نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


للقادة العرب: مهددات أمنكم الوطني..الفقر والفساد




ركزت القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية التي انعقدت في الرياض في منتصف الأسبوع الماضي على قضايا هي من صميم (هموم) الشعوب العربية، أي ركزت على مشكلات (البطالة والفقر والمرض).. وهذا مركب يتبادل البؤس والتعاسة. فالبطالة تجلب الفقر، وهذان يثمران المرض ويطيلان عمره!


والحق أنه لا يتصور وجود تنمية ولا اقتصاد ذي عافية ونضارة في ظل هذا المركب.. فالإنسان هو عماد التنمية والإنتاج، وهو هدفهما في الوقت نفسه. فكيف ينتج إنسان هد الفقر خلاياه هدا، وعطلت البطالة طاقاته ومواهبه، وذهب المرض بما بقي من حطامه؟.. كيف يحصل ذلك؟ كيف؟!.. كيف؟!
وليس من النباهة السياسية الواقعية في شيء أن يتخيل أحد أن هذه المخاطر المحطمة محصورة في (الإنسان الفرد)، الفقير المتبطل المريض، ذلك أن هذه المخاطر إنما هي تهديد جدي للأمن الوطني كله، في كل بلد، بمعنى أن هذا البؤس لا تزال آثاره المحبطة تتكاثر وتتعاظم في نفوس الناس تعاظما يشحن هذه النفوس بالإحباط والتذمر والسخط والغليان.. ثم الانفجار.. ومن ثم يمكن استنباط المفهوم التالي للأمن الوطني الوطيد الوثيق (إذا حصل المواطن على مسكن مناسب، ودخل كريم يكفيه وعائلته، وعلى رعاية صحية جيدة، وعلى أمن يصون ذلك كله، وعلى استقرار يحفز على العطاء الناجز في الحاضر، وعلى أمل وثقة في المستقبل، إذا حصل المواطن على ذلك كله فلا نقول: إن نفسه تتطهر بالكلية من عوامل التذمر، وإنما من المؤكد أن هذه العوامل ستتناقص كما تنطفئ جذوتها كيفا إلى أدنى حد.. ومما لا ريب فيه أن هذا التناقص ضمانة عظمى من ضمانات الأمن الوطني).
ويتعين النظر إلى الأمور بعمق وبعد نظر، لا بسطحية وقصر نظر.. ويقود عمق النظر وبعد أمده إلى حقيقة علمية سياسية واقعية وهي: أن مما يعيق التنمية ويحجب ثمارها عن مستحقيها، أي عن المواطنين، هو (الفساد) الذي يبدأ خجولا، ثم يجترئ حين يرى تساهلا في التعامل معه، ثم يستغلظ ويفجر عندما يشعر بأن هناك حماية تغطي خسته ووحشيته.
من هنا، فلا مجال لمعيشة طيبة آمنة في ظل هذا الفساد المتوحش المجنون. ولذا يتوجب أن ينظر إلى هذا الفساد على أنه (مقصلة رهيبة) للأمن الاجتماعي الذي هو ركيزة الأمن الوطني.
مثلا: إن العيون مفتوحة في هذه الأيام على ما يجري في دولة مالي من اضطراب وإرهاب وغزو.. فليكن فتح العيون هذا مدخلا إلى ضرب المثل التالي: لقد كان الفساد عاملا رهيبا من عوامل التدهور السياسي والأمني في مالي (وهو تدهور أدى إلى هذه العواقب البئيسة التي تعيشها مالي اليوم).
فمن الوقائع المحزنة في ذلك البلد أن فريقا من كبار الضباط في جيشه يختلسون مرتبات الجنود، وأن هؤلاء الجنود المعوزين – لهذا السبب – قد انهارت معنوياتهم وفترت همتهم، وترهل أداؤهم لواجباتهم.. عندئذ حصل التسيب، وإغماض العين عن بؤر الإرهاب، بل ربما التعاطف مع الإرهاب من أجل مال يقيتهم ويقيت عيالهم.. ومعروف أن شمال مالي كله منطقة مهمشة في التنمية والخدمات... إلخ. وهذه أحوال جعلت مالي مرشحة لأن تكون (دولة فاشلة)، فهل تنجح العكاكيز الخارجية، والصخب ضد الإرهاب، في إنقاذ الدول الفاشلة؟
لعل السطور الآنفة تحفز القادة العرب الذين انتظم عقدهم في الرياض منذ أيام. لعل تجسيد هذه المخاطر يحضهم حضا على أن يرفعوا درجات الجدية وهم يطرقون ملف (الوجود والحياة للشعوب العربية)، أي ملف تلبية غرائز الطعام والمأوى والكدح والبقاء. نقول ذلك لأننا رأينا ترهلا وتثاؤبا تجاه قرارات سابقة اتخذوها هم أنفسهم في قمم سابقة.. مثلا: في قمة 2009 التي انعقدت في الكويت اتخذ القادة العرب قرارا بتحديد عام 2015 سقفا زمنيا لإنجاز الاتحاد الجمركي العربي. وها قد مرت سنوات أربع ولم ينجز منه ما يتناسب – زمنيا – مع السنوات الأربع. فإذا علم أن (البطء المميت) هو أحد مقاصل التنمية الجادة، فإن مثل تلك القرارات قد اغتالتها مقصلة البطء المميت الذي تعد الجامعة العربية أكبر طرف فيه من حيث إنها هي المشرفة على تنفيذ ملف العمل العربي المشترك.
وإذ نحمد لقمّة الرياض الأخيرة تناولها لملفات (البطالة. والأمن الغذائي. والاستثمار) فإن العجب لا يكاد ينتهي من إغفالها ملفا في وزن وأهمية تلك الملفات، إن لم يكن أهمها، ونعني به (ملف الأمن المائي). فالتقارير العلمية – البيئية والجيولوجية - تؤكد أن الوطن العربي كله معرض – في الزمن القريب – لأزمة مائية خانقة طاحنة ماحقة.. يضم إلى ذلك أنه لا مكان لتنمية حقيقية شاملة في ظل شح مائي يرقى إلى مرتبة القحط.. فالتنمية الزراعية قوامها الماء.. والتنمية الصناعية لا تنهض إلا على الماء.. والناس والمواشي يموتون من دون الماء.
إن هذا الواقع العربي المثقل بالمشكلات والمخاطر قد ازداد ثقلا وتعقيدا والتهابا بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية، وهي أوضاع ذات مخاطر امتدت إلى كل إقليم في عالمنا هذا، ومنها الإقليم العربي.. ولنحدق في هذه الحقائق والوقائع:
1) أصدرت منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بيانا مشتركا جاء فيه، بوضوح: «إن العولمة تمثل تحديا كبيرا للدول الفقيرة، ولذا يتوجب تقديم المزيد من الدعم لجهود تلك الدول.. إن هذه المؤسسات الدولية الثلاث ستعمل جاهدة على تعزيز قدرة الدول النامية على استغلال عضويتها في منظمة التجارة العالمية».. هذا اعتراف من مؤسسات دولية مهمة بأن هناك خللا كبيرا في بنية منظمة التجارة العالمية، وفي علاقات الإنتاج الدولية بوجه عام.
2) في مؤتمر دافوس عام 2009 ظهرت أصوات دولية قوية تنادي بمصطلح جديد وهو (الدولية المدنية).. ومفهوم هذا المصطلح هو أن تكون هناك قوى دولية متعددة الجنسيات متفاوتة المستوى والتمثيل تعمل على مناهضة (تسويق العالم)، أي التعامل مع كل شيء على أنه سلعة قابلة للبيع والشراء.
3 - طالب الاتحاد الأوروبي بأن توضع هذه البيانات والنداءات موضع التنفيذ وفق آلية ناجزة، تفاديا لكوارث ماحقة لن تصيب الدول النامية فحسب، بل تضرب الدول الصناعية الكبرى نفسها كذلك.
ووراء هذه المخاوف الجدية أسباب كثيرة، من بينها: الخوف من أن هذه الأوضاع الاقتصادية العالمية المريضة المتردية قد تهيئ المناخ لظهور ما هو أسوأ من الشيوعية.
فالأوروبيون – مثلا – يعلمون أن السبب الرئيسي في ظهور الشيوعية هو تخبط الرأسمالية وغباوتها وتحجرها، ولنقرأ في التاريخ الأوروبي هذه الوقائع. إن عصر الثورة الصناعية كان من أشد مراحل التاريخ الأوروبي بشاعة، وهو الذي صنع مناخ الثورة البلشفية. فحينما توحدت صفوف الإقطاعيين القدماء والرأسماليين الجدد استطاعوا معا وبما لدى الحكومات من وسائل عنف تقويض القيم الاجتماعية العريقة، والقضاء على النظام الحرفي، وعلى الحقوق العرفية التي كانت تضمن للعمال والفلاحين حدا أدنى من المعيشة المناسبة على الأقل.. هذه القوى، الإقطاع والرأسمالية والحكومات العمياء، فعلت هذا كله. ولم تتسبب في بؤس ملايين البشر فحسب، بل تسببت في اندلاع حركات مضادة لم تكن دولهم قادرة على التحكم فيها، وهي حركات أدت قواها التدميرية إلى انهيار نظام التجارة العالمية الحرة الحديث العهد، وإلى حربين عالميتين، وإلى ارتقاء الشيوعية سدة الحكم في روسيا وأوروبا الشرقية.. طالع كتاب (تاريخ أوروبا الحديث) للمؤرخ الفذ هربرت فيشر.
والعبرة العميقة هي: توفير نوع من الاستقلال الوطني الاقتصادي يضمن استمرار التعامل مع العالم، بشرط وجود (موانع) تحمي الاقتصادات الوطنية من الانهيار بالتبعية، فليس هناك موجب عقلي ولا أخلاقي لكي نهلك مع الهالكين!!

زين العابدين الركابي
الجمعة 25 يناير 2013