كييف – سريعا ما تبددت آمال عُقدت على قمة افتراضية جمعت بين الرئيسين، الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، لبحث التوتر الناجم عن حشود عسكرية روسية غير مسبوقة على حدود أوكرانيا، قدرتها صحيفة "واشنطن بوست" بنحو 175 ألف جندي، واتهامات لموسكو بالسعي إلى شن عملية "غزو" لهذا البلد.
وبعد ساعات من "القمة الإيجابية" كما وصفها الجانبان، جدد الغرب اتهاماته لموسكو بحشد مزيد من القوات، كما جدد الحديث والوعيد بعقوبات غير مسبوقة، إذا ما أقدم الكرملين على خطوة الغزو.
وبالمقابل، اتهم بوتين أوكرانيا بتعمد التصعيد في إقليم دونباس الخاضع لسيطرة الموالين لموسكو شرق أوكرانيا، وبممارسة "العنصرية" ضد الروس، محذرا من حدوث "إبادة جماعية". في وقت أعلنت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن "مفاوضات التسوية السلمية بمناطق الشرق الأوكراني وصلت إلى طريق مسدود".
هل تستعجل المواجهة؟
ولأن تصريحات المسؤولين الروس لم تترك مجالا لأي إجراءات لاحقة بعد القمة، فهي تُحمل على جانب واحد في أوكرانيا، هو أن موسكو تستعجل الحرب، وتسعى إلى دخولها من باب إقليم دونباس الملتهب أصلا.
يقول أوليكساندر بالي الكاتب والمحلل السياسي بصحيفة "دين" (النهار) الأوكرانية "واضح أن روسيا عازمة على عمل عسكري ما في أوكرانيا، قد يبدأ في دونباس. فأعداد حشودها لا تدل على تدريبات دورية شتوية كما يتحدث الروس، ولا يمكن تفسيرها بوجود تهديدات على أمنها، كما يدعون أيضا".
ويضيف في حديثه للجزيرة نت "أعتقد أن هذه الصورة واضحة للجميع، ما عدا بعض الأوكرانيين للأسف. واجتماع القمة بين بوتين وبايدن ما كان إلا استجابة مجاملة لدعوة أميركية لن تغير المخططات على الأرض".
ذرائع
من خلال تصريحات المسؤولين الروس وحديثهم عن "التهديدات والمخاوف" يمكن استنتاج أن الذرائع الرئيسية التي قد تستخدمها موسكو لشن حرب على أوكرانيا تشمل اتهام كييف بتعمد انتهاك وتجاهل بنود "اتفاقيات مينسك" للتسوية السلمية، والاستعداد لحرب واسعة على دونباس بأسلحة حديثة متطورة، أو حتى بمشاركة قوات أجنبية، إضافة إلى اتهام الغرب بتهديد أمن حدود وأراضي روسيا.
وبناء على هذه الاتهامات، تبرز ذريعة حماية الروس والأقليات الروسية التي دخلت بها موسكو أراضي القرم عام 2014 ومهدت لضمه، وهي الذريعة المرجحة حاليا في دونباس، حيث منحت روسيا مئات الآلاف من سكانه جنسيتها.
وبجمع آراء المحللين والخبراء، نستطيع حصر أبرز الأسباب والعوامل التي توفرت لدى روسيا لتهدد أوكرانيا في هذا التوقيت بما يلي:
لجوء أوكرانيا مؤخرا إلى استخدام طائرات "بيرقدار" التركية المسيرة، وحصولها على أعداد لا بأس بها من صواريخ "جافلين" (Javelin) الأميركية المضادة للدبابات.
التغير الديموغرافي الذي أحدثته سياسة نشر الجنسية الروسية وسط سكان دونباس، مما جعل الروس أغلبية بين من تبقى بالإقليم، أو نزح عنه إلى روسيا.
شق صف دول الاتحاد الأوروبي، بالتوجه نحو احتكار سوق الطاقة في أوروبا، ورفع أسعارها إلى مستويات قياسية، مما ألقى بظلاله على الأوضاع المعيشية، وأحدث انقسامات سياسية في عدة دول، حول شكل وطبيعة العلاقات مع موسكو. ولعل ورقة الضغط بالحاجة الأوروبية إلى الغاز الروسي، خاصة فصل الشتاء، هي التي دفعت إلى توقع الحرب بدايات عام 2022.
اشتداد الأزمة الاقتصادية على سكان أوكرانيا عموما، بما قد يضعف التفاف الشعب حول سلطات البلاد عند أي مواجهة مع موسكو.
تضاعف حجم وانتشار القوات الروسية، بالتحالف مع بيلاروسيا، التي وجدت في موسكو جهة وحيدة بالمنطقة تعترف بألكساندر لوكاشينكو رئيسا شرعيا.
يعود الكاتب بالي فيقول "إذا ما نظرنا في هذه العوامل وغيرها، نجد أن معظمها صنيعة روسية تمهد لشيء بعدها، وبالتالي كيف يمكننا استبعاد عدوان جديد، وكيف لا نتحدث عن عدوان أصلا، وتاريخنا القريب شهد احتلال القرم وحرب دونباس".
سيناريوهات
ومع قرع طبول الحرب، تطرح على طاولات النقاش والاستعداد والتخطيط عدة سيناريوهات، يعبر عنها المسؤولون والمحللون الأوكرانيون أيضا من حين إلى آخر.
ومن هذه السيناريوهات المطروحة:
الغزو الشامل، ولكنه مستبعد رغم أن أعداد الحشود العسكرية الروسية ضخمة، وتطوق أوكرانيا من 3 جهات (القرم جنوبا، والحدود المتاخمة لدونباس شرقا، وأراضي الحليف البيلاروسي شمالا). ولكن، رغم أنه مستبعد، فإن أوكرانيا تأخذ على محمل الجد وجود القوات الروسية بأراضي بيلاروسيا، ويقول وزير خارجيتها دميترو كوليبا "خيار الاجتياح من جهة الشمال وارد".
الغزو التوسعي الذي قد يشمل مناطق شمالية وشرقية وجنوبية بأوكرانيا، تنتشر قربها القوات الروسية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض هذه المناطق تدخل ضمن ما يسمى دولة "روسيا الجديدة" التي كثر الحديث عنها عام 2014، علما أن بعضها شهد فعلا حراكا انفصاليا، لكن سلطات كييف أخمدته سريعا.
السيطرة على إقليم دونباس وضمه، فهناك من يرى أن روسيا قد تكرر سيناريو ضم القرم في دونباس، بعد أن زادت أعداد الروس في مدنه وقراه، وشحنت سكانه ضده سلطات كييف بحكم سيطرة الموالين لها عليه.
معارك متفرقة، أو مناوشات تشعل عدة جبهات، فتشتت تركيز جيش أوكرانيا، وتزيد أعباءها الاقتصادية، وعلى دول الغرب الداعمة لكييف، وتجبر الناتو على إعادة التفكير في مسألة ضم أوكرانيا.
الدفع بمرتزقة، وتدبير انقلاب على السلطة في كييف، تشكل القوات الروسية المحيطة صمام أمان له، ويشبه -إلى حد ما- انقلابات شهدتها بعض دول العالم العربي. وهذا قد يعيد البلاد إلى قبضة الموالين لروسيا، أو قد يقسمها لجزئين على الأقل. وهذا ما لمح إليه فعلا الرئيس الأوكراني قبل أيام.
لا شيء، بمعنى عدم حدوث أي غزو، واستخدام ورقة تهديد أوكرانيا للضغط على الغرب، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، على المستويين الإقليمي والدولي، كإجبار الغرب على الاعتراف بلوكاشينكو رئيسا لبيلاروسيا، وروسية أراضي القرم، ودفعه نحو إطلاق خط "نورد ستريم 2" لنقل الغاز مباشرة من روسيا إلى ألمانيا، دون الحاجة إلى خطوط النقل الأوكرانية وغيرها.
من جانبه يقول الخبير العسكري فيكتور موجينكو "يبدو أن روسيا تضع عينها على كامل أراضي دونباس، ويبدو أن حشودها في الشمال والجنوب لتشتيت الانتباه، وضمان عدم تدخل حلفاء أوكرانيا للدفاع عنها".
ويضيف متحدثا للجزيرة نت "ومع ذلك، لا يمكننا استبعاد أي سيناريو. أنا من الذين يتوقعون أي شيء من روسيا التي اختلقت أنواعا وأشكالا جديدة من الحروب والاستعمار، قد لا تسيل فيها الدماء، كما حدث بالقرم، أو قد تحول الأراضي إلى قواعد عسكرية ومناطق رمادية، كما حدث في دونباس، أو قد تدمر كل شيء، كما حدث في سوريا".
-----------
الجزيرة نت