نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


لا جدار أمام الأخلاق





" الفلسطينيون وحوش تمشي على قدمين"
رئيس وزراء إسرائيل السابق مناحيم بيجين



عندما وضع أرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل "المغمى عليه"، حجر الأساس لأبشع جدار عرفه التاريخ، بما في ذلك جدار برلين الشهير، لم يكن يسعى فقط للوقاية من الهجمات الفلسطينية، بل كان يعمل على تقسيم الشخصية الفلسطينية نفسها، وتحويل معاناة الفلسطينيين إلى "سلوك" يومي متواصل. فهو يعلم – قبل أن يغيب عن الوجود وهو موجود! – أن الجرح الداخلي أقبح وأكثر ألما وفظاعة من الجرح الخارجي. لقد أقيم الجدار داخل النفس الواحدة معنويا! وداخل المنزل الواحد جغرافيا، وفي حين فشل شارون في فصل النفس الواحدة عن بعضها البعض، نجح في فصل المنزل الذي مر منه الجدار عن مطبخه وعن صالة الجلوس!، مع فشل العالم – بما في ذلك الأمم المتحدة- في الوقوف أمام تمدد الجدار، ومستوى ارتفاعه. فقد تجاوزت "هامة" هذا الجدار العنصري القبيح، هامات دول بأكملها.
نقاط العبور عبر الجدار التي هي عبارة عن مواقع عسكرية كاملة توزع المهانة اليومية، والأسلاك الشائكة على قمته تنشر الذل، وأبراج المراقبة تشبه تلك التي كانت منتشرة في سجن "سان كوانتن" San Quentin الأميركي الرهيب، الذي كتب عنه المغني الأميركي الراحل جوني كاش أغنية قال فيها : "سان كوانتن أنا أكره كل إنش فيك". تصاريح العبور( يلفظها الإسرائيليون: تصاريخ) التي يحتاجها الفلسطينيون يوميا للنفاذ من منطقة "المطبخ" إلى "الصالون"، هي مصيبة يومية، وفي الوقت نفسه هي ساعية ( نسبة للساعة)، لأنها تمنح بالدقائق لا بالأيام!.
هذا الجدار العنصري المذل المريع، شارك في توفير مواده بعض من رجال الأعمال الفلسطينيين، وبعض هذا البعض تبوأ مناصب عالية في السلطة الفلسطينية القاصرة في السنوات القليلة الماضية. وفر هؤلاء الحديد والاسمنت وحتى المياه، لرفع الجدار مدماكا إثر مدماك، ولبناء أبراج المراقبة المطلة على الشعب الفلسطيني السجين. لم يكن شارون يريد أكثر من ذلك. فقد استطاع إشراك السجين في بناء سجنه!.. تماما مثل بعض الاتفاقيات الإسرائيلية – الفلسطينية، التي نصت على " أن يعتقل الفلسطينيون أنفسهم"!. وبذلك حقق هذا "المغمى عليه"، أبشع أنواع التطبيع.
أمام هذا الوضع المشين، تظهر على الساحة مَن؟.. النرويج التي أعلنت حكومتها قبل أيام: أن صندوق ثروة البلاد البالغة قيمته 400 مليار دولار أميركي، استبعد التعامل مع شركة "البيت سيستمز" الإسرائيلية لتوريدها تجهيزات مراقبة للجدار العازل في الضفة الغربية المحتلة. أي أنها رفضت التعامل حتى مع شركة مراقبة، لا شركة بناء!. وقالت وزيرة المالية كريستين هالفورسن: "إننا لا نرغب في تمويل مؤسسات تشارك بهذا الشكل المباشر في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي". لقد استندت النرويج إلى قرار محكمة العدل الدولية القاضي بأن هذا الجدار القبيح ينتهك معاهدة جنيف الرابعة. وبذلك عزز "صندوق ثروة النرويج" مبادئه الأخلاقية في التعاطي مع المؤسسات والشركات المختلفة. فهو يلتزم - وأوفى بالتزامه - بمبادئ استرشادية أخلاقية، أصدرتها وزارة المالية. وسبق للصندوق نفسه أن استبعد شركات تنتج أسلحة نووية أو ذخائر عنقودية أو تلحق أضرارا بالبيئة أو تنتهك حقوق الإنسان أو العمال.
لقد قررت أن أخوض شخصيا " رحلة الجدار"، عندما كنت مشاركا في مؤتمر " الاستثمار في فلسطين" الذي عقد في بيت لحم قبل عام ونصف العام. وخبرت المهانة اليومية التي يتعرض لها الفلسطيني كل يوم، في العبور عدة أمتار من طرف الجدار إلى طرفه الآخر. الرشاشات فوق الرؤوس، والكاميرات حول الأجساد، و"التصاريخ" في الأيدي مع أحزمة البنطلونات، بل البنطلونات نفسها تتحول إلى "يدوية" في نقاط العبور. جندية شقراء جميلة، سألت فلسطينيا كان بجانبي، عن سبب "عبوره"، فرد عليها: أنه يريد أن يزور ابنته، التي لم يلتقيها منذ بناء الجدار!، بينما لو كان رفع صوته مناديا عليها من وراء الجدار لسمعته وردت عليه!. لن أتحدث عن آلاف العمال الذين يعبرون أمتارا لا تزيد عن عشرين، في ظرف ثلاث ساعات وأكثر، علما بأن " التصاريخ" ليس من الضروري أن تضمن العبور. ولن أتحدث عن التخريب البيئي الذي ارتكبه الجدار، ولن أتحدث عن الآثار الصحية المدمرة التي يتركها عند الفلسطينيين، ولا عن شح المواد الغذائية الأساسية. فهذه قضايا تحتاج إلى "مجموعة العالم" لتناولها، لا مجموعات السبع ولا الثماني ولا العشرين ولا حركة عدم الانحياز ولا غيرها من مجموعات عالمية.
لكني لا أستطيع إلا أن أنحي أمام الحكومة النرويجية وأخلاقياتها الآتية من أقصى شمال الكرة الأرضية، وأقف بهامتي أمام أولئك الذين حملوا أكياس الاسمنت وقضبان الحديد، ليس من أجل بناء مدرسة أو مستشفى أو حتى متاريس.. بل من أجل بناء سجن لأنفسهم. إنهم مثل الوثنيين الذي يصنعون الأصنام ليعبدونها!.

-----------------
محمد كركوتــي
m@karkouti.net

محمد كركوتـي
الاثنين 7 سبتمبر 2009