وأن إيران، التي غدت تعاني معاناة حقيقية من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وفرضها الغرب عموما عليها، أرادت «استراحة محارب» وأرادت فرصة وإن قصيرة ومحدودة لاستكمال برنامجها النووي ووضع العالم كله أمام الأمر الواقع. لقد ثبت، وهذه معلومات وليست مجرد استنتاجات وتحليلات سياسية افتراضية، أن روحاني، بالنسبة لما قام به خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير، قد تجاوز الخطوط الحمراء التي كان رسمها الولي الفقيه علي خامنئي مسبقا، وأنه ذهب بعيدا في التودد للأميركيين وفي تملقهم مما أثار عليه سخط المتشددين وأولهم قادة حراس الثورة وبعض المنافسين الذين بقوا يلعبون أدوارا رئيسة في انكماش إيران على نفسها وإدارة ظهرها للعالم بأسره واقتصار علاقاتها على نظام بشار الأسد، الذي غدا يشكل عبئا ثقيلا عليها والذي ساهم بتفاقم أعبائها الاقتصادية، وعلى بعض دول أميركا اللاتينية والدول الأفريقية وعلى هذا النظام الحاكم في كوريا الشمالية الذي دأب على اتباع سياسات مغامرة وعلى تهديد بعض الدول المجاورة بأسلحة الدمار الشامل وبالصواريخ والأسلحة النووية.
ربما أن روحاني كان صادقا في توجهاته «الانفتاحية» وأنه كان جادا في تخليص بلاده من شعار «الموت لأميركا»، لكن كل هذا لا قيمة له إطلاقا؛ فالنيات الحسنة في دولة كإيران لا يمكن أن تصنع لا سياسات خارجية ولا سياسات داخلية، وذلك في ظل الإرث الثقيل الذي تركه الإمام الخميني وفي ظل موازين القوى التي يشكل فيها حراس الثورة الرقم الرئيس الفاعل في المعادلة، وهذا هو ما أفشل كل المحاولات التي قام بها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي لإخراج هذه الدولة، ذات الأدوار التاريخية المعروفة إنْ في الإقليم الشرق أوسطي وإنْ في العالم كله، من شرنقة الانكفاء على الذات وإدارة ظهرها لكل من يعارض ولو بعض سياساتها وتوجهاتها وربط نفسها بالكثير من الدول الفاشلة مثل كوريا الشمالية ومثل سوريا في عهد بشار الأسد ونظامه.
والمهم أن ذلك المثل القائل: «من أول غزواته كسر عصاته» ينطبق على روحاني الذي عندما عاد من رحلته الأخيرة إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وجد أمامه كل الحقائق الإيرانية التي أفشلت كل محاولات من سبقوه لإخراج إيران من حالة الانكفاء على الذات التي بقيت تعيشها منذ انتصار الثورة في فبراير (شباط) عام 1979، وهكذا فإنه يمكن القول إن هذه الصفحة التي فتحها الرئيس الإيراني في أول رحلة له إلى الخارج أصبحت مطوية، وهذا يثبت أنه من المبكر جدا الحديث عن خروج هذا البلد من قبضة حراس الثورة ومن قبضة المتشددين، ويثبت أن الولي الفقيه علي خامنئي ربما أصبحت لديه رغبة حقيقية في الانفتاح على العالم وفي التخلص من شعار «الموت لأميركا»، لكنه يفتقر إلى الإرادة والقوة الفعلية لتحقيق هذه الرغبة التي هي بالتأكيد تراود غالبية الإيرانيين، ليس بعد اشتداد ضغط العقوبات الاقتصادية عليهم وعلى بلدهم فقط وإنما منذ انتهاء الحرب مع العراق عام 1988.
ولعل ما يعزز حقيقة أن مواجهة المتشددين للرئيس روحاني قد أفشلت محاولته «الانفتاحية» بينما هي لا تزال مجرد كلام في كلام ومجرد استعراضات كلامية مرفقة بابتسامات مصطنعة متبادلة، التصريح الأخير الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي جون كيري واشترط فيه على إيران كي تشارك كطرف رئيس في المؤتمر الدولي «جنيف 2»، الذي تجري محاولات أميركية وروسية لعقده في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أن تعترف بكل ما جاء في «جنيف 1»، وبخاصة ما يتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية «انتقالية» تكون لديها صلاحيات كاملة إنْ بالنسبة للجيش والأجهزة الأمنية وإنْ بالنسبة للبنك المركزي وكل شيء.
وهنا، وهذه معلومات مؤكدة أيضا، فإن استعجال الأميركيين والروس لانعقاد «جنيف 2» يرتبط بتوجهات كاملة مشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لحسم الأوضاع المتفاقمة في سوريا في أبريل (نيسان) المقبل، وذلك إن ليس بالإمكان تحقيق مثل هذا الحسم في مارس (آذار)، وهذا يرتبط باستحقاقات كثيرة من المفترض إنجازها قبل انتهاء ولاية الرئيس السوري بشار الأسد التي تنتهي في يوليو (تموز) المقبل، من بينها الانتهاء من تدمير الأسلحة الكيماوية، ومن بينها أيضا القضاء على التنظيمات والفصائل المعارضة التي توصف بأنها إرهابية، وهي إرهابية بالفعل، وأهمها وأخطرها تنظيم «النصرة» وتنظيم «دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية».
وفي هذا المجال فإنه يجري الحديث أيضا، بالإضافة إلى «الحكومة الانتقالية» ذات الصلاحيات الكاملة المطروحة منذ انعقاد «جنيف 1»، عن تصور آخر وهو أن يُتفق وبسرعة وقبل مارس وأبريل المقبلين على تشكيل مجلس عسكري من ضباط معروفين باعتدالهم وبعدم طائفيتهم من المعارضة ومن الجيش النظامي يقوم، أي هذا المجلس العسكري، الذي يتمتع بكل الصلاحيات المقترحة للحكومة الانتقالية الآنفة الذكر، بملء الفراغ والإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية بعد فترة يُتفق عليها بمشاركة الجميع وعدم استثناء إلا من تلطخت أيديهم بدماء أبناء الشعب السوري ومن شاركوا في جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية في الحادي والعشرين من أغسطس (آب) الماضي.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أن هناك اتفاقاً أميركياً - روسياً، يبدو أنه شبه مؤكد، على خروج الرئيس بشار الأسد من «لعبة» الحكم وبصورة نهائية في أبريل المقبل على أبعد تقدير، أي قبل نحو ثلاثة أشهر من نهاية ولايته، وتسليم كل صلاحياته إما لحكومة الوحدة الوطنية (الانتقالية) أو للمجلس العسكري الآنف الذكر، ويبقى هنا أن المعضلة الكأداء فعلا هي: أولا إيجاد ملجأ له ولعائلته ولمن سيرتبط مصيره بمصيره، ويقال في هذا الصدد إن الجزائر قد تكون هي هذا الملجأ. وثانيا إعطاء ضمانات وبـ«كفالة فعلية» لجهة عدم تسليمه هو ومن سيكون معه إلى محكمة الجنايات الدولية.
وبالطبع فإن المعلومات المتداولة على نطاق ضيق جدا تشير إلى أن الأميركيين والروس قد أطلعوا، بالإضافة إلى دول أوروبية محددة، بعض الدول العربية على هذه التصورات، وأن استجابة هذه الدول قد اقترنت بشرط ينص على أن تكون هناك ضمانات دولية بتنحي الرئيس بشار الأسد وخروجه نهائيا من الحياة السياسية السورية، وأنها اقترنت أيضا بشرط آخر وهو استبعاد فكرة «المجلس العسكري» المقترح والتركيز على خيار «الحكومة الانتقالية» ذات الصلاحيات الكاملة التي تشمل ومنذ اليوم الأول الأجهزة الأمنية كلها والقوات المسلحة والبنك المركزي، والتي تتركز مهمتها الرئيسة على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الفترة التي سيجري الاتفاق عليها والتي يجب أن تكون في أقرب وقت ممكن.
لكن ومع أن هذا هو المتداول بين الأميركيين والروس وبعض الأوساط الدولية المعنية عشية الموعد المفترض لانعقاد «جنيف 2»، وهو منتصف نوفمبر المقبل، فإن عقدة العقد التي يحتاج حلها إلى جهود مضنية فعلية وحقيقية هي موافقة بشار الأسد وأركان نظامه على هذه الحلول المقترحة، فهؤلاء ما زالوا يعتقدون أنهم سيكسبون هذه الجولة في النهاية كما كان الرئيس السابق حافظ الأسد قد كسب جولة مذابح حماه عام 1982.
ولهذا ورغم أن هناك قناعة أميركية وروسية بإمكانية عقد المؤتمر الدولي المقترح «جنيف 2» في الموعد المقترح، أي في منتصف نوفمبر المقبل، وأن هناك إمكانية حقيقية وفعلية بتمرير أحد الاقتراحين؛ اقتراح الحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة، واقتراح المجلس العسكري بالصلاحيات نفسها، فإن العقبة تبقى أن هذا النظام (الانتحاري) لا يمكن أن يستسلم بسهولة، وأنه سيبقى يتمسك بخيار العنف ومواصلة التدمير والقتل ما دام أنه يعتقد أن هذا الخيار سيعني مصيرا كمصير سلوبودان ميلوسوفيتش
--------------------
الشرق الاوسط
ربما أن روحاني كان صادقا في توجهاته «الانفتاحية» وأنه كان جادا في تخليص بلاده من شعار «الموت لأميركا»، لكن كل هذا لا قيمة له إطلاقا؛ فالنيات الحسنة في دولة كإيران لا يمكن أن تصنع لا سياسات خارجية ولا سياسات داخلية، وذلك في ظل الإرث الثقيل الذي تركه الإمام الخميني وفي ظل موازين القوى التي يشكل فيها حراس الثورة الرقم الرئيس الفاعل في المعادلة، وهذا هو ما أفشل كل المحاولات التي قام بها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي لإخراج هذه الدولة، ذات الأدوار التاريخية المعروفة إنْ في الإقليم الشرق أوسطي وإنْ في العالم كله، من شرنقة الانكفاء على الذات وإدارة ظهرها لكل من يعارض ولو بعض سياساتها وتوجهاتها وربط نفسها بالكثير من الدول الفاشلة مثل كوريا الشمالية ومثل سوريا في عهد بشار الأسد ونظامه.
والمهم أن ذلك المثل القائل: «من أول غزواته كسر عصاته» ينطبق على روحاني الذي عندما عاد من رحلته الأخيرة إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وجد أمامه كل الحقائق الإيرانية التي أفشلت كل محاولات من سبقوه لإخراج إيران من حالة الانكفاء على الذات التي بقيت تعيشها منذ انتصار الثورة في فبراير (شباط) عام 1979، وهكذا فإنه يمكن القول إن هذه الصفحة التي فتحها الرئيس الإيراني في أول رحلة له إلى الخارج أصبحت مطوية، وهذا يثبت أنه من المبكر جدا الحديث عن خروج هذا البلد من قبضة حراس الثورة ومن قبضة المتشددين، ويثبت أن الولي الفقيه علي خامنئي ربما أصبحت لديه رغبة حقيقية في الانفتاح على العالم وفي التخلص من شعار «الموت لأميركا»، لكنه يفتقر إلى الإرادة والقوة الفعلية لتحقيق هذه الرغبة التي هي بالتأكيد تراود غالبية الإيرانيين، ليس بعد اشتداد ضغط العقوبات الاقتصادية عليهم وعلى بلدهم فقط وإنما منذ انتهاء الحرب مع العراق عام 1988.
ولعل ما يعزز حقيقة أن مواجهة المتشددين للرئيس روحاني قد أفشلت محاولته «الانفتاحية» بينما هي لا تزال مجرد كلام في كلام ومجرد استعراضات كلامية مرفقة بابتسامات مصطنعة متبادلة، التصريح الأخير الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي جون كيري واشترط فيه على إيران كي تشارك كطرف رئيس في المؤتمر الدولي «جنيف 2»، الذي تجري محاولات أميركية وروسية لعقده في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أن تعترف بكل ما جاء في «جنيف 1»، وبخاصة ما يتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية «انتقالية» تكون لديها صلاحيات كاملة إنْ بالنسبة للجيش والأجهزة الأمنية وإنْ بالنسبة للبنك المركزي وكل شيء.
وهنا، وهذه معلومات مؤكدة أيضا، فإن استعجال الأميركيين والروس لانعقاد «جنيف 2» يرتبط بتوجهات كاملة مشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لحسم الأوضاع المتفاقمة في سوريا في أبريل (نيسان) المقبل، وذلك إن ليس بالإمكان تحقيق مثل هذا الحسم في مارس (آذار)، وهذا يرتبط باستحقاقات كثيرة من المفترض إنجازها قبل انتهاء ولاية الرئيس السوري بشار الأسد التي تنتهي في يوليو (تموز) المقبل، من بينها الانتهاء من تدمير الأسلحة الكيماوية، ومن بينها أيضا القضاء على التنظيمات والفصائل المعارضة التي توصف بأنها إرهابية، وهي إرهابية بالفعل، وأهمها وأخطرها تنظيم «النصرة» وتنظيم «دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية».
وفي هذا المجال فإنه يجري الحديث أيضا، بالإضافة إلى «الحكومة الانتقالية» ذات الصلاحيات الكاملة المطروحة منذ انعقاد «جنيف 1»، عن تصور آخر وهو أن يُتفق وبسرعة وقبل مارس وأبريل المقبلين على تشكيل مجلس عسكري من ضباط معروفين باعتدالهم وبعدم طائفيتهم من المعارضة ومن الجيش النظامي يقوم، أي هذا المجلس العسكري، الذي يتمتع بكل الصلاحيات المقترحة للحكومة الانتقالية الآنفة الذكر، بملء الفراغ والإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية بعد فترة يُتفق عليها بمشاركة الجميع وعدم استثناء إلا من تلطخت أيديهم بدماء أبناء الشعب السوري ومن شاركوا في جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية في الحادي والعشرين من أغسطس (آب) الماضي.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أن هناك اتفاقاً أميركياً - روسياً، يبدو أنه شبه مؤكد، على خروج الرئيس بشار الأسد من «لعبة» الحكم وبصورة نهائية في أبريل المقبل على أبعد تقدير، أي قبل نحو ثلاثة أشهر من نهاية ولايته، وتسليم كل صلاحياته إما لحكومة الوحدة الوطنية (الانتقالية) أو للمجلس العسكري الآنف الذكر، ويبقى هنا أن المعضلة الكأداء فعلا هي: أولا إيجاد ملجأ له ولعائلته ولمن سيرتبط مصيره بمصيره، ويقال في هذا الصدد إن الجزائر قد تكون هي هذا الملجأ. وثانيا إعطاء ضمانات وبـ«كفالة فعلية» لجهة عدم تسليمه هو ومن سيكون معه إلى محكمة الجنايات الدولية.
وبالطبع فإن المعلومات المتداولة على نطاق ضيق جدا تشير إلى أن الأميركيين والروس قد أطلعوا، بالإضافة إلى دول أوروبية محددة، بعض الدول العربية على هذه التصورات، وأن استجابة هذه الدول قد اقترنت بشرط ينص على أن تكون هناك ضمانات دولية بتنحي الرئيس بشار الأسد وخروجه نهائيا من الحياة السياسية السورية، وأنها اقترنت أيضا بشرط آخر وهو استبعاد فكرة «المجلس العسكري» المقترح والتركيز على خيار «الحكومة الانتقالية» ذات الصلاحيات الكاملة التي تشمل ومنذ اليوم الأول الأجهزة الأمنية كلها والقوات المسلحة والبنك المركزي، والتي تتركز مهمتها الرئيسة على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الفترة التي سيجري الاتفاق عليها والتي يجب أن تكون في أقرب وقت ممكن.
لكن ومع أن هذا هو المتداول بين الأميركيين والروس وبعض الأوساط الدولية المعنية عشية الموعد المفترض لانعقاد «جنيف 2»، وهو منتصف نوفمبر المقبل، فإن عقدة العقد التي يحتاج حلها إلى جهود مضنية فعلية وحقيقية هي موافقة بشار الأسد وأركان نظامه على هذه الحلول المقترحة، فهؤلاء ما زالوا يعتقدون أنهم سيكسبون هذه الجولة في النهاية كما كان الرئيس السابق حافظ الأسد قد كسب جولة مذابح حماه عام 1982.
ولهذا ورغم أن هناك قناعة أميركية وروسية بإمكانية عقد المؤتمر الدولي المقترح «جنيف 2» في الموعد المقترح، أي في منتصف نوفمبر المقبل، وأن هناك إمكانية حقيقية وفعلية بتمرير أحد الاقتراحين؛ اقتراح الحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة، واقتراح المجلس العسكري بالصلاحيات نفسها، فإن العقبة تبقى أن هذا النظام (الانتحاري) لا يمكن أن يستسلم بسهولة، وأنه سيبقى يتمسك بخيار العنف ومواصلة التدمير والقتل ما دام أنه يعتقد أن هذا الخيار سيعني مصيرا كمصير سلوبودان ميلوسوفيتش
--------------------
الشرق الاوسط