صديقي العزيز
تحية ومودة وبعد
هذه الرسالة موجهة إليك، مثلما أرجو أن يعتبرها موجهة إليه ذلك العدد الكبير من الأصدقاء والأشخاص، الذين تضامنوا معي ومع رفاقي ودافعوا عن حقنا في الحرية والأمن خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
صديقي العزيز، أعرف أنك تضامنت مع حريتي من منطلق الاقتناع، وليس لأنك تنتظر الشكر مني. لكنني أود أن أشكرك: أولا لأنك جعلت من نفسك مدافعا لا يلين عن حقوق وحريات أناس لا تعرف كثيرين منهم. وثانيا لأنك تمسكت بالحقيقة، ولم تؤخذ بالكذب، بغض النظر عن الجهة التي يصدر عنها. وثالثا لأنك ترى في حرية سواك حريتك الشخصية، وأنك تسعى إليها وتتعامل معها بقلق وحسرة من فقد شيئا يريد استرداده، بما أن حياته تفقد معناها بدونه، فلا محل للاستكانة أو للصبر في طلبه، ولا تحتمل استعادته أي تسويف أو إرجاء.
لن أقول لصاحب رأي مثلك إن رجل الكلمة يكون كذلك إن هو ألزم نفسه بأن يكون رجل حرية أيضا، وان الكلمة تفقد قيمتها، إذا لم تكن كلمة للحرية قبل كل شيء، فالحرية لا تقوم أو تعيش دون الكلمة، التي في البدء كانت، ومنها بدأ ويبدأ وسيبدأ كل شيء الى أبد الدهر، لذلك يجب أن يكون لها الأولية على أي أمر عداها، ويجب أن تكون الأصل الذي به يتعين وجود الإنسان، الكائن الوحيد الذي خلقه الله كي يعيش من قيم معنوية تتمحور جميعها حول الحرية. ألم يعرّف أرسطو الإنسان بالحرية، حين اعتبره ذاتاً حرة وجديرة بالحرية بغض النظر عن تعييناتها الموضوعية؟ ألا يؤكد تاريخ البشرية، بدوره، أن تغييب الحرية أو قتلها نزل دوماً بالإنسان الى درك محض بهيمي، وأدى الى محن وكوارث حلت بتلك الشعوب والأمم، التي فقد أبناؤها حريتهم، إما لأن حكامها كبتوا حريتها بالقسر، أو لأنهم غلّبوا عليها اعتبارات تتصل بقيم ومصالح خاصة بهم، تجافي الحرية كقيمة وكمصلحة هي الأساس بين قيم ومصالح الإنسان. دعني أصارحك، صديقي العزيز، أنني رأيت في دفاعك عن حرية غيرك هذا الوجه بالذات، الذي رأيت فيه شيئا يتخطى السياسة وحساباتها ومواقفها الى الدفاع عن إنسانية الإنسان، لأن هذا الدفاع بالذات يستطيع رد البهيمية عنه، وإنقاذ روحانيته، التي لا يكون أو يبقى إنسانا إن هو أضاعها بتقاعسه، أو إن هي سلبت منه بالقوة أو بالاستغفال.
لن أفوت هذه الفرصة دون أعبر مرة أخرى عن امتناني القلبي لكل من دافع عن حريتي من كتّاب ومثقفين ومواطنين عاديين ومؤسسات، هنا وفي الوطن العربي والعالم، وقد كان هؤلاء، لحسن الحظ، من الكثرة بحيث يصعب إيراد أسمائهم، لكنني سأذكر واحدا منهم أشعر نحوه بامتنان خاص هو رجل السيف والقلم دولة الرئيس سليم الحص، وإني لأعاهد هؤلاء الأصدقاء جميعا أن لا أنسى ما حييت أفضالهم، والأثر الطيب الذي كانت كتاباتهم ومطالباتهم تتركه في نفسي، والذي ساعدني على مواجهة ما شاب قضيتي من ظلم وما عرفته من أكاذيب، وإن لم يصدقها أحد على كل حال، حتى بعض من أطلقوها، جعلتني مرة مرتزقا يقبض المال ثمنا لمواقفه، وأخرى متآمرا يمد يده إلى الأجانب ضد النظام القائم في بلده.
أخيرا، أود التذكير بمن بقوا وراء قضبان سجن عدره، وبضرورة استمرار المطالبة بحريتهم والتضامن معهم، ليس فقط لأنهم من محبي شعبهم ووطنهم المخلصين، بل كذلك لأن حرمانهم من حريتهم يبقي حريتنا منتهكة وناقصة، وينغص عيشنا.
أتمنى لك ولجميع الأصدقاء، الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، الصحة والسعادة. ليهبنا الله جميعا القوة، كي نحتمل العيش في هذا الزمن العربي الرديء.
السفير اللبنانية
تحية ومودة وبعد
هذه الرسالة موجهة إليك، مثلما أرجو أن يعتبرها موجهة إليه ذلك العدد الكبير من الأصدقاء والأشخاص، الذين تضامنوا معي ومع رفاقي ودافعوا عن حقنا في الحرية والأمن خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
صديقي العزيز، أعرف أنك تضامنت مع حريتي من منطلق الاقتناع، وليس لأنك تنتظر الشكر مني. لكنني أود أن أشكرك: أولا لأنك جعلت من نفسك مدافعا لا يلين عن حقوق وحريات أناس لا تعرف كثيرين منهم. وثانيا لأنك تمسكت بالحقيقة، ولم تؤخذ بالكذب، بغض النظر عن الجهة التي يصدر عنها. وثالثا لأنك ترى في حرية سواك حريتك الشخصية، وأنك تسعى إليها وتتعامل معها بقلق وحسرة من فقد شيئا يريد استرداده، بما أن حياته تفقد معناها بدونه، فلا محل للاستكانة أو للصبر في طلبه، ولا تحتمل استعادته أي تسويف أو إرجاء.
لن أقول لصاحب رأي مثلك إن رجل الكلمة يكون كذلك إن هو ألزم نفسه بأن يكون رجل حرية أيضا، وان الكلمة تفقد قيمتها، إذا لم تكن كلمة للحرية قبل كل شيء، فالحرية لا تقوم أو تعيش دون الكلمة، التي في البدء كانت، ومنها بدأ ويبدأ وسيبدأ كل شيء الى أبد الدهر، لذلك يجب أن يكون لها الأولية على أي أمر عداها، ويجب أن تكون الأصل الذي به يتعين وجود الإنسان، الكائن الوحيد الذي خلقه الله كي يعيش من قيم معنوية تتمحور جميعها حول الحرية. ألم يعرّف أرسطو الإنسان بالحرية، حين اعتبره ذاتاً حرة وجديرة بالحرية بغض النظر عن تعييناتها الموضوعية؟ ألا يؤكد تاريخ البشرية، بدوره، أن تغييب الحرية أو قتلها نزل دوماً بالإنسان الى درك محض بهيمي، وأدى الى محن وكوارث حلت بتلك الشعوب والأمم، التي فقد أبناؤها حريتهم، إما لأن حكامها كبتوا حريتها بالقسر، أو لأنهم غلّبوا عليها اعتبارات تتصل بقيم ومصالح خاصة بهم، تجافي الحرية كقيمة وكمصلحة هي الأساس بين قيم ومصالح الإنسان. دعني أصارحك، صديقي العزيز، أنني رأيت في دفاعك عن حرية غيرك هذا الوجه بالذات، الذي رأيت فيه شيئا يتخطى السياسة وحساباتها ومواقفها الى الدفاع عن إنسانية الإنسان، لأن هذا الدفاع بالذات يستطيع رد البهيمية عنه، وإنقاذ روحانيته، التي لا يكون أو يبقى إنسانا إن هو أضاعها بتقاعسه، أو إن هي سلبت منه بالقوة أو بالاستغفال.
لن أفوت هذه الفرصة دون أعبر مرة أخرى عن امتناني القلبي لكل من دافع عن حريتي من كتّاب ومثقفين ومواطنين عاديين ومؤسسات، هنا وفي الوطن العربي والعالم، وقد كان هؤلاء، لحسن الحظ، من الكثرة بحيث يصعب إيراد أسمائهم، لكنني سأذكر واحدا منهم أشعر نحوه بامتنان خاص هو رجل السيف والقلم دولة الرئيس سليم الحص، وإني لأعاهد هؤلاء الأصدقاء جميعا أن لا أنسى ما حييت أفضالهم، والأثر الطيب الذي كانت كتاباتهم ومطالباتهم تتركه في نفسي، والذي ساعدني على مواجهة ما شاب قضيتي من ظلم وما عرفته من أكاذيب، وإن لم يصدقها أحد على كل حال، حتى بعض من أطلقوها، جعلتني مرة مرتزقا يقبض المال ثمنا لمواقفه، وأخرى متآمرا يمد يده إلى الأجانب ضد النظام القائم في بلده.
أخيرا، أود التذكير بمن بقوا وراء قضبان سجن عدره، وبضرورة استمرار المطالبة بحريتهم والتضامن معهم، ليس فقط لأنهم من محبي شعبهم ووطنهم المخلصين، بل كذلك لأن حرمانهم من حريتهم يبقي حريتنا منتهكة وناقصة، وينغص عيشنا.
أتمنى لك ولجميع الأصدقاء، الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، الصحة والسعادة. ليهبنا الله جميعا القوة، كي نحتمل العيش في هذا الزمن العربي الرديء.
السفير اللبنانية