نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


لماذا يعشق الثوريون الحشيش؟




وأنا أبحث في علاقة الثوريين بالحشيش، أخذني السيد "غوغل إلى صفحة عن نبات "البنج الثوري "وهي أحد أصناف الحشيش الذي ينبت في الشرق الأوسط، ألا أدام الله نعمه علينا. لكن كلمة ثوري هنا لا تعني ثوري بالمعنى السياسي، بل إنها تعني حشيشة الثيران. وهنا فليسامح الله أيضاً المترجمين العرب الأوائل الذين لم يوفقوا لاشتقاق ترجمة لكلمة ثوري إلا من الثيران، ليصبح حشيش الكيف حشيشاً ثورياً بحق، ويا للعجب. لكن لهذا الأمر آناً آخر.

بل لعل مترجمينا الأوائل، كانوا على علم أن حشيشة الكيف هي أصلاً حشيشة سياسية، بل وإيديولوجية بامتياز!


 

في ثقافة بلادنا لطالما أحيطت حشيشة الكيف بأساطير طوطمية، يختلط فيها الجنس المقدس بالغريزة والصعود إلى العوالم العليا، حيث يتحدث تراثنا عن زوادة الحشيش عند "الحشاشين" وهم يذهبون مثل النينجا لتنفيذ المهام الانتحارية، ولتصبح كما هو معروف، كلمة Assasin  - (القاتل) باللغات اللاتينية، مشتقة من الحشاشين والحشيش. 
صار للحشيش بعد سياسي أكثر ملموسية في العصر الحديث. فمن حرب الأفيون الإجرامية التي خاضتها القوى الاستعمارية الغربية ضد الشعب الصيني، الى انتشار الحشيش السيئ الصيت في مصر، إلخ، كان الحشيش أداة في الحرب الاستعمارية. 
ولكن، ويا للعجب لم يشفنا رحيل الاستعمار وأعوانه عن بلادنا، من عشق الحشيش. فلقد تجندت الكثير من "الجماعات الثورية" لتحمل الراية. 

إيديولوجياً، تم تطوير الأساس العقائدي لزراعة لحشيش، في سبيل "الثورة"، فأمام وحشية عدو "غاصب" لا يرحم، يصبح الحشيش "وسيلة ثورية"، بل مورد أساسي لتمكينها. وليست سيرة الساندينيستا في فنزويلا بغريبة عن القصة. وبحسب اعترافات تجار المخدرات وتسريبات ويكيليكس، شكلت شبكات الاتجار بالمخدرات جزءاً من هيكلية الحزب الفنزولي الحاكم، لتستمر كارتيلات المخدرات قوة كامنة في نخاع "الحركة الثورية". 

في كولومبيا، كان لثوار الفارك  FARC تمييز لا غبار عليه في انتاج الكوكايين. وفي حين كان يمكن الحصول على كيلو من الكوكايين بـ 1500 دولار من المختبرات السرية للثورة الكولومبية المنتشرة في الغابات، يصل سعره في شوارع الولايات المتحدة إلى 50000 دولار، لتندمج مكافحة المخدرات مع تشديد الحرب على المنظمات الثورية اليسارية. وبالفعل أدت هذه الخطط إلى تقليص إنتاج المخدرات بـ60 في المئة. فإلى جيوب الثوريين وليس إلى جيوب الثورة كانت تذهب هذه الأموال. 
أما سيرة ثوريينا في الشرق الأوسط مع الحشيش، فحدث ولا حرج! وإليكم بعض الأمثلة فحسب.

عام 2017 فككت السلطات الإيطالية، شبكة تهريب من 9 أشخاص ينتمي جميعهم إلى "الحشد الشعبي"، يقودهم ضابط بـ"فيلق القدس"، حيث قالت مصادر قضائية إن "فيلق القدس"، المكلف بتنفيذ العمليات الخارجية لـ"الحرس الثوري" الإيراني، يدير هذه الشبكات". ويشرف على العصابة الضابط غلام رضا باغباني، القائد السابق لقوات "فيلق القدس"، بمدينة زاهدان-بلوشستان، الذي يعتبر ممراً لتهريب المخدرات من أفغانستان. وتظهر التحقيقات أن الشبكات الإيرانية تمتد عبر مجموعات مقربة من "حزب الله" في بعض بلدان أميركا اللاتينية. 

ولا تقل "داعش" في عشقها للمخدرات، ففي تموز (يوليو) 2020 على سبيل المثال، أعلن الحرس المالي في نابولي، عثوره على أكثر من 84 مليون قرص من كبتاغون يبلغ وزنها حوالي 14 طناً وتقدر قيمتها في الشارع الأوروبي بمليار يورو لها علاقة بـ"داعش". 

لا تقصّر حبوب الكبتاغون (المنقوشة بحرفي CC) والملقبة بـ"أبو هلالين" في خدماتها الثورية. إذ تعد حبوب "أبو هلالين" بالنسبة لنظام الأسد في سوريا نعمة – على الأقل على المدى القصير. وبحسب المؤسسات الدولية المختصة بالجريمة في أوربا، أصبحت سوريا المنتج الرئيسي لهذه المادة في العالم. فمع انهيار الاقتصاد الرسمي، وتحت وطأة الحرب والحكم المفترس لآل الأسد، أصبح "أبو هلالين" أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة لنظام الأسد ولتمويل أمراء الحرب على طول الأراضي السورية. حيث تم ضبط ما تزيد قيمته على 3.4 مليارات دولار العام الماضي. 

منذ التسعينات تحالف ثوريو "حزب الله" والنظام السوري على زراعة الحشيش في البقاع. وتقاطعت شبكاتهم مع "أجهزة" "الدول الثورية" في أميركا اللاتينية. لكن الإنتاج الضخم للكبتاغون داخل سوريا لم يبدأ إلا بعد اندلاع الانتفاضة السورية، حيث زود الضباط رجالهم بحبات "الكابتن شجاعة". وبحسب مجلة "إيكونومسيت" فلقد جلب "المقاتلون (الثوريون) الذين جاءوا لدعم النظام السوري من أفغانستان والعراق ولبنان، مهاراتهم في صنع المخدرات لسوريا، في حين توسع "حزب الله" في زراعة الحشيش من البقاع حتى القلمون السورية. 

منذ عام 2013 بدأ تصدير الكبتاغون من قبل أجهزة النظام السوري، وحولت معامل الأدوية المدمرة في حلب وحمص ودمشق مصانع لـ" أبو هلالين". وفي حين يعتبر الكبتاغون حبة الكيف المفضلة، لدى بعض شرائح الشباب المستهدفين في مدن الخليج، حيث يتضاعف سعر الحبة ألف مرة، ليصل إلى 25 دولاراً. ومن ماليزيا إلى إيطاليا إلى السعودية ينشغل ضباط الجمارك والأمن بملاحقة خيوط الشبكات التي تربط "حزب الله" والنظام السوري و"الحشد الشعبي" وغيرها من "ثوريي" الشرق الأوسط. 

فما سر هذا العشق الغريزي بين الثوار والحشيش وأخواته؟ قد يكمن السر في تحريض غريزة الحلم الثوري. لكن من جرب الحشيش لا يعتقد ذلك والظاهرة تبدو أعمق بكثير. نستنتج من دراسة بريطانية عن الحروب الاهلية، أن دورة التحول الموضوعي لأي ثورة بالانتقال من لحظة الطهر الثورية، إلى لحظة المأسسة، تمهد موضوعياً لأن تصبح المؤسسة الثورية أداة تخدم ذاتها بغض النظر عن مصائر الثورة. إذ لا بد أن يستمر دوران دواليب المال أبيضَ كان أم أسودَ. وبذلك، تزدهر العلاقة العضوية بين "القيادات الثورية" وعصابات التهريب. 

تحمل هذه العلاقة الكثير من الميزات المناسبة. أولاً أنها تجري في إطار الاقتصاد الأسود، مما يجعلها أبعد منالاً عن خصومها، ثانياً أنها تبقى قابلة للإنكار، فمعظم الثوريين لا يهربون، بل يُنتقى بعضهم فحسب، للتعاطي في التهريب ومع المهربين. ثم إن العلاقة ثالثاً، هي أداة لتمويل التضامن الاجتماعي في الدوائر القريبة من "الثورة" الموعودة. 

وهكذا سواء انتصر الثوريون أم هزموا يبقى الحشيش يجمعهم! وسواء بالنسبة للجيش السري الإيرلندي، أو الساندينيستا، أو الفارك، أو "حزب الله"، أو الثوريين في النظام السوري، أو "الحشد الشعبي"، أو في "حزب الله"، تذهب "الثورة" ويبقى الحشيش. ولا يهم أين صارت بوصلة القدس، ولا آلام المستضعفين، بل المهم: "عندك شوية حشيش؟" فيا حشاشي العالم اتحدوا!
-------

النهار العربي

 

سمير التقي
الاثنين 4 يوليوز 2022