العودة إلى ماضي الأيام السياسية اللبنانية، تفسر بسهولة، ما هو آتٍ. الحكمة المستفادة من التجارب المستنزفة كثيرة، منها: لا طاقة للبنانيين على الاتفاق. اتفاق «المتصرفية» احتاج إلى الدول السبع الكبرى ذات الاختصاص... حكمة ثانية، لا حكم في لبنان من دون مرجعية أو مرجعيات، رابطة أو مرتبطة، بالخارج... الحاكم في جبل لبنان مسيحي ولكنه، مرتبط بالباب العالي العثماني. الحاكم في لبنان الانتداب، مرتبط ومرابط على أبواب المندوبية. الحكام في عهد الاستقلال إلى زمن الانحلال (1975) كانوا بين بين في السلم، ومع وضد في زمن التحولات الإقليمية. في الحرب، حكمت «الميليشيات» لبنان، بمرجعيات لا تعد، بعد الطائف. جرى تعيين حكام لبنان من فوق إلى أسفل، بقرار سوري. جرى التمديدان بقرارين سوريين. فلا جديد البتة. لبنان لا يعيش حكامه، الكبار والصغار، إلا في ظل دولة أو دول، قريبة كانت أم بعيدة، صديقة (!) كانت أم عدوة. هذه هي الصيغة الواقعية والدامغة للبنان.
فات الأوان من زمان. الحكمة المستفادة من الحقبة السورية المؤسسة على هيمنة من جهة وتعاون «الزحفطوني» لبناني من جهة ثانية، كرست ما يلي: قانون الانتخاب صناعة سورية، تقسيم الدوائر، مقص سوري. ترتيب النتائج سلفا، قرار سوري. ومن يومذاك، تكرّست القطبيات الطائفية: ثنائية شيعية موحدة، وحدانية سنية حريرية مع ضفاف خافتة لشخصيات عابرة. وحدانية درزية ثابتة، يقف الجميع على خاطر زعيمها، كي لا تغرق خصوصيته في أكثريات «مخيفة»، أو أقليات مرجحة... في الزمن السوري، كان المسيحيون لاجئين إما في عنجر أو في المختارة أو في قريطم، فيما كانت قياداتهم لاجئة إلى باريس أو سجينة في اليرزة. أما من أراد حشر المقاومة بعد التحرير فقد وجد ملجأه في «قرنة شهوان».
سارت الأمور على ما يرام سوريًّا في لبنان. المقاومة كانت خارج الصف السياسي، لها شغلها الخاص الذي لا ينافسها فيه أحد، ويتنافس كثيرون على طعنها. وسارت أمور اللبنانيين على ما يرام طائفيا وسلطويا. لكل طائفة حصتها، وفق عدد المطيعين فيها لسلطة الأمر الواقع الاقليمي. تعيين رؤساء الوزراء والوزراء والنواب والمدراء وقادة الجيش والأركان والأمن العام ومراكز الادعاء العام، بالقرار السوري. وسار لبنان على هذا المنوال، إلى أن اختل التوازن، لمصلحة أقلية وضد أكثرية. ليس مهماً في هذا المجال، من هو على حق، او من هو أكثر نظافة(!) أو أكثر فساداً. الأهمية تفقد قيمتها عندما تدرك الطريقة النذلة التي بلغت فيها مبتغاك.
كان لبنان اللبناني غائباً. الحاضرون كانوا طوائف وزعامات شُبِّه لها أنها تحكم لبنان عبر مؤسساته. لقد كان البلد كله ممسوكاً، بسهولة فذة. وصحّ من سمّى الطبقة السياسية اللبنانية بـ «سلالة القناصل».
خرج أو أخرج السوري من لبنان، فلنعتبر مع «14 آذار» ان اللبنانيين هم الذين أخرجوا سوريا. علما ان الذي أخرج السوري هو السياسة السورية الخرقاء التي اعتمدها النظام في استباحة البلد واستباحة توازناته الطائفية. فلنعتبر هذا أو ذاك، ليس مهما. فما الذي فعله اللبنانيون بعد الانسحاب؟
حكَّموا العالم كله بنا. أخذونا إلى مجلس الأمن، ليصدر فينا قرارات تشطر البلد بالدم وبتهمة الدم. حكَّموا فيلتمان الأميركي وأمييه الفرنسي. وعوّلوا على سين واحدة، فيما كانت السين الثانية مهزومة ومطاردة.
خيّل لكثير من الواهمين ان الاستقلال الثاني قد آن أوانه بعد الرابع عشر من آذار. ففات أوانه مع أول انتخابات، ثم، مع ما جاء بعدها.
هؤلاء الذين وصلوا إلى الحائط المسدود بالأمس، ووضعوا لبنان على حافة «الستين» أو على منعطف التمديد او على عتبة المجهول والفراغ، هم أنفسهم الذين جاءت بهم صناديق الاقتراع الطائفية، ليحكموا لبنان من دون وصاية سورية.
لنعترف ان هؤلاء حكموا لبنان معاً. ألفوا حكومتين تمثلت فيهما 14 و8 آذار. الأولى صارت «بتراء»، والثانية بترت فيما رئيسها سعد الحريري يهم بدخول البيت الأبيض. وتألفت حكومة من لون واحد باهت، هو مزيج من 8 آذار الأقحاح، وطُفّار من «14 آذار» وكانت تعبيرا عن ذروة العجز في كل الأمور. هذه الحكومات، التي خيّل للبنانيين انها استقلالية، كانت مضطرة إلى صياغة توازنات مستحيلة في زمن العداوات العربية، بين إيران وسوريا والسعودية وأميركا وفرنسا... ومجلس الأمن الدولي، الذي عين تيري رود لارسن لمطاردة اللبنانيين، وإلزامهم بالامتثال لقرارات أدخلت لبنان في لعبة الأمم، ولا هدف لها غير رأس المقاومة.
هؤلاء الذين حكمونا، بحاجة دائمة إلى من يحكمهم من الخارج. ألا يبدو لبنان في هذه الحالة وكأنه طبل يطن وصنج يرن، ولكنه ليس الطبّال ولا قارع الصنوج.
الذين سيجتمعون اليوم وغدا وبعد غد، لاجتراح عبور مسدود في مجلس النواب، هم أنفسهم الذين ساقونا مراراً إلى الحافة وإلى الأسوأ وإلى تسوية يصوغها الخارج، فهل يعقل ان يكون هؤلاء هم أهل الحل فيما هم في محل الربط؟
لأخذ العلم فقط: إذا جرت انتخابات على أي قانون سيفوز فريق غير أكثري من 14 آذار، وفريق غير أكثري ايضا من 8 آذار، تتحكم بهما أقلية صغيرة، لها أشرعة في كل السفن ووفق اتجاهات الرياح المحلية والاقليمية والدولية. وهذه التي رست على كل الشطآن وفي كل الأحضان، رست عند الأمير بندر بن سلطان، لوقت تحدده رياح الأزمة السورية.
فات الأوان، وليس على اللبنانيين أن ينتخبوا. فهم، بتبعيتهم للطوائف والتزامهم بزعمائها، أصحاب الجنازة الدائمة... والميت فيها لبنان... اللبنانيون الذين انتخبوا مراراً وتكراراً هذا النسل الطوائفي البرلماني والسياسي، عليهم ان يتحملوا صرير الأسنان. ديموقراطيتهم الطوائفية، هي الارتكاب الكبير، ولا مفاضلة بين تيار طائفي وتيار طائفي ينافسه.
ومع ذلك، فلا بد من أمل، بشرط ألا ننتظر شروق الشمس من قعر هذه الهاوية الطائفية. فدعوا الطوائفيين يعبدون تماثيلهم التي أكلت «ثمرهم» من زمان.
فات الأوان من زمان. الحكمة المستفادة من الحقبة السورية المؤسسة على هيمنة من جهة وتعاون «الزحفطوني» لبناني من جهة ثانية، كرست ما يلي: قانون الانتخاب صناعة سورية، تقسيم الدوائر، مقص سوري. ترتيب النتائج سلفا، قرار سوري. ومن يومذاك، تكرّست القطبيات الطائفية: ثنائية شيعية موحدة، وحدانية سنية حريرية مع ضفاف خافتة لشخصيات عابرة. وحدانية درزية ثابتة، يقف الجميع على خاطر زعيمها، كي لا تغرق خصوصيته في أكثريات «مخيفة»، أو أقليات مرجحة... في الزمن السوري، كان المسيحيون لاجئين إما في عنجر أو في المختارة أو في قريطم، فيما كانت قياداتهم لاجئة إلى باريس أو سجينة في اليرزة. أما من أراد حشر المقاومة بعد التحرير فقد وجد ملجأه في «قرنة شهوان».
سارت الأمور على ما يرام سوريًّا في لبنان. المقاومة كانت خارج الصف السياسي، لها شغلها الخاص الذي لا ينافسها فيه أحد، ويتنافس كثيرون على طعنها. وسارت أمور اللبنانيين على ما يرام طائفيا وسلطويا. لكل طائفة حصتها، وفق عدد المطيعين فيها لسلطة الأمر الواقع الاقليمي. تعيين رؤساء الوزراء والوزراء والنواب والمدراء وقادة الجيش والأركان والأمن العام ومراكز الادعاء العام، بالقرار السوري. وسار لبنان على هذا المنوال، إلى أن اختل التوازن، لمصلحة أقلية وضد أكثرية. ليس مهماً في هذا المجال، من هو على حق، او من هو أكثر نظافة(!) أو أكثر فساداً. الأهمية تفقد قيمتها عندما تدرك الطريقة النذلة التي بلغت فيها مبتغاك.
كان لبنان اللبناني غائباً. الحاضرون كانوا طوائف وزعامات شُبِّه لها أنها تحكم لبنان عبر مؤسساته. لقد كان البلد كله ممسوكاً، بسهولة فذة. وصحّ من سمّى الطبقة السياسية اللبنانية بـ «سلالة القناصل».
خرج أو أخرج السوري من لبنان، فلنعتبر مع «14 آذار» ان اللبنانيين هم الذين أخرجوا سوريا. علما ان الذي أخرج السوري هو السياسة السورية الخرقاء التي اعتمدها النظام في استباحة البلد واستباحة توازناته الطائفية. فلنعتبر هذا أو ذاك، ليس مهما. فما الذي فعله اللبنانيون بعد الانسحاب؟
حكَّموا العالم كله بنا. أخذونا إلى مجلس الأمن، ليصدر فينا قرارات تشطر البلد بالدم وبتهمة الدم. حكَّموا فيلتمان الأميركي وأمييه الفرنسي. وعوّلوا على سين واحدة، فيما كانت السين الثانية مهزومة ومطاردة.
خيّل لكثير من الواهمين ان الاستقلال الثاني قد آن أوانه بعد الرابع عشر من آذار. ففات أوانه مع أول انتخابات، ثم، مع ما جاء بعدها.
هؤلاء الذين وصلوا إلى الحائط المسدود بالأمس، ووضعوا لبنان على حافة «الستين» أو على منعطف التمديد او على عتبة المجهول والفراغ، هم أنفسهم الذين جاءت بهم صناديق الاقتراع الطائفية، ليحكموا لبنان من دون وصاية سورية.
لنعترف ان هؤلاء حكموا لبنان معاً. ألفوا حكومتين تمثلت فيهما 14 و8 آذار. الأولى صارت «بتراء»، والثانية بترت فيما رئيسها سعد الحريري يهم بدخول البيت الأبيض. وتألفت حكومة من لون واحد باهت، هو مزيج من 8 آذار الأقحاح، وطُفّار من «14 آذار» وكانت تعبيرا عن ذروة العجز في كل الأمور. هذه الحكومات، التي خيّل للبنانيين انها استقلالية، كانت مضطرة إلى صياغة توازنات مستحيلة في زمن العداوات العربية، بين إيران وسوريا والسعودية وأميركا وفرنسا... ومجلس الأمن الدولي، الذي عين تيري رود لارسن لمطاردة اللبنانيين، وإلزامهم بالامتثال لقرارات أدخلت لبنان في لعبة الأمم، ولا هدف لها غير رأس المقاومة.
هؤلاء الذين حكمونا، بحاجة دائمة إلى من يحكمهم من الخارج. ألا يبدو لبنان في هذه الحالة وكأنه طبل يطن وصنج يرن، ولكنه ليس الطبّال ولا قارع الصنوج.
الذين سيجتمعون اليوم وغدا وبعد غد، لاجتراح عبور مسدود في مجلس النواب، هم أنفسهم الذين ساقونا مراراً إلى الحافة وإلى الأسوأ وإلى تسوية يصوغها الخارج، فهل يعقل ان يكون هؤلاء هم أهل الحل فيما هم في محل الربط؟
لأخذ العلم فقط: إذا جرت انتخابات على أي قانون سيفوز فريق غير أكثري من 14 آذار، وفريق غير أكثري ايضا من 8 آذار، تتحكم بهما أقلية صغيرة، لها أشرعة في كل السفن ووفق اتجاهات الرياح المحلية والاقليمية والدولية. وهذه التي رست على كل الشطآن وفي كل الأحضان، رست عند الأمير بندر بن سلطان، لوقت تحدده رياح الأزمة السورية.
فات الأوان، وليس على اللبنانيين أن ينتخبوا. فهم، بتبعيتهم للطوائف والتزامهم بزعمائها، أصحاب الجنازة الدائمة... والميت فيها لبنان... اللبنانيون الذين انتخبوا مراراً وتكراراً هذا النسل الطوائفي البرلماني والسياسي، عليهم ان يتحملوا صرير الأسنان. ديموقراطيتهم الطوائفية، هي الارتكاب الكبير، ولا مفاضلة بين تيار طائفي وتيار طائفي ينافسه.
ومع ذلك، فلا بد من أمل، بشرط ألا ننتظر شروق الشمس من قعر هذه الهاوية الطائفية. فدعوا الطوائفيين يعبدون تماثيلهم التي أكلت «ثمرهم» من زمان.