أولا: مفهوم اللجوء:
تحدثت الباحثة عن تعريفات اللجوء: الذي يعني هروب الإنسان من موطنه بسبب فقدان الأمان والخوف على الحياة، الى مكان اكثر امنا ويحافظ فيه على الحياة، و يؤسس لحياة جديدة أفضل.
ثانيا: اللجوء السوري عموما، وفي تركيا واسطنبول خصوصا.
تتحدث الباحثة عن تبعات الربيع السوري وردة فعل النظام بحق الشعب الذي اصبح ضحية مقتلة دائمة، مما ادى إلى لجوء وهروب الملايين من السوريين الى دول الجوار والعالم. تقدم الباحثة احصائيات معتمدة دوليا عن السوريين المتواجدين في لبنان والأردن وتركيا والعراق كدول جوار يصل الى ٥،٦مليون إنسان، هذا غير الذين كان انتقالهم الى أوروبا وبقية دول العالم. وتؤكد أن أغلب لاجئي دول الجوار وصلوا الى تركيا، بعدد يصل الى ٣،٦مليون انسان، اغلبهم يتواجد في المدن التركية المحاذية لسورية، وأن اسطنبول وحدها، يسكنها أكثر من نصف مليون لاجئ سوري.
ثالثا: الخلفيات الاجتماعية للاجئين السوريين.
توضح الباحثة أن تنوع اللاجئين القادمين الى تركيا، وأن أغلبهم من المدن السورية المجاورة لتركيا جغرافيا، حلب، ادلب، الرقة، الحسكة، القامشلي.. الخ. كما أن هناك الكثير ممن جاءها من مدن سورية اخرى، فقد كان السماح للسوريين بالدخول إلى تركيا في سنوات الثورة الأولى، كما أن إحساس التضامن والإنصاف من الدولة والشعب التركي بحق الشعب السوري المظلوم، إضافة الى التقارب والتماثل بين القيم الاجتماعية السورية والتركية ومرجعيتها الاسلامية جعلتها، قبلة الهجرة المكثفة من قبلهم. فقد جاءها أبناء المدن والريف، وكانت الدولة التركية قد بنت المخيمات على الحدود التركية السورية، لكن لم يستمر بالعيش فيها سوى أقل من ثمانية بالمئة من اللاجئين القادمين الى تركيا، والباقين توزعوا في المدن التركية، يبحثون عن لقمة عيشهم.
رابعا: أنماط التكيف الاقتصادي:
تتعمق الباحثة في دراسة واقع الأسر الحضرية التي استقرت في اسطنبول، وركزت على واقع الأسر التي تعيلها امرأة، وهذا غريب على مجتمعنا، حيث أغلب الأسر معيلها رب الاسرة الاب، او الابناء الذكور العاملين، حيث العرف الاجتماعي يحتم أن الرجل يعمل وينتج، أما المرأة فهي من يتابع شأن البيت والاسرة، طبعا هذا بشكل عام، لكن واقع العنف وموت الكثير من الرجال المعيلين للكثير من الأسر اللاجئة، أصبح لزاما على المرأة الأم الفاقدة للزوج والوطن والتي اكتشفت نفسها في الغربة أن تنزل الى سوق العمل ويكون لها نشاط يعيلها ومن معها من عائلتها.
لم تكن ردود أفعال النساء المعيلات واحدة في كيفية تأمين لقمة عيش عائلاتهم. لقد أكّدت الباحثة أن المرأة المتعلمة والعاملة سابقا، كانت متكيفة وقادرة على التكيف الإيجابي ونجحت في مواجهة ظروف اللجوء وتأمين لقمة عيش عائلاتها. كما أفرزت الباحثة أصناف النساء وردود فعلهم في البحث عن لقمة عيشهم الى ثلاثة اصناف:
١- النمط المنتج:
وهنّ النساء اللواتي نزلن مباشرة لسوق العمل ووجدنّ لهنّ ما يناسب مهارتهنّ، وحتى أن البعض تكيفنّ مع أعمال لم يكنّ يقمّن بها سابقا، البعض عملن في الخياطة والبعض في الخدمة المنزلية وغير ذلك كثير، أما المتعلمات فقد نجحّن في خلق أعمال منتجة ناجحة في وقت مبكر ودخلّن سوق العمل بقوة.
٢ – النمط السلبي:
حيث عجزت بعض النساء عن تجاوز حالاتهن الحياتية السابقة وأن تدخلْن في سوق العمل، سواء لجهل بما تريد ان تعمل، او الخوف من الاختلاط الاجتماعي، لذلك اعتمدنّ أولاء النساء على تقليل مصاريف المعيشة مما بقي بحوزتهم من مدخرات خرجن بها، أو من خلال حصولهم على بعض المساعدات الدولية و من الدولة التركية والشعب التركي الذي كان أغلبه متضامن مع السوريين في مواجهة مأساتهم، واعتمدت بعض النساء على تشغيل ابنائهنّ الذكور وهم في سن الطفولة، مع ما يصاحب ذلك من ظلم اجتماعي على هؤلاء الأطفال، ومنعهم من التعلم ومن خلق فرص إيجابية مستقبلية لهم لتحقيق حياة أفضل. كما كان من النتائج السلبية التي اعتمدتها بعض النساء المعيلات ان زوّجن بناتهم وهن قاصرات من بعض الأثرياء العرب، على شكل زواج مؤقت يحصلون من خلاله على بعض المال، لكنه يؤثر في مستقبل وحياة هؤلاء الفتيات بشكل سلبي جدا. كما تعتمد بعض النساء على الاستدانة، وتتراكم الديون الغير ممكنة الإيفاء وهذا يؤدي لنتائج سيئة على هذه الأسر على المدى البعيد.
٣ – النمط المعتمد على المساعدات:
ويعتبر هذا النمط من النساء اللواتي كنّ اقلهنّ شعورا بالمسؤولية، وأنهنّ عاجزات عن فعل أي شيء، وهنّ ينتظرّن المساعدات العينية والمالية، مثل النساء المتواجدات في المخيمات. لكن المساعدات المادية المالية والعينية لم تكن يوما تسد حاجات العائلة، لذلك كانت حياة هذه الأسر سيئة جدا، وكانوا في حالة استعطاء وعوز دائم. ورغم أن تركيا كدولة ومن خلال الجمعيات الخيرية الكثيرة تقدم ما تستطيعه للاجئين، لكن ذلك لم يكن ليكون كافيا ابدا. وهذا ينعكس على العائلة وأطفالها بكل المستويات: الصحي والنفسي ومن خلال التسرب من المدرسة، والدخول إلى سوق العمل وهم اطفال، يكونوا ضحية الابتزاز الجنسي والأخلاقي والظلم الإجتماعي.
خامسا: التحديات التي تواجه المرأة العاملة:
تتحدث الباحثة عن التحديات التي تواجه المرأة اللاجئة العاملة، فهي ضعيفة في منافسة مثيلاتها التركيات، لذلك يكنّ ذوات أجور بخسة، وقد يستغلّنّ جنسيا من خلال التحرش والابتزاز، وتكون أجورهن أقل من أجور الرجال كونهن نساء، وهذا تمييز جنسي في العمل، رغم أن انتاجيتهنّ متماثلة وحتى اوقات العمل واحدة، كما أنهنّ لا يسجّلن في صندوق الضمان الاجتماعي، وهذا ينطبق على الرجال العاملين ايضا، وسبب ذلك تخفيف التكاليف على رب العمل، كما أن عدم إصدار إذن العمل لأغلب النساء والرجال العاملين، يجعل عملهم غير محمي قانونا، ويكون الأجر أقل من أمثالهم، وقد يتم طردهم في أي وقت. فلا حماية قانونية لهم، كما أن غياب القدرة على التواصل اللغوي مع رب العمل ومع الاتراك الآخرين، يجعلهم ضحايا سوء تفاهم وسوء تعامل وقد يطردّن من العمل.
سادسا: واقع عيش اللاجئات السوريات:
تتحدث الباحثة عن الاحتضان المجتمعي التركي من أغلبه كما من الدولة للاجئين السوريين، مع ذلك قد تجد الكثير من الأسر صعوبة في ايجاد السكن، وقد يكون عالي الأجر، ولذلك تبحث اغلب الاسر عن سكن غير صحي ولا يتسع للعائلة، بحثا عن الأجرة الأقل، بما ينعكس على حياة اللاجئين وصحتهم و توازنهم الاجتماعي. كما أن عدم تعلمهمنّ اللغة التركية يصنع حواجز مجتمعية بين اللاجئات والمجتمع المحيط، فبعض النساء يتعلمن عبر الدورات اللغوية المجانية والبعض يكنّ سلبيات ولا يحتككنّ إلا مع السوريات ومع الأقرباء والجوار من السوريين، وهذا يزيد العزلة والعجز عن التكيف. ورغم أن الدولة التركية قد ساعدت السوريين بتسجيلهم في بطاقة الكمليك (الحماية المؤقتة) التي تضمن لهم حق التعلم، والحصول على المساعدات العينية الدولية ومن الدولة التركية والجمعيات الخيرية، كما تضمن لهم الرعاية الصحية المجانية كذلك العلاج المجاني، لكنهم في أغلب الأحيان يكونون جاهلين بواجباتهم وحقوقهم، ولا يعرفون كيفية الحصول على الأوراق الرسمية، وقد لا يجدوا تكاليف متابعة شؤونهم مع دوائر الدولة. لذلك كانت حالة السلبية السابقة التي عاشتها هؤلاء النساء سابقا، هي حجر عثرة في انغراسها في المجتمع التركي الجديد.
ختاما: آفاق المستقبل:
أكدت الباحثة في الحديث عن آفاق المستقبل، أن اللاجئات المكتسبات لمهن عمل ومتعلمات كنّ مكتفيات أكثر، واستطعّن أن يبدأن حياتهن بنجاح، وصنعن لهن حياة أفضل. وأن المطلوب من النساء المعيلات أن يتجاوزن ما ترسخ في معتقداتهنّ التقليدية عن عجز المرأة و دونيتها إلى الإيمان بنديتها للرجل، وأن تكن ايجابية وتعمل بكل طاقتها لتصنع لنفسها مستقبلها الافضل المطلوب.
وفي النهاية نقول رأينا:
شكرا للباحثة على جهدها العلمي المتميز في بحثها موضوع النساء اللاجئات المعيلات في اسطنبول. ونؤكد أن الحساب الختامي للجوء السوري في تركيا كان إيجابيا بمعنى التكيف والانخراط في الحياة وبناء حياة أفضل للسوريين الذين يعيشون في اسطنبول.
قليل من اللاجئين السوريين من استكان واستمر بعيشه في المخيمات، فمن٣،٦ مليون إنسان سوري لاجئ في تركيا يوجد في مخيمات اللجوء ثلاثمائة ألف إنسان فقط، وهم في تناقص. كما أن هناك أجيال انخرطت في التعلم بدء من الابتدائي – التعليم الأساسي – حتى الجامعي وبعضهم حصل على الشهادة الجامعية وبدأ الحياة العملية بجدارة. كما أن تيسير امور السوريين من خلال العمل والتجنيس الذي كان أكبر مكسب جعلهم مواطنين في تركيا الدولة الكبيرة المحترمة الديمقراطية الصاعدة، وفي سوق قادر على استيعابهم. وبذلك كان اغلب السوريين في البنية التركية، وحتى بقية دول اللجوء نماذج إيجابية.
٠ نحن نتحدث عن الاغلب وبالتالي لن نغطي عن السلبيين والمخطئين لكنهم قلة.
٠ ولن ننسى أن لنا وطنا اسمه سوريا نحتاجه و يحتاجنا، لكننا لن نوقف الحياة حتى نعود له او يعود لنا، بل نكن حيث نحن نموذجا للانسان الناجح العامل المنتج المبدع، ذلك الى ان نعود لبلادنا فنعمّرها ونصنع منها منارة خير وعدالة وحرية وديمقراطية