أولاً – فور بدء الغزو الروسي لأوكرانيا راح الطرفان، الأميركي والإيراني، يُظهران استعجالاً لمعالجة آخر العراقيل أمام انجاز الاتفاق، وشهدت أروقة مفاوضات فيينا مناخ استعداد لحفلة التوقيع، بل ان واشنطن أزالت بسرعة قياسية عقبة روسية طارئة حين اشترطت موسكو استثناء تجارتها مع طهران من العقوبات، وحصل ذلك في حمأة الردّ على الغزو بعقوبات شاملة. لكن الحماس الإيراني هبط وأعادت “خطوطها الحمر” الى الواجهة، خصوصاً بعد تشاور في موسكو بين وزيري الخارجية حسين أمير عبداللهيان سيرغي لافروف. ثم أصبح رفع “الحرس الثوري” من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الشرط الأكثر شهرة، على رغم وجود شروط أخرى تفرضها طهران لتحقيق هدفها الأبرز: رفع “كل العقوبات” بلا أي تمييز بين ارتباطها بالملف النووي أم لا. واقعياً، وعالمياً، ليست هناك شكوك في أن “الحرس” يدعم الإرهاب ويمارسه داخل إيران وخارجها، لكن شيئاً لا يؤكّد أن العقوبات الأميركية أعاقت مشاريع “الحرس” للتسلّح وتفريخ الميليشيات والانتشار الإقليمي، فقيمة العقوبات هنا كانت ولا تزال رمزية.
ثانياً – توقفت المفاوضات في فيينا مطلع آذار (مارس) وتولّى المنسّق الأوروبي أنريكي مورا نقل رسائل بين واشنطن وطهران لعرض صيغ “الحلول الوسط”، وقبل رحلته الأخيرة في أيار (مايو) الماضي لم يوافق الجانب الإيراني على استقباله إلا بعد إلحاح أوروبي. وكل ما استطاع الحصول عليه أن طهران لا تزال في المفاوضات وتنتظر أن يحسم الجانب الأميركي أمره بالنسبة الى ما تبقّى من شروط. على عكس القلق الذي أبدته إيران من تصاعد الأزمة الروسية – الأوكرانية وانعكاسه على المفاوضات بتأخير الاتفاق، فإنها تبدو أخيراً غير متعجلة التوصّل الى اتفاق على رغم أنه ممرها الوحيد للتخلص من العقوبات. في المقابل، انشغلت واشنطن بالحرب في أوكرانيا ولم يعد تركيزها الأولي على الملف النووي الإيراني لكنها واصلت مراقبة تطوّراته عن كثب.
ثالثاً – في البحث عن تفسير لهذين الموقفين، يفيد أكثر من مصدر بأن تفعيل اتفاق التعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران أراح الأخيرة في تصدير نفطها وفي مجالات تجارية أخرى. كما أن الولايات المتحدة خففت ضغوطها في تطبيق العقوبات، بغية تحفيز مفاوضات فيينا، ما أتاح لطهران أن تحسّن مبادلاتها ومداخيلها التجارية مع بلدان عدة، وبدل أن تستغل الحدث الاوكراني لانتزاع اتفاق رأت ان تصرّ على شروطها والأهمّ على مواصلة التخصيب بعيداً عن أي مراقبة أو تفتيش. أما الجانب الأميركي فلم يكن قادراً على تلبية شروط طهران، خصوصاً ما يتعلّق بـ “الحرس”، تفادياً لاستغلال الجمهوريين أي تنازل واستثماره في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس (تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل)، وأيضاً لتجنّب انقسام في صفوف الديموقراطيين. جرّبت واشنطن المرونة مقترحة رفع اسم الحرس وإبقاء اسم “فيلق القدس”، وطرحت امكان رفع عقوبات تتعلّق بالمرشد وبعض أركان نظام الملالي، كما طلبت إجراء مفاوضات مباشرة منفصلة للبحث في كل الملفات غير النووية، لكنها جُبهت برفضٍ متوقّع. لذا باتت واشنطن مقتنعة بأمرين: الأول، أن إيران تعتقد أنها باتت قريبة من انجاز سلاح نووي، ولم يعد مسؤولون فيها يخفون أن هذا هو هدفها، وبالتالي فلا مصلحة لها الآن في اتفاق يقيّدها. والثاني، أن إيران ترغب في أن يكون الحدث الأوكراني حافزاً لبلورة “محور موسكو – بكين – طهران” وتريد أن تكون لها مساهمة متقدمة في تطويره.
رابعاً – واظبت إدارة جو بايدن على الترويج لاتفاق جديد مع إيران يقيّد برنامجها النووي باعتباره خياراً أفضل من إفلاتها خارج أي تفتيش أو رقابة، كما هو حاصل الآن. وقد بيّنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيراً أن إيران “غير متعاونة” معها وتتهرب من توفير معلومات عن ثلاثة مواقع غير مصرّح عنها وعثر فيها على آثار يورانيوم. في هذه الحال، ينبغي على الأقل حضّها على التعاون أو “توبيخها” كما طلب مشروع قرار أميركي – أوروبي موجّه الى مجلس محافظي الوكالة، ما يمهّد لخطوة تالية إذا استمرّ عدم التعاون بإعادة الملف الى مجلس الأمن، وهو ما لا تريده طهران على رغم أنها واثقة بأن روسيا والصين ستمنعان أي خطوة ضدّها، لكن الوزير عبداللهيان هدّد بـ “ردٍّ فعل متّسق وفاعل وفوري” إذا ما اتخذت الوكالة خطوة سياسية ضدّ طهران.
خامساُ – هذا الموقف الإيراني الغاضب مردّه على الأرجح الى أن مدير وكالة الطاقة رافايل غروسي زار إسرائيل عشية اجتماع مجلس المحافظين. كانت طهران اتهمت الوكالة بأنها واقعة تحت ضغط إسرائيل التي اتهمت بدورها طهران بـ “سرقة” وثائق سرية من الوكالة مكنتها من التحايل لإخفاء أنشطة منشآتها النووية… وهكذا فإن المناخ العام ليس كما وصفه نفتالي بينيت بأن إسرائيل “تفضل المسار الديبلوماسي”، بل انه أقرب الى استخدام ما تدّعي أنه “حقّها” في “اتخاذ إجراءات ضد إيران لكبح برنامجها النووي”. بموازاة ذلك عقدت الولايات المتحدة وإسرائيل أخيراً محادثات كان عنوانها المعلن “التنسيق لمنع إيران من حيازة سلاح نووي”، وبالتزامن كانت إسرائيل تجري مناورات جوية فوق المتوسط وبحرية في البحر الأحمر وفقاً لسيناريوات “تحاكي هجوماً واسع النطاق ضد إيران”.
ولكي تكتمل الصورة، بعيداً عن الديبلوماسية، كانت قوات أميركية صادرت ناقلة نفط إيرانية بالقرب من اليونان وردّ “الحرس” بمصادرة ناقلتين يونانيتين. وقبل ذلك اغتيل في طهران حسن صياد خدائي الضابط في “فيلق القدس” وهوجم مجمع بارشين لتصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة.
النهار العربي
ثانياً – توقفت المفاوضات في فيينا مطلع آذار (مارس) وتولّى المنسّق الأوروبي أنريكي مورا نقل رسائل بين واشنطن وطهران لعرض صيغ “الحلول الوسط”، وقبل رحلته الأخيرة في أيار (مايو) الماضي لم يوافق الجانب الإيراني على استقباله إلا بعد إلحاح أوروبي. وكل ما استطاع الحصول عليه أن طهران لا تزال في المفاوضات وتنتظر أن يحسم الجانب الأميركي أمره بالنسبة الى ما تبقّى من شروط. على عكس القلق الذي أبدته إيران من تصاعد الأزمة الروسية – الأوكرانية وانعكاسه على المفاوضات بتأخير الاتفاق، فإنها تبدو أخيراً غير متعجلة التوصّل الى اتفاق على رغم أنه ممرها الوحيد للتخلص من العقوبات. في المقابل، انشغلت واشنطن بالحرب في أوكرانيا ولم يعد تركيزها الأولي على الملف النووي الإيراني لكنها واصلت مراقبة تطوّراته عن كثب.
ثالثاً – في البحث عن تفسير لهذين الموقفين، يفيد أكثر من مصدر بأن تفعيل اتفاق التعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران أراح الأخيرة في تصدير نفطها وفي مجالات تجارية أخرى. كما أن الولايات المتحدة خففت ضغوطها في تطبيق العقوبات، بغية تحفيز مفاوضات فيينا، ما أتاح لطهران أن تحسّن مبادلاتها ومداخيلها التجارية مع بلدان عدة، وبدل أن تستغل الحدث الاوكراني لانتزاع اتفاق رأت ان تصرّ على شروطها والأهمّ على مواصلة التخصيب بعيداً عن أي مراقبة أو تفتيش. أما الجانب الأميركي فلم يكن قادراً على تلبية شروط طهران، خصوصاً ما يتعلّق بـ “الحرس”، تفادياً لاستغلال الجمهوريين أي تنازل واستثماره في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس (تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل)، وأيضاً لتجنّب انقسام في صفوف الديموقراطيين. جرّبت واشنطن المرونة مقترحة رفع اسم الحرس وإبقاء اسم “فيلق القدس”، وطرحت امكان رفع عقوبات تتعلّق بالمرشد وبعض أركان نظام الملالي، كما طلبت إجراء مفاوضات مباشرة منفصلة للبحث في كل الملفات غير النووية، لكنها جُبهت برفضٍ متوقّع. لذا باتت واشنطن مقتنعة بأمرين: الأول، أن إيران تعتقد أنها باتت قريبة من انجاز سلاح نووي، ولم يعد مسؤولون فيها يخفون أن هذا هو هدفها، وبالتالي فلا مصلحة لها الآن في اتفاق يقيّدها. والثاني، أن إيران ترغب في أن يكون الحدث الأوكراني حافزاً لبلورة “محور موسكو – بكين – طهران” وتريد أن تكون لها مساهمة متقدمة في تطويره.
رابعاً – واظبت إدارة جو بايدن على الترويج لاتفاق جديد مع إيران يقيّد برنامجها النووي باعتباره خياراً أفضل من إفلاتها خارج أي تفتيش أو رقابة، كما هو حاصل الآن. وقد بيّنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيراً أن إيران “غير متعاونة” معها وتتهرب من توفير معلومات عن ثلاثة مواقع غير مصرّح عنها وعثر فيها على آثار يورانيوم. في هذه الحال، ينبغي على الأقل حضّها على التعاون أو “توبيخها” كما طلب مشروع قرار أميركي – أوروبي موجّه الى مجلس محافظي الوكالة، ما يمهّد لخطوة تالية إذا استمرّ عدم التعاون بإعادة الملف الى مجلس الأمن، وهو ما لا تريده طهران على رغم أنها واثقة بأن روسيا والصين ستمنعان أي خطوة ضدّها، لكن الوزير عبداللهيان هدّد بـ “ردٍّ فعل متّسق وفاعل وفوري” إذا ما اتخذت الوكالة خطوة سياسية ضدّ طهران.
خامساُ – هذا الموقف الإيراني الغاضب مردّه على الأرجح الى أن مدير وكالة الطاقة رافايل غروسي زار إسرائيل عشية اجتماع مجلس المحافظين. كانت طهران اتهمت الوكالة بأنها واقعة تحت ضغط إسرائيل التي اتهمت بدورها طهران بـ “سرقة” وثائق سرية من الوكالة مكنتها من التحايل لإخفاء أنشطة منشآتها النووية… وهكذا فإن المناخ العام ليس كما وصفه نفتالي بينيت بأن إسرائيل “تفضل المسار الديبلوماسي”، بل انه أقرب الى استخدام ما تدّعي أنه “حقّها” في “اتخاذ إجراءات ضد إيران لكبح برنامجها النووي”. بموازاة ذلك عقدت الولايات المتحدة وإسرائيل أخيراً محادثات كان عنوانها المعلن “التنسيق لمنع إيران من حيازة سلاح نووي”، وبالتزامن كانت إسرائيل تجري مناورات جوية فوق المتوسط وبحرية في البحر الأحمر وفقاً لسيناريوات “تحاكي هجوماً واسع النطاق ضد إيران”.
ولكي تكتمل الصورة، بعيداً عن الديبلوماسية، كانت قوات أميركية صادرت ناقلة نفط إيرانية بالقرب من اليونان وردّ “الحرس” بمصادرة ناقلتين يونانيتين. وقبل ذلك اغتيل في طهران حسن صياد خدائي الضابط في “فيلق القدس” وهوجم مجمع بارشين لتصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة.
النهار العربي