وبينما ينظر المسؤولون في أفضل السبل لمواجهة تنظيم “داعش”، هناك أنباء جيدة: لقد حققت الولايات المتحدة وأصدقاؤها بعض النجاحات ضد “داعش” في الشهر الماضي. فقد قدمت الإدارة الأمريكية الدعم المادي للبيشمرغة الكردية التابعة لإقليم كردستان العراق وقوات العمليات الخاصة العراقية، في ظل الاستخدام الحكيم للغارات الجوية التي مكنتهم من صد هجمات “داعش” شمال غرب وشمال شرق بغداد.
ولكن إدارة أوباما قد أدركت بحكمة أن هذه العمليات العسكرية لن تكن مجدية إلا على المدى القصير. فالحل الوحيد الطويل الأمد يكمن في تشكيل حكومة عراقية جديدة قادرة على حشد أغلبية كبيرة من العراقيين من مختلف الطوائف والخلفيات العرقية والأثنية لمحاربة الدولة الإسلامية في سوريا. وكان العراقيون وهم موحدين قد احتووا سابقا هؤلاء المتطرفين، وباستطاعتهم فعل ذلك مرة أخرى.
أما بالنسبة للسكان العرب السنة الممانعين في العراق، والغاضبين من سياسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فقد سبق لهم أن أيدوا “داعش” خلال الربيع الماضي، ولكن الآن الشخصيات العشائرية السنية في الأنبار وكركوك، وكذلك بعض النخبة من السياسيين ورجال الأعمال في الموصل وصلاح الدين، قد طلبوا من الحكومة المركزية في بغداد مساعدتهم في محاربة التنظيم.
النجاح لن يكون مضمونا، ولكن المشهد بات أفضل من الشهر الماضي.
الضغط الأمريكي، بالإضافة إلى ربط المساعدات العسكرية بتقدم ملموس لإنشاء حكومة وطنية ذات قاعدة واسعة، قد شجع العراقيين المترددين للمضي قدما. ولذلك تحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على هذا النهج في التعامل مع الواقع الجديد.
ولكن حتى مع هذا التقدم في العراق، فالولايات المتحدة وأصدقاؤها لا يمكنهم احتواء الدولة الإسلامية لفترة طويلة، عندما يسيطر هذا التنظيم على مناطق شاسعة في سوريا، يتمكن مقاتليه أن يتنقلوا بأمان. ويمكنهم وقت ما شاءوا أن يستريحوا من القتال، ويعيدوا تنظيم صفوفهم، ويعودوا للقتال مرة أخرى. وفيما نحن جالسين نفكر بالرد، ينبغي أن ننظر ما إذا كان أي من الاستراتيجيات المستخدمة مؤخرا في العراق يمكن أن تستخدم أيضا في سوريا.
ففي العراق، الولايات المتحدة قد حددت مجموعة أصدقاء على استعداد لقتال الدولة الإسلامية على الأرض. لم تكن قوات البيشمرغة الكردية مثالية، فهي ليست جيشا نظاميا، وهيكل قيادة البيشمرغة في بعض الأحيان غير عملي، بالإضافة إلى أن أجنداتها السياسية ليست دائما متوافقة مع مصالحنا. ومع ذلك، من الواضح أن قوات البيشمرغة تمكنت من دحر قوات “داعش” ووقف تقدمهم، لذلك التعاون معهم كان منطقيا.
وبشكل مشابه، فان توفير مساعدات أكبر لعناصر المعارضة السورية المسلحة المعتدلة هو أمر “منطقي للغاية”. فهم مندفعون ويخضون القتال ضد “داعش” منذ تسعة أشهر. وعلى الرغم من القتال في معركة شاقة ضد جيش نظام الرئيس السوري بشار الأسد المنظم والمسلح بشكل جيد، والمدعوم بقوات من إيران وروسيا، إلا أن المجموعات المسلحة المعتدلة حققت تقدما في بعض المناطق.
وقد تتشارك هذه المجموعات (السورية المسلحة) مع قوات البيشمرغة والجيش العراقي في نفس المشاكل المحبطة، مثل عدم الانضباط المهني. ولكن لو كانوا أفضل تسليحا وتمويلا، فيمكن لهؤلاء المقاتلين السوريين المعتدلين أن يكون مفيدين في التصدي لتنظيم الدولة.
وقد قاموا بفعل ذلك من خلال طرد عناصر تنظيم الدولة من شمال غرب سوريا في وقت سابق هذا العام، وأيضا من مناطق دمشق في فترة هذا الصيف. ومع التدفقات النقدية من قبل أقوى الحكومات في الغرب والخليج، فقد يمكنهم ابعاد السوريين عن الانجذاب وراء أموال تنظيم “داعش”.
وقد تكون هناك حاجة لضربات جوية أمريكية في سوريا، ولكن هذا التكتيك لن يكون الأكثر أهمية لتحقيق النجاح، ولن تكون استراتيجية تقديم المزيد من المساعدات المادية للثوار كافيه لاحتواء تنظيم الدولة الإسلامية على المدى الطويل. فكما حدث في العراق، يجب أن يكون هناك تغير سياسي أيضا.
وفي المقابل، مساعدة نظام الأسد الضعيف لتعزيز موقعه في دمشق ليس حلا ناجحا على المدى البعيد. النظام السوري الحالي لا يمكنه دحر الدولة الإسلامية الآن، فهو يجذب العشرات من الجهاديين الجدد كل يوم. مساعدة الأسد سوف تساعد على مضاعفة أعداد المجندين. فبدلا من ذلك تحتاج سوريا إلى حكومة جديدة، كما هو الحال الآن في العراق.
وكانت تأمل الولايات المتحدة أن يتم التفاوض بشأن حكومة سورية جديدة في جنيف، حيث عقد مؤتمر دولي في وقت سابق هذا العام يهدف إلى إيجاد حل سياسي للصراع السوري، ولكن الأسد رفض أي مفاوضات جادة. فحلفاؤه الروس والإيرانيون، قدروا أن هذا النظام يمكنه الاستمرار، ومع عدم وجود البديل برأيهم، لم يبذلوا أي جهد لإقناع النظام بأن يتنحى.
ورغم ذلك، بعد ستة أشهر ركائز دعم النظام بدأت تضعف. فهناك تقارير تفيد بأن النظام في وقت سابق هذا الشهر أعدم ثلاثة طيارين من القوات الجوية لأنهم رفضوا إطاعة أوامره. أما بالنسبة للطائفة العلوية التي تعتبر من الأقليات في سوريا، والتي دعمت الأسد منذ البداية، فبدأت تتذمر علنا من الخسائر الفادحة جراء الحرب التي لم تنته ضد الثوار المعتدلين، والآن ضدّ الدولة الإسلامية التي لا ترحم أحدا. وقد انطلقت حملة تحت مسمى “صرخة وطن” من قلب المنطقة العلوية. هدف الحملة هي القول إن الأسد يحتفظ بمنصبه بينما أطفالنا يذهبون إلى أكفانهم.
نحن بحاجة إلى قادة المعارضة المسلحة المعتدلة في سوريا للاستفادة من هذا الموضوع للمضي قدما بإيجاد حل سياسي، وليس فقط حل عسكري. وبينما نقوم بزيادة المساعدات إلى الثوار المسلحين المعتدلين، يجب علينا أن نشترط عليهم التواصل مع المنشقين عن النظام وتطوير موقف سياسي مشترك معهم، والتفاوض على حكومة وحدة وطنية جديدة، مع وجود الأسد أو من دونه.
نظام الأسد لن يذهب للتفاوض بسهولة، وسوف يحتاج الثوار المعتدلون إلى مزيد من المساعدة، قد يحتاجون أيضا للمزيد من السلاح، مثل قذائف الهاون والصواريخ، لضرب المطارات والقواعد العسكرية التابعة للنظام، لكي يضعفوا آلة الحرب الأسدية.
تعزيز المساعدة للمعارضة المعتدلة من شأنه أيضا أن يجبر روسيا وإيران إلى إعادة التفكير بدعمهم ألا محدود للأسد، وخاصة إذا وجد الطريق الأفضل لاحتواء “داعش”.
وكما فعلت مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، إيران قد تفكر في بدائل منطقية أخرى للقيادة السورية الحالية. ومع ذلك، إيران، لن تقوم بأي خطوة حتى تعرف أن الأسد لا يمكنه الفوز، ولا يمكنه أن يحشد تأييدا كافيا لاحتواء الدولة الإسلامية.
يقول أحد المراقبين الأمريكيين البارزين، من الحماقة أن نعتقد أن مساعدتنا للمقاتلين المسلحين المعتدلين يمكنها الاطاحة بالأسد. لكن إسقاط نظام الأسد لم يكن هدفنا من قبل، ولا ينبغي أن يكون الآن. ينبغي أن نسعى لمساعدة المعارضة السورية لإلحاق أضرار كافية بنظام الأسد، بحيث أنه، على الرغم من بشار الأسد، فإن النظام سوف يوافق أخيرا على التفاوض على حكومة جديدة تكون مهمتها الأولى هي محاربة الدولة الإسلامية وطردها أخيرا من سوريا.
في حرب وحشية وثلاثية الجوانب كالحرب السورية، ليس لدى الولايات المتحدة أي خيارات سهلة. لم نستطع أن نسيطر على الأحداث هناك. وصحيح أيضا أن الحروب الأهلية لا تنتهي دائما بشكل جيد. ومع ذلك، عدم قدرتنا على التوجه قدما أو ضمان أفضل النتائج لن تكون ذريعة للاستمرار بنهجنا الحالي.
---------------
سي ان ان العربية