هذا ما سيقع على المستوى الداخلي السوري. أما على المستوى العربي فإن النظام سيستغل انهيار النظام العربي داخل الجامعة العربية وخارجها، وحدوث مرحلة انتقال مجهولة النتائج لا يدري أحد بعد إلى أين ستقود، كي «يشبح» في المنطقة بأسرها، ويتعامل مع الدول العربية بالمعايير التي عامل من خلالها شعبه في الداخل، وتنبع من أساسين رئيسيين: جعل رغبته الانتقامية المنفلتة من عقالها القانون الوحيد الملزم له، حين سيطلق عنفه ضد جيرانه إلى آخر مدى ممكن، وسيعمل سيوف إجرامه في أعناقهم بمعونة إيران، التي ستقاسمه الانتصار بعد أن قاسمته أعباء وتكاليف الحرب، وصولا إلى بيئة استراتيجية جديدة تفرض على المنطقة سيتمخض عنها نظام إقليمي جديد يلغي تماما ما تبقى من النظام العربي، وسيحل محله نظام فارسي / أسدي لن يقبل بأقل من إدارة المنطقة ووضع يده على جزء رئيسي من ثرواتها وأموالها وخياراتها العامة، بعد تحويلها إلى توابع تدور في فلكه، تحكم بما يحكم به السوريون: العنف الأعمى وشرعة القتل المفتوح ضد كل من لا ينتمي إلى مافيا محدودة العدد، تحملها قاعدة أمنية / تشبيحية تكره البشر وتنكر حقهم في الوجود. بكلام آخر: لن تبقى أية دولة من دول المنطقة على ما هي عليه اليوم، إن هُزم شعب سوريا. ولن تبقى المنطقة ذاتها على ما نراه حاليا، ومن هدد بجعل دمشق وسوريا ركاما قبل تركه السلطة، وهما جزء مما يفترض أنه وطنه، لن يرحم غيرهما من مدن الجوار العربي أو التركي، وسيطلق يد قتلته المحترفين فيها، انطلاقا من المبدأ الذي يطبقه في كل مكان من «وطنه»: استباحة الدم وأخذ الشعب وممتلكاته غنيمة.
لن يبقى وضع العالم في علاقته مع منطقتنا على حاله، فهو سيكون مهزوما في نظر المنتصر الإيراني / الأسدي، وسيعامل كمهزوم. حتى لا يظن أحد أنني أبالغ: تصوروا أن يشجع انتصار بشار الأسد قيام حكومة مماثلة لحكومته في اليمن وموزامبيق أو الصومال على سبيل المثال، وأن تضغط إيران على الخليج وتتلاعب بمضيق هرمز وممرات النفط، ماذا سيبقى عندئذ من التجارة الدولية وطرقها؟ ومن سيضمن البحار المفتوحة والدروب المائية السالكة؟ وفي أية حرب بلا نهاية سيجد العالم نفسه متورطا قبل أن يستعيد وضعه الطبيعي ويزيل التهديد عنه، في حال انتقل النظام المنتصر من الإرهاب الداخلي إلى الإرهاب الخارجي؟ علما بأنه يمتلك أضعاف طاقات وأموال بن لادن، ولديه قدرة على التخطيط والتنفيذ ليست قدرات مؤسس «القاعدة» غير لعب أطفال بالمقارنة معها.
لن يبقى شيء على حاله في أي مكان من عالمنا، إذا ما هُزم الشعب السوري أو فشل في التخلص من نظامه وفي إقامة بديل ديمقراطي سيكون بالقطع والحتم مصلحة استراتيجية عليا للسوريين كما للعرب والعالم. وإذا كان الصراع السوري قد أطلق صراعا دوليا متشعبا على وطننا يذكر بصراعات القوتين الاستعماريتين الفرنسية والبريطانية على المستعمرات والمراكز الاستراتيجية الحاكمة، وكان قد بين كم هي متشابكة ومتضاربة مصالح الكبار عندنا، وكم يصعب فك خيوطها والتحكم فيها، فإن نهاية الصراع لن تبقى سورية بأية حال وفي أي مجال، وستصير عربية وإقليمية ودولية بكل مقياس ومعيار، ولن ينشأ في أعقابها نظام دولي جديد كما يقال غالبا، بل سيقوم نظام مافياوي كوني لا سيطرة للشرعية الدولية عليه، سيحتل قلب العالم الاستراتيجي ويمتد منه إلى بقية أرجائه، ليجعل منها مكانا لعملياته التخريبية، بعد أن يتدثر بأردية مذهبية ذات طاقات تعبوية وتضليلية مؤثرة، تستطيع تحويل من يؤمنون بها إلى قنابل متفجرة صالحة للاستخدام في أي وقت وأي مكان ولأي سبب.
يتفرج العالم على السوريين اليوم وكأنه يستمتع بموتهم. أي خيار يبقى لدى السوريين، أو لدى من سيتبقى منهم بعد المجزرة التطهيرية الكبرى الدائرة تحت سمع وبصر عالم لا يسمع ولا يبصر، غير أن يتفرجوا على موت العالم باستمتاع من يتلذذ بمآسيه؟ ليس لأنهم يريدون معاقبته، فهم سيكونون أشد ضعفا من أن يعاقبوا أحدا، بل لأنه تركهم يموتون دون أن يفهم أبعاد وحقائق ما يجري، ويدرك أن ثورتهم إنقاذية بالنسبة إليه أيضا، وأنه طرف فيها شاء ذلك أم أباه، وأن هزيمة الحرية قد لا تنهي الصراع، لكنها ستكون بالتأكيد بداية انتقاله بكل ما فيه من عنف وجنون إلى بلدانهم ومصالحهم ومواطنيهم.