استطاعت إيران في العام 2015 تحقيق اتفاقها التاريخي بالملف النووي الذي سمح لها بالتمدد بكامل المنطقة ومتابعة برنامجها النووي، فيما أتى انسحاب أمريكيا وحيد الجانب من هذا الاتفاق عام 2018 وفرض عقوبات جديدة على إيران بمثابة إعادة تقييد إيران مرة أخرى ومنعها أو إيقاف تمددها غير المقنن وفقا للاتفاق السابق. ترافق هذا مع شن سلاح الجوي الإسرائيلي لعشرات (وقد تكون فاقت المئة) العمليات العسكرية الجوية على مواقع تمركز الميليشيات الإيرانية وحزب الله في العمق السوري، مع غض طرف روسي وموافقة ورضا أمريكية دون أن تبدي إيران أية ردة فعل مباشرة عليها.
فيما أتت اتفاقات عمان الثلاثية الأمريكية الروسية الأردنية نهاية عام 2017 والمنفذة في منتصف العام 2018 بتوصية مفادها فرض السيطرة الروسية والسلطة السورية في منطقة الجنوب السوري شريطة إبعاد القوات الأجنبية منها، دون تسميتها، لكن إشارتها المتفاهم عليها هي إبعاد الميليشيات المرتبطة بإيران عن الحدود الإسرائيلية، وهذه النقطة أوضحها التفاهم الروسي الأمريكي الإسرائيلي فيما عرف بتفاهم تل أبيب الأمني بعد عمان مباشرة، تتعهد روسيا فيه بإبعاد التواجد الإيراني من كامل الجنوب السوري لتتباين الأرقام حول عمقه من 40 إلى 100 كم. في هذا الشأن عملت إسرائيل على منع تمركز الميليشيات الإيرانية في العمق السوري، خاصة في جنوب دمشق والجنوب السوري عامة، بتوجيه ضربات جوية متتالية لهذه المواقع، والتي لم ترد عليها إيران أبداً، فيما كان الموقف الروسي صامتاً باستثناء مرة وحيدة أبدت فيها روسيا تململها بالتصريح بأن إيران يمكن أن ترد على هكذا ضربات.
توجهات سياسية رغبوية:
يرغب الكثير من المحللين بقيام إسرائيل وأمريكيا بعمل عسكري مباشر ضد إيران، وعند عدم تحققه يبرز التحليل الأضعف أن الطرفان الأمريكي والإسرائيلي من جهة والإيراني من جهة أخرى متفقان، وأن الضربات العسكرية الإسرائيلية هي تلميع لوجه إيران في المنطقة! فيما يرغب الطرف الآخر بتوقيع إيران اتفاقا نوويا جديدا يسمح لها بامتلاك السلاح النووي وفرض شروطها على الساحة الدولية ودعم ما يسموه بتيار المقاومة! ويبدو أن كلا التحليلين محض رغبوي سياسي لا يرتقي لمستوى تحديد معطيات الدول ومصالحها لليوم.
تشير المعطيات الواقعية إلى أن:
– أولوية أمن الخليج الذي تهدده إيران عبر إقفال الخليج العربي، والخليج هو الكتلة المالية الرئيسية الممولة لأي عمل عسكري غربي وشاهده الأساس حربي العراق 1991 و2003، ومجريات الحدث السوري لليوم.
– تهديد منابع وخطوط الطاقة العالمية وأهمها الخليجية، وهذه عزم مزدوجة تتحكم بأوروبا بشكل رئيسي، فهي تحت رحمة روسيا مباشرة بخط الغاز الروسي، فكيف لو انقطع البترول الخليجي.
– يعني امتلاك السلاح النووي دولياً ما يلي: وجود خط أحمر عريض دفاعي تحت عنوان الخطر العالمي وسلامة أمنه. وإثبات حضور الدولة على الخارطة العالمية، أضف إلى التقدم التقني المرافق لتطور البنية النووية وانعكاساتها على كافة مجالات الحياة، لما تقدمه التقنية النووية بالأساس من تقنيات متطورة دقيقة ومحكمة، أضف لان وجود السلاح النووي يحمي الدولة ويمنحها فرصة التنمية الاقتصادية.
– فيما أن التمدد العسكري خارج حدود الدولة ذاتها، وهذا ليس بالضرورة أن يكون مباشراً كالتمدد الروسي أو الأمريكي، بل عبر الأدوات والميليشيات، كالتمدد الإيراني في دول المنطقة (العراق ولينان وسوريا واليمن) أو ما يشابهه التركي، وهو ما يعني: زرع كيانات مؤثرة في قرار البلدان التي تتمدد فيها. وتصدير قوانين ومفاهيم الدول تلك وفي الحالة الإيرانية قوانين الجمهورية الإسلامية وذلك فوق مقومات الدول الوطنية ذاتها وتحويل مساراتها. أضف الى اثبات الحضور على الساحة الإقليمية.
إيران تفاوض:
تدرك إيران جيداً، وأمريكيا وأوروبا بالجهة المقابلة، نقاط القوة التي تمتلكها إيران وفق المعطيات أعلاه، وليس فقط، بل استفادت أمريكيا وبعض الأجنحة الأوروبية من التمدد الإيراني في المنطقة بدءاً من العراق 2003، وصولاً لسورية بعد عام 2013، إذ أدى هذا إلى تحقيق مكاسب كبرى لها في منطقة الشرق الأوسط، سواء بإنهاء الدولة العراقية الخارجة عن التحكم الأمريكي وقت ذاك، والتي كانت تمتلك كل مقومات الدولة الوطنية القابلة لأن تكون نداً لإسرائيل في المنطقة الشرق أوسطية خلاف باقي الدول المحيطة فيها، أضف لان وجود إيران في سوريا قوض مشروع التغير السياسي السوري وحول المسألة السورية من ثورة تستهدف التغير الديموقراطي إلى مسارات حرب متعددة الأوصاف دينيا وسياسيا أتت بكارثة كبرى على السوريين عامة، سواء سوريو الثورة والتغير وما طالهم من تشتت وتهجير وتغيير ديموغرافي وويلات تسمى كارثة عصر، أو سوريو السلطة الذين باتوا أسرى المحاور الإقليمية والدولية خاصة إيران وروسيا. وبالنتيجة العامة حققت هذه السياسة، التي استخدمت إيران وظيفياً في المنطقة، غرضها بقطع أوصال الربيع العربي في سورية واستبعاد إمكانية قيام دول وطنية في شرق المتوسط تكون منافسة لإسرائيل. فما الذي تغير اليوم لتصبح العقوبات الأمريكية من جهة والضربات الإسرائيلية من جهة، تزعزع هذا التمدد الإيراني؟
المتغيرات الواضحة في هذا المسار هو محاولات التفرد الإيراني في المنطقة وعدم استجابتها للدور الوظيفي الموكل لها بهذا الشأن، فقد باتت تهيمن على قرارات أربعة دول فيها وإن كان بشكل نسبي، طبعا مع وجود الروس في سوريا، والأمريكان في العراق والمبادرات الفرنسية الاوروبية في لبنان، ودول الخليج في اليمن، وجميعها ترقب منافسة ايران لها على واقع الأرض والمكاسب العامة. أضف للمسألة الأهم أن هذا التمدد الإيراني بات مصدر قلق إسرائيلي بحكم وجود منافس قوي لها على الاستئثار والتفرد بقرارات المنطقة خاصة المالية والاقتصادية والسياسية، بعد تلاشي مشروع الدول الوطنية في هذه الدول بحكم الدور الإيراني ذاته، وإفشال مقومات الربيع العربي نتيجة.
وهنا تبرز إشكالية مواجهة إيران في هذا التمدد وكفاية دورها في تفتيت المنطقة والذي لا تستجيب له إيران بل تصر على التفاوض بحكم الوجود والقوة.
إيران تفاوض العالم على خطر امتلاكها السلاح النووي، ووجهة نظرها والمؤيدين لها، إنه حق لها كما إسرائيل، وإلا لماذا تتفرد إسرائيل بحق بامتلاك هذه القوة منفردة؟ وهذا طبعا يظهر هشاشة تلك الرغبة التي تقول بضرورة ضرب إيران عسكرياً، والا فهما متفقان! لكن معطيات إيران تقول انها قادرة على تهديد أمن الخليج والطاقة العالمية، أضف لقدرتها على تهديد أمن إسرائيل ذاتها.
معايير التفاوض العلمية والسياسية:
معادلة الحرب الكبرى بين الدول اليوم تغيرت محاورها، خاصة بعد فضائع قنبلتي فوكوشيما وناكازاكي النووية، من مواجهات مباشرة لمواجهات عبر الأذرع، وبالأصح لكسب النقاط العسكرية والسياسية التدريجية وليس الخسارة الكلية، وبالنتيجة التوجه لمفاوضات ملزمة تتيح إمكانية التحكم أولا والاستفادة ثانيا. والتحكم يعني تحجيم مقدرات الدولة وفرض شروط مصلحة الدولة التي تحقق نقاط التفوق والاستفادة مفادها الاستخدام الوظيفي وتقليص فعالية الدولة التي تخسر نقاط التفوق تلك وهنا يبدأ التفاوض الإيراني.
تبدو الكثير من المؤشرات العالمية اليوم تشير إلى استجابة إيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما تؤشر إسرائيل على قدرة إيران على تجاوز نسبة 20% من تخصيب اليورانيوم، ويتفهم العالم وعلى رأسه أمريكيا محاولات إيران كسب الوقت من خلال التفاوض الطويل وعدم ردها على إسرائيل أنها مناورة بالوقت بغية الوصول للحظة تقنية تفيد بقربها من امتلاك سلاح نووي. هنا وبهذه النقطة بالذات تعمل المزدوجة العالمية المختلفة الروسية والأمريكية ومن خلفها إسرائيل على محاولة لجم هذه النقطة وكل فريق يحاول الاستفادة منها على طريقته. فروسيا تحاول فرض شروطها على إيران في الداخل السوري مقابل تعاونها النووي النسبي معها، وأمريكيا وإسرائيل يفاوضون روسيا على تحجيم الدور الإيراني في سوريا مقابل إعطائها امتيازات استثنائية حصرية في الملف السوري، فيما تصر دول الخليج العربي على تعطيل أي اتفاق يتيح لإيران امتلاك السلاح النووي الذي يعني سطوتها الكبرى في المنطقة.
المعايير العلمية في امتلاك السلاح النووي معايير دقيقة وحساسة وحرجة، وأهمها على الإطلاق كتلة اليورانيوم المخصب، فيما تقوم المعايير السياسية في المصالح الدولية، وخاصة في الحروب العصرية على المعادلات الصفرية في الخسارة، وأظن أن هذين المعيارين هما ما يحكم عملية التفاوض وشروطه غير المعلنة للعلن، في مقابل تصريحات إعلامية ترويجية بعيدة عن مرمى التفاوض بأساسه. فما لم يتحقق المعيار الأول ستبقى إيران تفاوض وفرص الضغط بالعمل العسكري الجزئي والمحدود مرجحة ومنها استمرار الضربات الإسرائيلية لمواقعها، وما لم تتحقق معايير الخسارة الصفرية الغربية عسكرياً فالتفاوض سيستأنف، والحالة التي يمكن أو توقف التفاوض هي توصل روسيا وأمريكيا لتفاهم كلي مشروط بالتنفيذ الفعلي حول طريقة تحجيم إيران بسوريا عامة وعندها قد تبادر إيران ذاتها بافتعال عمل عسكري واسع وانتحاري، فيما الخسارة الكبرى التي لا يريد أن يرقبها العالم وصناع قرارته هي دول الشرق الأوسط (سوريا والعراق ولبنان) خاسرة لليوم كل مقومات وجودها السياسي، وهذه تنعكس بشكل مباشر على الأوروبيين والخليجيين، ما يتطلب منها النظر لأفق سياسي وعلمي معياري مختلف عما يجري لليوم ….
-----------
مركز اسبار
فيما أتت اتفاقات عمان الثلاثية الأمريكية الروسية الأردنية نهاية عام 2017 والمنفذة في منتصف العام 2018 بتوصية مفادها فرض السيطرة الروسية والسلطة السورية في منطقة الجنوب السوري شريطة إبعاد القوات الأجنبية منها، دون تسميتها، لكن إشارتها المتفاهم عليها هي إبعاد الميليشيات المرتبطة بإيران عن الحدود الإسرائيلية، وهذه النقطة أوضحها التفاهم الروسي الأمريكي الإسرائيلي فيما عرف بتفاهم تل أبيب الأمني بعد عمان مباشرة، تتعهد روسيا فيه بإبعاد التواجد الإيراني من كامل الجنوب السوري لتتباين الأرقام حول عمقه من 40 إلى 100 كم. في هذا الشأن عملت إسرائيل على منع تمركز الميليشيات الإيرانية في العمق السوري، خاصة في جنوب دمشق والجنوب السوري عامة، بتوجيه ضربات جوية متتالية لهذه المواقع، والتي لم ترد عليها إيران أبداً، فيما كان الموقف الروسي صامتاً باستثناء مرة وحيدة أبدت فيها روسيا تململها بالتصريح بأن إيران يمكن أن ترد على هكذا ضربات.
توجهات سياسية رغبوية:
يرغب الكثير من المحللين بقيام إسرائيل وأمريكيا بعمل عسكري مباشر ضد إيران، وعند عدم تحققه يبرز التحليل الأضعف أن الطرفان الأمريكي والإسرائيلي من جهة والإيراني من جهة أخرى متفقان، وأن الضربات العسكرية الإسرائيلية هي تلميع لوجه إيران في المنطقة! فيما يرغب الطرف الآخر بتوقيع إيران اتفاقا نوويا جديدا يسمح لها بامتلاك السلاح النووي وفرض شروطها على الساحة الدولية ودعم ما يسموه بتيار المقاومة! ويبدو أن كلا التحليلين محض رغبوي سياسي لا يرتقي لمستوى تحديد معطيات الدول ومصالحها لليوم.
تشير المعطيات الواقعية إلى أن:
– أولوية أمن الخليج الذي تهدده إيران عبر إقفال الخليج العربي، والخليج هو الكتلة المالية الرئيسية الممولة لأي عمل عسكري غربي وشاهده الأساس حربي العراق 1991 و2003، ومجريات الحدث السوري لليوم.
– تهديد منابع وخطوط الطاقة العالمية وأهمها الخليجية، وهذه عزم مزدوجة تتحكم بأوروبا بشكل رئيسي، فهي تحت رحمة روسيا مباشرة بخط الغاز الروسي، فكيف لو انقطع البترول الخليجي.
– يعني امتلاك السلاح النووي دولياً ما يلي: وجود خط أحمر عريض دفاعي تحت عنوان الخطر العالمي وسلامة أمنه. وإثبات حضور الدولة على الخارطة العالمية، أضف إلى التقدم التقني المرافق لتطور البنية النووية وانعكاساتها على كافة مجالات الحياة، لما تقدمه التقنية النووية بالأساس من تقنيات متطورة دقيقة ومحكمة، أضف لان وجود السلاح النووي يحمي الدولة ويمنحها فرصة التنمية الاقتصادية.
– فيما أن التمدد العسكري خارج حدود الدولة ذاتها، وهذا ليس بالضرورة أن يكون مباشراً كالتمدد الروسي أو الأمريكي، بل عبر الأدوات والميليشيات، كالتمدد الإيراني في دول المنطقة (العراق ولينان وسوريا واليمن) أو ما يشابهه التركي، وهو ما يعني: زرع كيانات مؤثرة في قرار البلدان التي تتمدد فيها. وتصدير قوانين ومفاهيم الدول تلك وفي الحالة الإيرانية قوانين الجمهورية الإسلامية وذلك فوق مقومات الدول الوطنية ذاتها وتحويل مساراتها. أضف الى اثبات الحضور على الساحة الإقليمية.
إيران تفاوض:
تدرك إيران جيداً، وأمريكيا وأوروبا بالجهة المقابلة، نقاط القوة التي تمتلكها إيران وفق المعطيات أعلاه، وليس فقط، بل استفادت أمريكيا وبعض الأجنحة الأوروبية من التمدد الإيراني في المنطقة بدءاً من العراق 2003، وصولاً لسورية بعد عام 2013، إذ أدى هذا إلى تحقيق مكاسب كبرى لها في منطقة الشرق الأوسط، سواء بإنهاء الدولة العراقية الخارجة عن التحكم الأمريكي وقت ذاك، والتي كانت تمتلك كل مقومات الدولة الوطنية القابلة لأن تكون نداً لإسرائيل في المنطقة الشرق أوسطية خلاف باقي الدول المحيطة فيها، أضف لان وجود إيران في سوريا قوض مشروع التغير السياسي السوري وحول المسألة السورية من ثورة تستهدف التغير الديموقراطي إلى مسارات حرب متعددة الأوصاف دينيا وسياسيا أتت بكارثة كبرى على السوريين عامة، سواء سوريو الثورة والتغير وما طالهم من تشتت وتهجير وتغيير ديموغرافي وويلات تسمى كارثة عصر، أو سوريو السلطة الذين باتوا أسرى المحاور الإقليمية والدولية خاصة إيران وروسيا. وبالنتيجة العامة حققت هذه السياسة، التي استخدمت إيران وظيفياً في المنطقة، غرضها بقطع أوصال الربيع العربي في سورية واستبعاد إمكانية قيام دول وطنية في شرق المتوسط تكون منافسة لإسرائيل. فما الذي تغير اليوم لتصبح العقوبات الأمريكية من جهة والضربات الإسرائيلية من جهة، تزعزع هذا التمدد الإيراني؟
المتغيرات الواضحة في هذا المسار هو محاولات التفرد الإيراني في المنطقة وعدم استجابتها للدور الوظيفي الموكل لها بهذا الشأن، فقد باتت تهيمن على قرارات أربعة دول فيها وإن كان بشكل نسبي، طبعا مع وجود الروس في سوريا، والأمريكان في العراق والمبادرات الفرنسية الاوروبية في لبنان، ودول الخليج في اليمن، وجميعها ترقب منافسة ايران لها على واقع الأرض والمكاسب العامة. أضف للمسألة الأهم أن هذا التمدد الإيراني بات مصدر قلق إسرائيلي بحكم وجود منافس قوي لها على الاستئثار والتفرد بقرارات المنطقة خاصة المالية والاقتصادية والسياسية، بعد تلاشي مشروع الدول الوطنية في هذه الدول بحكم الدور الإيراني ذاته، وإفشال مقومات الربيع العربي نتيجة.
وهنا تبرز إشكالية مواجهة إيران في هذا التمدد وكفاية دورها في تفتيت المنطقة والذي لا تستجيب له إيران بل تصر على التفاوض بحكم الوجود والقوة.
إيران تفاوض العالم على خطر امتلاكها السلاح النووي، ووجهة نظرها والمؤيدين لها، إنه حق لها كما إسرائيل، وإلا لماذا تتفرد إسرائيل بحق بامتلاك هذه القوة منفردة؟ وهذا طبعا يظهر هشاشة تلك الرغبة التي تقول بضرورة ضرب إيران عسكرياً، والا فهما متفقان! لكن معطيات إيران تقول انها قادرة على تهديد أمن الخليج والطاقة العالمية، أضف لقدرتها على تهديد أمن إسرائيل ذاتها.
معايير التفاوض العلمية والسياسية:
معادلة الحرب الكبرى بين الدول اليوم تغيرت محاورها، خاصة بعد فضائع قنبلتي فوكوشيما وناكازاكي النووية، من مواجهات مباشرة لمواجهات عبر الأذرع، وبالأصح لكسب النقاط العسكرية والسياسية التدريجية وليس الخسارة الكلية، وبالنتيجة التوجه لمفاوضات ملزمة تتيح إمكانية التحكم أولا والاستفادة ثانيا. والتحكم يعني تحجيم مقدرات الدولة وفرض شروط مصلحة الدولة التي تحقق نقاط التفوق والاستفادة مفادها الاستخدام الوظيفي وتقليص فعالية الدولة التي تخسر نقاط التفوق تلك وهنا يبدأ التفاوض الإيراني.
تبدو الكثير من المؤشرات العالمية اليوم تشير إلى استجابة إيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما تؤشر إسرائيل على قدرة إيران على تجاوز نسبة 20% من تخصيب اليورانيوم، ويتفهم العالم وعلى رأسه أمريكيا محاولات إيران كسب الوقت من خلال التفاوض الطويل وعدم ردها على إسرائيل أنها مناورة بالوقت بغية الوصول للحظة تقنية تفيد بقربها من امتلاك سلاح نووي. هنا وبهذه النقطة بالذات تعمل المزدوجة العالمية المختلفة الروسية والأمريكية ومن خلفها إسرائيل على محاولة لجم هذه النقطة وكل فريق يحاول الاستفادة منها على طريقته. فروسيا تحاول فرض شروطها على إيران في الداخل السوري مقابل تعاونها النووي النسبي معها، وأمريكيا وإسرائيل يفاوضون روسيا على تحجيم الدور الإيراني في سوريا مقابل إعطائها امتيازات استثنائية حصرية في الملف السوري، فيما تصر دول الخليج العربي على تعطيل أي اتفاق يتيح لإيران امتلاك السلاح النووي الذي يعني سطوتها الكبرى في المنطقة.
المعايير العلمية في امتلاك السلاح النووي معايير دقيقة وحساسة وحرجة، وأهمها على الإطلاق كتلة اليورانيوم المخصب، فيما تقوم المعايير السياسية في المصالح الدولية، وخاصة في الحروب العصرية على المعادلات الصفرية في الخسارة، وأظن أن هذين المعيارين هما ما يحكم عملية التفاوض وشروطه غير المعلنة للعلن، في مقابل تصريحات إعلامية ترويجية بعيدة عن مرمى التفاوض بأساسه. فما لم يتحقق المعيار الأول ستبقى إيران تفاوض وفرص الضغط بالعمل العسكري الجزئي والمحدود مرجحة ومنها استمرار الضربات الإسرائيلية لمواقعها، وما لم تتحقق معايير الخسارة الصفرية الغربية عسكرياً فالتفاوض سيستأنف، والحالة التي يمكن أو توقف التفاوض هي توصل روسيا وأمريكيا لتفاهم كلي مشروط بالتنفيذ الفعلي حول طريقة تحجيم إيران بسوريا عامة وعندها قد تبادر إيران ذاتها بافتعال عمل عسكري واسع وانتحاري، فيما الخسارة الكبرى التي لا يريد أن يرقبها العالم وصناع قرارته هي دول الشرق الأوسط (سوريا والعراق ولبنان) خاسرة لليوم كل مقومات وجودها السياسي، وهذه تنعكس بشكل مباشر على الأوروبيين والخليجيين، ما يتطلب منها النظر لأفق سياسي وعلمي معياري مختلف عما يجري لليوم ….
-----------
مركز اسبار