في السنة الثالثة لهذه الملحمة المأسوية غير المسبوقة، لا بد من أن يتقرر أخيراً لمن البقاء: للشعب أم لـ «الشبّيحة». ذهب النظام الى أقصى التمادي في التوحّش. تطارده جرائمه والشبهات الى حدّ يصعب معه الجزم في من ارتكب التفجير في دمشق: ارهابيّوه أم خصومه الارهابيون. له سجل أسود طويل، أقلّه في لبنان، في ارسال القتلة الى القتل ثم قتلهم، في فرض الهدنات ثم خرقها، في اجتراح المصالحات عشية التنكّر لها، في إعطاء الأمان لأشخاص قبيل اغتيالهم ثم تقدّم مواكب المعزّين بهم، وفي ايهام العملاء بأنهم اذ يبيعون أنفسهم اليه يقاربون المجد ويصدّقون ليكتشفوا ذات لحظة أنهم، عنده، مجرد ذرّة غبار على نعله، يمحقون محقاً اذا سوّلت لهم أنفسهم مخالفة أي أمر حتى لو كان نقل متفجّرات والتخطيط لمجازر وفتن. ففي واقعة ميشال سماحة – علي المملوك، مثلاً، كان الوزير اللبناني السابق والمسؤول الأمني السوري متساويين كوسيلتين وأداتين لتنفيذ قرار جاءهما من فوق، مع فارق أن صناعة الموت هي مهنة المملوك، أما سماحة فامتهن النفاق للنظام وباسمه الى أن امتحنه في ولائه فسقط... مع مثل هذا النظام يفترض المفترضون أنه يمكن أو يجب التفاوض، أو لا مناص من التحاور. لماذا؟ لأنه ببساطة لا يزال خاطفاً الدولة والجيش والمؤسسات، فجيش سورية وقوته الضاربة رهينته، والجيش الأكبر المؤلف من موظفي الدولة والقطاع العام تحت رحمته، ويعتقد المعتقدون أن لا سبيل الى انقاذ كل الرهائن هذه إلا بالتفاوض. هذا نظام خبير بـ «تحرير» الرهائن، اذ كانوا يخطفون بأمره وبمعرفته في بيروت ولا يظهرون محررين إلا في دمشق. وهو خبير ديماغوجي في التفاوض على الطريقة الاسرائيلية، أي من أجل التفاوض فقط، فيما هو يواصل القتل والتدمير. وطالما أن القوى الدولية لم تنزع عنه بعد «الشرعية» التي يدّعيها، مع علمها بأنها مزوّرة أصلاً ومسلوبة، فمن سينقض «الحق» الزائف الذي يدّعيه بأنه هو الدولة والشرعية وما على الأبناء الضالين سوى العودة الى الطاعة والولاء. ومن شأنه - من يستطيع مقارعته؟ - أن يستهزئ ويقلل من كل الاتهامات الموجهة اليه على رغم أن معظم العالم ينبذه ويمقته، اذ لم يتعرّض لأي ادانة أو عقوبات من مجلس الأمن وبقيت تقارير مجلس حقوق الانسان حبراً على ورق على رغم إلقائها مسؤولية سبعين ألف قتيل على عاتقه واعتباره مرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
يقولون انه منفصل عن الواقع، وليس واقعه ما يحصل للسوريين ولا لسورية، فهذه أصبحت لديه مجرد مكان افتراضي أو مجرد حقل لتمرين «شبيحته» على الوحشية المفرطة. الواقع الذي يعيشه هو الأسلحة الجديدة التي وصلته من روسيا بلا انقطاع وما ينقله اليه الروس عن وشوك اكتمال «فخ الحوار» الذي يحيكونه، وما يبشّره به الايرانيون عن صلابة «خط المقاومة» واستعدادهم مع «حزب الله» لجرّ حكومة لبنان المترجّحة بين الخنوع والفساد الى ما ليس منه بد، أي الى تفعيل الصراع السنّي – الشيعي، فالأحرى أن ينفجر في هذين البلدين، وليكن ما يكون.
من حقّ المعارضة السورية أن تعلن عن محدّدات لأي حوار مع «ممثلين عن الدولة» وليس النظام، لأن النظام قتلة متفاوتون في الاحتراف، ومجرد بقاء الاسد في موقعه مع ماكينات القتل المحيطة به كفيل بإفشال أي حوار وأي اتفاق. ليس معروفاً من كان وليد المعلم يمثّل في موسكو، الرئيس (والنظام) أم الحكومة أم كان مجرد مبعوث لمواصلة مناورة الحل السياسي، خصوصاً حين أعلن الاستعداد للحوار حتى مع المعارضة المسلحة، اذ بدا كأنه يمسح كل ما سبق للأسد أن كرره مراراً من تخوين للمعارضة في الخارج وتمييز بين معارضات الداخل. بل بدا كأنه يلوّح بتنازل يقدّمه النظام ليس إرضاءً للمعارضة وانما لموسكو التي باتت تعتبر ترتيب الحوار نصراً بيّناً لدورها ولديبلوماسيتها بالغة العدوانية تجاه الشعب السوري.
لكن موسكو تعرف أن للحوار متطلبات لا بدّ من أن تحصل عليها من الاسد، ولا شك في أن الأخير أراد بإرساله وليد معلم للمرة الأولى الإيحاء بجديّة تعاطيه مع السعي الروسي، وبأن المعلم يمكن أن يكون المحاور الذي يرضي المعارضة لأن يديه غير ملطّختين بالدم، إلاّ أن العقدة تبقى العقدة. كانت موسكو اعتمدت تأويلاً موارباً لاتفاق جنيف واستطاعت أن تنتزع من واشنطن ما يوفّر لها مرونةً في التطبيق - عدم الاشتراط أولاً تنحّي الاسد أو رحيله - لكن ما العمل بـ «الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحيات» التي اتفق عليها فعلاً، ولا يزال الاخضر الابراهيمي يذكّر بها موضحاً أنه يجب ألاّ تكون هناك سلطة فوقها. لن تستطيع موسكو التقدّم لأن الاسد لا يريد مثل هذه الحكومة، فهي إقرار منه بأنه سيصبح رئيساً فاقد الصلاحيات، ولن تعود الأجهزة العسكرية والأمنية بإمرته، اذا كانت لا تزال بإمرته حتى الآن.
في كل الأحوال، لن يستطيع النظام أن يفرض بعد الآن منطق أنه السلطة التي تكافح الارهاب، لم تنجح مناورته الأخيرة مع روسيا في استمالة باراك اوباما على نحو حاسم يقلب الوضع كلياً لمصلحته. ومع التركيز حالياً على الحوار وشروطه بات يتوقع من روسيا أن تدعوه الى تنازلات لا يريدها. اللعبة الدولية منحته سنتين كاملتين استهلكهما في تحطيم كل ما كان له من هيبة ورهبة، ويراد منه اليوم أن يسهّل حلاً سياسياً يمهد لنهايته. بقي الحليف الايراني الذي يقوده الى أحد سيناريوين، إمّا نيرون وإمّا شمشون، أو الاثنين معاً. فالتدمير المنهجي الذي اتّبعه لا يقود إلاّ الى هاتين النتيجتين. في السنة الثالثة، اذا لم يظفر النظام بـ «حل سياسي» يقوده ويشرف عليه ويوجهه، لن يكون مستغرباً أن يدخل مرحلة «عليّ وعلى أعدائي...».
يقولون انه منفصل عن الواقع، وليس واقعه ما يحصل للسوريين ولا لسورية، فهذه أصبحت لديه مجرد مكان افتراضي أو مجرد حقل لتمرين «شبيحته» على الوحشية المفرطة. الواقع الذي يعيشه هو الأسلحة الجديدة التي وصلته من روسيا بلا انقطاع وما ينقله اليه الروس عن وشوك اكتمال «فخ الحوار» الذي يحيكونه، وما يبشّره به الايرانيون عن صلابة «خط المقاومة» واستعدادهم مع «حزب الله» لجرّ حكومة لبنان المترجّحة بين الخنوع والفساد الى ما ليس منه بد، أي الى تفعيل الصراع السنّي – الشيعي، فالأحرى أن ينفجر في هذين البلدين، وليكن ما يكون.
من حقّ المعارضة السورية أن تعلن عن محدّدات لأي حوار مع «ممثلين عن الدولة» وليس النظام، لأن النظام قتلة متفاوتون في الاحتراف، ومجرد بقاء الاسد في موقعه مع ماكينات القتل المحيطة به كفيل بإفشال أي حوار وأي اتفاق. ليس معروفاً من كان وليد المعلم يمثّل في موسكو، الرئيس (والنظام) أم الحكومة أم كان مجرد مبعوث لمواصلة مناورة الحل السياسي، خصوصاً حين أعلن الاستعداد للحوار حتى مع المعارضة المسلحة، اذ بدا كأنه يمسح كل ما سبق للأسد أن كرره مراراً من تخوين للمعارضة في الخارج وتمييز بين معارضات الداخل. بل بدا كأنه يلوّح بتنازل يقدّمه النظام ليس إرضاءً للمعارضة وانما لموسكو التي باتت تعتبر ترتيب الحوار نصراً بيّناً لدورها ولديبلوماسيتها بالغة العدوانية تجاه الشعب السوري.
لكن موسكو تعرف أن للحوار متطلبات لا بدّ من أن تحصل عليها من الاسد، ولا شك في أن الأخير أراد بإرساله وليد معلم للمرة الأولى الإيحاء بجديّة تعاطيه مع السعي الروسي، وبأن المعلم يمكن أن يكون المحاور الذي يرضي المعارضة لأن يديه غير ملطّختين بالدم، إلاّ أن العقدة تبقى العقدة. كانت موسكو اعتمدت تأويلاً موارباً لاتفاق جنيف واستطاعت أن تنتزع من واشنطن ما يوفّر لها مرونةً في التطبيق - عدم الاشتراط أولاً تنحّي الاسد أو رحيله - لكن ما العمل بـ «الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحيات» التي اتفق عليها فعلاً، ولا يزال الاخضر الابراهيمي يذكّر بها موضحاً أنه يجب ألاّ تكون هناك سلطة فوقها. لن تستطيع موسكو التقدّم لأن الاسد لا يريد مثل هذه الحكومة، فهي إقرار منه بأنه سيصبح رئيساً فاقد الصلاحيات، ولن تعود الأجهزة العسكرية والأمنية بإمرته، اذا كانت لا تزال بإمرته حتى الآن.
في كل الأحوال، لن يستطيع النظام أن يفرض بعد الآن منطق أنه السلطة التي تكافح الارهاب، لم تنجح مناورته الأخيرة مع روسيا في استمالة باراك اوباما على نحو حاسم يقلب الوضع كلياً لمصلحته. ومع التركيز حالياً على الحوار وشروطه بات يتوقع من روسيا أن تدعوه الى تنازلات لا يريدها. اللعبة الدولية منحته سنتين كاملتين استهلكهما في تحطيم كل ما كان له من هيبة ورهبة، ويراد منه اليوم أن يسهّل حلاً سياسياً يمهد لنهايته. بقي الحليف الايراني الذي يقوده الى أحد سيناريوين، إمّا نيرون وإمّا شمشون، أو الاثنين معاً. فالتدمير المنهجي الذي اتّبعه لا يقود إلاّ الى هاتين النتيجتين. في السنة الثالثة، اذا لم يظفر النظام بـ «حل سياسي» يقوده ويشرف عليه ويوجهه، لن يكون مستغرباً أن يدخل مرحلة «عليّ وعلى أعدائي...».