين الرياض وطهران.
وخطوة عودة العلاقات بين الرياض ودمشق سترتب أوضاعاً غرائبية تتعدى الخطاب الإعلامي، ليس أقلها اهتزاز مواقع سياسية كان دأب أصحابها على خطاب مواجهة مع النظام السوري، كرئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري، أو خصوم الحريري اللبنانيين من أمثال “حزب الله”، وأمينه العام الذي واصل حملاته على الرياض طوال مرحلة الخصومة بينها وبين طهران وبينها وبين النظام السوري! فهل يقوى سعد الحريري على تكرار مشهده التراجيدي في قصر المهاجرين؟ وكيف سيصرف حسن نصرالله غضبه على الوهابية بعد هذه المصالحة؟
خطوة التقارب المرجحة تبدو طبيعية في ظل حاجة النظامين إلى علاقات يصرفان عبرها مآزقهما وحاجاتهما للاستعاضة عن الشرعية الداخلية بحلف أشرار، يتولى رأب الصدع الناجم عن طبيعتهما الاستبدادية. هذه الطبيعة هي من يقف خلف الإرباك الذي يصيب الإعلام خلال تناوله هذه التحولات. وهي تماماً ما يفسر القبول المتبادل لارتكابات النظامين، لكنه أيضاً ما كان خلف الحرب الطاحنة بينهما.
أما الخيبة على طرفي “المصالحة”، وهي ما عكسه صمت إعلام الممانعة حولها من جهة، والإحباط في أوساط قيادات “المعارضة” السورية من جهة أخرى، فليست سوى صورة عن ارتهان الجماعتين لأنظمة السوء والاستبداد المتصارعة والمتصالحة.
---------
درج
وفي هذا الوقت، أصيبت وسائل الإعلام نفسها بإرباك شديد في تغطيتها التقارب المصري- التركي، ذاك أن هذا التقارب طرح مستقبل وجود قيادة الإخوان المسلمين المصريين في تركيا. فمن جهة ما من تناول انتقادي للخطوة التركية، ومن جهة أخرى لا قدرة على تبنيها. حصل ذلك في وقت أصيب به الإعلام الممول من الامارات بإرباك موازٍ، فالتقارب يملي عليه مهادنة لسلطة رجب طيب أردوغان سبقتها حملات شيطنة هائلة. لكن إعلام الإمارات عثر على ضالته في هذا السياق عبر تشفيه من المصير البائس الذي قد يصيب الإخوان المسلمين إذا ما عقد صفقة الصلح بين أنقرة والقاهرة
والحال أن على زملائنا في المؤسسات الإعلامية على طرفي الانقسام الخليجي، أن يبحثوا عن وسيلة لمغادرة المواقع السجالية التي يتمحورون حولها، ذاك أن التحولات التي تصيب أنظمة المنطقة ستصيبهم بالدوار خلال انتقالهم من موقع الى آخر، لا سيما أن هذه الأنظمة لا تقيم وزناً في تحولاتها التراجيدية لارتدادات أفعالها على الماكينة الإعلامية المواكبة لهذه التحولات المأساوية! فعلى قناة “الجزيرة” مثلاً أن تنتقل بين ليلة وضحاها من منصة هجوم على السعودية إلى مهادن لها ثم إلى داعم لسياساتها، وعلى قناة “العربية” أن تمتدح التقارب المصري- التركي بعدما كانت أنقرة مدينة الشيطان بالنسبة إليها.
لكن ثمة محطة تنتظرنا على هذا الصعيد ستصير فيها هذه الملهاة مأساة! ذاك أن أخباراً بدأت تتسرب عن تقارب سعودي مع النظام السوري، وحديث عن زيارة قام بها مدير المخابرات السعودية إلى دمشق، وهي خطوة تمهيدية لفتح الرياض سفارتها هناك. من المرجح أن تكون هذه التسريبات صحيحة، والملهاة بدأت تلوح قبل تأكيدها. في العادة خبر من هذا النوع سيمثل جوهرة خبرية لقناة “الجزيرة”. ساد صمت مريب حوله، فاكتفينا في ضوء هذا الصمت بتعقب تغريدات عبد الباري عطوان ووئام وهاب. وسائل إعلام الممانعة لم تسعفنا، ذاك أن الدوار وصل إليها، وعليها في ضوء هذا الخبر أن تكف عن اتهام الوهابيين بالوقوف وراء ظاهرة “داعش”، لا سيما أن تقارباً موازياً بدأ يلوح بين الرياض وطهران.
وخطوة عودة العلاقات بين الرياض ودمشق سترتب أوضاعاً غرائبية تتعدى الخطاب الإعلامي، ليس أقلها اهتزاز مواقع سياسية كان دأب أصحابها على خطاب مواجهة مع النظام السوري، كرئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري، أو خصوم الحريري اللبنانيين من أمثال “حزب الله”، وأمينه العام الذي واصل حملاته على الرياض طوال مرحلة الخصومة بينها وبين طهران وبينها وبين النظام السوري! فهل يقوى سعد الحريري على تكرار مشهده التراجيدي في قصر المهاجرين؟ وكيف سيصرف حسن نصرالله غضبه على الوهابية بعد هذه المصالحة؟
خطوة التقارب المرجحة تبدو طبيعية في ظل حاجة النظامين إلى علاقات يصرفان عبرها مآزقهما وحاجاتهما للاستعاضة عن الشرعية الداخلية بحلف أشرار، يتولى رأب الصدع الناجم عن طبيعتهما الاستبدادية. هذه الطبيعة هي من يقف خلف الإرباك الذي يصيب الإعلام خلال تناوله هذه التحولات. وهي تماماً ما يفسر القبول المتبادل لارتكابات النظامين، لكنه أيضاً ما كان خلف الحرب الطاحنة بينهما.
أما الخيبة على طرفي “المصالحة”، وهي ما عكسه صمت إعلام الممانعة حولها من جهة، والإحباط في أوساط قيادات “المعارضة” السورية من جهة أخرى، فليست سوى صورة عن ارتهان الجماعتين لأنظمة السوء والاستبداد المتصارعة والمتصالحة.
---------
درج