قد يكون دافعي للكتابة هو حماية المقاومة بما هي الطريق الوحيد للحق في الوجود وليس فقط للحفاظ على المشروع الوطني، لأن المشروع الوطني اقل بكثير من الحق في الوجود، ولأن الحق في الوجود يشتمل حرية الأشخاص فردا فرداً. صحيح ان المقاومة هي في الأساس ضد الاحتلال، ولكن حين يسيطر شخص على آخر، تضيع المقاومة ضد الاحتلال ليصبح الحق في الوجود هو هدف من يخضع للاضطهاد.
لذا، ليس المهم هنا المفاضلة بين المقاوم والتسوية، لأن هذا ما قام به الناس في الانتخابات الأخيرة التي مهما قبل فيها من غزل، هي انتخابات تحت نير الاحتلال، ديمقراطية ممنوحة من الاحتلال! وهي هديتنا المسمومة إلى شعب العراق العربي لينتخب تحت المذبحة الاحتلالية، ولكل شعب تحت الاحتلال.
ما يهم مختلف تماماً. فمن حيث المبدأ، هل انتخب الناس حركة حماس لغرض سياسي أم انتخبوها لكي تتحكم حتى في دواخل الأسرة، وشخص المرأة وربما الرجل؟ وهل كان أصلاً قرار حماس دخول الانتخابات عملا مقاوماً، أم خطوة للتساوق مع أوسلو؟ ولو كان لي أن اقول رايي، فأنا لم أنتخب في حياتي قط، ولكنني ايدت حماس، خارج الانتخابات، لأجل المقاومة.
ما هو مناخ دخول الانتخابات اصلا غير أن ما أرادته اميركا والكيان وهو إدخال كل طرف وحتى فرد فلسطيني في مطهر التسوية، وبعد مجرد الدخول، يتم تقييده ومعاقبته وقتله إن أمكن. ما أُريد من حماس هو فقط دخول الانتخابات، وبعدها يجب أن تنتهي حماس!. وكلنا يعرف ما كان بعد ذلك وحتى اليوم.
السؤال الأساسي الذي يشغلني متعلق بالحريات الفردية، لا بل الشخصية. من الذي يحق له التدخل في لباس امرأة، حتى زوجته؟ لماذا يقرر لها هذا اللباس أو ذاك؟ فما بالك بمن يتدخل في لباس نساء أخريات؟ كيف يمكن السماح لرجل أن يسأل ابنتي أو زوجتي : لماذا تلبسين هذا؟ لماذا يحق له النظر إليها وتقييم لباسها؟ من اين اتى بهذا القدر من استصدار حق الاعتداء؟ قد يكون لكل إنسان حق نصح الآخر بالكتابة او الحديث أو اي أمر آخر. أما إصدار قرارات ملزمة للآخرين دون استشارتهم ومثلا التصويت على ذلك، والأهم والأصح ترك الحريات للناس.
كيف اصدق أن من يراقب ملابس سيدة ، لا يفكر بأبعد من ذلك مستخدما الدين الذي لا نص فيه على هذا أو غيره. لست مشرعاً ولا هذا مجالي، ولكنني اؤمن أن شخصي أنا حر فيه، ولا إنسان له حق التدخل في شخصي، ومن يتدخل في الشكل يتدخل في العقل. ومن الذي أكد له انه أكثر علما ووعيا من غيره في ذلك الغير حتى يضع لغيره حدود شكله؟ وحتى لو كان اوعى، كيف له أن يرغم الآخر بقبول ما يراه هو لغيره؟ أليست إدانتنا للاستشراق بأنه يصوغنا كما يرانا هو؟ فماذا نسمي هذا الذي يحصل حين يعيد الرجل صوغ المرأة على الصورة التي يريد!
وإذا كان من يصدر هذا القرار منطلقاً من قناعة ما وربما حكمة ما، هل يدري كيف ستحمل هذا القرار مجموعات من الشباب الذين يتمنون التحكم بالآخرين معتقدين أنهم يحملون رؤوساً ملآى بالحكمة؟ وكيف سيعاملوا النساء؟
كنت ممن تمنوا لو أن حماس في غزة، دعت إلى مؤتمر عام لمناقشة آليات الحكم، والتنمية، وإدارة الموارد المحدودة، وفتح فرص التشغيل، وإشراك النساء على قدم المساواة، وتشكيل لجان لقراءة الاحتلال بسياساتنه ومخططاته ومشاريعه ل 2020 و 2050، وارتباطه بالمركز المعولم وتغلغله في القطريات العربية وخاصة التي تفرض الحجاب والاحتجاب…الخ
هذا قبل الدمار، اما بعده فاصبحت إدارة الحياة بحاجة أكثر لمؤتمر شعبي عام من الجنسين، ونظراً لوجود الحصار كان يمكن تشكيل لجنة من الخبراء والأمناء لدراسة ملفات الفاسدين وانتزاع ما سرقوا لستر حياة الأسر المستورة التي ربما لا تلبس نسائها الحجاب لأنها لا تملك ثمنه. أو نشر ثقافة تجاوز الاستهلاك، الاستهلاك الواعي، والوعي بالاستهلاك، لا سيما من منتجات الدول المعادية لشعبنا ولأمتنا، خاصة في ظروف الحصار القاتل. هذا قليل مما كان يجب أن يحصل ولم يحصل!! بل ما يحصل كما يبدو هو الاستفراد بالنساء كمستضعفات. ثم يبدأ القول، إن النساء اللاتي يرفضن هذا القرار هن متغربنات سافرات وحتى “نُشَّزا”! أما والنساء هن المستضعفات، فهل يقضي الدين باستضعاف الضعيف[1]؟ كيف كان للسيدة فاطمة الزهراء أن تفرض على الإمام علي أن لا يتزوج عليها، فهل كان سيتدخل في لباسها؟ لماذا اختراع معارك صغيرة للتشاغل والانتصار فيها؟ وهناك معارك كبرى عديدة يمكن الانتصار فيها. يمكن دخول معركة التنمية والتعليم الحقيقي والثقافة والانتاج …الخ.
يكون العمل ثورياً حين يفكك أجهزة الدولة بما هي قمعية ويفتح المجال لمائة زهرة كي تتقتح. فالوصول إلى قلعة الحكم يجب ان يكون تضحية من أجل الناس. أما أن يكون من أجل وضع عدادات على أنفاس النساء فهذا في منتهى الغرابة.
قد تتمكن هذه القيادة من فرض هذا وغيره، وما النتيجة؟ فتنة مستدامة، سيبقى هناك من يرفض ويعارض ويُقتل ويُذبح، وستسقط الضحايا بتنوعاتها، وسيكون هذا على حساب المقاومة والتنمية والبناء والحريات، وسيجيء يوم يتوقف هذا، ولكن بعد ان يصبح البلد يباباً حتى بالمقارنة مع يباب اليوم! وبلا قدرة على المقاومة، فما لزوم ذلك، فهل يخسر الاحتلال والدول العربية القطرية والغرب الراسمالي ام يكسبوا!
هل حماس في غزة أكملت كل ما هو مطلوب وبقي شعر المرأة؟
إذا لم تستشر قيادة حماس، القوى الأخرى في غزة، فهل يمكنها الزعم أنها قد غيرت ما كان قبلها؟ أم أنننا انتقلنا من تفرَّد فريق التسوية والفساد والبحث عن دولة وعد بها بوش سفاح التاريخ المهووس بالقتل، إلى تفرد فريق الأُصولية ؟ لقد دافعنا كثيراً ضد تهمة الأصولية والسلفية وضد من روجوا للغرب وحتى للكيان …الخ فماذ نقول لهم اليوم؟ وكان دفاعنا أملاً في رغبة في تغير ما! لكن الوضع لم يبق حتى كما كان.
وحتى لو تم التراجع عن هذا القرار، يبقى مُداناً لأن مجرد التفكير فيه يشكل بادرة خطيرة على مستقبل داكن.
لماذا يُقاس الإنسان بلباسه؟ ولماذا يُنصب البعض أنفسهم وكلاء على غيرهم؟ لو كان الله معنياً باللباس وإخفاء العورات والملكية الخاصة لولد الإنسان بلباس كامل. اي أن الأصل في الإنسان العري النظيف، وبعدها يلبس ليتقي الطبيعة وليس أعين الآخرين.
لو كان الانضباط الأخلاقي بكمية اذرع القماش، لما عرفت البشرية كل أنواع البغاء إلا حيت هيمن نمط الانتاج الراسمالي وحده. فهل خلت مجتمعات العالم الثالث ومنها العربية من البغاء في الألفيتين الماضيتين؟ هل اكتشفنا هذا من علاقتتنا بالغرب؟ ما يضبط الإنسان وينظم علاقته بالآخرين هي قناعته أولاً. ثم لماذا لا نقرأ ولا نرحل لنرى أن المجتمعات الصناعية الغربية ليست شوارع بغاء على الأرصفة كما يصور المعاقون نفسياً الذين يثرثرون حول هذا فيشوهون عقول البسطاء؟
كان بوسع حماس أن تفكر في تشكيل مثلث التحالف التاريخي في غزة ليضم المسلمين والاشتراكيين والقوميين لتشكيل كتلة وطنية تقاوم وتبني، وخاصة أن غزة تحت الاحتلال والدمار والفقر والحصار. فلو كانت غزة بقعة وهابية نفطية، لكان هناك ما يبين اسباب الانغلاق السلفي الذي يمول نفسه. أما أن نشحذ من كل ذي مال مهما كان مصدر ماله، ومن ثم نفرض على الناس حتى ما يلبسونه؟ وماذا عن عقولهم؟ هل نقيم محاكم تفتيش لما قد يكونوا فكروا به؟
لقد استبشرنا خيراً حين تزايد الدعم أو حتى التعاطف العالمي (الشعبي طبعا) معنا، لنطلع عليه الآن بمشروع وضع الكلبشات على جسد المرأة. فما الذي نقوله لجورج جالاوي، ولغيره؟ لماذا هذا الإصرار على تجنيد العالم لاحتقارنا؟ أكل هذا كي ترضى الوهابية؟ وهل الأنظمة التي تقيد حرية النساء “فالحة” إلى هذا الحد؟ ولو كانت كذلك، لماذا نرى كل يوم محاكم وعقوبات على الاغتصاب والبغاء ,,,الخ.
مثل هذا القرار، يدفع كثيرين للانحياز والتخارج إلى الغرب، ويجعل من السهل عليهم تجنيد غيرهم لذلك. وبعدها نأتي للقول: هؤلاء متغربنون وعملاء…الخ.
ولكن، إذا كانت المقاومة قد تحولت لتقاوم حريات الناس، فمن المتوقع أن ينحرف الناس سياسياً دفاعاً عن رؤوسهم، ومن المستفيد؟ ليس فقط الاحتلال بل كذلك الذين ينشغلون في فرض القوة والسيطرة على المجتمع وهي آليات تحول دون اي تقدم اجتماعي وثقافي، وبالتالي لا يريد الاحتلال أفضل من مجتمع يعتقل فيه الرجال النساء! نصف الشعب يقاوم النصف الآخر الذي يضطهده ، وليس شرطاً كيف؟
أعرف أن كثيرين، وخاصة من أهل التسوية، واللبرالية سيستغلوا مقالة كهذه، ولكن الرائد لا يكذب أهله. لا بد من وقفة للدفاع عن الإنسان لأن ذلك حقه علينا. لا بد من نقلة وعي لمن لا يريد الوعي، أو على الأقل تجريده من سلاح إضافي لم يكن بيده وليس من حقه.
قد يصح لنا القول، إن عالم العولمة والعالمية لن يسمح لأحد أن يغلق على نفسه ابوابه، فإما أن تتحدى العالم بما لديك من قوة، وأهمها حق الإنسان، وإما أن يدخل عليك العالم بالقوة المتعددة، وليست العسكرية وحدها.
لا يمكن لثقافة إلغاء حق المواطن أن تواكب العصر. ولا يمكن للسلاح الذي قد يهزم المحتل والمستعمِر أن يهزم المواطن، ناهيك عن أن رفعه ضد المواطن، ضد شخص المواطن هو مدخل للانتحار الجماعي، واستدعاء للاستعمار بأشكال عدة ذات يوم قادم! هذا بدل أن نقول كان الاستعمار هنا ذات يوم مضى!
إن قرارات من هذا الطراز هي الهدية المثلى للكثير من القوى المهزومة والمأزومة والمرتبطة بالعدو الثلاثي التي هي ضد المقاومة، لتجعل من هذه القضية وغيرها جسراً للتكفير بكافة أنواع المقاومة، وهذا ما سيخلق لها جمهوراً رغم إفلاسها. فهل هذا ما ترجوه قيادة حركة حماس وكوادرها؟ نتمتى لا!!!
________________________________________
[1] جلست قبل ربما خمس عشرة سنة في دائرة من الحضور لحفل عرس في قريتنا، كانوا عشرة رجال ما بين طلبة جامعيين ومدير المدرسة وعمال. كان الحديث عن المرأة، ووجوب ضبطها والسيطرة عليها منذ ليلة الصراع الأولى، من يتفوق على الآخر…الخ. وكان كل يقول انا فعلت وفعلت. ماذا كان لي أن اقول في حفلة عنتريات من هذا الطراز! لم أزد سوى القول، إذا كنتم رجالاً حقيقيين، فالمرجلة على الاحتلال، ولا تكون على المرأة التي تعتبرونها أضعف منكم. فقط بلغة كلغتهم كان يمكن أن يسكتوا ولا يقتنعوا بالطبع. هل كانت اللحظة لحظة حوار حول المساواة وتساوي القدرات ومناقشة النوع وغيرها!
لذا، ليس المهم هنا المفاضلة بين المقاوم والتسوية، لأن هذا ما قام به الناس في الانتخابات الأخيرة التي مهما قبل فيها من غزل، هي انتخابات تحت نير الاحتلال، ديمقراطية ممنوحة من الاحتلال! وهي هديتنا المسمومة إلى شعب العراق العربي لينتخب تحت المذبحة الاحتلالية، ولكل شعب تحت الاحتلال.
ما يهم مختلف تماماً. فمن حيث المبدأ، هل انتخب الناس حركة حماس لغرض سياسي أم انتخبوها لكي تتحكم حتى في دواخل الأسرة، وشخص المرأة وربما الرجل؟ وهل كان أصلاً قرار حماس دخول الانتخابات عملا مقاوماً، أم خطوة للتساوق مع أوسلو؟ ولو كان لي أن اقول رايي، فأنا لم أنتخب في حياتي قط، ولكنني ايدت حماس، خارج الانتخابات، لأجل المقاومة.
ما هو مناخ دخول الانتخابات اصلا غير أن ما أرادته اميركا والكيان وهو إدخال كل طرف وحتى فرد فلسطيني في مطهر التسوية، وبعد مجرد الدخول، يتم تقييده ومعاقبته وقتله إن أمكن. ما أُريد من حماس هو فقط دخول الانتخابات، وبعدها يجب أن تنتهي حماس!. وكلنا يعرف ما كان بعد ذلك وحتى اليوم.
السؤال الأساسي الذي يشغلني متعلق بالحريات الفردية، لا بل الشخصية. من الذي يحق له التدخل في لباس امرأة، حتى زوجته؟ لماذا يقرر لها هذا اللباس أو ذاك؟ فما بالك بمن يتدخل في لباس نساء أخريات؟ كيف يمكن السماح لرجل أن يسأل ابنتي أو زوجتي : لماذا تلبسين هذا؟ لماذا يحق له النظر إليها وتقييم لباسها؟ من اين اتى بهذا القدر من استصدار حق الاعتداء؟ قد يكون لكل إنسان حق نصح الآخر بالكتابة او الحديث أو اي أمر آخر. أما إصدار قرارات ملزمة للآخرين دون استشارتهم ومثلا التصويت على ذلك، والأهم والأصح ترك الحريات للناس.
كيف اصدق أن من يراقب ملابس سيدة ، لا يفكر بأبعد من ذلك مستخدما الدين الذي لا نص فيه على هذا أو غيره. لست مشرعاً ولا هذا مجالي، ولكنني اؤمن أن شخصي أنا حر فيه، ولا إنسان له حق التدخل في شخصي، ومن يتدخل في الشكل يتدخل في العقل. ومن الذي أكد له انه أكثر علما ووعيا من غيره في ذلك الغير حتى يضع لغيره حدود شكله؟ وحتى لو كان اوعى، كيف له أن يرغم الآخر بقبول ما يراه هو لغيره؟ أليست إدانتنا للاستشراق بأنه يصوغنا كما يرانا هو؟ فماذا نسمي هذا الذي يحصل حين يعيد الرجل صوغ المرأة على الصورة التي يريد!
وإذا كان من يصدر هذا القرار منطلقاً من قناعة ما وربما حكمة ما، هل يدري كيف ستحمل هذا القرار مجموعات من الشباب الذين يتمنون التحكم بالآخرين معتقدين أنهم يحملون رؤوساً ملآى بالحكمة؟ وكيف سيعاملوا النساء؟
كنت ممن تمنوا لو أن حماس في غزة، دعت إلى مؤتمر عام لمناقشة آليات الحكم، والتنمية، وإدارة الموارد المحدودة، وفتح فرص التشغيل، وإشراك النساء على قدم المساواة، وتشكيل لجان لقراءة الاحتلال بسياساتنه ومخططاته ومشاريعه ل 2020 و 2050، وارتباطه بالمركز المعولم وتغلغله في القطريات العربية وخاصة التي تفرض الحجاب والاحتجاب…الخ
هذا قبل الدمار، اما بعده فاصبحت إدارة الحياة بحاجة أكثر لمؤتمر شعبي عام من الجنسين، ونظراً لوجود الحصار كان يمكن تشكيل لجنة من الخبراء والأمناء لدراسة ملفات الفاسدين وانتزاع ما سرقوا لستر حياة الأسر المستورة التي ربما لا تلبس نسائها الحجاب لأنها لا تملك ثمنه. أو نشر ثقافة تجاوز الاستهلاك، الاستهلاك الواعي، والوعي بالاستهلاك، لا سيما من منتجات الدول المعادية لشعبنا ولأمتنا، خاصة في ظروف الحصار القاتل. هذا قليل مما كان يجب أن يحصل ولم يحصل!! بل ما يحصل كما يبدو هو الاستفراد بالنساء كمستضعفات. ثم يبدأ القول، إن النساء اللاتي يرفضن هذا القرار هن متغربنات سافرات وحتى “نُشَّزا”! أما والنساء هن المستضعفات، فهل يقضي الدين باستضعاف الضعيف[1]؟ كيف كان للسيدة فاطمة الزهراء أن تفرض على الإمام علي أن لا يتزوج عليها، فهل كان سيتدخل في لباسها؟ لماذا اختراع معارك صغيرة للتشاغل والانتصار فيها؟ وهناك معارك كبرى عديدة يمكن الانتصار فيها. يمكن دخول معركة التنمية والتعليم الحقيقي والثقافة والانتاج …الخ.
يكون العمل ثورياً حين يفكك أجهزة الدولة بما هي قمعية ويفتح المجال لمائة زهرة كي تتقتح. فالوصول إلى قلعة الحكم يجب ان يكون تضحية من أجل الناس. أما أن يكون من أجل وضع عدادات على أنفاس النساء فهذا في منتهى الغرابة.
قد تتمكن هذه القيادة من فرض هذا وغيره، وما النتيجة؟ فتنة مستدامة، سيبقى هناك من يرفض ويعارض ويُقتل ويُذبح، وستسقط الضحايا بتنوعاتها، وسيكون هذا على حساب المقاومة والتنمية والبناء والحريات، وسيجيء يوم يتوقف هذا، ولكن بعد ان يصبح البلد يباباً حتى بالمقارنة مع يباب اليوم! وبلا قدرة على المقاومة، فما لزوم ذلك، فهل يخسر الاحتلال والدول العربية القطرية والغرب الراسمالي ام يكسبوا!
هل حماس في غزة أكملت كل ما هو مطلوب وبقي شعر المرأة؟
إذا لم تستشر قيادة حماس، القوى الأخرى في غزة، فهل يمكنها الزعم أنها قد غيرت ما كان قبلها؟ أم أنننا انتقلنا من تفرَّد فريق التسوية والفساد والبحث عن دولة وعد بها بوش سفاح التاريخ المهووس بالقتل، إلى تفرد فريق الأُصولية ؟ لقد دافعنا كثيراً ضد تهمة الأصولية والسلفية وضد من روجوا للغرب وحتى للكيان …الخ فماذ نقول لهم اليوم؟ وكان دفاعنا أملاً في رغبة في تغير ما! لكن الوضع لم يبق حتى كما كان.
وحتى لو تم التراجع عن هذا القرار، يبقى مُداناً لأن مجرد التفكير فيه يشكل بادرة خطيرة على مستقبل داكن.
لماذا يُقاس الإنسان بلباسه؟ ولماذا يُنصب البعض أنفسهم وكلاء على غيرهم؟ لو كان الله معنياً باللباس وإخفاء العورات والملكية الخاصة لولد الإنسان بلباس كامل. اي أن الأصل في الإنسان العري النظيف، وبعدها يلبس ليتقي الطبيعة وليس أعين الآخرين.
لو كان الانضباط الأخلاقي بكمية اذرع القماش، لما عرفت البشرية كل أنواع البغاء إلا حيت هيمن نمط الانتاج الراسمالي وحده. فهل خلت مجتمعات العالم الثالث ومنها العربية من البغاء في الألفيتين الماضيتين؟ هل اكتشفنا هذا من علاقتتنا بالغرب؟ ما يضبط الإنسان وينظم علاقته بالآخرين هي قناعته أولاً. ثم لماذا لا نقرأ ولا نرحل لنرى أن المجتمعات الصناعية الغربية ليست شوارع بغاء على الأرصفة كما يصور المعاقون نفسياً الذين يثرثرون حول هذا فيشوهون عقول البسطاء؟
كان بوسع حماس أن تفكر في تشكيل مثلث التحالف التاريخي في غزة ليضم المسلمين والاشتراكيين والقوميين لتشكيل كتلة وطنية تقاوم وتبني، وخاصة أن غزة تحت الاحتلال والدمار والفقر والحصار. فلو كانت غزة بقعة وهابية نفطية، لكان هناك ما يبين اسباب الانغلاق السلفي الذي يمول نفسه. أما أن نشحذ من كل ذي مال مهما كان مصدر ماله، ومن ثم نفرض على الناس حتى ما يلبسونه؟ وماذا عن عقولهم؟ هل نقيم محاكم تفتيش لما قد يكونوا فكروا به؟
لقد استبشرنا خيراً حين تزايد الدعم أو حتى التعاطف العالمي (الشعبي طبعا) معنا، لنطلع عليه الآن بمشروع وضع الكلبشات على جسد المرأة. فما الذي نقوله لجورج جالاوي، ولغيره؟ لماذا هذا الإصرار على تجنيد العالم لاحتقارنا؟ أكل هذا كي ترضى الوهابية؟ وهل الأنظمة التي تقيد حرية النساء “فالحة” إلى هذا الحد؟ ولو كانت كذلك، لماذا نرى كل يوم محاكم وعقوبات على الاغتصاب والبغاء ,,,الخ.
مثل هذا القرار، يدفع كثيرين للانحياز والتخارج إلى الغرب، ويجعل من السهل عليهم تجنيد غيرهم لذلك. وبعدها نأتي للقول: هؤلاء متغربنون وعملاء…الخ.
ولكن، إذا كانت المقاومة قد تحولت لتقاوم حريات الناس، فمن المتوقع أن ينحرف الناس سياسياً دفاعاً عن رؤوسهم، ومن المستفيد؟ ليس فقط الاحتلال بل كذلك الذين ينشغلون في فرض القوة والسيطرة على المجتمع وهي آليات تحول دون اي تقدم اجتماعي وثقافي، وبالتالي لا يريد الاحتلال أفضل من مجتمع يعتقل فيه الرجال النساء! نصف الشعب يقاوم النصف الآخر الذي يضطهده ، وليس شرطاً كيف؟
أعرف أن كثيرين، وخاصة من أهل التسوية، واللبرالية سيستغلوا مقالة كهذه، ولكن الرائد لا يكذب أهله. لا بد من وقفة للدفاع عن الإنسان لأن ذلك حقه علينا. لا بد من نقلة وعي لمن لا يريد الوعي، أو على الأقل تجريده من سلاح إضافي لم يكن بيده وليس من حقه.
قد يصح لنا القول، إن عالم العولمة والعالمية لن يسمح لأحد أن يغلق على نفسه ابوابه، فإما أن تتحدى العالم بما لديك من قوة، وأهمها حق الإنسان، وإما أن يدخل عليك العالم بالقوة المتعددة، وليست العسكرية وحدها.
لا يمكن لثقافة إلغاء حق المواطن أن تواكب العصر. ولا يمكن للسلاح الذي قد يهزم المحتل والمستعمِر أن يهزم المواطن، ناهيك عن أن رفعه ضد المواطن، ضد شخص المواطن هو مدخل للانتحار الجماعي، واستدعاء للاستعمار بأشكال عدة ذات يوم قادم! هذا بدل أن نقول كان الاستعمار هنا ذات يوم مضى!
إن قرارات من هذا الطراز هي الهدية المثلى للكثير من القوى المهزومة والمأزومة والمرتبطة بالعدو الثلاثي التي هي ضد المقاومة، لتجعل من هذه القضية وغيرها جسراً للتكفير بكافة أنواع المقاومة، وهذا ما سيخلق لها جمهوراً رغم إفلاسها. فهل هذا ما ترجوه قيادة حركة حماس وكوادرها؟ نتمتى لا!!!
________________________________________
[1] جلست قبل ربما خمس عشرة سنة في دائرة من الحضور لحفل عرس في قريتنا، كانوا عشرة رجال ما بين طلبة جامعيين ومدير المدرسة وعمال. كان الحديث عن المرأة، ووجوب ضبطها والسيطرة عليها منذ ليلة الصراع الأولى، من يتفوق على الآخر…الخ. وكان كل يقول انا فعلت وفعلت. ماذا كان لي أن اقول في حفلة عنتريات من هذا الطراز! لم أزد سوى القول، إذا كنتم رجالاً حقيقيين، فالمرجلة على الاحتلال، ولا تكون على المرأة التي تعتبرونها أضعف منكم. فقط بلغة كلغتهم كان يمكن أن يسكتوا ولا يقتنعوا بالطبع. هل كانت اللحظة لحظة حوار حول المساواة وتساوي القدرات ومناقشة النوع وغيرها!