كما لم يذكر كتّاب سير الرؤساء والمؤرخين عن ديغول تلطفاً مخصوصاً مع النساء غير ما جاء في كتاب ”العيش مع ديغول“ لميشيل تورياك من أنه سمع الجنرال يقول لأندريه مالرو، وزير ثقافته، أثناء حفل استقبال خُصص للأدباء والفنانين، وهو يشاهد بريجيت باردو تدخل مع زوجها السابق، ”إنها جميلة مثل عسكري“، ثم رافقها إلى بوفيه الأطعمة تحت أنظار الحاضرين وإعجابهم، أو تلطفه الزائد مع جاكلين كيندي التي رافقت زوجها إلى فرنسا في زيارة رسمية.
لم يكن الأمر مع مَن خلفه من الرؤساء بمثل هذا الانضباط الأخلاقي الكاثوليكي الصارم، فلقد كانت لجاك شيراك مغامرات نسائية عديدة كادت تتسبب إحداها في فشله للوصول إلى سدة الحكم، لولا أن مستشارته ماري فرانس غارو، التي كان لا يرد لها طلباً، ضغطت عليه كي يضع حداً لتلك المغامرة التي كانت تهدد مستقبله السياسي.
ورغم أن برناديت شيراك فرضت حضورها في القصر كما فرضته في الحياة العامة، من خلال أنشطتها الخيرية وجمع التبرعات، إلا أنها اضطرت صاغرة إلى القبول بالأمر الواقع وترديد جملتها الشهيرة ”إنه زوج يعود إلى المنزل كل صباح، حتى وإن شرد خلال الليل“.
وتحتل قصة ”زوجة الظل“ آن بانجو ليس فقط جزءاً كبيراً مما راج عن قصص الحب التي عاشها رؤساء فرنسا، بل جزءاً كبيراً من حياة الاشتراكي فرانسوا ميتران، وإن لم تُكشف إلا في أواخر أيام حياته، فقد عاش هذا الأخير حياة مزدوجة بأسرتين وبيتين وأبوة متقاسمة، ولئن لم ينفصل ميتران عن زوجته دانييل، إلا أنه كان يعامل آن بانجو باعتبارها زوجة؛ زوجة في الظل، كتب لها أكثر من ثلاثة آلاف رسالة، نشرت منها ألفاً ومئتين بعد عشرين سنة من وفاته.
لقد ظل فرانسوا ميتران وفياً لخليلته إلى آخر يوم من حياته كما وعدها في بداية تعارفهما: ”التقيتك وقد أحسست على الفور بأنني سأقطع معك رحلة طويلة، أينما أذهب أعرف على الأقل أنك تكونين معي على الدوام، أبارك هذا الوجه، أبارك ضوئي.. منذ أحببتك، لن تكون لي أية ليلة ظلماء، وعزلة الموت ستكون أقل عزلة“.
أما ساركوزي فسيذكر عنه في الحوليات الفرنسية أنه أول رؤساء الجمهورية الخامسة الذي يطلق ويتزوج أثناء عهدته الرئاسية، وكلنا يذكر مسرحية الأسرة المتماسكة التي حرص على تسويقها للفرنسيين يوم تنصيبه، في حين كانت زوجته سيسيليا تغص بدموعها، وإن تزوجت بعد أشهر من رجل الأعمال الشهير ريشار اتياس.
أكثر الرؤساء نزقاً كان ولا شك فرانسوا هولاند الذي ترك الزعيمة السياسية سيغولان رويال، والدة أطفاله الأربعة ورفيقته في الحزب الاشتراكي، ليرتبط بالصحفية فاليري تريفلير دون رابط زواج رسمي، وقد أقامت معه فترة في الإليزيه ورافقته في رحلات رسمية، إلا أنه انفصل عنها ليرتبط بالممثلة جولي غاييه، ليكون هذا الانفصال حالة الانفصال الثانية لرئيس فرنسي أثناء عهدته الرئاسية.
لم ينج الرئيس ماكرون من تعليقات وسائل الإعلام أثناء ترشحه لأول مرة للرئاسة؛ بسبب زواجه من مدرّسته السابقة بريجيت التي تكبره بعشرين عاماً، ولكن الزوجين نجحا في حماية هذه العلاقة، بفضل الانسجام القوي – الظاهر على الأقل – بينهما.
خلال الحملات الانتخابية الحالية للفوز بالرئاسة، غابت صورة زوجة الظل وصورة الطليقة والخليلة وحتى خاطفة الأزواج عن أخبار الإعلام الفرنسي والعالمي، لتحضر صورة أخرى لنساء يتصدرن المشهد السياسي كمرشحات عن أحزاب عريقة، وإن بدأ بعضها في الانهيار، مثل الحزب الاشتراكي، والحزب الجمهوري ذي النزعة الديغولية، نساء ناضلن وحظين بثقة أحزابهن ليمثلهن في انتخابات يشهد الجميع أنها صعبة ومحددة أيضاً للمستقبل السياسي للأحزاب التقليدية التي تنافست على الحكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولكن ما هو حظ المترشحة فاليري بيكريس، ممثلة الحزب الجمهوري، وآن هيدا لغو مرشحة الحزب الاشتراكي، وناتالي أرتو مرشحة حزب النضال العمالي الراديكالي، وأخيراً مارين لوبان مرشحة التجمع الوطني، من النجاح ودخول قصر الإليزيه كرئيسات لا زوجات أو خليلات؟ وهل ما زالت دوائر السياسة العليا في فرنسا، رغم تزايد عدد النساء فيها، مجالا ذكوريا بحت؟
لا تتردد ساندرين ليفيك، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ليل الفرنسية، من الاعتراف بأن دور رئيس الجمهورية تم ”من قبل الرجال ومن أجلهم“، فهذه الوظيفة صُمّمت خصيصاً من أجل الجنرال ديغول الذي كان يمثل صورة الأب الحامي الحاضن لشعبه، مما يجعل من الصعب لامرأة تجسيد هذا الدور، كما تضيف ساندرين ليفيك..
ولكن لسائل أن يسأل: لقد تغيرت فرنسا خلال العقود الأخيرة وتغيرت معها وظيفة رئيس الجمهورية بل حتى وظيفة الدولة الكافلة، وتم إقرار مبدأ التكافؤ في الفرص في فرنسا منذ سنة 2000، ومع ذلك لم تنجح أرليت لاغيلييه، التي دأبت على الترشح منذ سنة 1974، ولا سيغولين روايال ولا مارين لوبان، اللتان نجحتا في الوصول إلى الدور الثاني على التوالي عامي 2007 و2017 في الفوز بكرسي الرئاسة؟
تستعير الباحثة الفرنسية مجاز ”السقف الزجاجي“ الذي يعني الحد الأعلى غير المرئي الذي لا يمكن أن تتجاوزه المرأة، مذكرة بأنه على مَن يعزم أمره على الترشح للرئاسة أن يجسد السلطة والكفاءة، وهاتان الصفتان ما زالتا داخلتين في خانة الرجولة، ثم إن النساء المرشحات للرئاسة غالباً ما يتم حصرهن ضمن توزيع قسري في مسؤوليات تُعتبر أنثوية، مثل وزارة المرأة أو الشؤون الاجتماعية أو المحلية، رغم أنه سبق لامرأة فرنسية تولي وزارة دفاع، ولكنه استثناء خرجت منه الوزيرة ميشيل آليو ماري بكثير من الخدوش..
وإذا ما تمت المحاججة أن سيغولين رويال ومارين لوبان كادتا تفوزان بالصندوق، وأن نسبة كبيرة من الشعب الفرنسي صوتت لهما، فإن كريستيل لاغير تقول إن هذا التقدم في الانتخابات في الدورات الرئاسية السابقة يعود إلى أنهما قامتا ببناء شرعيتهما السياسية بفضل الرجال ومعهم، فمارين لوبان وريثة وابنة، وبهذه الصفة تفرض نفسها ويتم الاعتراف بها، هي أولاً وقبل كل شيء لوبان قبل أن تكون امرأة
أما سيغولين روايال، رغم أنها حاولت التحرر من حزبها خلال حملتها الانتخابية، فإن اسمها ارتبط دائماً بفرانسوا هولاند، رفيقها في الحياة وفي الحزب الاشتراكي، وبفرانسوا ميتران الذي كانت مستشارة له. وهكذا، فإن كل شرعية سياسية تبنيها النساء المترشحات تظل شرعية مستمدة من الرجال بشكل أو بآخر.
ومرة أخرى، تظل حكاية الضلع الذي يبني له حياة جديدة ومستقلة، من جسم سبقه إلى الوجود واستوى، حكاية قائمة حتى في عالم السياسة في الغرب
--------------..
لم يكن الأمر مع مَن خلفه من الرؤساء بمثل هذا الانضباط الأخلاقي الكاثوليكي الصارم، فلقد كانت لجاك شيراك مغامرات نسائية عديدة كادت تتسبب إحداها في فشله للوصول إلى سدة الحكم، لولا أن مستشارته ماري فرانس غارو، التي كان لا يرد لها طلباً، ضغطت عليه كي يضع حداً لتلك المغامرة التي كانت تهدد مستقبله السياسي.
ورغم أن برناديت شيراك فرضت حضورها في القصر كما فرضته في الحياة العامة، من خلال أنشطتها الخيرية وجمع التبرعات، إلا أنها اضطرت صاغرة إلى القبول بالأمر الواقع وترديد جملتها الشهيرة ”إنه زوج يعود إلى المنزل كل صباح، حتى وإن شرد خلال الليل“.
وتحتل قصة ”زوجة الظل“ آن بانجو ليس فقط جزءاً كبيراً مما راج عن قصص الحب التي عاشها رؤساء فرنسا، بل جزءاً كبيراً من حياة الاشتراكي فرانسوا ميتران، وإن لم تُكشف إلا في أواخر أيام حياته، فقد عاش هذا الأخير حياة مزدوجة بأسرتين وبيتين وأبوة متقاسمة، ولئن لم ينفصل ميتران عن زوجته دانييل، إلا أنه كان يعامل آن بانجو باعتبارها زوجة؛ زوجة في الظل، كتب لها أكثر من ثلاثة آلاف رسالة، نشرت منها ألفاً ومئتين بعد عشرين سنة من وفاته.
لقد ظل فرانسوا ميتران وفياً لخليلته إلى آخر يوم من حياته كما وعدها في بداية تعارفهما: ”التقيتك وقد أحسست على الفور بأنني سأقطع معك رحلة طويلة، أينما أذهب أعرف على الأقل أنك تكونين معي على الدوام، أبارك هذا الوجه، أبارك ضوئي.. منذ أحببتك، لن تكون لي أية ليلة ظلماء، وعزلة الموت ستكون أقل عزلة“.
أما ساركوزي فسيذكر عنه في الحوليات الفرنسية أنه أول رؤساء الجمهورية الخامسة الذي يطلق ويتزوج أثناء عهدته الرئاسية، وكلنا يذكر مسرحية الأسرة المتماسكة التي حرص على تسويقها للفرنسيين يوم تنصيبه، في حين كانت زوجته سيسيليا تغص بدموعها، وإن تزوجت بعد أشهر من رجل الأعمال الشهير ريشار اتياس.
أكثر الرؤساء نزقاً كان ولا شك فرانسوا هولاند الذي ترك الزعيمة السياسية سيغولان رويال، والدة أطفاله الأربعة ورفيقته في الحزب الاشتراكي، ليرتبط بالصحفية فاليري تريفلير دون رابط زواج رسمي، وقد أقامت معه فترة في الإليزيه ورافقته في رحلات رسمية، إلا أنه انفصل عنها ليرتبط بالممثلة جولي غاييه، ليكون هذا الانفصال حالة الانفصال الثانية لرئيس فرنسي أثناء عهدته الرئاسية.
لم ينج الرئيس ماكرون من تعليقات وسائل الإعلام أثناء ترشحه لأول مرة للرئاسة؛ بسبب زواجه من مدرّسته السابقة بريجيت التي تكبره بعشرين عاماً، ولكن الزوجين نجحا في حماية هذه العلاقة، بفضل الانسجام القوي – الظاهر على الأقل – بينهما.
خلال الحملات الانتخابية الحالية للفوز بالرئاسة، غابت صورة زوجة الظل وصورة الطليقة والخليلة وحتى خاطفة الأزواج عن أخبار الإعلام الفرنسي والعالمي، لتحضر صورة أخرى لنساء يتصدرن المشهد السياسي كمرشحات عن أحزاب عريقة، وإن بدأ بعضها في الانهيار، مثل الحزب الاشتراكي، والحزب الجمهوري ذي النزعة الديغولية، نساء ناضلن وحظين بثقة أحزابهن ليمثلهن في انتخابات يشهد الجميع أنها صعبة ومحددة أيضاً للمستقبل السياسي للأحزاب التقليدية التي تنافست على الحكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولكن ما هو حظ المترشحة فاليري بيكريس، ممثلة الحزب الجمهوري، وآن هيدا لغو مرشحة الحزب الاشتراكي، وناتالي أرتو مرشحة حزب النضال العمالي الراديكالي، وأخيراً مارين لوبان مرشحة التجمع الوطني، من النجاح ودخول قصر الإليزيه كرئيسات لا زوجات أو خليلات؟ وهل ما زالت دوائر السياسة العليا في فرنسا، رغم تزايد عدد النساء فيها، مجالا ذكوريا بحت؟
لا تتردد ساندرين ليفيك، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ليل الفرنسية، من الاعتراف بأن دور رئيس الجمهورية تم ”من قبل الرجال ومن أجلهم“، فهذه الوظيفة صُمّمت خصيصاً من أجل الجنرال ديغول الذي كان يمثل صورة الأب الحامي الحاضن لشعبه، مما يجعل من الصعب لامرأة تجسيد هذا الدور، كما تضيف ساندرين ليفيك..
ولكن لسائل أن يسأل: لقد تغيرت فرنسا خلال العقود الأخيرة وتغيرت معها وظيفة رئيس الجمهورية بل حتى وظيفة الدولة الكافلة، وتم إقرار مبدأ التكافؤ في الفرص في فرنسا منذ سنة 2000، ومع ذلك لم تنجح أرليت لاغيلييه، التي دأبت على الترشح منذ سنة 1974، ولا سيغولين روايال ولا مارين لوبان، اللتان نجحتا في الوصول إلى الدور الثاني على التوالي عامي 2007 و2017 في الفوز بكرسي الرئاسة؟
تستعير الباحثة الفرنسية مجاز ”السقف الزجاجي“ الذي يعني الحد الأعلى غير المرئي الذي لا يمكن أن تتجاوزه المرأة، مذكرة بأنه على مَن يعزم أمره على الترشح للرئاسة أن يجسد السلطة والكفاءة، وهاتان الصفتان ما زالتا داخلتين في خانة الرجولة، ثم إن النساء المرشحات للرئاسة غالباً ما يتم حصرهن ضمن توزيع قسري في مسؤوليات تُعتبر أنثوية، مثل وزارة المرأة أو الشؤون الاجتماعية أو المحلية، رغم أنه سبق لامرأة فرنسية تولي وزارة دفاع، ولكنه استثناء خرجت منه الوزيرة ميشيل آليو ماري بكثير من الخدوش..
وإذا ما تمت المحاججة أن سيغولين رويال ومارين لوبان كادتا تفوزان بالصندوق، وأن نسبة كبيرة من الشعب الفرنسي صوتت لهما، فإن كريستيل لاغير تقول إن هذا التقدم في الانتخابات في الدورات الرئاسية السابقة يعود إلى أنهما قامتا ببناء شرعيتهما السياسية بفضل الرجال ومعهم، فمارين لوبان وريثة وابنة، وبهذه الصفة تفرض نفسها ويتم الاعتراف بها، هي أولاً وقبل كل شيء لوبان قبل أن تكون امرأة
أما سيغولين روايال، رغم أنها حاولت التحرر من حزبها خلال حملتها الانتخابية، فإن اسمها ارتبط دائماً بفرانسوا هولاند، رفيقها في الحياة وفي الحزب الاشتراكي، وبفرانسوا ميتران الذي كانت مستشارة له. وهكذا، فإن كل شرعية سياسية تبنيها النساء المترشحات تظل شرعية مستمدة من الرجال بشكل أو بآخر.
ومرة أخرى، تظل حكاية الضلع الذي يبني له حياة جديدة ومستقلة، من جسم سبقه إلى الوجود واستوى، حكاية قائمة حتى في عالم السياسة في الغرب
--------------..
شبكة إرم نيوز