لكن تطورات الواقع الميداني في قطاع غزة، ولاسيما الحرب التي اندلعت إثر عملية طوفان الأقصى، جعلت المسألة التي يُنظر فيها هنا أوسع قليلاً، خاصة وأن فريدمان عاجل القراء سريعاً، برأيه حيال ما يجري، وأثار الأقلام والتحفظات معاً حول ما يقول، ولاسيما الحجم الكبير من الادعاءات التي يسوقها في كل مرة يقع فيها حدث يشبه ما يجري حالياً في المنطقة.
يركز فريدمان في توصيف ما يجري على “الجنون” بوصفه عنوان ردود الأفعال التي تأتي على حدث ما، يُخرج أطراف الصراع عن القواعد المعتادة للسلوك، وعلى هذا تصبح حماس أداة في يد الجنون الإيراني بعد اقتراب خطوات التطبيع بين السعودية وإسرائيل من غاياتها، وكذلك تصبح حرب إسرائيل الحالية على القطاع جنوناً بعد أن صدمتها “لطمة حماس على وجهها”!
ويرى الكاتب أن نتنياهو المصاب بنوبة جنون سيطبق (قواعد حماة Hama Rules) على الغزاويين، أي تلك الإجراءات الإبادة التي نفذها حافظ الأسد في عملية القضاء على التمرد، الذي قام به تنظيم الطليعة المقاتلة وأخذ في المدينة السورية وسكانها رهينة في سياق مواجهة الأمن وجيش النظام، ولم ينج منها لا البشر ولا الحجر ولا الشجر!
تركيز فريدمان على المصطلح أي “قواعد حماة” الذي يقول إنه نحته بإزميله في المدونات السياسية والعسكرية الغربية، وخيلائه به كلما وجد ما يشبهه في المنطقة، ربما هو استجلاب يشبه تمني حصول مذبحة من أجل التباهي بمعرفة وتوقع ما سيجري بعدها، وفق أسلوب المتنبئين والسحرة! فربما لو استطعنا رؤية ملامح وجه فرديمان كلما سمع بمثل هذا لرأينا ملامحه تتشابه مع وجه الطفل المدهوش بما يفعله المهرجون في حلبة السيرك الدائرية!
“قواعد حماة” التي يحكي عنها فريدمان، تتشابه في جوهرها مع “قواعد غرزوني” الشيشانية! -أرجو ألا يفهم القارئ أنني معاذ الله أنحت مصطلحاً بدوري- أي سياسة الإبادة التي نفذها بوتين ومكنته من القضاء على التمرد الشهير في الجمهورية القفقاسية، ولو نقبنا في سياقات مشابهة لأُصبنا بالحيرة خلال البحث فيمن أخذ ممن؟ هل كرر بوتين سياسة حافظ الأسد؟ أو أن فريدمان المستعجل لم يقرأ التاريخ وبما يكفي لفهم أن الطغاة الذين ينجون من العقاب، عبر تجاهل العالم لأفعالهم، يستطيعون القيام بهذا دائماً!
وعليه فإن الواجب يقتضي من الصحفي الذي يريد أن يكرس التاريخ اسمه بجانب هؤلاء، وبغض النظر بأي أسلوب، ألا يجعل من فكرة الجنون مبرراً للسلوك الإجرامي، وقبل هذا ألا يجعل من الكتابة بأصلها وفصلها سياقاً يعزل الشخصيات عن الواقع، وكأنها تقوم بأفعالها على خشبة مسرحية في قرية نائية!
وبالعودة إلى زاوية فريدمان التي بدأنا الحديث عنها، فهو معروف حول المعمورة بتوفره على مصادر واسعة، يؤكد على نخبويتها، وتمكنه من الحصول على تفاصيل لا يعرفه غيره، وعبر هذا يضع نفسه على الطاولة ذاتها مع أصحاب القرار!
ولعل قصته التي يرويها عن دوره في المبادة العربية التي أطلقها الملك عبدالله عاهل العربية السعودية الراحل، هي مثال عن التنطح الهزلي الذي يصيب الصحفي ويقربه من طور الجنون، فبحسب ادعائه الذي نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قبل زمن طويل، أنه كتب أفكاراً عن مبادرة للسلام في مقالة له، ففاجأه الملك الراحل عبدالله عاهل العربية السعودية بأن ما يقوله يتطابق تماماً مع المبادرة التي ينوي إطلاقها، والتي صارت فيما بعد المبادرة العربية!
وتبعاً للمرتبة التي يضع فيها الصحفي نفسه، فإن علاقاته المتينة مع أصحاب القرار في أغلب بؤر التوتر في العالم، لا تجعله ينطقُ عن هوى شخصي في تقييمه للأدوار الكارثية التي يؤديها الزعماء الأربعة الذين يحكي عنهم، إن كان على المستوى الداخلي للبلاد التي يحكمونها، أو المستوى الإقليمي أو الدولي، بل إنه ينقل مزاجاً دولياً عاماً،
لم يوفر فيه حتى ترامب، وذلك أن تأثيره على الجمهور الأمريكي الحزبي أو المستقبل كبير جداً، وهو يمثل كما يؤكد الجميع تهديداً سياسياً للحالة المدنية الديموقراطية من خلال خطابه الشعبوي المؤثر!
وبحسب كلامه، فإن هؤلاء الأربعة الذين يظن كل منهم “أن قيادته لا غنى عنها، وأنهم مستعدون لبذل قصارى جهدهم للتشبث بالسلطة قدر استطاعتهم”، تسببوا -كلا بطريقته الخاصة- “في اضطرابات هائلة داخل وخارج بلدانهم بدافع من مصلحة ذاتية بحتة، وليس مصالح شعوبهم”. و”جعلوا من الصعوبة بمكان على دولهم أن تضطلع بوظائفها بشكل طبيعي في الوقت الحاضر، والتخطيط بحكمة للمستقبل”!
لا يأتي فريدمان هنا بجديد حين ينقل ما يحكى بصراحة عن هؤلاء، فرأيه بهم هو رأي كثير من الكتاب والصحفيين، كما أنه رأي أصحاب القرار في غالبية الدول المتضررة من سياساتهم، إضافة إلى أنه يعبر عن وجهة نظر التيارات المدنية الديموقراطية حول العالم، وهو كذلك لدى شرائح واسعة من الجمهور الذي لم يتأثر بموجات التحريض ضد الفئات المستضعفة حول العالم.
الحكام أنفسهم الذين يحكي عنهم فريدمان يعرفون آراء الآخرين بهم، لكنهم لا يتأثرون لا بما يقوله صحفي بارز، ولا حتى بما يصدر عن أعداء سياساتهم، إذ إن من ملامح الزمن الذي يصيغونه عبر أفعالهم الكارثية، انعدام الأخلاق، وانتفاء الحساسية، والتبلد، والبهيمية، وكل هذه الصفات لطالما عبرت عن القادة الذين يقودون هيئات حاكمة تحولت مع الوقت إلى محافل مافيوية.
لكن المشكلة التي وقع فيها فريدمان عن عمد، وتستدعي مراجعة ما يقول، إنما هي أولاً: سلفنته وتعقيمه لرأيه من أي نبرة أخلاقية في وجهة النظر الشخصية، تشعرنا بإنسانيته، فرأيه بهؤلاء يتساوى فعلياً برأيه بعبوة مشروب غازي أعجبه أو كرهه، وثانياً: تشميله كل ما جرى ويجري بسبب هؤلاء، تحت إطار عبارة “عصر الفوضى”، التي ختم بها، وتبدو “سحرية” وبما يكفي لأن تُمكنه من جعل أفعالهم مغلقة على واقعهم المحلي. وحتى حين يمتد تأثيرهم نحو الخارج، فإن سياساتهم تبدو أشبه بطريق من اتجاهين، فهم يغذون نزعات الالتفاف الداخلي حول البؤر التسلطية التي يتحكمون بها، وينطلقون منها صوب صياغة حروب وتدخلات، تخدم التوجهات القومية والأيديولوجية التي تكون صلب خطاباتهم!
هنا، لا يمكن أن تغدو فئة أخرى من الحكام وكذلك الحركات السياسية التي تخدم توجهات هؤلاء، وتتصرف في واقعها بشكل ييسر مصالح الآخرين، ولاسيما منهم “الأعداء”، وكأنها مُقادة من الخلف، مجرد أغراض يستخدمها الممثلون الرئيسون على الخشبة، يستطيع فريدمان أو غيره تجاهلها حين يشاء!
المرور على ديكتاتوريات ذات تأثير كارثي على العالم كله دون التوقف عند تلاحمها العجيب مع أهداف أولئك الحكام الأربعة، وعدم النظر إلى رغبة هؤلاء في تدمير كل التجارب الديموقراطية الناشئة في العديد من البلدان، ومثال ذلك انقلابات دول الساحل الأفريقي الراهن واضح ومعروف، يعني فيما يعنيه تجاهلاً مقصوداً للشعوب التي تتضرر من سياساتهم. فالأثر السرطاني لهؤلاء يتعدى دولهم ليصبح سماً قاتلاً في أنحاء أخرى من الكوكب، فيدفع جميع سكانه أثمانه، وما تفاقم الهجرات الراهنة من الجنوب إلى الشمال إلا علامة واضحة عن أن الحال لم يعد يطاق في أي من هذه البلدان، التي تم تركها لقمة سائغة لأنظمة عسكرية، يظن قادتها أن مستقبلهم سيغدو أفضل، حين يغيرون تحالفاتهم وتبعيتهم من الغرب إلى الشرق، بينما يكشف الواقع فعلياً عن أن الفروقات بينهما ليست كبيرة، لكن ضحية هذه المغامرات لن تكون سوى الشعوب ذاتها، التي تحلم بالحرية وبالعيش الكريم في أوطانها، حين تقع تحت أسر حكومات ديكتاتورية تستقوي على شعوبها بعلاقتها مع مراكز إمبريالية مستجدة كموسكو وبكين!
يشبه هذا الخطاب المبني على تجاهل الحكام التابعين ودولهم والشعوب التي تتلظى بنيران تسلطهم خطاباً آخر، ينتمي للمعسكر الشيوعي الرسمي المناقض للآخر الليبرالي الذي ينتمي له فريدمان، والمقصود هنا خطاب أولئك الذين لا يرون العالم الراهن سوى معركة مرسومة بطريقة متقنة بين الشعوب وبين الإمبريالية العالمية، فجوهر المسألة لدى “الرفاق” إنما هو توجه الأنظمة، فإن كانت ضد الرأسمالية العالمية والإمبريالية، “فيا مرحبا بها”، حتى وإن قامت بإبادة كل المعارضين لتوجهاتها!
وبالنسبة لهؤلاء؛ ما قيمة الشعوب التي يقتلها الفقر والجوع وسوء الأوضاع الصحية، وغير ذلك من كوارث، أمام معركة عظمى ترفرف فيها رايات الأيديولوجيات؟
------------
غلوبال جستيس
يركز فريدمان في توصيف ما يجري على “الجنون” بوصفه عنوان ردود الأفعال التي تأتي على حدث ما، يُخرج أطراف الصراع عن القواعد المعتادة للسلوك، وعلى هذا تصبح حماس أداة في يد الجنون الإيراني بعد اقتراب خطوات التطبيع بين السعودية وإسرائيل من غاياتها، وكذلك تصبح حرب إسرائيل الحالية على القطاع جنوناً بعد أن صدمتها “لطمة حماس على وجهها”!
ويرى الكاتب أن نتنياهو المصاب بنوبة جنون سيطبق (قواعد حماة Hama Rules) على الغزاويين، أي تلك الإجراءات الإبادة التي نفذها حافظ الأسد في عملية القضاء على التمرد، الذي قام به تنظيم الطليعة المقاتلة وأخذ في المدينة السورية وسكانها رهينة في سياق مواجهة الأمن وجيش النظام، ولم ينج منها لا البشر ولا الحجر ولا الشجر!
تركيز فريدمان على المصطلح أي “قواعد حماة” الذي يقول إنه نحته بإزميله في المدونات السياسية والعسكرية الغربية، وخيلائه به كلما وجد ما يشبهه في المنطقة، ربما هو استجلاب يشبه تمني حصول مذبحة من أجل التباهي بمعرفة وتوقع ما سيجري بعدها، وفق أسلوب المتنبئين والسحرة! فربما لو استطعنا رؤية ملامح وجه فرديمان كلما سمع بمثل هذا لرأينا ملامحه تتشابه مع وجه الطفل المدهوش بما يفعله المهرجون في حلبة السيرك الدائرية!
“قواعد حماة” التي يحكي عنها فريدمان، تتشابه في جوهرها مع “قواعد غرزوني” الشيشانية! -أرجو ألا يفهم القارئ أنني معاذ الله أنحت مصطلحاً بدوري- أي سياسة الإبادة التي نفذها بوتين ومكنته من القضاء على التمرد الشهير في الجمهورية القفقاسية، ولو نقبنا في سياقات مشابهة لأُصبنا بالحيرة خلال البحث فيمن أخذ ممن؟ هل كرر بوتين سياسة حافظ الأسد؟ أو أن فريدمان المستعجل لم يقرأ التاريخ وبما يكفي لفهم أن الطغاة الذين ينجون من العقاب، عبر تجاهل العالم لأفعالهم، يستطيعون القيام بهذا دائماً!
وعليه فإن الواجب يقتضي من الصحفي الذي يريد أن يكرس التاريخ اسمه بجانب هؤلاء، وبغض النظر بأي أسلوب، ألا يجعل من فكرة الجنون مبرراً للسلوك الإجرامي، وقبل هذا ألا يجعل من الكتابة بأصلها وفصلها سياقاً يعزل الشخصيات عن الواقع، وكأنها تقوم بأفعالها على خشبة مسرحية في قرية نائية!
وبالعودة إلى زاوية فريدمان التي بدأنا الحديث عنها، فهو معروف حول المعمورة بتوفره على مصادر واسعة، يؤكد على نخبويتها، وتمكنه من الحصول على تفاصيل لا يعرفه غيره، وعبر هذا يضع نفسه على الطاولة ذاتها مع أصحاب القرار!
ولعل قصته التي يرويها عن دوره في المبادة العربية التي أطلقها الملك عبدالله عاهل العربية السعودية الراحل، هي مثال عن التنطح الهزلي الذي يصيب الصحفي ويقربه من طور الجنون، فبحسب ادعائه الذي نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قبل زمن طويل، أنه كتب أفكاراً عن مبادرة للسلام في مقالة له، ففاجأه الملك الراحل عبدالله عاهل العربية السعودية بأن ما يقوله يتطابق تماماً مع المبادرة التي ينوي إطلاقها، والتي صارت فيما بعد المبادرة العربية!
وتبعاً للمرتبة التي يضع فيها الصحفي نفسه، فإن علاقاته المتينة مع أصحاب القرار في أغلب بؤر التوتر في العالم، لا تجعله ينطقُ عن هوى شخصي في تقييمه للأدوار الكارثية التي يؤديها الزعماء الأربعة الذين يحكي عنهم، إن كان على المستوى الداخلي للبلاد التي يحكمونها، أو المستوى الإقليمي أو الدولي، بل إنه ينقل مزاجاً دولياً عاماً،
لم يوفر فيه حتى ترامب، وذلك أن تأثيره على الجمهور الأمريكي الحزبي أو المستقبل كبير جداً، وهو يمثل كما يؤكد الجميع تهديداً سياسياً للحالة المدنية الديموقراطية من خلال خطابه الشعبوي المؤثر!
وبحسب كلامه، فإن هؤلاء الأربعة الذين يظن كل منهم “أن قيادته لا غنى عنها، وأنهم مستعدون لبذل قصارى جهدهم للتشبث بالسلطة قدر استطاعتهم”، تسببوا -كلا بطريقته الخاصة- “في اضطرابات هائلة داخل وخارج بلدانهم بدافع من مصلحة ذاتية بحتة، وليس مصالح شعوبهم”. و”جعلوا من الصعوبة بمكان على دولهم أن تضطلع بوظائفها بشكل طبيعي في الوقت الحاضر، والتخطيط بحكمة للمستقبل”!
لا يأتي فريدمان هنا بجديد حين ينقل ما يحكى بصراحة عن هؤلاء، فرأيه بهم هو رأي كثير من الكتاب والصحفيين، كما أنه رأي أصحاب القرار في غالبية الدول المتضررة من سياساتهم، إضافة إلى أنه يعبر عن وجهة نظر التيارات المدنية الديموقراطية حول العالم، وهو كذلك لدى شرائح واسعة من الجمهور الذي لم يتأثر بموجات التحريض ضد الفئات المستضعفة حول العالم.
الحكام أنفسهم الذين يحكي عنهم فريدمان يعرفون آراء الآخرين بهم، لكنهم لا يتأثرون لا بما يقوله صحفي بارز، ولا حتى بما يصدر عن أعداء سياساتهم، إذ إن من ملامح الزمن الذي يصيغونه عبر أفعالهم الكارثية، انعدام الأخلاق، وانتفاء الحساسية، والتبلد، والبهيمية، وكل هذه الصفات لطالما عبرت عن القادة الذين يقودون هيئات حاكمة تحولت مع الوقت إلى محافل مافيوية.
لكن المشكلة التي وقع فيها فريدمان عن عمد، وتستدعي مراجعة ما يقول، إنما هي أولاً: سلفنته وتعقيمه لرأيه من أي نبرة أخلاقية في وجهة النظر الشخصية، تشعرنا بإنسانيته، فرأيه بهؤلاء يتساوى فعلياً برأيه بعبوة مشروب غازي أعجبه أو كرهه، وثانياً: تشميله كل ما جرى ويجري بسبب هؤلاء، تحت إطار عبارة “عصر الفوضى”، التي ختم بها، وتبدو “سحرية” وبما يكفي لأن تُمكنه من جعل أفعالهم مغلقة على واقعهم المحلي. وحتى حين يمتد تأثيرهم نحو الخارج، فإن سياساتهم تبدو أشبه بطريق من اتجاهين، فهم يغذون نزعات الالتفاف الداخلي حول البؤر التسلطية التي يتحكمون بها، وينطلقون منها صوب صياغة حروب وتدخلات، تخدم التوجهات القومية والأيديولوجية التي تكون صلب خطاباتهم!
هنا، لا يمكن أن تغدو فئة أخرى من الحكام وكذلك الحركات السياسية التي تخدم توجهات هؤلاء، وتتصرف في واقعها بشكل ييسر مصالح الآخرين، ولاسيما منهم “الأعداء”، وكأنها مُقادة من الخلف، مجرد أغراض يستخدمها الممثلون الرئيسون على الخشبة، يستطيع فريدمان أو غيره تجاهلها حين يشاء!
المرور على ديكتاتوريات ذات تأثير كارثي على العالم كله دون التوقف عند تلاحمها العجيب مع أهداف أولئك الحكام الأربعة، وعدم النظر إلى رغبة هؤلاء في تدمير كل التجارب الديموقراطية الناشئة في العديد من البلدان، ومثال ذلك انقلابات دول الساحل الأفريقي الراهن واضح ومعروف، يعني فيما يعنيه تجاهلاً مقصوداً للشعوب التي تتضرر من سياساتهم. فالأثر السرطاني لهؤلاء يتعدى دولهم ليصبح سماً قاتلاً في أنحاء أخرى من الكوكب، فيدفع جميع سكانه أثمانه، وما تفاقم الهجرات الراهنة من الجنوب إلى الشمال إلا علامة واضحة عن أن الحال لم يعد يطاق في أي من هذه البلدان، التي تم تركها لقمة سائغة لأنظمة عسكرية، يظن قادتها أن مستقبلهم سيغدو أفضل، حين يغيرون تحالفاتهم وتبعيتهم من الغرب إلى الشرق، بينما يكشف الواقع فعلياً عن أن الفروقات بينهما ليست كبيرة، لكن ضحية هذه المغامرات لن تكون سوى الشعوب ذاتها، التي تحلم بالحرية وبالعيش الكريم في أوطانها، حين تقع تحت أسر حكومات ديكتاتورية تستقوي على شعوبها بعلاقتها مع مراكز إمبريالية مستجدة كموسكو وبكين!
يشبه هذا الخطاب المبني على تجاهل الحكام التابعين ودولهم والشعوب التي تتلظى بنيران تسلطهم خطاباً آخر، ينتمي للمعسكر الشيوعي الرسمي المناقض للآخر الليبرالي الذي ينتمي له فريدمان، والمقصود هنا خطاب أولئك الذين لا يرون العالم الراهن سوى معركة مرسومة بطريقة متقنة بين الشعوب وبين الإمبريالية العالمية، فجوهر المسألة لدى “الرفاق” إنما هو توجه الأنظمة، فإن كانت ضد الرأسمالية العالمية والإمبريالية، “فيا مرحبا بها”، حتى وإن قامت بإبادة كل المعارضين لتوجهاتها!
وبالنسبة لهؤلاء؛ ما قيمة الشعوب التي يقتلها الفقر والجوع وسوء الأوضاع الصحية، وغير ذلك من كوارث، أمام معركة عظمى ترفرف فيها رايات الأيديولوجيات؟
------------
غلوبال جستيس