نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


من الدولة ضد الأمة إلى النظام ضد الدولة






قبل عشرين عاماً في أعقاب حرب الخليج وضمن حمى مؤتمر مدريد للسلام، كتب برهان غليون كتابه «المحنة العربية: الدولة ضد الأمة». كانت الأحداث التي يكتب في سياقها غليون شديدة الالتهاب


فمن جهة، مثلت حرب الخليج انهياراً لاثنين من أهم الأعراف التي حكمت السياسة العربية - العربية، وهو أن الدول العربية من جهة لا تحارب بعضها، ومن جهة أخرى لا تتحالف مع قوى أجنبية ضد بعضها.
كذلك مثّل مؤتمر مدريد، على رغم فشله في تحقيق أية نتائج عملية، خرقاً لعرف آخر من الأعراف العربية: «لا سلام مع إسرائيل».
وفي محاولته استيعاب ما جرى، استحدث غليون مفهوم «الحداثة - الحُثالة»، فانطلاقاً من الجذر العربي لكلمة حثالة، أي ما يتبقى من الشيء كبقايا الزيت في الإناء، راح يصف غليون وضع الدولة العربية في وقته بأنها ليست استمراراً للدولة السلطانية التقليدية، وليست دولة حديثة، بل هي دولة نتجت من مشروع تحديثي فاشل، دولة فشلت عن تحقيق أهدافها الوطنية والقومية فانفصلت عن الأمة. أي دولة تحولت من وسيلة نهوض بالأمة إلى جهاز مفرّغ من المشاريع التي تمكنها من حشد الناس معها، جهاز يتوافر على أدوات قهر وسيطرة جبارة تتيح لها التحكم بالناس من دون تمثيلهم والاستجابة لديهم. أي باختصار لم تعد الدولة العربية تمثل أي مشروع سياسي، سواء كان وطنياً أم قومياً، بل تحولت إلى دولة ضد الأمة.
قبل ثلاثة أعوام، أشعل مواطن تونسي ريفي النار في نفسه، معلناً انطلاق الربيع العربي بعد سقوط نظام بن علي في تونس، وترنح نظام مبارك في مصر، فيما أجرت «الوول ستريت جورنال» لقاء مع بشار الأسد. كانت نظرية الأسد بسيطة جداً، وهي أن سبب استقرار سورية واختلافها عن تونس ومصر هو أنها «مرتبطة في شكل قريب من قناعات الناس، فهذه هي القضية الرئيسة، فعندما يكون هناك اختلاف بين سياساتك الخارجية وبين قناعات الناس فإن هذا سيولد فراغاً يولد الاضطرابات، فالناس لا يعيشون فقط من أجل مصالحهم بل يعيشون من أجل قناعاتهم، خصوصاً تلك المؤدلجة جداً».
تبدو هذه الإجابة الآن أشبه ما يكون بالكوميديا، لكنها تنتمي إلى ذلك النوع من الكوميديا السوداء، إذ إن بشار الأسد، في مواجهته للثورة عندما انتشرت في بلاده، لم يتبن سياسات تتناقض مع قناعات مواطنيه فحسب، بل سياسات تتناقض مع وجودهم نفسه، أي سياسات تقتلهم، تنفيهم، تهجرهم، وأخيراً سياسات تسعى إلى تجويعهم حتى يكون الأسد خيارهم الوحيد عوضاً عن الموت. ليس هذا فقط بل إنه كشف عن استعداد لفعل كل ما يمكنه فعله من أجل إبقاء نظامه، بما في ذلك تعريض البلاد لضربة عسكرية وتفاديها عبر تسليم أسلحتها، أي الهرب من الموت عبر القبول بالإخصاء.
فماذا حدث؟ ماذا حدث في العالم العربي لتنتقل الدول من حال «الدولة ضد الأمة» إلى حال «النظام ضد الأمة». فمنذ ٢٠٠٣ نجد صدام يرفض الاستقالة التي كان بالإمكان أن تجنب بلاده غزواً حتمياً، لينتهي مشنوقاً من حكومة طائفية نصبها المحتل، ليتلوه السودان بالقبول بتقسيم البلاد من أجل بقاء النظام، ليأتي الربيع العربي وتبدأ الأنظمة بتوظيف كل بأسها القمعي ضد تطلعات شعوبها.
أي أن الوضع الحالي بين الأنظمة العربية والقوى المهيمنة في المنطقة قائم على صفقة واضحة: نسمح لنظامك بالبقاء طالما أنت تتنازل لنا عن سيادة دولتك، وتسلم أسلحتك الاستراتيجية، وتضحي بجزء من أرضك... إلخ. وعلى مذبح هذه الصفقة تنساب الدماء والآلام العربية من دون انقطاع.
قبل عقود عدة، كانت العواصم العربية تعكس نشاط دولها في السعي نحو التحديث والتقدم، كانت سياسات نشر التعليم وبناء البنية التحتية ومحاولات التصنيع وبناء القوة المادية قائمة على قدم وساق. الأمر الذي جعل العواصم العربية انعكاساً لهذه الحال، كانت بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة تتنافس في بينها ضمن سياق التحضر والتقدم والرقي، أما اليوم فماذا نرى؟ إننا لا نرى سوى تنافس بينها على الخراب، من منا اليوم لا يخشى على نفسه عند دخول أي من هذه المدن؟
قد يكون النظر للعالم العربي من زاوية الدولة باعثاً للتشاؤم دوماً، فمن الدولة التحديثية المحامية عن الأمة إلى الدولة الريعية المضادة للأمة إلى وضعنا الحالي، إنها سلسلة من الانهيارات، وانسحاب للسلطة للداخل أكثر فأكثر، يصاحبه تآكل للسيادة وتسييس للهويات الطائفية داخل المجتمع، نتيجة تنامي الفقر والجهل والجوع والإحباط، إلا أن هذا التشاؤم يتقلص عندما نرى الشق الثاني من الصورة، إنه زمن الربيع العربي الذي نعيش فيه، وإنه على رغم التراجع الكبير الذي أصاب عملية التحول الديموقراطي إلا أن الزخم ومعه الأمل أيضاً لم يخبُ بعد، وأن التغيرات حتى الآن على الأقل لم يتحدد مسارها في شكل كامل
----------------
الحياة
 

سلطان العامر
الاربعاء 30 أكتوبر 2013