نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


لماذا صار العراق البلد الأكثر فساداً في العالم!؟




-
..رشوة هنا.. رشوة هناك..
قال أحمد عبدل (عامل فني- بلدية الكرادة- بغداد): "دفعتُ 800 دولار للحصول على الوظيفة.. الناس يعلمون أن هذا خطأ، ولكن لا توجد طريقة أخرى.. تصاعد الفساد في العراق على كافة المستويات".. وذكر Ateej Saleh Midhat (26 عام)- موظف قديم- بنك الرافدين الحكومي: "خلال العامين 2008-2009 كان من الصعب على أي خريج جامعي الحصول على وظيفة بدون دفع 500- 1500 دولار، حسب نوع العمل.. ولكن ماذا بشأن الناس غير القادرين على الدفع؟"



يعتبر العراق البلد الأول عالمياً من حيث مدى انتشار هوس السرقة premier kleptomaniac باستثاء الصومال (و) مينمار، في حين أن هايتي (و) أفغانستان مصنفتان أقل فساداً من العراق، وفق تقرير الشفافية الدولية. هذا رغم أن هذا البلد يتمتع بإيرادات نفطية ضخمة بخلاف تلك البلدان الفقيرة مالياً.
العراقيون مستاؤون من دفع الرشوة المنتشرة على نحو واسع، ولا يرون كيف يتصرفون لمواجهة هذا الفساد. كما وليست لديهم القناعة بجدية إدعاءات حكومة الاحتلال لمكافحة هذه الظاهرة، رغم توجيه العقوبة لبعض كبار المسؤولين.
ظهرت العلامة الأولى لاحتمال مواجهة هذا البلاء خلال الشهر الماضي بعد إلقاء القبض على وزير التجارة عبدالفلاح السوداني. هذا بعد أن صار العراقيون يسمون وزارة التجار "وزارة الفساد"، فهي تتصرف بستة مليارات دولار سنوياً لتغطية نظام الحصص الغذائية. وفي مثل هذه الظروف توفرت فرص واسعة للسرقة والحصول على الرشاوى من المجهزين لقبول تسلم مواد غذائية ملوثة/ فاسدة. أصبحت فضيحة السوداني معروفة جداً للرأي العام عندما أطلق حراسه النار على قوات الشرطة القادمة لاعتقاله. وهذا ما سهّل هروب عشرة من مسؤولي الوزارة المطلوبين من مداخلها الخلفية.
مشهد فيديو انتقل عبر الموبيلات في بغداد..
وفيه يظهر المسؤولين المعنيين من وزارة التجارة في حفلة مجون مع الغانيات..
الفساد يواجه أغلب العراقيين، بلغ مستوى وضيعاً.. وهذا يعني أن الحلقة البيروقراطية الفاسدة تتجاوز كافة العقبات لاستمرار الفساد

والرشاوى.. على سبيل المثال، وقبل بضع سنوات مضت، بدأت إدارة الجوازات بإصدار جوازات سفر جديدة على افتراض أنها أكثر أمناً (أقل عرضة للتزوير). لكن الحصول عليها بطريقة اعتيادية لم تكن متاحة. الطريقة الوحيدة تمثلت من خلال الرشوة، بل وحتى تبين أن الجوزات الجديدة لم تكن أكثر أمنا من سابقتها. ونفس الشيء صحيح بالنسبة للوثائق الشخصية الأخرى.. إذا لم يتم دفع الرشوة لتمشية مثل هذه المعاملات، فإن الرسميين الفسدة يعرضون ضحاياهم للإرهاق البيروقراطي bureaucratic harassment لغاية اضطرارهم وإجبارهم على الدفع.
لا تقف المشكلة عند دفع العراقيين الرشاوى للرسميين، بل تتعداها إلى عدم توكدهم فيما إذا كانوا سيحصلون على ما دفعوا من أجله.. ليلى فاضل أمير- ربة بيت شابة، تخرجت من معهد تدريب المعلمين العام 2005، لكنها لم تحصل عمل. "لم أرغب في الانضمام إلى أي حزب إسلامي.. ولا أرغب في دفع أي قدر من المال ومن ثم أكتشف كذب الوعود، وبالنتيجة أكون قد دفعت من أجل الحصول على لا شيء،" حسب قولها.
وفّر نظام الاحتلال فُرصاً استثنائية للاحتيال fraud منذ إسقاط نظام البعث العراقي. وخلقت الحرب الكثير من الفوضى والإرباك confusion في سياق تحويل الانتباه عن السرقات وصعوبة ممارسة الفحص والتدقيق لما كان يحصل في الواقع. في واحدة من الحالات السيئة السمعة حصلت العام 2004-2005.. خصصت الحكومة 1.3 بليون دولار لشراء الأسلحة. ساهم في تنفيذ العملية رئيس قسم تجنيد عسكري- زياد قطان- عراقي بولندي كان يُدير محلاً للبيتزا في بون سابقاً..! حازم الشعلان- وزير الدفاع- كان يعمل بشكل محدود في مجال العقارات في لندن خلال التسعينات..! الحصيلة كانت عدداً من هليوكبترات روسية قديمة عمرها 28 سنة وردت من بولندا، علاوة على مجموعة عربات اعتبرت مهجورة من قبل الجيش الباكستاني!
ظاهرة العنف في العراق خلال الفترة 2004-2006 جعلت من ممارسة الفحص والتدقيق ذات مخاطر عالية بالعلاقة مع الواردات المدفوعة الثمن من قبل الحكومة. حالة واحدة خضعت الآن للتحقيق تتعلق بـ 600 مليون دولار ثمن حصص غذائية من المفروض أنها أرسلت إلى الانبار ومن المحتمل أنها لم تصل أبداً إلى المحلات المخصصة لتوزيعها على المستحقين.
واجهت البلاد قدراً من الفساد في الظروف الضاغطة للمقاطعة، رغم أن الإدارة العراقية عُرفت بأنها الأكثر كفاءة وأمانة في السبعينات مقارنة بأغلب البلدان النفطية. لكن الوضع تغير بعد غزو الكويت وما جلبه من بلاء على المجتمع العراقي من خلال فرض الأمم المتحدة وبدفع أمريكي حصاراً اقتصادياً محكماً وعلى مدى ثلاثة عشر عاماً بحيث أنهك المجتمع والاقتصاد العراقي.
عجزت الحكومة عن دفع أجور ورواتب العاملين لديها وانهارت العملة النقدية الوطنية. وجد الأستاذ الجامعي فجأة أن راتبه صار يعادل خمسة دولارات شهرياً، ولم يكن هناك مجال لاستقالة الموظف الحكومي. حالة وحيدة تم الوقوف عندها تتعلق بأستاذ جامعي (جواد) الذي نجح بتدبير إجراءات مزيفة لإحالته على التقاعد مدعيا بتعرضه لضربة قلب heart attack بعد إقناعه ودفعه رشاوى لأطباء وتزويده بمخطط يبين أنه صار على شفى الموت.. وطالما كانت رواتبهم ضئيلة، فقد فرض العاملون في الحكومة على عامة الناس دفع مقابل للخدمات التي يحصلون عليها.. ولكن حالياً، ورغم أن العاملين في الإدارات العامة يتسلمون رواتب طيبة، فلا زالت ظاهرة الرشاوى والفساد مستمرة وبمستويات أعلى وأكثر انتشاراً.
أصبح في قمة أهداف النظام العراقي قبل الاحتلال إيجاد طرق سريعة لمكافحة المقاطعة وخلق المزيد من الإيرادات العامة. سيطر النظام على السوق السوداء. تم دفع ملايين الدولارات للأبن الأكبر للرئيس العراقي من قبل مستوردي السكاير، علاوة على تهريب النفط.. ومع أن المتعاملين في هذه السوق كانوا ينفذون الأهداف الموكلة إليهم تحت مظلة رئيسهم، إلا أعداداً منهم اكتشفوا إمكانية إقامة نفس علاقات الفساد مع نظام الاحتلال، مع تباين الهدف.. وليتحولوا إلى شبكة إجرامية فعالة تعمل إلى جانب منظمات الجريمة في ظل الاحتلال..
وفي ظروف إفقار العراق من خلال المقاطعة في التسعيات، صارت اللصوصية والسرقات robberies and burglaries في الشوارع والمنازل حالة اعتيادية. ولمواجهة العنف الإجرامي بدأت الحكومة بقطع أعضاء اللصوص- اليد/ الأذن- وعرضهم في التلفزيون.
ملايين الفقراء العراقيين لغاية العام2003 كانوا مستعدين لفعل أي شيء للبقاء على قيد الحياة. ومع سقوط بغداد سنحت الفرصة للمجرمين الانضمام إلى منظمات الجريمة في ممارسة السلب والنهب looting بدوافع الجريمة أو الاقتناع بعدم شرعية حكومة الاحتلال في ظروف القيم القبلية السائدة. وهذا الموقف تصاعد مع استمرار الاحتلال.
بدأ العنف بالانحدار عن مستوياته القصوى خلال الفترة 2006-2007، وصار العراقيون أكثر ضجرا وامتعاضاً resentful تجاه الفساد والسرقات. وهم على علم وقناعة بأن العديد من الرسميين والسياسيين العاملين في ظل الاحتلال، أصبحوا يملكون الفيلات الفاخرة في الخارج مثل الأردن ومصر، علاوة على أرصدتهم في البنوك.. كما أن مسألة إعادة الإعمار بقيت بطيئة بشكل مؤلم في ظروف اختفاء أموال طائلة مخصصة ومدفوعة فيها. بينما وجدت عائلات عراقية كثيرة نفسها أمام معضلة اعتقال أحبائها مع إجبارهم على تقديم الرشاوى لتحريرهم. أما الأحزاب السياسية العاملة بمعية الاحتلال، فقد أخذت تستخدم وزرائها كمصدر للسلب والنهب plunder، المناصرة والزبانة patronage.
وحتى مَنْ له أفضل الاتصالات، عليه أن يدفع.. شخص قريب من الاحتلال، له عداء سابق طويل مع نظام حكم البعث العراقي، تعرض لإطلاق النار بقصد اغتياله في وقت مبكر من هذا العام. الرجل يعرف كل شخص في المستويات العليا للحكومة، وحصل على تعهد بإجراء تحقيق فعال لكشف الجهة المنفذة. لكنه وجد أن البوليس والقضاء يتحركون ببطئ شديد في قضيته. توجهت شكوكه بوجود مؤامرة غامضة dark conspiracy ضده من قبل أعدائه السياسيين في نظام الاحتلال، واستشار محاميه بشأن ما يمكن عمله.. سخر محاميه من هذه الشكوك: " كلا هناك سبب أبسط للتباطئ في تحريك التحقيق من قبل الشرطة والقضاء لكشف المسلحين.. إنهم ينتظرونك أن تدفع لهم الرشوة bribe قبل أن يبدأوا تحقيقاتهم!"

ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
الخميس 9 يوليوز 2009