وبقدر ما تكون المسيرة العالمية الخاصة بالقدس عودة إلى مواقف قديمة لا تُنسى، فهي تعبير إنساني صادق عن صحوة جديدة للضمير العالمي في وجه الصلف الصهيوني المتزايد والمستمر في الاستيلاء المتلاحق على ما تبقى من أجزاء فلسطين خارج الكيان الغاصب بالقرارات الدولية، وما يقوم به من اعتداء صارخ على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين على السواء، وما يمثله هذا الاعتداء المتواصل من استعداء لكل ضمير يحزنه ويؤرقه ما آلت إليه هذه المدينة المقدسة التي كانت ملتقى لجميع الديانات ومحجاً لكل أتباعها من دون تمييز أو إقصاء، وفي منأى عن الرعب الذي أصبح الرفيق الدائم لكل أبناء القدس من العرب أولاً وللذين يغامرون في زيارتها ثانياً.
لقد فوجئت سفارات الكيان الصهيوني بالمسيرات الصاخبة في وجه دعاة العنصرية والإرهاب، ووقف قادة الكيان في حالة يرثى لها تجاه ما تبعثه هذه المسيرات من مؤشرات إلى زحف مقبل يعكس قلق العالم وشعوره الملتهب تجاه ما يلقاه الفلسطينيون في ديارهم من احتلال وقتل وتشريد وسجن، وما يمارسه عليهم قادة الكيان المحتل من عنف لا يختص البشرَ وحدهم، وإنما يشمل الأرض والمقدسات، والتراث التاريخي، ولا يقف عند هدم منازل المواطنين وتحويل أراضيهم إلى عمارات سكنية للمستوطنين الجدد من بقاع العالم، وإنما يصل إلى محاولة هدم المباني المقدسة كما يحدث مع المسجد الأقصى من خلال محاولات متكررة لإحراقه أو هدم جدرانه، وما سيترتب على ذلك من ثورة العالم الإسلامي وأنصاره.
وأعود مجدداً إلى الإشارة التي بدأت بها حديث هذه الزاوية وهي عن غياب الوطن العربي، أو بالأصح غياب أبنائه الذين شغلتهم معارك اللحظة الراهنة حتى عن متابعة المسيرة العالمية، فقد وضعتهم الأحداث المتتابعة على فوهة بركان من المتغيرات العاصفة ولم يعد هناك قطر عربي لا تشهد أرضه حالة تململ أو انتفاض، وما ينتج عنها جميعاً من ردود أفعال وتشنجات لم تجعلهم ينسون فلسطين ومحنتها فحسب، بل كادت تجعلهم ينسون في أي عصر يعيشون وإلى أي غاية يذهبون، وتلك حالة كل أمة تطيل النظر إلى الخلف ولا تعطي حاضرها ومستقبلها ما يستحقانه من تركيز واهتمام.