نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


نقاب كامل وتدين ناقص!!




الأسبوع الماضى، كتبت مقالا عن ظاهرة النقاب التى تنتشر فى مصر الآن.. بعد أن تحررت منه المرأة المصرية منذ 90 عاما. ذكرت أن الإسلام لم يأمر المرأة بتغطية وجهها إطلاقا.. واستندت فى ذلك إلى رأى مجموعة من علماء الأزهر الذين وضعوا كتابا بعنوان «النقاب عادة وليس عبادة» قامت بتوزيعه وزارة الأوقاف المصرية. وقد أكد نفس الرأى فقهاء مصريون كثيرون من أهمهم الإمام محمد عبده (1849ــ1905).. والشيخ محمد الغزالى (1917ــ1996) العالم العظيم الشجاع الذى خاض معركة عنيفة ضد الفقه البدوى، كما سماه، الذى يريد عزل المرأة خلف النقاب.. حاولت شرح التأثير السلبى للنقاب على المرأة والمجتمع. وضربت المثلا بالمجتمع السعودى حيث يفرض النقاب هناك على النساء جميعا بالقوة.


وقد دللت بالإحصاءات الرسمية السعودية أن المجتمع السعودى، من حيث الانحرافات والاعتداءات الجنسية، ليس أفضل من المجتمعات الأخرى بل ربما يكون أسوأ.. وبالتالى فان حبس المرأة خلف النقاب لم يمنع الرذيلة.
وبعد نشر المقال فتحت موقع الشروق الإلكترونى.. فوجدت مفاجأة.. فقد تدفقت على الموقع عشرات الرسائل من أنصار النقاب، لكنها بكل أسف لم تحمل حجة واحدة يمكن مناقشتها، إنما اجتهدت كلها فى توجيه أكبر قدر من الإهانات والشتائم لشخصى.. دون الالتفات إطلاقا إلى رأيى أو آراء الفقهاء الذين استشهدت بهم.. وأمام ضراوة الهجوم وبذاءته انبرى للدفاع عنى مجموعة كبيرة من القراء، وأنا هنا أشكرهم من قلبى وأفخر بثقتهم وتقديرهم. والحق أن هذه الشتائم لم تزعجنى لأننى قد تعلمت فى الجراحة أن عملية فتح الخراج بالمشرط، على ضرورتها لشفاء المريض، لابد أن يصحبها خروج الصديد برائحته الكريهة.. على أننا هنا أمام ظاهرة تستحق التأمل فعلا.. فهؤلاء الذين تنافسوا على إهانتى، يفترض أنهم متدينون، بل إنهم يعتبرون أنفسهم أكثر التزاما بالدين من سواهم. الأمر الذى يقدم فرصة جيدة لدراسة أنماط التفكير التى يتبعونها. وقد لاحظت ما يلى:

أولا: أنهم يعتقدون، باطمئنان كامل، أن الإسلام طبعة واحدة وقول واحد ورؤية واحدة للعالم.. كل ما يخالف رأيهم ليس من الإسلام فى شىء. وكل من يخالف رأيهم إما جاهل أو منحل أو متآمر على الإسلام لحساب جهات أجنبية.. وبالتالى فهم يعتبرون أن واجبهم، ليس مناقشة المختلفين معهم وإنما ردعهم وإهانتهم والتنكيل بهم إن أمكن.. لأنهم أعداء أو متآمرون وليسوا أصحاب وجهات نظر مختلفة.. وللحق أنه ليس هناك ما هو أبعد عن الإسلام الحقيقى من هذه الرؤية الأحادية المتطرفة.. فالإسلام هو الدين الوحيد الذى يشترط لاعتناقه الإيمان بالأديان الأخرى.. وقد أذهل المسلمون العالم، على مدى سبعة قرون، بقدرتهم على استيعاب الثقافات الأخرى وإعادة إنتاجها فى الحضارة الإسلامية العظيمة..
ثانيا: أنهم يتوقعون منك أن توافق على حبسهم للمرأة خلف النقاب، أو على الأقل تمتنع عن الاعتراض، أما إذا اعترضت فسوف يتهمونك فورا بالترويج للعرى والإباحية.. إنهم يعتبرون النقاب المقابل الوحيد للانحلال.. ولنا أن نتخيل كيف ينظر هؤلاء إلى السيدة غير المحجبة وكيف يتعاملون معها.. بل وكيف ينظرون إلى الأقباط.وأى صورة يقدمونها للإسلام أمام الأجانب إذا كانوا يعيشون فى دولة غربية.
ثالثا: إنهم يمارسون نوعا من التدين لا يعتمد على تجربة روحية ذاتية بقدر ما يعتمد على المقارنة والتميز.. فالطريق إلى الفضيلة الدينية عندهم لا يمر بتدريب النفس على الإحسان وكبت الشهوات وإنما يتحقق أكثر بإبراز تفوقهم الدينى على الآخرين، وهم يكتسبون من اختلافهم قوة نفسية تؤدى بهم إلى الاستعلاء والغطرسة.. فهم وحدهم المتدينون الحقيقيون العارفون بأحكام الدين وحكمته، وأمام الآخرين اختياران: إما أن يتبعوا أفكارهم دون مناقشة أو يبوءوا بلعناتهم وشتائمهم. وهم يعيشون فى عالم متوهم يريحهم من التفكير فى مشكلاتهم الحقيقية.. العالم عندهم يتكون من معسكر المسلمين الذين يجب أن يشاركوهم آراءهم بحذافيرها.. ومعسكر أعداء الإسلام من العلمانيين والكفار والمنحلين. ولا ثالث بينهما. وهذه الرؤية الثنائية، على سذاجتها وتطرفها، تدفعهم بسهولة إلى الكراهية والعداء ب لا من المحبة والتسامح وتقبل الاختلاف.. وهى القيم التى يدعو إليها صحيح الدين.
رابعا: لاحظت أن معظم رسائلهم تحفل بأخطاء شنيعة فى النحو واللغة.. واستنتجت من ذلك أن ثقافتهم الدينية سمعية وليست مقروءة، يستمدونها غالبا من القنوات الفضائية، المدعومة بأموال النفط، التى تعمل على نشر الأفكار السلفية الوهابية. بالأمس، فتحت إحدى هذه القنوات، فوجدت الداعية الشهير يحكى الواقعة التالية:
«إن رسول الله عليه الصلاة والسلام دعى إلى بيت أحد الناس فأكل كل ما قدم إليه من طعام ماعدا البصل ولما سأله صاحب الدعوة عن سبب ذلك.. أجاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنه لا يأكل البصل النيئ حتى لا تنفر الملائكة من رائحة فمه أثناء نقل الوحى..».

هذا هو مستوى المادة الدينية التى تبثها تلك القنوات فى عقول البسطاء.. ولا أظنه يحتاج إلى تعليق..
خامسا: لاحظت أن الدين عندهم عملية إجرائية، لها خطوات محددة، لا تتعدى أبدا الشكل والعبادات. وبالتالى فإن هؤلاء المتدينين لا يجدوأى تناقض بين إهانة الناس ونقائهم الدينى. هذا التدي الناقص، الذى يفصل العقيدة عن السلوك، ينتشر فى بلادنا كالوباء.. فكم شخصا نلقاه اليوم فنجده حريصا للغاية على شعائر الدين ولكن ما أن نتعامل معه فى الأمور المادية حتى نكتشف أن سلوكه يناقض مظهره.. لقد أصبحنا فى مصر، للأسف، أكثر حرصا على مظاهر الدين وأقل تدينا.. وكنا قبل انتشار الأفكار الوهابية، أقل اهتماما بمظاهر الدين وأكثر تدينا بالمعنى الحقيقى، أكثر عدلا وأمانة وتسامحا..
أخيرا، فان أخطر ما فى هذا التدين الناقص فصله التام للخاص عن العام.. فالذين تنادوا واجتمعوا ليمطروا موقع الشروق بالشتائم، متخيلين بذلك أنهم يدافعون عن الإسلام.. يعيشون فى مصر حيث يعانى ملايين الناس من الفقر والبطالة والجهل والمرض، حيث يموت الناس فى طوابير الخبز أو تصارعا علي مياه شرب نظيفة.. لكن التدين الناقص يجعلهم عاجزين عن التحليل الموضوعى لأى ظاهرة.. فالفقر فى اعتقادهم، إما عقاب أو اختبار من الله. لا يستطيعون أبدا أن يروه كنتيجة طبيعية للفساد أو الاستبداد..

يبقى أن هذا التدين الناقص منزوع السياسة تماما. فقد تعلم هؤلاء من شيوخ الوهابية أن طاعة الحاكم المسلم واجبة حتى لو كان ظالما وفاسد .. مما يجعلهم فعلا قابلين للاستبداد. وهم يخرجون فى مظاهرات غاضبة احتجاجا على قرار الحكومة الفرنسية بمنع الحجاب فى مدراسها بينما، فى بلادهم ذاتها، تزور الانتخابات بانتظام ويقضى عشرات الآلاف من المعتقلين (معظمهم إسلاميون) زهرة شبابهم فى السجون دون محاكمة.. ويهان الإنسان المصرى ويعذب بوحشية وقد ينتهك عرض زوجته أمام عينيه فى مقار الشرطة وأمن الدولة.. على أن كل ذلك لا يثير غضبتهم لدينية أبدا.. لأن الدين الذى تعلموه لا يشمل الدفاع عن القيم الإنسانية العامة.. الحرية والمساواة العدالة وإنما يقتصر فقط على الشكل والعبادات.. كما أن مقاومة الظلم والاستبداد فى مصر.. مسألة مكلفة يفقد فيها الإنسان حريته وكرامته وربما حياته.. أما الاختباء خلف اسم مستعار وسب الناس عبر الإنترنت فهو نضال سهل لا يكلف شيئا.
لقد أكدت لى هذه التجربة، مرة أخرى، أن هناك معركتين فى مصر: معركة من أجل الإصلاح الديمقراطى ومنع توريث بلادنا من الرئيس مبارك إلى ولده وكأننا مزرعة دواجن.. ومن أجل انتزاع حق المصريين فى الحرية والعدالة.. ومعركة أخرى موازية لا تقل أهمية.، تدافع فيها مصر عن قراءتها المنفتحة المتحضرة للإسلام.. أمام غزو الأفكار الوهابية الرجعية المتخلفة الكفيلة بإلغاء تراثنا الحضارى وتحويل بلادنا العظ مة إلى واحدة من إمارات طالبان..


علاء الأسوانى
الاربعاء 2 سبتمبر 2009