وأبلغت مصادر متقاطعة "المدن"، أن ما يُشاع عن حملات داخل الإدارة الذاتية لمكافحة الفساد وإعادة الهيكلة، هي مجرد غطاء لتحرك واسع أطلقه قادة حزب العمال المتواجدين في المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا والعراق، المعروفة باسم جبال قنديل، من أجل القضاء على جناح مظلوم عبدي داخل حزب الاتحاد المهيمن على الإدارة، بعد انخراط الأخير في مشروع أميركي سابق كان يهدف إلى إخراج قادة "العمال" غير السوريين من مناطق الإدارة الذاتية، وتحقيق المصالحة مع المجلس الوطني الكردي، وإطلاق حوار مع قوى المعارضة السورية الأخرى ودول الجوار.
وحسب هذه المصادر، فإن رفض حزب العمال لمشروع المصالحة الكردية-الكردية، وفتح أي قنوات حوار مع قوى المعارضة الأخرى، بدأ منذ اللحظة الأولى لعقد جلسات الحوار برعاية فرنسية-أميركية قبل عام، حيث وجه الحزب كوادره إلى مهاجمة مقرات أحزاب المجلس الوطني وحرقها في شمال شرق البلاد، كما هاجم خطوط نقل النفط بين إقليم كردستان العراق وتركيا، بسبب دعم قيادة الإقليم لهذا الحوار.
وأضافت "لكن التصعيد الأبرز جاء عقب زيارة مظلوم عبدي إلى واشنطن، نهاية تموز/يوليو 2020، وتوقيعه عقوداً مع شركات أميركية لاستخراج النفط في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، الأمر الذي رفضته قيادة قنديل، وهو ما عبّر عنه القيادي الأبرز في الحزب حالياً جميل باييق، الذي اعتبر أن هذه العقود مرفوضة وغير قانونية طالما أنها جرت من دون موافقة النظام في دمشق".
وكان باييق قد اعتبر في تصريحات صحافية مطلع آب/أغسطس 2020، أن "حكومة النظام السوري لا تزال تتمتع بالشرعية القانونية والدستورية من الأمم المتحدة"، مضيفاً "أنه إذا ما كان الاتفاق النفطي مع الشركة الأميركية قد جرى وفق تفاهمات مع السلطات السورية فهذا ممكن ومقبول، لكن إذا ما كان الاتفاق مبرماً من طرف واحد فقط، علينا أن نقف عنده".
وعن الحوار الكردي-الكردي في سوريا، قال باييق وقتها: "سمعنا أن هناك خطوات في هذا المجال لكن لا نعرف الأسس التي تقوم عليها هذه الخطوات بالتفاصيل"، كما رفض فتح أي قنوات اتصال مع حكومة كردستان العراق، بعد أن بدأ مظلوم عبدي بخطوات على هذا الصعيد.
وحسب مصادر "المدن"، فإنه منذ تلك اللحظة بدأ ما يمكن وصفه بالتصادم مع مظلوم عبدي، القيادي السابق في حزب العمال، والعضو في لجنته المركزية، ما استدعى مجيء جميل باييق إلى سوريا على عجل وبالتنسيق مع النظام، حيث عقد اجتماعات مع قيادات حزب الاتحاد من أجل الحد من نفوذ عبدي تمهيداً لإخراجه من المشهد نهائياً.
وفي هذا الإطاراتخذت قيادة "العمال" قراراً غير معلن بتعيين محمود برخودان، المعروف ب"الرش"، قائداً عسكرياً لقوات "قسد" بدلاً من عبدي، ورغم عدم تنفيذ القرار رسمياً، إلا أنه من الناحية العملية جرى العمل على نقل صلاحيات الأخير إلى برخودان على مدى الأشهر الماضية.
و"الرش" من الشخصيات شديدة الولاء لقيادة قنديل، كما يُعرف على نطاق واسع بأنه من الراديكاليين والقادة الدمويين، ومدنياً منحت كامل الصلاحيات والسلطات للقيادي السوري الآخر في حزب العمال ألدار خليل، المنافس الأبرز لمظلوم عبدي.
كما جرت سلسلة من الإقالات شملت عدداً كبيراً من القادة والمسؤولين المقربين من عبدي، تحت مبررات مختلفة، مثل مكافحة الفساد، أو اكتشاف حالات سطو على المال العام، كما جرى مؤخراً، حيث تم الإعلان عن اعتقال شيار مسور، أحد المسؤولين عن ملف النفط في الإدارة الذاتية، بتهمة اختلاس مليار دولار، كما اتُهم علي شير، القيادي العمالي المعروف بتقديم الحماية لمسور.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن المصادر الكردية تكشف عن تنفيذ قيادة الحزب حملة اعتقالات وتصفية شملت أسماء أخرى من قادة حزب الاتحاد وقسد المحسوبين على عبدي، حيث جرى استدعاؤهم إلى جبال قنديل وعقد محاكمة صورية لهم، مثل القيادي دوزدار حمو الذي تمت تصفيته وأعلنه الحزب شهيداً بقصف تركي، بينما لا يزال مصير القيادية خالدة، التي جرى استدعاؤها أيضاً مجهولاً ويُخشى من تصفيتها، علماً أن دوزدار وخالدة ينحدران من منطقة عفرين.
وبينما استبعدت المصادر تصفية علي شير، على اعتبار أنه من القادة الكرد الأتراك، فقد أكدت في الوقت نفسه أنه لولا الحماية الأميركية التي يتمتع بها عبدي لتمّت تصفيته بالفعل، وأعلن لاحقاً مقتله بقصف تركي أيضاً، وهي الحجة التي يتذرع بها قادة "قنديل" عند تصفية أي من كوادر الحزب.
وفي تعليقه على هذه المعلومات، أكد الكاتب والباحث في الشأن الكردي هوشنك أوسي أن الكثير من المعطيات والمؤشرات تؤيد ما ورد فيها، وعلى الأرض هناك تطورات تثبت انتصار توجه قيادة "قنديل" على مشروع الحوار الكردي وإخراج قيادات حزب العمال غير السوريين من مناطق الإدارة الذاتية، بالتنسيق مع النظام السوري الذي تقوم استراتيجيته على ضرورة استمرار هيمنة الحزب على أكراد سوريا.
وأضاف في حديث ل"المدن"، أن "ما سبق يشير بوضوح إلى أن المشروع الذي جاء بطلب أميركي وانخرط فيه مظلوم عبدي، قد فشل، والضربة الأقوى التي تسببت بفشله هي تصفية بعض الكوادر المقربة منه واعتقال البعض الآخر، ومن تبقى منهم تم إبعادهم عن مراكز القرار والتأثير، من أجل استكمال اخضاع الناس لسلطة حزبية إيديولوجية فاشية عمياء".
والسبب الآخر في فشل المشروع حسب أوسي، هو تغيير الإدارة الأميركية التي كانت تدفع في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بهذا الاتجاه، وقد استفادت قيادات الحزب من مجيء إدارة جديدة لم تبدِ أي اهتمام بالمشروع من أجل قطع الطريق على ما تم إنجازه، وقد دعم نظام الأسد خطوات قيادة حزب العمال في هذا الاتجاه.
أوسي استبعد فرضية أن يكون كل ما جرى قد تم بترتيب مسبق بين قيادة "العمال" ومظلوم عبدي، وقال: "أنا لا أميل إلى السيناريو الذي يفترض بأن كل ما جرى كان مسرحية متفقاً عليها من أجل تسويق عبدي كقيادي وطني سوري بهدف تجاوز مرحلة الضغوط الأميركية، ورغم أن هناك من يقدم معطيات على هذه الفرضية إلا أنني استبعدها".
ورأى أن "الحزب غير مستعد للتلاعب بمسألة هيمنته على المناطق الكردية في سوريا، لأنها دائماً كانت عصب الحياة بالنسبة له، وقد ازدادت أهميتها بشكل مضاعف خلال السنوات العشر الماضية بعد أن فُتحت له أبواب النفط والغاز وغيرها من الموارد الضخمة التي كان يجب أن يوظفها في خدمة الشعب هناك، لكنه تابع سياسة النظام في حرمان أبناء المنطقة من مقدراتهم واستكمال أفقارهم".
منذ البداية، شكك الكثيرون بتقبل حزب العمال لمشروع الحوار مع القوى الكردية الأخرى، سواء في سوريا أو العراق، وكذلك مع مكونات المعارضة، ناهيك عن القبول بالخروج من سوريا، ولم يستبعد هؤلاء تحركاً عاجلاً يقطع الطريق على هذا المشروع، وهو ما يبدو أنه قد حصل بالفعل.
----------
المدن