الموقف الغربي يهدف إلى استبدال متشددي النظام بمعتدليه، كخطوة تؤدي للوصول إلى وقف العمل في المشروع النووي الإيراني، وازالة الخطر الإيراني عن المصالح النفطية في دول الجوار الإيراني، وذلك في إطار استراتيجة الإحتواء المزدوج التي تقررت لمواجهة المشروعين القومي والإسلامي في الإقليم النفطي.
نعم من حق الإيرانيين أن يعترضوا على نتائج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة. ومن حقهم، ما دامت مؤسسات النظام، وهي تعترف بحدوث خروقات انتخابية، تعمل على التقليل من أهمية تأثيرها على نتائج الإنتخابات، وترفض الغاءها.
وبطبيعة الحال، من حق الرئيس الفائز، كما من حق نظام الحكم في إيران أن يدافعا عن نفسيهما، خاصة وأن الفارق بين مجموع الأصوات التي حصل عليها الرئيس محمود أحمدي نجاد، ومنافسه الأول مير حسين موسوي يبلغ إحدى عشر مليون صوت، يستحيل تصور امكانية تزويرها..!
أوليست الديمقراطية في إحدى أهم تجلياتها هي حكم الأكثرية، وخضوع الأقلية لبرامج الأغلبية..؟
هل يمكن تصور أن الرئيس نجاد ديكتاتورا..؟
المنطق ينفي ذلك في ضوء حقيقة أن الرئيس ليس هو الرجل الأول في نظام الحكم الإيراني، الذي يشغله عمليا ودستوريا مرشد الثورة.. أو الولي الفقيه، الذي يتولى إلى جانب مهامه الإرشادية، القائد الأعلى للقوات المسلحة.. القوة التي تقف عادة وراء سطوة أي ديكتاتور في العالم.
ثم إن نجاد ملتزم بولايتين لا يحق له بعدهما الترشح لولاية ثالثة.
فأين هي الدكتاتورية إذا..؟!
ثم، وهذا مهم جدا لعمق دلالاته، ماذا كان موقف مؤيدي الحراك الجماهيري في إيران اليوم، حين حدث الحراك الذي أطاح بنظام الشاه، شرطي اميركا في منطقة الخليج العربي، وأحد طرفي فكي الكماشة الإسرائيلية الإيرانية التي كانت تطبق لصالح اميركا والغرب عموما على الشرق العربي من شرقه، ومن القلب..؟! (متولية هي المهمة من الغرب بحكم الجغرافيا وانتشار الأسطول الأميركي السادس في البحر المتوسط، وغيره من الأساطيل الغربية)، وهل تغيرت مواقف تلك الأطراف حيال نظام الحكم الذي أنتجه حراك 1979 في إيران..؟
ولعل السؤال الأكثر أهمية هو هل يمثل الإصلاحيون الإيرانيون حمائم سلام، مقارنة بصقورية خامنئي ونجاد..؟
يخبرنا الأرشيف، وهو ما تؤكده الذاكرة:
أولا: أن مير حسين موسوي المنافس الأول لنجاد كان يشغل رئيس وزراء ايران أغلب سنوات الحرب الثمان مع العراق (1981 ـ 1989).
ثانيا: أن محسن رضائي كان بصفته قائد الحرس الثوري من أهم القادة العسكريين في الجانب الإيراني لتلك الحرب، رغم أنه عربي من الأهواز.
ثالثا: أن محمد مهدي كروبي كان من مؤيدي الحرب.
هل من ضرورة للتذكير بأن هدف تلك الحرب كان تصدير الثورة إلى دول الجوار، وهو ما يوازي في الواقع تصدير الأطماع التوسعية الإيرانية إلى هذه الدول..؟!
ولننتقل إلى بقية خصوم نجاد، وخامنئي..
هاشمي رفسنجاني، كان رئيس البرلمان أغلب سنوات الحرب مع العراق، وظل يصر على استمرارها حتى تحقيق اهدافها في احتلال العراق، وبقية دول الجوار بطبيعة الحال، وإن لعب دورا ايجابيا خلال الأيام الأخيرة للحرب، سببه ثبوت عدم قدرة ايران على حسمها لصالحها، وضرورة اللجوء إلى وسائل سياسية لتحقيق ذات الأهداف والغايات. ولهذا، لم ينجح رفسنجاني في إجراء تغيير يذكر على علاقات إيران بدول الجوار طوال ولايتيه رئيسا للجمهورية (1989 ـ 1997).
محمد خاتمي، أيضا لم ينجح في إجراء أي تغيير على علاقات إيران مع دول الجوار طوال ولايتيه رئيسا للجمهورية (1997 ـ 2005).
آية الله حسين منتظري، الخليفة السابق للخميني، وكان مؤيدا هو الآخر للحرب، واستمرارها، والأهم من ذلك أنه كان المنظر الرئيس لنظرية ولاية الفقيه، أس المشكل مع دول الجوار الإيراني..
ومهم أن نلفت أيضا إلى أن من يسمون أنفسهم بالإصلاحيين، هم الذين حكموا غالبية الوقت في إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها سنة 1979، دون أن نلمس أية فروق جوهرية بين سياساتهم وسياسات المتشددين، أو بين مواقف الساسة ومواقف رجال الدين منهم.
لقد حكم من يسمون أنفسهم بالإصلاحيين في إيران لمدة 17 سنة، و3 أشهر، و18 يوما، من أصل 29 سنة و4 أشهر و19 يوما (تمت الحسبة اعتبارا من تاريخ تولي أبو الحسن بني صدر الرئاسة الأولى في العهد الجمهوري في 4/2/1980، وحتى تاريخ كتابة هذا المقال بتاريخ 23/6/2009).
ونسأل، هل تغير الموقف من إيران خلال حكم الإصلاحيين لها..؟
ولعل السؤال الأهم هو ما الفرق بين سياسات الإصلاحيين والمتشددين في إيران..؟
تنصب هذه الفروق على المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
الإتصالات التي أجرتها ايران مع السعودية في عهدي رفسنجاني وخاتمي لم تفلح في تحقيق تغير جوهري على طبيعة العلاقة بين ايران ودول الجوار العربي، وإذا كان الأمر يقاس بالزيارات، فإن نجاد زار السعودية هو الآخر سنة 2007، مادا يد الصداقة على نحو يؤكد تجانس سياسات الإصلاحيين والمتشددين اقلميا.
أما الفروق بين الإصلاحيين والمتشددين فإنها تتركز اساسا على الأوضاع الداخلية في إيران (الحريات بشكل خاص)، يضاف لها رغبة في استعادة العلاقات مع الغرب، يعبر عنها بشكل لا يقبل الجدل محمد مهدي كروبي في برنامجه الإنتخابي الذي يدعو إلى انفراج العلاقات مع الغرب، وتحقيق الحريات الدينية للأقليات، وهذا يشمل اليهود والبهائيين في إيران، وهو يوجه انتقادات شديدة للرئيس نجاد لإنكاره تعرض اليهود للمحرقة النازية..!
موسوي بدوره يتعهد بمحاربة "الصورة الراديكالية لإيران في الخارج (الغرب)، لكننا هنا يجب أن نتوقف عند مسألتين:
الأولى: أن موسوي يعرف نفسه بأنه "اصلاحي يعتمد دائما على مبادئ الثورة الإسلامية في إيران".
الثانية: أنه يتخذ نفس موقف نجاد من الملف النووي الإيراني وحق ايران في امتلاك التكنلوجيا النووية.
وإذا أضفنا لما سبق أنه كان رئيس وزراء ايران طوال سنوات الحرب مع العراق، يحق لنا التساؤل عن اسباب تركيزه على استعادة العلاقات مع الغرب، دون دول الجوار العربي، وما إذا كان تعهده "بمحاربة الصورة الراديكالية لإيران في الخارج" تتجاوز محاربة الصورة إلى محاربة الواقع الراديكالي أم لا..؟
ونخلص من ذلك إلى السؤال الإستراتيجي الأهم:
ما دامت لا توجد فروق شاخصة في رؤية المتنافسين الإيرانيين لمستقبل العلاقات مع النظام العربي، وما دام هذا النظام متخوف مما يراه نوايا توسعية ايرانية على حسابه، فأيهما أفضل للنظام العربي.. نظام حكم ايراني متصادم مع اميركا واسرائيل، على نحو يجعل اميركا واسرائيل معنيتان بلجم طموحاته التوسعية في دول الجوار العربي، أم نظام حكم ايراني حليف لأميركا واسرائيل، أو أن علاقاته جيدة معهما، وعلى نحو يجعلهما معنيتان بغض النظر عن سياساته التوسعية على حساب دول الجوار العربي، كما كان الحال يوم احتلت ايران الشاه الجزر العربية الثلاث العائدة لدولة الإمارات العربية المتحدة..؟
ونطرح هنا سؤالا افتراضيا من قبيل ممارسة شيئ من الرياضة العقلية: لو لم تكن اسرائيل حليفا استراتيجيا لأميركا، والغرب، هل كان متصورا أن تمارس كل ما تمارسه من عربدة على النظام العربي دون رادع من قبل المجتمع الدولي..؟ بل هل كان متصورا قيام الدولة العبرية ابتداء..؟!
وما دام الأمر كذلك، يصبح من حق الرأي العام العربي أن يطرح سؤاله المقابل: ايهما أفضل في جميع الأحوال، إيران مؤيدة للقضايا العربية ممثلة أساسا في الموقف من العدوان والوجود الإسرائيلي، أم ايران متحالفة مع اميركا، وصديقة لإسرائيل..؟
بالطبع، نطرح هذا السؤال وفي الحلق غصة كبيرة تتمثل في حقيقة أن ايران الشاه، تحت ضغط الرأي العام الإيراني، أوقفت حربها مع العراق سنة 1973 لتسمح للجيش العراقي بالتوجه إلى جبهات القتال مع اسرائيل والقيام بواجبه القومي، في حين أن ايران الخميني، تحت ضغط أجواء وظروف الحرب، وقد كانت أشد من حرب 1973، امتنعت عن فعل ذلك سنة 1982، ولم تسمح للجيش العراقي القيام بواجبه دفاعا عن لبنان..!
ويظل مهما أن نلفت هنا إلى أن الظروف السيكلوجية والعصبوية التي كانت قائمة في إيران سنة 1982 لم تعد قائمة الآن.
نخلص من كل ما سبق إلى سؤال الأسئلة، الذي يجب أن نحدد في ضوئه الموقف العربي الصائب من الحدث الإيراني: ما الذي يمكن أن نربحه، والذي يمكن أن نخسره في حالة سقوط نظام الحكم الحالي، أو تمكن اصلاحيي النظام من الإنفراد بالسلطة في إيران..؟
نحن لا نرى أي ربح قابل للتحقق، إلا إذا رأى النظام العربي أن مجرد سقوط النظام الحالي، أو متشدديه، يمثل مصلحة ذاتية له، بغض النظر عن مصلحة القضايا العربية.
أما الخسائر فهي تتمثل فيما يلي، وهي للمفارقة، تصيب النظام العربي بقدر ما تصيب القضايا العربية:
أولا: خسران موقف ايران المؤيد للعرب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، واستعادة تشكيل فكي الكماشة الإسرائيلية ـ الإيرانية. هذا ما يؤشر إليه تصريح بنيامين نتنياهو من أن وصول الإصلاحيين إلى الحكم في إيران يفتح الطريق أمام قيام علاقات صداقة سلمية بين البلدين..!
ثانيا: انفراد الإصلاحيين الإيرانيين بالحكم في إيران يوفر فرصة مواتية لنظام الحكم الحالي في العراق لإعلان تحالف صريح غير موارب مع طهران، لصالح ذات المشروع المشترك بين المتشددين والإصلاحيين، وعلى نحو يعطي هذا المشروع قوة دفع غير متصورة..!
للتذكير، النظام الحالي في العراق هو أحد منتجات المشروع الإقليمي الإيراني، وقد تحقق بفعل غباء الإدارة الأميركية السابقة.
إن ما يحول دون إعلان تحالف عراقي مع إيران الآن هو فقط تشدد طهران، وعلاقتها التصادمية مع واشنطن، المقرر الرئيس للسياسات العراقية حتى الآن، في ظل الإحتلال الأميركي.
ثالثا: استئناف تنفيذ المشروع الإقليمي الإيراني دون رادع اميركي أو حتى اسرائيلي في هذه الحالة، مع احتمال قوي بوجود شريك عراقي لإيران في هذه المرة..!
لقد أخطأ النظام العربي، أو جزء رئيس منه بحق نفسه من خلال:
1. تواطئه مع مخطط اميركا لإطالة أمد الحرب العراقية الإيرانية على قاعدة "فخار يكسر بعضه"، في إشارة إلى رفض المشروع القومي للعراق، والإسلامي لإيران.
2. تواطئه مع مخطط اضعاف العراق بدءا من لحظة انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية.
3. تواطئه مع احتلال العراق، الذي آل إلى إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، صمام الأمان لدول الخليج العربي.
فهل يرتكب النظام العربي الآن أم الأخطاء بتحالفه مجددا مع اميركا لإطاحة المتشددين من حكم ايران..؟
إن نجاح من يسمون انفسهم بالإصلاحيين في إيران طريق يؤدي إلى امرين رئيسين:
الأول: تحالف اميركي ـ اسرائيلي مع ايران والعراق.
الثاني: جبهة حرب من قبل أطراف هذا التحالف على دول الإقليم، دون وجود رادع اميركي لإيران.
للتذكير، واشنطن، حتى في عهد جورج بوش عملت على التوصل إلى اتفاق لتقاسم النفوذ مع إيران في الإقليم، على قاعدة المصالح المشتركة، وهي الآن أكثر استعدادا لمثل هذا الإتفاق، الذي لم يصرح بقبوله بعد اقطاب الإصلاح في طهران، لكنهم يصرحون جهارا نهارا برغبتهم في استعادة العلاقات مع اميركا والغرب، في حين أن نتنياهو تولى هذه المهمة نيابة عنهم لجهة تحديد مستقبل علاقتهم بإسرائيل..!
الأمر هنا لا ينحصر في مصالح القضايا القومية للأمة العربية. إنه يبرز بأوضح تجلياته في احتمال قوي بأن تستأنف ايران الإصلاحيين مشروعها التوسعي على حساب دول الإقليم، وأنظمة الحكم فيها، والمخاطر الديموغرافية، ودورها في صياغة المعادلة الإقليمية في هذا المجال، أوضح من أن يشرحها مقال.
نعم من حق الإيرانيين أن يعترضوا على نتائج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة. ومن حقهم، ما دامت مؤسسات النظام، وهي تعترف بحدوث خروقات انتخابية، تعمل على التقليل من أهمية تأثيرها على نتائج الإنتخابات، وترفض الغاءها.
وبطبيعة الحال، من حق الرئيس الفائز، كما من حق نظام الحكم في إيران أن يدافعا عن نفسيهما، خاصة وأن الفارق بين مجموع الأصوات التي حصل عليها الرئيس محمود أحمدي نجاد، ومنافسه الأول مير حسين موسوي يبلغ إحدى عشر مليون صوت، يستحيل تصور امكانية تزويرها..!
أوليست الديمقراطية في إحدى أهم تجلياتها هي حكم الأكثرية، وخضوع الأقلية لبرامج الأغلبية..؟
هل يمكن تصور أن الرئيس نجاد ديكتاتورا..؟
المنطق ينفي ذلك في ضوء حقيقة أن الرئيس ليس هو الرجل الأول في نظام الحكم الإيراني، الذي يشغله عمليا ودستوريا مرشد الثورة.. أو الولي الفقيه، الذي يتولى إلى جانب مهامه الإرشادية، القائد الأعلى للقوات المسلحة.. القوة التي تقف عادة وراء سطوة أي ديكتاتور في العالم.
ثم إن نجاد ملتزم بولايتين لا يحق له بعدهما الترشح لولاية ثالثة.
فأين هي الدكتاتورية إذا..؟!
ثم، وهذا مهم جدا لعمق دلالاته، ماذا كان موقف مؤيدي الحراك الجماهيري في إيران اليوم، حين حدث الحراك الذي أطاح بنظام الشاه، شرطي اميركا في منطقة الخليج العربي، وأحد طرفي فكي الكماشة الإسرائيلية الإيرانية التي كانت تطبق لصالح اميركا والغرب عموما على الشرق العربي من شرقه، ومن القلب..؟! (متولية هي المهمة من الغرب بحكم الجغرافيا وانتشار الأسطول الأميركي السادس في البحر المتوسط، وغيره من الأساطيل الغربية)، وهل تغيرت مواقف تلك الأطراف حيال نظام الحكم الذي أنتجه حراك 1979 في إيران..؟
ولعل السؤال الأكثر أهمية هو هل يمثل الإصلاحيون الإيرانيون حمائم سلام، مقارنة بصقورية خامنئي ونجاد..؟
يخبرنا الأرشيف، وهو ما تؤكده الذاكرة:
أولا: أن مير حسين موسوي المنافس الأول لنجاد كان يشغل رئيس وزراء ايران أغلب سنوات الحرب الثمان مع العراق (1981 ـ 1989).
ثانيا: أن محسن رضائي كان بصفته قائد الحرس الثوري من أهم القادة العسكريين في الجانب الإيراني لتلك الحرب، رغم أنه عربي من الأهواز.
ثالثا: أن محمد مهدي كروبي كان من مؤيدي الحرب.
هل من ضرورة للتذكير بأن هدف تلك الحرب كان تصدير الثورة إلى دول الجوار، وهو ما يوازي في الواقع تصدير الأطماع التوسعية الإيرانية إلى هذه الدول..؟!
ولننتقل إلى بقية خصوم نجاد، وخامنئي..
هاشمي رفسنجاني، كان رئيس البرلمان أغلب سنوات الحرب مع العراق، وظل يصر على استمرارها حتى تحقيق اهدافها في احتلال العراق، وبقية دول الجوار بطبيعة الحال، وإن لعب دورا ايجابيا خلال الأيام الأخيرة للحرب، سببه ثبوت عدم قدرة ايران على حسمها لصالحها، وضرورة اللجوء إلى وسائل سياسية لتحقيق ذات الأهداف والغايات. ولهذا، لم ينجح رفسنجاني في إجراء تغيير يذكر على علاقات إيران بدول الجوار طوال ولايتيه رئيسا للجمهورية (1989 ـ 1997).
محمد خاتمي، أيضا لم ينجح في إجراء أي تغيير على علاقات إيران مع دول الجوار طوال ولايتيه رئيسا للجمهورية (1997 ـ 2005).
آية الله حسين منتظري، الخليفة السابق للخميني، وكان مؤيدا هو الآخر للحرب، واستمرارها، والأهم من ذلك أنه كان المنظر الرئيس لنظرية ولاية الفقيه، أس المشكل مع دول الجوار الإيراني..
ومهم أن نلفت أيضا إلى أن من يسمون أنفسهم بالإصلاحيين، هم الذين حكموا غالبية الوقت في إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها سنة 1979، دون أن نلمس أية فروق جوهرية بين سياساتهم وسياسات المتشددين، أو بين مواقف الساسة ومواقف رجال الدين منهم.
لقد حكم من يسمون أنفسهم بالإصلاحيين في إيران لمدة 17 سنة، و3 أشهر، و18 يوما، من أصل 29 سنة و4 أشهر و19 يوما (تمت الحسبة اعتبارا من تاريخ تولي أبو الحسن بني صدر الرئاسة الأولى في العهد الجمهوري في 4/2/1980، وحتى تاريخ كتابة هذا المقال بتاريخ 23/6/2009).
ونسأل، هل تغير الموقف من إيران خلال حكم الإصلاحيين لها..؟
ولعل السؤال الأهم هو ما الفرق بين سياسات الإصلاحيين والمتشددين في إيران..؟
تنصب هذه الفروق على المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
الإتصالات التي أجرتها ايران مع السعودية في عهدي رفسنجاني وخاتمي لم تفلح في تحقيق تغير جوهري على طبيعة العلاقة بين ايران ودول الجوار العربي، وإذا كان الأمر يقاس بالزيارات، فإن نجاد زار السعودية هو الآخر سنة 2007، مادا يد الصداقة على نحو يؤكد تجانس سياسات الإصلاحيين والمتشددين اقلميا.
أما الفروق بين الإصلاحيين والمتشددين فإنها تتركز اساسا على الأوضاع الداخلية في إيران (الحريات بشكل خاص)، يضاف لها رغبة في استعادة العلاقات مع الغرب، يعبر عنها بشكل لا يقبل الجدل محمد مهدي كروبي في برنامجه الإنتخابي الذي يدعو إلى انفراج العلاقات مع الغرب، وتحقيق الحريات الدينية للأقليات، وهذا يشمل اليهود والبهائيين في إيران، وهو يوجه انتقادات شديدة للرئيس نجاد لإنكاره تعرض اليهود للمحرقة النازية..!
موسوي بدوره يتعهد بمحاربة "الصورة الراديكالية لإيران في الخارج (الغرب)، لكننا هنا يجب أن نتوقف عند مسألتين:
الأولى: أن موسوي يعرف نفسه بأنه "اصلاحي يعتمد دائما على مبادئ الثورة الإسلامية في إيران".
الثانية: أنه يتخذ نفس موقف نجاد من الملف النووي الإيراني وحق ايران في امتلاك التكنلوجيا النووية.
وإذا أضفنا لما سبق أنه كان رئيس وزراء ايران طوال سنوات الحرب مع العراق، يحق لنا التساؤل عن اسباب تركيزه على استعادة العلاقات مع الغرب، دون دول الجوار العربي، وما إذا كان تعهده "بمحاربة الصورة الراديكالية لإيران في الخارج" تتجاوز محاربة الصورة إلى محاربة الواقع الراديكالي أم لا..؟
ونخلص من ذلك إلى السؤال الإستراتيجي الأهم:
ما دامت لا توجد فروق شاخصة في رؤية المتنافسين الإيرانيين لمستقبل العلاقات مع النظام العربي، وما دام هذا النظام متخوف مما يراه نوايا توسعية ايرانية على حسابه، فأيهما أفضل للنظام العربي.. نظام حكم ايراني متصادم مع اميركا واسرائيل، على نحو يجعل اميركا واسرائيل معنيتان بلجم طموحاته التوسعية في دول الجوار العربي، أم نظام حكم ايراني حليف لأميركا واسرائيل، أو أن علاقاته جيدة معهما، وعلى نحو يجعلهما معنيتان بغض النظر عن سياساته التوسعية على حساب دول الجوار العربي، كما كان الحال يوم احتلت ايران الشاه الجزر العربية الثلاث العائدة لدولة الإمارات العربية المتحدة..؟
ونطرح هنا سؤالا افتراضيا من قبيل ممارسة شيئ من الرياضة العقلية: لو لم تكن اسرائيل حليفا استراتيجيا لأميركا، والغرب، هل كان متصورا أن تمارس كل ما تمارسه من عربدة على النظام العربي دون رادع من قبل المجتمع الدولي..؟ بل هل كان متصورا قيام الدولة العبرية ابتداء..؟!
وما دام الأمر كذلك، يصبح من حق الرأي العام العربي أن يطرح سؤاله المقابل: ايهما أفضل في جميع الأحوال، إيران مؤيدة للقضايا العربية ممثلة أساسا في الموقف من العدوان والوجود الإسرائيلي، أم ايران متحالفة مع اميركا، وصديقة لإسرائيل..؟
بالطبع، نطرح هذا السؤال وفي الحلق غصة كبيرة تتمثل في حقيقة أن ايران الشاه، تحت ضغط الرأي العام الإيراني، أوقفت حربها مع العراق سنة 1973 لتسمح للجيش العراقي بالتوجه إلى جبهات القتال مع اسرائيل والقيام بواجبه القومي، في حين أن ايران الخميني، تحت ضغط أجواء وظروف الحرب، وقد كانت أشد من حرب 1973، امتنعت عن فعل ذلك سنة 1982، ولم تسمح للجيش العراقي القيام بواجبه دفاعا عن لبنان..!
ويظل مهما أن نلفت هنا إلى أن الظروف السيكلوجية والعصبوية التي كانت قائمة في إيران سنة 1982 لم تعد قائمة الآن.
نخلص من كل ما سبق إلى سؤال الأسئلة، الذي يجب أن نحدد في ضوئه الموقف العربي الصائب من الحدث الإيراني: ما الذي يمكن أن نربحه، والذي يمكن أن نخسره في حالة سقوط نظام الحكم الحالي، أو تمكن اصلاحيي النظام من الإنفراد بالسلطة في إيران..؟
نحن لا نرى أي ربح قابل للتحقق، إلا إذا رأى النظام العربي أن مجرد سقوط النظام الحالي، أو متشدديه، يمثل مصلحة ذاتية له، بغض النظر عن مصلحة القضايا العربية.
أما الخسائر فهي تتمثل فيما يلي، وهي للمفارقة، تصيب النظام العربي بقدر ما تصيب القضايا العربية:
أولا: خسران موقف ايران المؤيد للعرب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، واستعادة تشكيل فكي الكماشة الإسرائيلية ـ الإيرانية. هذا ما يؤشر إليه تصريح بنيامين نتنياهو من أن وصول الإصلاحيين إلى الحكم في إيران يفتح الطريق أمام قيام علاقات صداقة سلمية بين البلدين..!
ثانيا: انفراد الإصلاحيين الإيرانيين بالحكم في إيران يوفر فرصة مواتية لنظام الحكم الحالي في العراق لإعلان تحالف صريح غير موارب مع طهران، لصالح ذات المشروع المشترك بين المتشددين والإصلاحيين، وعلى نحو يعطي هذا المشروع قوة دفع غير متصورة..!
للتذكير، النظام الحالي في العراق هو أحد منتجات المشروع الإقليمي الإيراني، وقد تحقق بفعل غباء الإدارة الأميركية السابقة.
إن ما يحول دون إعلان تحالف عراقي مع إيران الآن هو فقط تشدد طهران، وعلاقتها التصادمية مع واشنطن، المقرر الرئيس للسياسات العراقية حتى الآن، في ظل الإحتلال الأميركي.
ثالثا: استئناف تنفيذ المشروع الإقليمي الإيراني دون رادع اميركي أو حتى اسرائيلي في هذه الحالة، مع احتمال قوي بوجود شريك عراقي لإيران في هذه المرة..!
لقد أخطأ النظام العربي، أو جزء رئيس منه بحق نفسه من خلال:
1. تواطئه مع مخطط اميركا لإطالة أمد الحرب العراقية الإيرانية على قاعدة "فخار يكسر بعضه"، في إشارة إلى رفض المشروع القومي للعراق، والإسلامي لإيران.
2. تواطئه مع مخطط اضعاف العراق بدءا من لحظة انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية.
3. تواطئه مع احتلال العراق، الذي آل إلى إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، صمام الأمان لدول الخليج العربي.
فهل يرتكب النظام العربي الآن أم الأخطاء بتحالفه مجددا مع اميركا لإطاحة المتشددين من حكم ايران..؟
إن نجاح من يسمون انفسهم بالإصلاحيين في إيران طريق يؤدي إلى امرين رئيسين:
الأول: تحالف اميركي ـ اسرائيلي مع ايران والعراق.
الثاني: جبهة حرب من قبل أطراف هذا التحالف على دول الإقليم، دون وجود رادع اميركي لإيران.
للتذكير، واشنطن، حتى في عهد جورج بوش عملت على التوصل إلى اتفاق لتقاسم النفوذ مع إيران في الإقليم، على قاعدة المصالح المشتركة، وهي الآن أكثر استعدادا لمثل هذا الإتفاق، الذي لم يصرح بقبوله بعد اقطاب الإصلاح في طهران، لكنهم يصرحون جهارا نهارا برغبتهم في استعادة العلاقات مع اميركا والغرب، في حين أن نتنياهو تولى هذه المهمة نيابة عنهم لجهة تحديد مستقبل علاقتهم بإسرائيل..!
الأمر هنا لا ينحصر في مصالح القضايا القومية للأمة العربية. إنه يبرز بأوضح تجلياته في احتمال قوي بأن تستأنف ايران الإصلاحيين مشروعها التوسعي على حساب دول الإقليم، وأنظمة الحكم فيها، والمخاطر الديموغرافية، ودورها في صياغة المعادلة الإقليمية في هذا المجال، أوضح من أن يشرحها مقال.