لعل القارئ الكريم يذكر كيف تصرفت أجهزة الأمن المصرية أمام هذا المشهد الذي يفضح حقيقة ممارسات أجهزة الأمن المصرية، ولكن سأذكر القارئ بما حدث..
لقد أحضرت أجهزة الأمن المصرية البنت المختفية “زبيدة”، وأظهرتها في لقاء تلفزيوني مصور مع ذلك الثعبان الأقرع المدعو “عمرو أديب”، ونفت البنت المسكينة رواية أمها، وقالت أنها غادرت منزلها، وتركت عائلتها بمحض إرادتها – يا سبحان الله – وتزوجت، وأنجبت، كل ذلك دون أن تخطر أمها أو أي أحد من أفراد أسرتها، كل ذلك دون أن تذكر دافعا يدفعها لارتكاب هذا الفعل الشنيع، وهي البنت “الصعيدية” المحافظة !
ظهر في الحوار زوج مزعوم، وأيد كلامها في اللقاء الذي أجراه الثعبان الأقرع، (تبين بعد ذلك أن الزوج نفسه معتقل)، وهكذا قدمت أجهزة الأمن ردا مفحما على “الأكاذيب” التي يروجها الخونة !
لا عزاء للمنطق.. فهذه البنت “زبيدة” لها تاريخ ممتد في المسيرات المعارضة للانقلاب، هي وإخوتها، وأمها.. وهذا الاختفاء القسري لم يكن أول اعتقال لها، بل هي مناضلة سياسية، عرفت السجون والمعتقلات، وقبض عليها قبل ذلك عدة مرات، منذ عام 2014م.
لا عزاء للرجولة.. فهذه الأم بعد أن ظهرت في إحدى القنوات وتمسكت بروايتها، وفنّدت ما جاء في لقاء الثعبان الأقرع، وأظهرت تهافت الرواية.. اعتقلتها أجهزة الأمن، وأصبحت هي أيضا ضمن المختفين قسريا.. هكذا بمنتهى البساطة..
هذه خلاصة قصة “زبيدة”، و”أم زبيدة”.. أسأل الله أن يحفظهما، وأن ينتقم ممن ظلمهما..
*
سيظن القارئ الكريم أن هذه المقدمة تمهيد للحديث عن موضوع المطربة “آمال ماهر”، وأن الفيديو الذي ظهرت فيه المطربة وهي تنكر كل ما قيل عن اختفائها القسري، وتدعي أن سبب اختفاءها هو إصابتها بفيروس كورونا، وتهنئ الشعب المصري بذكرى ثورة “30يونيو”.. وأن فيديو المطربة يذكرنا بالفيديو الذي ظهرت فيه “زبيدة” وهي تنكر اختفاءها، وتدعي هروبها وزواجها، وتدعي أن لا علاقة لها بالسياسة.. والحقيقة أن هناك تشابها، فكلاهما فيديو تم تصويره تحت تهديد السلاح، مع استحالة المقارنة بين المناضلة “زبيدة” وتلك المطربة، فشتان بين من يدفع ثمن نضاله ضد الاستبداد، وبين من يدفع ثمن ركونه للمستبدين !
ولكنني لا أتحدث عن فيديو المطربة، بل سأتحدث في هذه المقالة عن فيديو آخر.. سأتحدث عن فيديو الحوار الوطني !
ولكي لا أطيل على القارئ الكريم أحب أن أوضح أن الناس في مصر ثلاثة أنواع..
النوع الأول: هو المواطن “الثعبان الأقرع”..
وهذا النوع ليس شخصا بعينه، إنه مهنة، وظيفة، بإمكان أي شخص أن يكون ثعبانا أقرعا في أي مكان، مهندسا كان أو طبيبا أو سائق توك توك أو عاطلا..
هذا النوع يبيع أمه وأباه، يترزق بأرضه وعرضه، يأكل مال النبي والصحابة والتابعين والأولياء دون أن يرمش له جفن.. بإمكانك أن تنظر لوجه هذا الـ”عمرو أديب” فترى كل معاني الانحطاط داخل بدلة “سينيه”، معلق فيها ميكروفون يمطر الأمة ببذاءات من الكذب المصفى، ويتطاول على كل قيمة نزيهة، وكل شخصية محترمة، ولا يعنيه قتل وتشريد الملايين، وبيع ثروات الوطن لأعداء الوطن بأبخس الأسعار، طالما ينعم هو مقابل ذلك العمل الوضيع بملايين الدولارات سنويا.
*
النوع الثاني: هو المواطن “زبيدة”
ضيف في لقاء تلفزيوني، يجلس أمام الكاميرا تحت تهديد السلاح، بعد أن ذاق ويلات التعذيب، ليروي مجبرا قصة يعرف القاصي والداني كذبها، ويتظاهر بالرضى والحبور، والفرحة والسرور.
بل إن هذا المواطن.. يقول بملء فيه أنه مختار، وأنه حر، وأن كل ما يقال عن إجباره على تصوير هذا الفيديو كذب محض !
وبعد أن ينهي اللقاء يعود للاختفاء مرة أخرى، أي أن هذا المواطن “زبيدة” لا يعود ليمارس حياة طبيعية أو شبه طبيعية مقابل الفيديو الذي أجبر عليه.. فهو خطر في نظر أجهزة الأمن، والله وحده يعلم حقيقة مصير هذا النوع من المواطنين الأبرياء، سنعرف ما مصير “زبيدة” وآلاف مثلها بعد أن ينتهي هذا العهد الأسود.
*
النوع الثالث: هو المواطن “أم زبيدة”
هذا النوع يواجه الظلم، خصوصا بعد أن لم يبق لديه ما يخسره..
ومصيره أيضا القتل أو السجن أو الإخفاء القسري الخ..
ملحوظة: اعتقلت أجهزة الأمن السيدة أم زبيدة في عام 2018م، وأخفتها قسريا، ثم وجهت لها التهم المكررة التي توجه لكل من يقول لا، ويبدو أن هذه القصة الحزينة لن تنتهي إلا بنهاية النظام الذي خطفها وخطف مصر كلها.
*
إذا قيل لك (ما موقفك من الحوار الوطني المزعوم الذي يروجون له هذه الأيام؟)، فأنت في الحقيقة لا تبدي رأيا، بل أنت تختار.. إما أن تكون من فصيلة “الثعبان الأقرع”، وإما أن تكون “زبيدة”، أو أن تكون “أم زبيدة” !
لا توجد نية حوار في مثل هذه الظروف، ولا توجد نية لأي مصالحة، وأحكام الإعدام ما زالت تتوالى (آخرها كان منذ عدة أيام)، والموضوع من أوله لآخره ليس أكثر من محاولة لكسب الوقت، لتمر موجة سياسية عالية، ولتجنب أزمة اقتصادية تكاد تزيل بيت العنكبوت.
سيجمعون كل هؤلاء في قاعة تم إعدادها جيدا.. لكي يقوموا بتصوير فيديو يعرض في التلفازات المحلية والدولية.. والكل تحت تهديد السلاح..
وسيظهر صدق ما أقوله قريبا جدا بإذن الله، بعد انكشاف هذه الغمة عن بلادنا، وما ذلك على الله بعزيز..
*
ملحوظة: سيتحدث البعض عن السياسة وضروراتها، وعن المتاح في ظل الظروف الحالية، وعن مكاسب قليلة يمكن تحقيقها، وعن المعتقلين وضرورة عمل أي شيء لإنقاذهم.. وكلامهم كله صحيح، وأنا لا أعترض عليه.. والحقيقة أن هذا الكلام لا يتناقض مع كلامي بتاتا..
كلام هؤلاء، ومشاركتهم التي يبررونها بتبريرات مختلفة، وعودة بعضهم للكتابة عن كل شيء وأي شيء إلا شأن الوطن، بل والاعتذار “للقارئ” عن كتابات سابقة، وعن الاهتمام بالشأن العام مع ادعاء أن ذلك حكمة ونضج، وعودة بعضهم إلى مصر لكي يثبت أنه مواطن صالح يستطيع أن يعيش ذليلا خائفا دون أدنى مشكلة.. كل ذلك يؤكد أن الوطن كله مُسخّر لعمل فيديو أو مجموعة فيديوهات في مناسبات مختلفة.. وأن هذه الفيديوهات جميعا يتم تصويرها تحت تهديد السلاح.. ولا أستبعد حين تنتهي الأزمة التي تضطر هذا النظام لتمثيلية الحوار، أن نراه يطلق النار على بعض هؤلاء الذين شاركوا في الحوار المزعوم !
ملحوظة: ليس في كلامي أي مزايدة على أي طرف، وأنا أعذر النوعين الثاني والثالث من المواطنين.. ولا أرى معنى للخلاف على المسألة.. لأننا جميعا بما في ذلك كاتب هذه السطور – بطريقة أو بأخرى – تحت تهديد السلاح !
موقع عربي 21
لقد أحضرت أجهزة الأمن المصرية البنت المختفية “زبيدة”، وأظهرتها في لقاء تلفزيوني مصور مع ذلك الثعبان الأقرع المدعو “عمرو أديب”، ونفت البنت المسكينة رواية أمها، وقالت أنها غادرت منزلها، وتركت عائلتها بمحض إرادتها – يا سبحان الله – وتزوجت، وأنجبت، كل ذلك دون أن تخطر أمها أو أي أحد من أفراد أسرتها، كل ذلك دون أن تذكر دافعا يدفعها لارتكاب هذا الفعل الشنيع، وهي البنت “الصعيدية” المحافظة !
ظهر في الحوار زوج مزعوم، وأيد كلامها في اللقاء الذي أجراه الثعبان الأقرع، (تبين بعد ذلك أن الزوج نفسه معتقل)، وهكذا قدمت أجهزة الأمن ردا مفحما على “الأكاذيب” التي يروجها الخونة !
لا عزاء للمنطق.. فهذه البنت “زبيدة” لها تاريخ ممتد في المسيرات المعارضة للانقلاب، هي وإخوتها، وأمها.. وهذا الاختفاء القسري لم يكن أول اعتقال لها، بل هي مناضلة سياسية، عرفت السجون والمعتقلات، وقبض عليها قبل ذلك عدة مرات، منذ عام 2014م.
لا عزاء للرجولة.. فهذه الأم بعد أن ظهرت في إحدى القنوات وتمسكت بروايتها، وفنّدت ما جاء في لقاء الثعبان الأقرع، وأظهرت تهافت الرواية.. اعتقلتها أجهزة الأمن، وأصبحت هي أيضا ضمن المختفين قسريا.. هكذا بمنتهى البساطة..
هذه خلاصة قصة “زبيدة”، و”أم زبيدة”.. أسأل الله أن يحفظهما، وأن ينتقم ممن ظلمهما..
*
سيظن القارئ الكريم أن هذه المقدمة تمهيد للحديث عن موضوع المطربة “آمال ماهر”، وأن الفيديو الذي ظهرت فيه المطربة وهي تنكر كل ما قيل عن اختفائها القسري، وتدعي أن سبب اختفاءها هو إصابتها بفيروس كورونا، وتهنئ الشعب المصري بذكرى ثورة “30يونيو”.. وأن فيديو المطربة يذكرنا بالفيديو الذي ظهرت فيه “زبيدة” وهي تنكر اختفاءها، وتدعي هروبها وزواجها، وتدعي أن لا علاقة لها بالسياسة.. والحقيقة أن هناك تشابها، فكلاهما فيديو تم تصويره تحت تهديد السلاح، مع استحالة المقارنة بين المناضلة “زبيدة” وتلك المطربة، فشتان بين من يدفع ثمن نضاله ضد الاستبداد، وبين من يدفع ثمن ركونه للمستبدين !
ولكنني لا أتحدث عن فيديو المطربة، بل سأتحدث في هذه المقالة عن فيديو آخر.. سأتحدث عن فيديو الحوار الوطني !
ولكي لا أطيل على القارئ الكريم أحب أن أوضح أن الناس في مصر ثلاثة أنواع..
النوع الأول: هو المواطن “الثعبان الأقرع”..
وهذا النوع ليس شخصا بعينه، إنه مهنة، وظيفة، بإمكان أي شخص أن يكون ثعبانا أقرعا في أي مكان، مهندسا كان أو طبيبا أو سائق توك توك أو عاطلا..
هذا النوع يبيع أمه وأباه، يترزق بأرضه وعرضه، يأكل مال النبي والصحابة والتابعين والأولياء دون أن يرمش له جفن.. بإمكانك أن تنظر لوجه هذا الـ”عمرو أديب” فترى كل معاني الانحطاط داخل بدلة “سينيه”، معلق فيها ميكروفون يمطر الأمة ببذاءات من الكذب المصفى، ويتطاول على كل قيمة نزيهة، وكل شخصية محترمة، ولا يعنيه قتل وتشريد الملايين، وبيع ثروات الوطن لأعداء الوطن بأبخس الأسعار، طالما ينعم هو مقابل ذلك العمل الوضيع بملايين الدولارات سنويا.
*
النوع الثاني: هو المواطن “زبيدة”
ضيف في لقاء تلفزيوني، يجلس أمام الكاميرا تحت تهديد السلاح، بعد أن ذاق ويلات التعذيب، ليروي مجبرا قصة يعرف القاصي والداني كذبها، ويتظاهر بالرضى والحبور، والفرحة والسرور.
بل إن هذا المواطن.. يقول بملء فيه أنه مختار، وأنه حر، وأن كل ما يقال عن إجباره على تصوير هذا الفيديو كذب محض !
وبعد أن ينهي اللقاء يعود للاختفاء مرة أخرى، أي أن هذا المواطن “زبيدة” لا يعود ليمارس حياة طبيعية أو شبه طبيعية مقابل الفيديو الذي أجبر عليه.. فهو خطر في نظر أجهزة الأمن، والله وحده يعلم حقيقة مصير هذا النوع من المواطنين الأبرياء، سنعرف ما مصير “زبيدة” وآلاف مثلها بعد أن ينتهي هذا العهد الأسود.
*
النوع الثالث: هو المواطن “أم زبيدة”
هذا النوع يواجه الظلم، خصوصا بعد أن لم يبق لديه ما يخسره..
ومصيره أيضا القتل أو السجن أو الإخفاء القسري الخ..
ملحوظة: اعتقلت أجهزة الأمن السيدة أم زبيدة في عام 2018م، وأخفتها قسريا، ثم وجهت لها التهم المكررة التي توجه لكل من يقول لا، ويبدو أن هذه القصة الحزينة لن تنتهي إلا بنهاية النظام الذي خطفها وخطف مصر كلها.
*
إذا قيل لك (ما موقفك من الحوار الوطني المزعوم الذي يروجون له هذه الأيام؟)، فأنت في الحقيقة لا تبدي رأيا، بل أنت تختار.. إما أن تكون من فصيلة “الثعبان الأقرع”، وإما أن تكون “زبيدة”، أو أن تكون “أم زبيدة” !
لا توجد نية حوار في مثل هذه الظروف، ولا توجد نية لأي مصالحة، وأحكام الإعدام ما زالت تتوالى (آخرها كان منذ عدة أيام)، والموضوع من أوله لآخره ليس أكثر من محاولة لكسب الوقت، لتمر موجة سياسية عالية، ولتجنب أزمة اقتصادية تكاد تزيل بيت العنكبوت.
سيجمعون كل هؤلاء في قاعة تم إعدادها جيدا.. لكي يقوموا بتصوير فيديو يعرض في التلفازات المحلية والدولية.. والكل تحت تهديد السلاح..
وسيظهر صدق ما أقوله قريبا جدا بإذن الله، بعد انكشاف هذه الغمة عن بلادنا، وما ذلك على الله بعزيز..
*
ملحوظة: سيتحدث البعض عن السياسة وضروراتها، وعن المتاح في ظل الظروف الحالية، وعن مكاسب قليلة يمكن تحقيقها، وعن المعتقلين وضرورة عمل أي شيء لإنقاذهم.. وكلامهم كله صحيح، وأنا لا أعترض عليه.. والحقيقة أن هذا الكلام لا يتناقض مع كلامي بتاتا..
كلام هؤلاء، ومشاركتهم التي يبررونها بتبريرات مختلفة، وعودة بعضهم للكتابة عن كل شيء وأي شيء إلا شأن الوطن، بل والاعتذار “للقارئ” عن كتابات سابقة، وعن الاهتمام بالشأن العام مع ادعاء أن ذلك حكمة ونضج، وعودة بعضهم إلى مصر لكي يثبت أنه مواطن صالح يستطيع أن يعيش ذليلا خائفا دون أدنى مشكلة.. كل ذلك يؤكد أن الوطن كله مُسخّر لعمل فيديو أو مجموعة فيديوهات في مناسبات مختلفة.. وأن هذه الفيديوهات جميعا يتم تصويرها تحت تهديد السلاح.. ولا أستبعد حين تنتهي الأزمة التي تضطر هذا النظام لتمثيلية الحوار، أن نراه يطلق النار على بعض هؤلاء الذين شاركوا في الحوار المزعوم !
ملحوظة: ليس في كلامي أي مزايدة على أي طرف، وأنا أعذر النوعين الثاني والثالث من المواطنين.. ولا أرى معنى للخلاف على المسألة.. لأننا جميعا بما في ذلك كاتب هذه السطور – بطريقة أو بأخرى – تحت تهديد السلاح !
موقع عربي 21