سأل أدهم في بداية الحديث، عن موقف الجيش من القصر، وما إذا كان يدين بالولاء الكامل له أم ان التظاهرات الضخمة أربكته؟
وتردد الشاه في الإجابة قبل ان يضع علامة استفهام كبرى على تصرف جنرالات القيادة الذين خضعوا لمشيئة جنرال أميركي أرسله «البنتاغون» للإشراف على وضع الجيش.
وعاد أدهم يستوضح الشاه عن أسباب فرض العزلة على نفسه، وتمنى عليه القيام بزيارات مفاجئة لوزارة الدفاع وقادة الوحدات، لأن حضوره يقوي معنويات الضباط. ورفض الشاه هذا الخيار متسلحاً بنصيحة رجال الاستخبارات الذين أشاروا عليه بالبقاء داخل القصر خوفاً من الاغتيال أو الخطف.
عندها اشار عليه كمال أدهم بأن يأمر القيادة بحشد تظاهرات مؤيدة للنظام يقوم بها أفراد من الجيش بثياب مدنية. وهذا يعني عدم اخلاء الساحات العامة للمعارضة فقط. كما يعني اعطاء المترددين والمحايدين فرصة الانضمام الى صفوف أنصار الحكم، خصوصاً ان الثكنات العسكرية كانت تضم نحواً من مليون جندي.
وتلقى الشاه هذه النصيحة بكثير من التشكيك لاعتقاده بأن القيادة مخترقة بعدد من الضباط المجندين لثورة الخميني.
عندئذ روى أدهم للشاه حكاية انقلاب علي أبو نوار في الأردن، وكيف تصرف الملك حسين عندما بلغه النبأ. فقد ركب سيارته «السبور» السريعة، وداهم أبو نوار مع بعض الضباط في خيمة نصبت داخل الصحراء. ولما أبصر الضباط ملكهم وقفوا وأدوا له التحية. وعلى الفور أمر الحسين أبو نوار بالركوب الى جانبه في السيارة، وانتقل به الى السجن.
ولما رأى كمال أدهم دموع الشاه تتدحرج فوق خديه، انصرف على الفور لأن جواب الممانعة والخوف جاء من العينين الحمراوين وليس من الفم الصامت.
بعد انقضاء ثلاثين سنة (1979) على الثورة الاسلامية، يعاني الرئيس محمود أحمدي نجاد من تداعيات أزمة خطيرة أثارتها تظاهرات الاعتراض على نتائج انتخابات الرئاسة الايرانية. وعلى الفور طلب من الحرس الثوري (الباسدران) وقوات التعبئة (الباسيج) اطلاق تظاهرات اعتراض لإبراز عمق الانقسامات القائمة بين المحافظين والاصلاحيين. أو على الأقل لتذكير المتظاهرين بأن الاعتراض على التزوير والمخالفات لا يكون بالاحتكام الى الشارع الذي يعتبره النظام ساحته الخاصة. ويقال في هذا السياق، ان مرشد الجمهورية علي خامنئي أراد التلويح ايضاً بسحق شامل لقوى المعارضة مثلما حدث في «ربيع براغ»، على اعتبار ان الثورة لا تحتمل التراجع أو الصمت الطويل. وهذا ما يفسر دعوة مير حسين موسوي، أنصاره الى مواصلة الاعتراض بشكل سلمي، واعتماد سياسة الصمت في التظاهرات الحاشدة.
في ضوء ما يسمى بـ «الثورة الخضراء»، وما أفرزته انتخابات الرئاسة الايرانية من مشاكل غير متوقعة، تركز اهتمامات العواصم الكبرى على الزعيم الروحي علي خامنئي وعلى دوره في مسك خيوط الحكم!
خلال السنوات الثماني الماضية عانت ايران من عزلة دولية فرضها عليها تصنيف الرئيس جورج بوش الذي وضعها في قائمة دول «محور الشر». ولكن هذا التصنيف سقط مع دخول باراك أوباما الى البيت الأبيض، وإعلانه في مجلة «نيوزويك» أنه راغب في تقديم فرصة جديدة لإيران تصب في مصلحة شعبها. وأعرب عن اعتقاده بإمكان قيام جمهورية ايرانية تحافظ على طابعها الاسلامي كعضو جيد في المجتمع الدولي، من دون أن تشكل تهديداً لجيرانها، وقال ايضاً إنه عازم على مد يده الى طهران في محاولة لتغيير النمط الذي اعتمد لثلاثين سنة ولم يحدث تغييراً في المنطقة.
وكي يطمئن اسرائيل ويقلل من مخاوفها الأمنية، أكد أوباما ان هذه المقاربة كفيلة بضمان أمن الولايات المتحدة واسرائيل. وكان من الطبيعي أن يرحب علي خامنئي بمبادرة أوباما، خصوصاً ان الادارة الاميركية الجديدة سجلت أول مصالحة مع النظام القائم. أي النظام الذي انتجته ثورة الخميني منذ ثلاثين سنة، وانتجت معه نظاماً ثنائياً مؤلفاً من منظومتين للقوة: واحدة حزبية - سياسية، والأخرى دينية مغلقة. والقوتان تتصارعان منذ سنة 1979، للسيطرة على الدولة وعلى مواطنيها الذين تضاعف عددهم خلال مرحلة الثورة وقفزوا من 35 مليون نسمة الى 70 مليوناً. ويملك هذا العدد المتزايد باستمرار 47 مليون هاتف جوال وحرية استخدام 21 مليون جهاز انترنيت. واللافت أن هناك نسبة ستين في المئة من المواطنين هم دون الثلاثين غالبيتهم تبحث عن عمل. والملاحظ ايضاً أن سوق العمل غير متوفر لاستيعاب اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص سنوياً.
خلال الترشح لولاية ثانية أطل الرئيس محمود أحمدي نجاد على الناخبين من خلال تأييد المؤسسات الرسمية غير المنتخبة مثل الزعيم الأعلى والحرس الثوري ومجلس المراقبين ومجلس الخبراء.
المنافس الأول للرئيس نجاد كان مير حسين موسوي الذي عرف في الثمانينات أثناء فترة الحرب مع العراق كرئيس للحكومة. ومع أنه كان قريباً من الخميني إلا أن علي خامنئي حجبه عن الساحة السياسية مدة عشرين سنة. وهو بالطبع نال تأييد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي الذي دشن رئاسته سنة 1997 بتأسيس نمط الاعتدال داخل النظام. ثم كرس هذا الخط خلال ولايته الثانية سنة 2001 عن طريق استبدال شعار «صدام الحضارات» بشعار «حوار الحضارات» من فوق منبر الأمم المتحدة.
في سبيل كسب ثقة النظام، تحدث موسوي في احدى جولاته الانتخابية، عن دوره «كجانوس» الايراني. وقال إن إله البدايات والأبواب عند الرومان «جانوس» كان يملك وجهين، الأول يتطلع الى الأمام والثاني يتطلع إلى الوراء. وكان بهذا المثل يحاول اقناع المؤسسات السياسية والدينية بأن انتخابه سيضمن المحافظة على الخطين اللذين تتألف منهما الثورة. ولكن هذه المهدئات لن تخفف من تهجمات أهل النظام، خصوصاً أنه ركز في حملاته على الوضع الاقتصادي السيئ الذي شهده عهد أحمدي نجاد. وقال إنه أخفق في تحسين الاقتصاد الذي يعبر عنه تضخم بلغ 28 في المئة، مع ارتفاع اسعار الغذاء والسكن ووصول نسبة البطالة إلى عشرين في المئة.
يؤكد المراسلون الذين غطوا انتخابات الرئاسة في إيران، أن مرشد الجمهورية علي خامنئي حاول ملاقاة دعوة الانفتاح التي قدمها الرئيس أوباما، في منتصف الطريق. لذلك فتح المطار لمئات الصحافيين والمصورين كي يظهر للرأي العام الخارجي أن ايديولوجية النظام تتسع للديموقراطية التي شهدتها الانتخابات النيابية اللبنانية. وبعد صدور النتائج الرسمية وإعلان الشكاوى من التدخل والتجاوز، انقلبت صورة النظام وأصبح من الضروري حظر وسائل الإعلام وضبط تظاهرات الشارع. ويتردد في طهران أن موسوي قد أجبر على ازالة اليافطات الاستفزازية والاكتفاء بمسيرات سلمية محددة في زمانها ومكانها. علماً بأنه تم اكتشاف عناصر مدسوسة من أجل تحريض قوات الأمن على استخدام العنف واسقاط ضحايا. عندها يمكن للمعارضة أن تستغل حمامات الدم لإذكاء روح المقاومة والنقمة. والغرض من كل هذا ارباك النظام القائم ووضعه في موضع الدفاع عن النفس، وارهاقه بمسيرات يومية تمنعه من الحصول على الاستقرار السياسي. ومثل هذا الوضع المقدر له أن يمتد إلى قم وشيراز وأصفهان وبوشهر وسواها من المدن، قد يشغل الدولة المركزية عن التدخل في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن ومصر ولبنان وفلسطين. ويعتبر المراقبون في العواصم الأوروبية استمرار القلاقل والاضطرابات الداخلية مسببات لازدياد النقمة والمعارضة والمشاكل الاجتماعية.
تقول الصحف الإيرانية إن الرئيس نجاد سيكون رئيساً مختلفاً في ولايته الثانية. ذلك أن الانتخابات كشفت للمسؤولين عن سلامة النظام، أن مرشحهم المفضل لم يعد هو الأوفر حظاً ولا الأكثر شعبية. ففي ولايته الأولى أبعد عنه كبار الشخصيات التي كانت قريبة منه مثل علي لاريجاني، أمين مجلس الأمن القومي وعمدة طهران محمد باقر قاليباف ووزير الداخلية ومعاونه. كذلك استغل وسائل الإعلام الرسمية لاغضاب أعمدة النظام مثل الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي اتهم نجاد أولاده بالفساد واستغلال منصب والدهم.
إسرائيل رحبت بإعادة انتخاب أحمدي نجاد لأنه سيحرج الرئيس أوباما ويمنعه من تنفيذ نهجه. ويرى نتانياهو أن شخصاً معتدلاً مثل موسوي سيثبت ركائز النظام مثلما فعل محمد خاتمي، الأمر الذي يحرم إسرائيل من فرص تعبئة المجتمع الدولي ضد إيران. ومعنى هذا أن إسرائيل ستظل تعتبر إيران خطراً وجودياً في ظل الولاية الثانية لأحمدي نجاد. كما تعتبر أن سنة 2010 هي سنة الحسم بالنسبة إلى تحديد الاحتياجات الأمنية لمستقبل وجودها.
منذ انتخاب الرئيس أوباما وهو يرحب بتعاون إيران من أجل ارساء دعائم الاستقرار في العراق وأفغانستان ولبنان. كما يطمح إلى ابرام سلام فلسطيني - إسرائيلي يمكن أن يحول دون حيازة إيران سلاحاً نووياً عن طريق اشراكها في اتفاق اقليمي يضم كل الدول العربية. وقد قوبل هذا التصور بانتقاد نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني الذي وصف أوباما بأنه «بائع أحلام».
في كلام علي خامنئي ما يوحي بأن التغيير الذي يطالب به المتظاهرون، لا يمكن أن يتحقق. لذلك لا يختلف موسوي عن نجاد في اطالة عمر النظام ما دامت خطب الأول منصبة على انتقاد اصلاحات الثاني. وأكثر من يعرف هذه الحقيقة هو الرئيس الإصلاحي الأول محمد خاتمي. ففي عهده وصفت الصحف بأنها حرة قبل أن يكتشف المواطنون اغتيال أكثر من مئة صحافي وأديب سقطوا ضحايا هذه الخدعة القاتلة!
وتردد الشاه في الإجابة قبل ان يضع علامة استفهام كبرى على تصرف جنرالات القيادة الذين خضعوا لمشيئة جنرال أميركي أرسله «البنتاغون» للإشراف على وضع الجيش.
وعاد أدهم يستوضح الشاه عن أسباب فرض العزلة على نفسه، وتمنى عليه القيام بزيارات مفاجئة لوزارة الدفاع وقادة الوحدات، لأن حضوره يقوي معنويات الضباط. ورفض الشاه هذا الخيار متسلحاً بنصيحة رجال الاستخبارات الذين أشاروا عليه بالبقاء داخل القصر خوفاً من الاغتيال أو الخطف.
عندها اشار عليه كمال أدهم بأن يأمر القيادة بحشد تظاهرات مؤيدة للنظام يقوم بها أفراد من الجيش بثياب مدنية. وهذا يعني عدم اخلاء الساحات العامة للمعارضة فقط. كما يعني اعطاء المترددين والمحايدين فرصة الانضمام الى صفوف أنصار الحكم، خصوصاً ان الثكنات العسكرية كانت تضم نحواً من مليون جندي.
وتلقى الشاه هذه النصيحة بكثير من التشكيك لاعتقاده بأن القيادة مخترقة بعدد من الضباط المجندين لثورة الخميني.
عندئذ روى أدهم للشاه حكاية انقلاب علي أبو نوار في الأردن، وكيف تصرف الملك حسين عندما بلغه النبأ. فقد ركب سيارته «السبور» السريعة، وداهم أبو نوار مع بعض الضباط في خيمة نصبت داخل الصحراء. ولما أبصر الضباط ملكهم وقفوا وأدوا له التحية. وعلى الفور أمر الحسين أبو نوار بالركوب الى جانبه في السيارة، وانتقل به الى السجن.
ولما رأى كمال أدهم دموع الشاه تتدحرج فوق خديه، انصرف على الفور لأن جواب الممانعة والخوف جاء من العينين الحمراوين وليس من الفم الصامت.
بعد انقضاء ثلاثين سنة (1979) على الثورة الاسلامية، يعاني الرئيس محمود أحمدي نجاد من تداعيات أزمة خطيرة أثارتها تظاهرات الاعتراض على نتائج انتخابات الرئاسة الايرانية. وعلى الفور طلب من الحرس الثوري (الباسدران) وقوات التعبئة (الباسيج) اطلاق تظاهرات اعتراض لإبراز عمق الانقسامات القائمة بين المحافظين والاصلاحيين. أو على الأقل لتذكير المتظاهرين بأن الاعتراض على التزوير والمخالفات لا يكون بالاحتكام الى الشارع الذي يعتبره النظام ساحته الخاصة. ويقال في هذا السياق، ان مرشد الجمهورية علي خامنئي أراد التلويح ايضاً بسحق شامل لقوى المعارضة مثلما حدث في «ربيع براغ»، على اعتبار ان الثورة لا تحتمل التراجع أو الصمت الطويل. وهذا ما يفسر دعوة مير حسين موسوي، أنصاره الى مواصلة الاعتراض بشكل سلمي، واعتماد سياسة الصمت في التظاهرات الحاشدة.
في ضوء ما يسمى بـ «الثورة الخضراء»، وما أفرزته انتخابات الرئاسة الايرانية من مشاكل غير متوقعة، تركز اهتمامات العواصم الكبرى على الزعيم الروحي علي خامنئي وعلى دوره في مسك خيوط الحكم!
خلال السنوات الثماني الماضية عانت ايران من عزلة دولية فرضها عليها تصنيف الرئيس جورج بوش الذي وضعها في قائمة دول «محور الشر». ولكن هذا التصنيف سقط مع دخول باراك أوباما الى البيت الأبيض، وإعلانه في مجلة «نيوزويك» أنه راغب في تقديم فرصة جديدة لإيران تصب في مصلحة شعبها. وأعرب عن اعتقاده بإمكان قيام جمهورية ايرانية تحافظ على طابعها الاسلامي كعضو جيد في المجتمع الدولي، من دون أن تشكل تهديداً لجيرانها، وقال ايضاً إنه عازم على مد يده الى طهران في محاولة لتغيير النمط الذي اعتمد لثلاثين سنة ولم يحدث تغييراً في المنطقة.
وكي يطمئن اسرائيل ويقلل من مخاوفها الأمنية، أكد أوباما ان هذه المقاربة كفيلة بضمان أمن الولايات المتحدة واسرائيل. وكان من الطبيعي أن يرحب علي خامنئي بمبادرة أوباما، خصوصاً ان الادارة الاميركية الجديدة سجلت أول مصالحة مع النظام القائم. أي النظام الذي انتجته ثورة الخميني منذ ثلاثين سنة، وانتجت معه نظاماً ثنائياً مؤلفاً من منظومتين للقوة: واحدة حزبية - سياسية، والأخرى دينية مغلقة. والقوتان تتصارعان منذ سنة 1979، للسيطرة على الدولة وعلى مواطنيها الذين تضاعف عددهم خلال مرحلة الثورة وقفزوا من 35 مليون نسمة الى 70 مليوناً. ويملك هذا العدد المتزايد باستمرار 47 مليون هاتف جوال وحرية استخدام 21 مليون جهاز انترنيت. واللافت أن هناك نسبة ستين في المئة من المواطنين هم دون الثلاثين غالبيتهم تبحث عن عمل. والملاحظ ايضاً أن سوق العمل غير متوفر لاستيعاب اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص سنوياً.
خلال الترشح لولاية ثانية أطل الرئيس محمود أحمدي نجاد على الناخبين من خلال تأييد المؤسسات الرسمية غير المنتخبة مثل الزعيم الأعلى والحرس الثوري ومجلس المراقبين ومجلس الخبراء.
المنافس الأول للرئيس نجاد كان مير حسين موسوي الذي عرف في الثمانينات أثناء فترة الحرب مع العراق كرئيس للحكومة. ومع أنه كان قريباً من الخميني إلا أن علي خامنئي حجبه عن الساحة السياسية مدة عشرين سنة. وهو بالطبع نال تأييد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي الذي دشن رئاسته سنة 1997 بتأسيس نمط الاعتدال داخل النظام. ثم كرس هذا الخط خلال ولايته الثانية سنة 2001 عن طريق استبدال شعار «صدام الحضارات» بشعار «حوار الحضارات» من فوق منبر الأمم المتحدة.
في سبيل كسب ثقة النظام، تحدث موسوي في احدى جولاته الانتخابية، عن دوره «كجانوس» الايراني. وقال إن إله البدايات والأبواب عند الرومان «جانوس» كان يملك وجهين، الأول يتطلع الى الأمام والثاني يتطلع إلى الوراء. وكان بهذا المثل يحاول اقناع المؤسسات السياسية والدينية بأن انتخابه سيضمن المحافظة على الخطين اللذين تتألف منهما الثورة. ولكن هذه المهدئات لن تخفف من تهجمات أهل النظام، خصوصاً أنه ركز في حملاته على الوضع الاقتصادي السيئ الذي شهده عهد أحمدي نجاد. وقال إنه أخفق في تحسين الاقتصاد الذي يعبر عنه تضخم بلغ 28 في المئة، مع ارتفاع اسعار الغذاء والسكن ووصول نسبة البطالة إلى عشرين في المئة.
يؤكد المراسلون الذين غطوا انتخابات الرئاسة في إيران، أن مرشد الجمهورية علي خامنئي حاول ملاقاة دعوة الانفتاح التي قدمها الرئيس أوباما، في منتصف الطريق. لذلك فتح المطار لمئات الصحافيين والمصورين كي يظهر للرأي العام الخارجي أن ايديولوجية النظام تتسع للديموقراطية التي شهدتها الانتخابات النيابية اللبنانية. وبعد صدور النتائج الرسمية وإعلان الشكاوى من التدخل والتجاوز، انقلبت صورة النظام وأصبح من الضروري حظر وسائل الإعلام وضبط تظاهرات الشارع. ويتردد في طهران أن موسوي قد أجبر على ازالة اليافطات الاستفزازية والاكتفاء بمسيرات سلمية محددة في زمانها ومكانها. علماً بأنه تم اكتشاف عناصر مدسوسة من أجل تحريض قوات الأمن على استخدام العنف واسقاط ضحايا. عندها يمكن للمعارضة أن تستغل حمامات الدم لإذكاء روح المقاومة والنقمة. والغرض من كل هذا ارباك النظام القائم ووضعه في موضع الدفاع عن النفس، وارهاقه بمسيرات يومية تمنعه من الحصول على الاستقرار السياسي. ومثل هذا الوضع المقدر له أن يمتد إلى قم وشيراز وأصفهان وبوشهر وسواها من المدن، قد يشغل الدولة المركزية عن التدخل في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن ومصر ولبنان وفلسطين. ويعتبر المراقبون في العواصم الأوروبية استمرار القلاقل والاضطرابات الداخلية مسببات لازدياد النقمة والمعارضة والمشاكل الاجتماعية.
تقول الصحف الإيرانية إن الرئيس نجاد سيكون رئيساً مختلفاً في ولايته الثانية. ذلك أن الانتخابات كشفت للمسؤولين عن سلامة النظام، أن مرشحهم المفضل لم يعد هو الأوفر حظاً ولا الأكثر شعبية. ففي ولايته الأولى أبعد عنه كبار الشخصيات التي كانت قريبة منه مثل علي لاريجاني، أمين مجلس الأمن القومي وعمدة طهران محمد باقر قاليباف ووزير الداخلية ومعاونه. كذلك استغل وسائل الإعلام الرسمية لاغضاب أعمدة النظام مثل الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي اتهم نجاد أولاده بالفساد واستغلال منصب والدهم.
إسرائيل رحبت بإعادة انتخاب أحمدي نجاد لأنه سيحرج الرئيس أوباما ويمنعه من تنفيذ نهجه. ويرى نتانياهو أن شخصاً معتدلاً مثل موسوي سيثبت ركائز النظام مثلما فعل محمد خاتمي، الأمر الذي يحرم إسرائيل من فرص تعبئة المجتمع الدولي ضد إيران. ومعنى هذا أن إسرائيل ستظل تعتبر إيران خطراً وجودياً في ظل الولاية الثانية لأحمدي نجاد. كما تعتبر أن سنة 2010 هي سنة الحسم بالنسبة إلى تحديد الاحتياجات الأمنية لمستقبل وجودها.
منذ انتخاب الرئيس أوباما وهو يرحب بتعاون إيران من أجل ارساء دعائم الاستقرار في العراق وأفغانستان ولبنان. كما يطمح إلى ابرام سلام فلسطيني - إسرائيلي يمكن أن يحول دون حيازة إيران سلاحاً نووياً عن طريق اشراكها في اتفاق اقليمي يضم كل الدول العربية. وقد قوبل هذا التصور بانتقاد نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني الذي وصف أوباما بأنه «بائع أحلام».
في كلام علي خامنئي ما يوحي بأن التغيير الذي يطالب به المتظاهرون، لا يمكن أن يتحقق. لذلك لا يختلف موسوي عن نجاد في اطالة عمر النظام ما دامت خطب الأول منصبة على انتقاد اصلاحات الثاني. وأكثر من يعرف هذه الحقيقة هو الرئيس الإصلاحي الأول محمد خاتمي. ففي عهده وصفت الصحف بأنها حرة قبل أن يكتشف المواطنون اغتيال أكثر من مئة صحافي وأديب سقطوا ضحايا هذه الخدعة القاتلة!