بحيث صارت تنعت بالمجتمعات ‘ما بعد الدينية’، ناشد المرحوم زكي بدوي المفكرين العرب والغربيين بأن يقلعوا عن استخدام كلمة ‘العلمانية’ نظرا لما تثيره من حساسية بالغة في المجتمعات العربية وأن يأتوا بمرادف أو معادل أكثر حيادا أو أخف حمولة، بحيث يمكن تجاوز عطالة ‘حوار الصم’ التي يفرضها إرهاب المصطلحات عندما تنزاح، بسب قصور الفهم، عن سياقاتها.
اليوم نكتشف أن كلمة ‘الليبرالية’ تثير هي أيضا من الحساسية والجدل لدى كثير من العرب بقدر ما تثير كلمة العلمانية، بل إن بعضهم لا يفرق بين المفهومين. إذ يكفي أن ترد كلمة ‘الليبرالية’ في هذه الزاوية، مثلما حدث الأسبوع الماضي، حتى يكتب بعضهم مستنكرين ما يعدونه انحيازا للعلمانية الدخيلة!
ولا شك عندي أن كثيرا منهم لا يعلمون، وإذا علموا فلا يكترثون، بأن الشيخ عبد العزيز الثعالبي قد نشر عام 1905 كتابا بالفرنسية بعنوان ‘الروح الليبرالية في القرآن’ (وقد عرب الأستاذ حمادي الساحلي الكتاب قبل سنوات بعنوان ‘روح التحرر في القرآن’). ولا شك عندي أن هؤلاء لا يعلمون أن الشيخ محمد صالح بن مراد، رغم ما يبدو من معارضته لتحرير المرأة في كتابه ‘الحداد على امرأة الحدّاد’، قد حرص على تعليم بنتيه بشيرة ونجيبة وشجع بشيرة في نشاطها الوطني، حيث تزعمت عام 1936 ‘الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي’ (أول جمعية نسائية تونسية) كما كان يحب الفن ويعزف البيانو، وأن الشيخ الطاهر بن عاشور، أبرز علماء الدين في الغرب الإسلامي في العصر الحديث، وصاحب ‘التحرير والتنوير’، قد ألف أيضا كتابا في تحقيق ديوان بشار بن برد.
ولا شك عندي أن كثيرا ممن يستنكرون الليبرالية، باسم ‘قيمنا وأصالتنا’، لا يعلمون أن راشد الغنوشي نفسه قال في ندوة في لندن عام 2006 إن بلادا يستجير بها المظلومون ويأمن فيها المسلمون ويتمتعون بجميع الحقوق، بما فيها حق ممارسة الشعائر الدينية بكل حرية، هي ‘دار من ديار الإسلام’! أي أن كون بريطانيا دولة ليبرالية هو بالضبط ما يجعلها، بصفة شبه آلية، من ديار الإسلام.
ذلك أن الحقيقة الملموسة بشكل يومي في كثير من بلاد الغرب هي أن الليبرالية أوسع من جميع الأديان. ولذلك فإنها تتسع لكل دين. حقيقة كان من المفترض أن تكون سهلة الفهم بالنسبة للمسلمين. لماذا؟ لأن الإسلام هو دين الحرية وبشراها. دين يحرر الذات الإنسانية من كل عبودية، فيؤصل بذلك للإيجابية الفردية والفاعلية التاريخية. إنه دين الأخذ بمجامع القلوب: ‘بشّروا ولا تنفّروا’. دين أبدع نبيه بيداغوجية التبشير، ولكن أتباعه في هذا الزمان سيظلون كادحين مجتهدين في التنفير ما استطاعوا إليه سبيلا.
اليوم نكتشف أن كلمة ‘الليبرالية’ تثير هي أيضا من الحساسية والجدل لدى كثير من العرب بقدر ما تثير كلمة العلمانية، بل إن بعضهم لا يفرق بين المفهومين. إذ يكفي أن ترد كلمة ‘الليبرالية’ في هذه الزاوية، مثلما حدث الأسبوع الماضي، حتى يكتب بعضهم مستنكرين ما يعدونه انحيازا للعلمانية الدخيلة!
ولا شك عندي أن كثيرا منهم لا يعلمون، وإذا علموا فلا يكترثون، بأن الشيخ عبد العزيز الثعالبي قد نشر عام 1905 كتابا بالفرنسية بعنوان ‘الروح الليبرالية في القرآن’ (وقد عرب الأستاذ حمادي الساحلي الكتاب قبل سنوات بعنوان ‘روح التحرر في القرآن’). ولا شك عندي أن هؤلاء لا يعلمون أن الشيخ محمد صالح بن مراد، رغم ما يبدو من معارضته لتحرير المرأة في كتابه ‘الحداد على امرأة الحدّاد’، قد حرص على تعليم بنتيه بشيرة ونجيبة وشجع بشيرة في نشاطها الوطني، حيث تزعمت عام 1936 ‘الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي’ (أول جمعية نسائية تونسية) كما كان يحب الفن ويعزف البيانو، وأن الشيخ الطاهر بن عاشور، أبرز علماء الدين في الغرب الإسلامي في العصر الحديث، وصاحب ‘التحرير والتنوير’، قد ألف أيضا كتابا في تحقيق ديوان بشار بن برد.
ولا شك عندي أن كثيرا ممن يستنكرون الليبرالية، باسم ‘قيمنا وأصالتنا’، لا يعلمون أن راشد الغنوشي نفسه قال في ندوة في لندن عام 2006 إن بلادا يستجير بها المظلومون ويأمن فيها المسلمون ويتمتعون بجميع الحقوق، بما فيها حق ممارسة الشعائر الدينية بكل حرية، هي ‘دار من ديار الإسلام’! أي أن كون بريطانيا دولة ليبرالية هو بالضبط ما يجعلها، بصفة شبه آلية، من ديار الإسلام.
ذلك أن الحقيقة الملموسة بشكل يومي في كثير من بلاد الغرب هي أن الليبرالية أوسع من جميع الأديان. ولذلك فإنها تتسع لكل دين. حقيقة كان من المفترض أن تكون سهلة الفهم بالنسبة للمسلمين. لماذا؟ لأن الإسلام هو دين الحرية وبشراها. دين يحرر الذات الإنسانية من كل عبودية، فيؤصل بذلك للإيجابية الفردية والفاعلية التاريخية. إنه دين الأخذ بمجامع القلوب: ‘بشّروا ولا تنفّروا’. دين أبدع نبيه بيداغوجية التبشير، ولكن أتباعه في هذا الزمان سيظلون كادحين مجتهدين في التنفير ما استطاعوا إليه سبيلا.