لا ينبغي للمعارضة السورية فصل ملف المعتقلين عن المسار السياسي في تحركاتها، طالما أن النظام يستثمره ويتعامل معه كورقة ابتزاز عند الحاجة حيث يقوم بإطلاق سراح بضع مئات جلهم من المعتقلين الجدد، قبيل الاستحقاقات الدولية ليظهر مرونة يستفيد منها سياسيا واقتصاديالقد دعا القرار الأممي 2254 لعام 2015 إلى الإفراج عن الموقوفين والمحتجزين بشكل تعسّفي، وبالأخص النساء والأطفال، بعدما فصّل بشكل واضح بين عملية الانتقال السياسي التي يجب أن تنطلق في سوريا، وبين الإجراءات الإنسانية الفورية والضرورية، مثل السماح بإيصال المساعدات أو الإفراج عن المحتجزين قسرياً، لكنّ ما جرى لاحقاً هو الزج بملف إنساني خطير في حسابات سياسية.
وقد ظهر ذلك بشكل واضح في مسار أستانا، عبر تحويل التوصيف القانوني من محتجزين ومعتقلين تعسّفياً إلى أسرى حرب، وبموجبه أصبحت عملية إطلاق سراح المعتقلين مرتبطة بتقديم مقابل متمثل بإفراج المعارضة المسلحة عن أسرى الحرب، بالتوازي مع جهود حثيثة من النظام لإدارة الأزمة على الصعيد القانوني عبر إصدار قوانين ومراسيم حول مكافحة الإرهاب، تتيح المجال لإدخال شرائح كبيرة من المعتقلين تحت بند الجرائم الإرهابية.
لا ينبغي للمعارضة السورية فصل ملف المعتقلين عن المسار السياسي في تحركاتها، طالما أن النظام يستثمره ويتعامل معه كورقة ابتزاز عند الحاجة حيث يقوم بإطلاق سراح بضع مئات جلهم من المعتقلين الجدد، قبيل الاستحقاقات الدولية ليظهر مرونة يستفيد منها سياسياً واقتصادياً، على غرار إصداره مرسوم العفو رقم 7 في أبريل/نيسان 2022، مستبقاً الدورة السادسة من مؤتمر بروكسل حول استقرار سوريا والمنطقة والجولة الثامنة من مسار اللجنة الدستورية، كنوع من الإيحاء بتغيير سلوكه والتجاوب مع مطالب البعثة الأممية الخاصة إلى سوريا.
كانت المعارضة السورية أمام فرصة ذهبية لإعطاء زخم كبير لملف المعتقلين السوريين مجددا على الصعيد الدولي، بعد تسريبات مجزرة التضامن التي هزت العالم وانتشرت على نطاق واسع في مايو/أيار 2022، فلا أقل من ربط استمرار تعاطيها الإيجابي مع الجهود الأممية المتعلقة بالمسار السياسي بالإفراج عن دفعات حقيقية من المعتقلين لدى النظام كإجراء ثقة يثبت جديته ويبرهن على تغيير سلوكه فعليا، مع ضرورة الانتباه إلى عدم الانجرار لزج الملف في النقاشات السياسية التفاوضية؛ لأن ذلك مطلب أساسي للنظام المتأهب دائما لإغراق المباحثات بالتفاصيل وإفراغها من مضامينها وجعلها غير منتجة، وهو الذي لا يتردد في استخدام كافة الأوراق الموجودة لديه لابتزاز المعارضة والمجتمع الدولي.
تمتلك المعارضة اليوم الحجة والذرائع القوية والمعتبرة للتمسك بمطلبها المتعلق بالضغط على النظام لتنفيذ خطوات بناء ثقة، فما فائدة الخوض في مسارات ومفاوضات حول كتابة الدستور وشكل نظام الحكم من المتوقع ألا يكون مصيرها أفضل حالا من القرار الأممي 2254 الخاص بالانتقال السياسي، والقرار 2042 لعام 2012 الذي طالب النظام بسحب قواته من المدن، خاصة أن القرارات السابقة المذكورة تطرقت إلى مسألة الإفراج عن المعتقلين والمحتجزين قسريا بشكل فوري ودون شروط.
لقد أثبتت تجربة استصدار عقوبات أميركية ضد النظام كحالة قانون قيصر أواخر عام 2021، إمكانية تحويل التسريبات التي توثق الانتهاكات ضد المعتقلين والمحتجزين إلى قواعد قانونية بمؤيدات جزائية، لكن المطلوب اليوم تطوير قيصر إلى قوانين جديدة تنص بشكل صريح على ضرورة إطلاق النظام سراح المعتقلين بشكل فوري، بغض النظر عن ربط الأمر بحكومة انتقالية منوط بها إجراء هذه الخطوات.
من المهم أيضا، بذل الجهود من أجل دفع الأمم المتحدة لاستصدار قرارات خاصة بالإفراج عن المعتقلين والمغيبين قسريا في سوريا عن طريق الجمعية العمومية وليس مجلس الأمن، من أجل تجنب تعرض القرار لحق النقض (فيتو) من قبل الجهات الدولية الداعمة للنظام، بل يمكن العمل على استصدار قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤسس لإحالة قضايا المجازر الجماعية التي ارتكبها النظام السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية بالاستناد إلى ما يعرف بقرار "الاتحاد من أجل السلام" الصادر عن الجمعية العامة برقم 5/377، لعام 1950، وتبدو فرص هذه الخطوة وافرة في أعقاب القرار الصادر عن الجمعية في أبريل/نيسان 2022، القاضي بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان على خلفية غزوها أوكرانيا.
إلى جانب الجهود الإنسانية والدبلوماسية، يجب ألا تغيب عن المعارضة أهمية الاستمرار في حملات المناصرة، بهدف حشد الرأي العالم المحلي والعربي والدولي بشكل مستمر، وضمان بقاء قضية المعتقلين في المقدمة. هذا من شأنه دفع الدول الراغبة باستعادة العلاقات مع النظام لمراجعة قرارها، فحملات المناصرة تؤكد بشكل واضح عدم وجود متغيرات في سلوك النظام تتيح تغيير التعاطي الدولي معه.
---------
الجزيرة نت