هذه الصفحة غير جديدة، وهي جزء من كراسة أخذت تمتلئ. قبل سنتين تقريباً، وقعت الإمارات وإيران على اتفاق تعاون أمني لتأمين الملاحة في الخليج الفارسي، تضمن وقف هجمات الحوثيين في اليمن ضد أهداف وسفن الإمارات. وشمل الاتفاق تسهيلات كبيرة في إعطاء تأشيرات الدخول للمواطنين ورجال الأعمال الإيرانيين إلى الإمارات. وحسب التقديرات غير الرسمية، يعيش في الإمارات نحو 600 ألف مواطن إيراني. في تشرين الثاني، تم التوقيع على اتفاق للتعاون التجاري بين الإمارات وإيران وتركيا الذي بحسبه ستمر البضائع الخارجة من أبو ظبي إلى إيران ومن هناك في طريق برية إلى تركيا، وهو مسار سيقصر النقل إلى أسبوع مقارنة بعشرين يوماً تستغرقها الرحلة عبر قناة السويس.
حسب البيانات الرسمية التي تنشرها إيران، فإن الإمارات هي الشريك الثاني في التجارة مع إيران بعد الصين، بحجم تجارة متبادل يبلغ 10 مليارات دولار في السنة. يصعب الاعتماد على هذا الرقم؛ فقد نشرت في إيران قائمة بأسماء الدول التي تتاجر معها قبل أسبوعين، والتي تعدّ الإمارات –وفق ذلك- في المكان الرابع بعد الصين والعراق وتركيا. تظهر هذه القائمة أن حجم التجارة مع أبو ظبي هو 3 مليارات دولار فقط، لكن حتى هذا الرقم المتواضع يدل على العلاقات التجارية المتشعبة التي تربط بين الدولتين. إضافة إلى ذلك، تعمل في الإمارات 3 – 5 آلاف شركة إيرانية، وتصدر إيران عبر الإمارات 15 في المئة من إجمالي صادراتها باستثناء النفط، وتستورد عبرها 10 في المئة من إجمالي الواردات. وتتحدث الدولتان عن تطلع لزيادة حجم التجارة بينهما ليصل إلى 15 – 20 مليار دولار في السنة.
المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بين أبو ظبي وطهران توضح بأن المنظومة التي تسمى “التحالف العربي ضد إيران”، التي شكلتها السعودية في 2016 لم تعد قائمة. السعودية نفسها أدارت في هذه السنة ثلاث جولات محادثات مباشرة مع ممثلين إيرانيين كبار هدفت إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. قال بينيت في الواقع بأن هدف زيارته إلى أبو ظبي هو تعزيز العلاقات الاقتصادية وصب مضمون آخر في اتفاقات إبراهيم ومناقشة القضية الإيرانية، لكن من المشكوك فيه إذا كان سيجد في محمد بن زايد، الذي من المتوقع أن يزور إيران هذه السنة بنفسه، شريكاً في أصوات الحرب التي تُسمعها إسرائيل ضد إيران.
الإمارات مثل السعودية، تعارض العمليات العسكرية ضد جارتها، وهذه العمليات قد تحول الخليج إلى منطقة قتال وستضر بالعمليات الاقتصادية التي تسعيان للدفع بها قدماً. ستجد أبو ظبي صعوبة في تأييد فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب الضرر المباشر الذي سيترتب على ذلك، في الوقت الذي تحاول فيه أن تبني مع إيران نسيجاً من الاتفاقات التي تضمن مكانتها المفضلة في الوقت الذي سترفع فيه العقوبات.
حسب مصادر عربية، أوضح بن زايد لبينيت بأن العلاقات مع إيران لن تأتي على حساب العلاقات مع إسرائيل، التي تطمح أبو ظبي لتوسيعها وتطويرها. هذه قنوات سياسية لا علاقة بينها. إيران أدانت اتفاق السلام والتطبيع بين إسرائيل والإمارات، لكنها لم تطلب من بن زايد قطع العلاقات أو إلغاء الاتفاق مقابل التعاون الاقتصادي معها، بالضبط مثلما لم تطلب من تركيا قطع علاقاتها مع إسرائيل كشرط لاستمرار التعاون التجاري معها. تستطيع الإمارات على أكثر تقدير التحدث عن رغبة إيران في العودة إلى الاتفاق النووي، لكن هذا يشكل عزاء صغيراً لإسرائيل التي هي في الأصل تعتبر هذا الاتفاق تهديداً لها.
من عرف قوة تأثير الإمارات في إيران هو الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي توجه لبن زايد، والشيخ تميم حاكم قطر، كي يقنعا إيران بالدفع قدماً بالمفاوضات حول الاتفاق النووي. ليس عن طريق التهديد بل عن طريق طرح سيناريو اقتصادي إيجابي يساعد إيران على الخروج من الأزمة الاقتصادية الغارقة فيها. في الوقت نفسه، يتوقع أن تصل إلى أبو ظبي هذا الأسبوع بعثة أمريكية رفيعة المستوى للتحذير من استمرار تجاوز العقوبات عن طريق بنوك تعمل في الإمارات، كما يبدو كرسالة أمريكية على نية فرض مزيد من العقوبات على إيران إذا لم تتقدم المفاوضات بالوتيرة المطلوبة.
مع ذلك، ورغم لغة التهديدات، إلا أن الخطوط الرئيسية لخطة عمل أمريكية بديلة ما زالت غامضة. لو أرادت واشنطن نقل رسالة هجومية لإيران لحررت طائرات “اف15” التي اشترتها الإمارات، التي وقعت كجزء من مقابلها على اتفاق السلام مع إسرائيل. كما أوضحت أبو ظبي للولايات المتحدة بأن صبرها عليها ينفد عندما -في بادرة حسن نية مغطاة بصورة جيدة إعلامياً- سارعت للتوقيع على صفقة شراء 80 طائرة قتالية فرنسية من نوع “رفال” بمبلغ 19 مليارات دولار. كانت هذه صفقة قيد الإعداد لمدة عقدين تقريباً وفجأة تم تحقيقها، وليس عن طريق الصدفة. هذه الصفقة أعقبها إدانات إيرانية، لكنها لم تزعج طهران في مواصلة تطوير علاقاتها مع الإمارات.
تدل هذه الصفقات أيضاً على التضاؤل العميق في قدرة إسرائيل على التأثير على واشنطن وعلى الإمارات. الأخيرة تعمل حسب أجندة مستقلة خاصة بها، تتضمن الآن استئناف العلاقات بينها وبين تركيا كجزء من الغلاف الاستراتيجي الذي تقوم ببنائه إزاء انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط. وليست إسرائيل سوى أحد مكونات هذه الأجندة، أما تصريحاتها فتهدد الآن الهدوء والاستقرار في الخليج الخارجي وتناقض الحلم الذي ترسمه دول الخليج. أوضح بن زايد خارطة المصالح هذه لبينيت، ويمكن التخمين بأنه مثلما حاول بينيت إقناع مستضيفه بالانضمام إلى تهديد عسكري ضد إيران، فإن بن زايد أراد تهدئة الرسالة الهجومية التي جاءت من إسرائيل.
------------
هآرتس - القدس العربي