خسائر "حزب الله" البشرية في سوريا
في تقرير صادر عن "مركز معلومات اللواء مير عميت للاستخبارات والإرهاب" الإسرائيلي في فبراير (شباط) 2019، يذكر أن 43 في المئة من قتلى "حزب الله " في سوريا، قضوا لأهداف بعيدة من المصالح اللبنانية، فإن 14 في المئة منهم، قتلوا بخدمة أهداف إيرانية بحتة، مقدماً إحصاءات حول عددهم على الأراضي السورية منذ مشاركة "الحزب" في العمليات العسكرية إلى جانب النظام السوري. ووثّق المركز مقتل 1139 عنصراً، مشيراً إلى احتمالية أن يكون عددهم أكبر من ذلك، بوجود ما يزيد على 100 آخرين لم تُسجّل أسماؤهم بالطريقة الصحيحة بسبب المصاعب التي على أرض المعركة، بحسب التقرير.
وكان الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله قد أكد مراراً على وقوف الحزب في صف النظام السوري، مع تبرير وجود مقاتليه في سوريا بأنه تلبية لدعوة من النظام السوري.
وأضاف التقرير أن 46 في المئة قُتلوا في محاولة منع وصول الجماعات "الإرهابية" المتشددة إلى لبنان، وقُتل 11 في المئة وهم يسعون إلى خدمة مصالح شيعية قد تتداخل مع المصالح اللبنانية. وأوضح المركز أنه اعتمد في دراسته على تقارير رصدت المواقع التي قتل فيها عناصر الحزب في سوريا، لمساعدته في تحديد الأهداف العسكرية التي قتلوا من أجلها. فالعناصر الذين قضوا في شمال سوريا وجنوبها وشرقها كانوا يقاتلون في خدمة "مصالح إيرانية واضحة"، مع ابتعادهم عن الحدود اللبنانية وعن المواقع الشيعية الدينية. كما ذكر أن 10 في المئة من قتلاه كانوا من القادة "المخضرمين" والقوات الخاصة. وشهد عام 2015 وقوع أكبر عدد من قتلى "الحزب"، بلغ 313 عنصراً، مع انخفاض الأعداد تدريجاً. ودلّ التقرير على الأماكن التي أتى منها القتلى من لبنان، وأن غالبيتهم ينحدرون من الجنوب اللبناني، "مهد الجماعة"، فبلغ العدد 662 عنصراً، ثم من وادي البقاع وعدد قليل من بيروت.
تتفق هذه الإحصاءات مع دراسة لـ"معهد وشنطن لسياسات الشرق الأدنى" نُشرت في فبراير 2016، استمدت موادها من مصادر متاحة للجميع باللغة الفارسية بشأن القتلى في صفوف "الحرس الثوري " الإيراني. تقول الدراسة إن 865 من عناصر "حزب الله" قُتلوا في المعارك في سوريا بين 30 سبتمبر (أيلول) 2012 و16 فبراير 2016. وبما أن قيادة الحزب لديها كل الأسباب التي تدفعها إلى التقليل من الخسائر، فإن هذه الأرقام تعكس الحد الأدنى المطلق لعدد القتلى، إذ من المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك.
وفي الواقع، خلال الفترة الزمنية ذاتها، أشارت هذه المصادر إلى عدد كبير على ما يبدو من الشباب اللبنانيين الذين يموتون بسبب الحوادث المرورية أو السكتات القلبية المفاجئة. ويمكن لمثل هذه الإعلانات أن تكون عبارة عن محاولة لإخفاء العدد الحقيقي لقتلى "حزب الله"، على الرغم من أنه لا يمكن التيقن لا من هذا الاستنتاج ولا من صحة عدد قتلى الحوادث المرورية وحالات الوفيات القلبية. وتشير الدراسة إلى أن 49 من المتوفين وُصفوا بلقب "القائد الشهيد" أو "القائد الميداني". وهذا يدل على أنهم خدموا كضباط في القيادة، وهو ما يميزهم عن القتلى من العناصر العاديين.
وكان نصرالله ذكر في إحدى مقابلاته أن قتلى الحزب في سوريا لم يتجاوز الـ250 قتيلاً. لكن في دراسة استقصائية لمجلة "نيوزويك" الأميركية، نُشرت في أبريل (نيسان) 2017، تقول إن "حزب الله" خسر نحو 1048 من عناصره في سوريا، بين 30 سبتمبر 2012 و10 أبريل 2017. ووفق "نيوزويك"، يجب التعامل مع هذا العدد كحد أدنى، لأن قيادة الحزب لديها كل الأسباب لتقليل الخسائر. ومن شأن تقديم معلومات كاملة عن عدد القتلى أن يكشف مزيداً من المعلومات عن قواته لخصومه.
علاقات معقدة ومواجهات مع قوات الأسد
هذه الخسائر في الأرواح، أعطت الحزب وعناصره فائض قوة، وحفلت وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لمؤيديه من الشيعة بعبارات السخرية من عدم كفاءة الجيش السوري، وفساده وحماقته وجبنه ونقص موارده. وذهب البعض إلى حد اتهام قوات النظام بأنها السبب وراء الخسائر التي يتكبّدها الحزب وعرقلة عملياته. وهذا ما حوّل تحالفه مع نظام الأسد أشد تعقيداً على الأرض. أضف إلى ذلك أن كفاءة عناصر الحزب في تلك المعارك، وتّرت العلاقات بين عناصره وقادتهم في "الحرس الثوري الإيراني"، بسبب "غطرسة فارسية" في التعامل مع الشيعة العرب لم يألفها مقاتلو الحزب، ولكن ربما يكون لهذا المدخل بحث آخر.
غياب الثقة بين الأطراف ولّد تضارباً في المصالح والأهداف أحياناً، وتخلخلاً لميزان القوة أحياناً أخرى بين "الحلفاء الخصوم"، على أرض الواقع. وهذا ما أدى إلى اندلاع اشتباكات ومواجهات بين الفترة والأخرى، بين عناصر الحزب وآخرين موالين للنظام، بخاصة عناصر الفرقة الرابعة التابعة لشقيق بشار الأسد، ماهر.
آخر تلك المواجهات ما حصل في البادية السورية مع بداية شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، إذ قُتل وجرح عدد من عناصر "حزب الله" والفرقة الرابعة في اشتباك مسلح بينهما على خلفية رفض الحزب مؤازرة الفرقة في حملة التمشيط التي أطلقتها ضد عناصر تنظيم "داعش" في منطقة البادية السورية، بحسب ما ذكرت مواقع معارضة سورية. وفي التفاصيل، أن قيادة "حزب الله" في منطقة خربة تياس في ريف حمص رفضت إرسال التعزيزات ومؤازرة النظام بعد إرسال أحد ضباط الفرقة الرابعة برقية خاصة. وأدى الخلاف إلى توتر بين الطرفين رافقه نشر حواجز مؤقتة واعتقال عناصر من الجانبين في أحياء خربة تياس.
وأضافت المواقع أن الاستنفار انتهى باشتباك بالأسلحة الرشاشة بين مجموعتين، أدى إلى مقتل عنصرين من "حزب الله" وعنصر من الفرقة الرابعة وإصابة 7 آخرين من الطرفين. ومع بداية عام 2021، ذكرت مواقع عربية ولبنانية أن تشديداً فُرض على قياديين من الحزب ومنع تجول، بحيث اشتكى هؤلاء من الإجراءات القاسية التي فرضتها الفرقة الرابعة عليهم. فشددت فرقة شقيق الأسد الحراسة على المعابر ومنعتهم من الانتقال بالسيارات المدنية اللبنانية إلى الداخل السوري، بل فرضت عليهم الانتقال بسيارات خاصة سورية مركونة على المقلب السوري وسط تشديد التفتيش والاطلاع على الوجهة التي يسلكها هؤلاء داخل البلاد. وكان "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أفاد حينها بأن خلافاً على المحروقات نشب بين الطرفين عقب نقل صهاريج الوقود من سوريا إلى لبنان، وبأن حواجز قوات الفرقة الرابعة انسحبت من مواقعها على طريق القصير بريف حمص الغربي المؤدي إلى لبنان، وذلك بعد مطالبتها بحصتها من المازوت المفقود من الأسواق السورية أيضاً. وأتى الخلاف حينها بعدما عبرت شاحنات وصهاريج محملة ومملوءة بالمحروقات الإيرانية من مازوت وبنزين، الأراضي السورية نحو الأراضي اللبنانية، برعاية وحماية من قبل "حزب الله"، إذ جرى تفريغ الناقلات الإيرانية في ميناء بانياس، ونقلها بطرق برّية إلى حمص حيث يسيطر "حزب الله" اللبناني بالطول والعرض.
وفي أبريل 2021، نقلت وسائل إعلامية سورية أن اشتباكات اندلعت بين "حزب الله" والميليشيات الإيرانية من جهة، وبين ميليشيا الفرقة الرابعة من جهة أخرى قرب بلدة ومطار النيرب العسكري جنوب شرقي حلب، وذلك بعد اعتراض الميليشيات الإيرانية قافلة نفطية تملكها ميليشيا القاطرجي، فيما كانت علاقة الفرقة الرابعة بالقافلة مجرد حماية لها، وبمجرد وصولها إلى منطقة النيرب الخاضعة لـ"حزب الله" بالكامل بما في ذلك المطار العسكري ومحيط مطار حلب الدولي، تم اعتراض الرتل بدعوى التفتيش، فـ"اعترضت عناصر الفرقة الرابعة بدعوى أن القافلة مؤمنة من قبلها وأنها لن تسمح لأي طرف بالاقتراب منها، إلا أن عناصر الحزب رفعوا أسلحتهم على القافلة، فيما حاصرتها آلياتهم من كل الاتجاهات، وهددوا بإحراقها في حال عدم انسحاب ميليشيا الفرقة الرابعة من الموقع".
لم يعُد يخفى على أحد وجود خلافات بين قوات الفرقة الرابعة التي يديرها ماهر الأسد، و"حزب الله" هناك، فظهرت جليّة في الآونة الأخيرة، بداية من نقل صهاريج المازوت ولم تنتهِ مع إدارة الحواجز. وبحسب المصادر، فإنه وبعد جدال بين مسؤول الحاجز في "حزب الله" وبين الضابط المسؤول عن حماية القافلة من الفرقة الرابعة، صفع الأول الضابط، ما دفع الأخير إلى إطلاق النار على قدمه، لتندلع على خلفية ذلك اشتباكات سقط نتيجتها عنصران أحدهما من الفرقة الرابعة والآخر سائق أحد الصهاريج بعد أن تلقّى رصاصة طائشة، فيما أُصيب 6، من بينهم مسؤول الحاجز ومسؤول القافلة وعناصر أخرون. وكان نصر الله أعلن عن تقليص قواته الذين يقاتلون إلى جانب النظام السوري في 2019 في حديث تلفزيوني في ذكرى حرب يوليو (تموز) 2006. وقال "ما زلنا موجودين في كل الأماكن التي كنّا فيها، لكن قلصنا القوات بما يحتاجه الوضع الحالي، لا داعي للتواجد هناك بأعداد كبيرة طالما لا ضرورات عملية لذلك". وأشار حينها إلى وجود حالة تنسيق كبيرة بين روسيا وإيران في سوريا، معتبراً أنهما وعلى الرغم من غياب تطابق بينهما، إلا أنهما أقرب إلى بعضهما من أي وقت مضى.
الفرقة الرابعة
يعود تأسيس الفرقة الرابعة إلى عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وكان قد أسسها شقيقه رفعت الأسد الذي كان يقود "سرايا الدفاع" المسؤولة عن مجازر مدينة حماة عام 1982. وتقول مصادر إن تلك السرايا أدمجت في الفرقة الرابعة، بعد إبعاد رفعت الأسد عام 1984 إلى المنفى. يصل عدد أفراد الفرقة بحسب مصادر فرنسية، إلى 15 ألف عنصر مسلحين بشكل جيد، والغالبية الساحقة منهم تنحدر من الطائفة العلوية لضمان ولائها لآل الأسد. وتكمن مهماتها الأساسية في حماية العاصمة دمشق، بيد أنها استخدمت أيضاً في مهمات هجومية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. هي وحدة عسكرية نخبوية يقودها ماهر الأسد، وهو في الوقت ذاته قائد الحرس الجمهوري، مقرها الرئيس في محيط حي المهاجرين بدمشق. وتعطي قيادة ماهر الذي يوصف بأنه الرجل الثاني في النظام، لهذه التشكيلة العسكرية أهمية مضاعفة. وتُعدّ هذه الفرقة من أفضل تشكيلات جيش النظام تدريباً وتجهيزاً، إذ إنها مزوّدة بأحدث الأليات الثقيلة مثل دبابات "تي 72" الروسية. استخدم النظام هذه الفرقة لإخماد الثورة التي اندلعت منتصف مارس (آذار) 2011، وكانت محافظات درعا وحمص وبانياس وإدلب وحماة مسارح لعملياتها، وفقاً لتقارير أجنبية كثيرة.
وكانت واشنطن فرضت عقوبات وفق قانون "قيصر" الأميركي على من أسمتهم "العناصر التمكينية" لنظام الأسد، المرتبطة بـالفرقة الرابعة. وكان مكتب "أوفاك" أدرج قوات النظام وبشار الأسد وزوجة الأسد وماهر الأسد والفرقة الرابعة بموجب الأمر التنفيذي رقم 13894 على لائحة العقوبات أيضاً.
------------
اندبندنت عربية