وتظل الأسئلة مطروحةً عن أسباب صعود القيادات الهابطة التي أساءت للسوريين وثورتهم، ومبرّرات استمرار بعضها في مواقع متقدّمة، رغم كل الفشل الذي حصدته، وصار حديث السوريين وغير السوريين. ويبقى أكثر الأجوبة صدقيةً وقربا من الواقع أن الأغلبية العظمى من هؤلاء الذين ركبوا القطار، ولا يزالون يجلسون في عربة القيادة، يمثلون الدول التي لها ثقل ودور في الملف السوري، وتحرص على زرع مندوبين عنها في مراكز حسّاسة، ليكونوا عيونا ساهرة وأجهزة إنذار مبكّر لرصد أي نزعة استقلالية لتجاوز خطوط النفوذ الإقليمية والدولية. وهذه الفئة ليست خافيةً على أحد، وهي موجودة بقوة، وتتصدّر المشهد رغم ما وصل إليه الوضع من رثاثة، بسبب مصادرة القرار الوطني السوري المستقل. وهناك فئة ثانية من الفاشلين والفاسدين جاءت من أحزابٍ معارضة، كانت قد أفلست قبل الثورة، ووجدت فيها فرصة كي تركب الموجة، رغم أن بعضها كان يفاوض النظام ولم يلتحق بالثورة، إلا بعد أن كسر الحراك الشعبي حاجز الخوف، وصار يقدّم الشهداء، وهو يطالب بإسقاط النظام ورئيسه. وهناك فئة ثالثة من المنتفعين والانتهازيين الذين يبدّلون الولاءات حسب المصالح، ولا يهمهم أمر الثورة ومعاناة السوريين، وغالبا ما يضع هؤلاء رِجلا لدى النظام، وأخرى في المؤسّسات المحسوبة ضده. وتشاء الظروف أن تتبدّل الأحوال، ولكن هؤلاء لا يتزحزحون.
ورغم أن وجوها كثيرة تعاقبت على المواقع القيادية، فإن الذين اكترثوا بما واجهته الثورة من حملاتٍ قلة تعد على أصابع اليد، ولم تقم الأغلبية الساحقة من الذين تولوا مسؤوليات كبيرة بمراجعة، أو تسجيل شهادة سوى برهان غليون في كتابه المهم الذي صدر في عام 2019 "عطب الذات .. "، وتناول فيه، بصورة أساسية، تشريح المرحلة التي تولى فيها قيادة المجلس الوطني، وكانت فترة صعبة وبذل خلالها جهدا على المستويات كافة، الداخلي والعربي والدولي. ومع ذلك، تكاتفت ضده القوى التي كانت في خدمة الخارج والنظام لإسقاطه، بسبب ما امتاز به من جدّية ونظافة يد وتفان في العمل، وتعرّض إلى حملة من الشائعات، كان غرضها تشويه سمعته، وضرب الصورة التي تكوّنت له أكاديميا مدرّسا في واحدة من أعرق جامعات العالم (السوربون)، يتولى مسؤولية قيادة المعارضة السورية في مرحلة انتقالية من الديكتاتورية إلى الديمقراطية.
يستمرّ التردّي وتتدحرج كرة الرداءة، لتكبر في هذه البرّية الواسعة، حيث لم يعد للسوريين أي دور في تقرير مصير بلدهم. ومع ذلك، لا تزال الشخصيات المستهلكة تبيع السوريين أوهاما، في حين أن وظيفتها الأساسية تنفيذ أجندات الدول صاحبة المصلحة في تحويل سورية إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية. ومؤسفٌ أنه لا تلوح في الأفق أي بارقة أمل لتجاوز هذا الوضع المزري، ما دام أن بعض النخب السورية الوطنية مستنكفةٌ عن تحمّل مسؤولياتها تجاه البلد والتاريخ، وبعضها الآخر محكوم عليه بالإقصاء من أطراف دولية.
-----------
العربي الجديد