يا سادة يا كرام يا من تسبّحون بحمد من لا يغفل ولا ينام لا شك انكم تتذكرون أغنية وطنية سورية عن معركة ميسلون، ولأن البعض قد يغفل وينسى فقد فابريل يذكرنا بها في عيد الجلاء كل عام في يوم الاستقلال الوطني السوري عن الاستعمار الفرنسي في السابع عشر من أبريل (نيسان) عام 1946.ويبدو ان ذلك الاستعمار صار يبدو لطيفا وربما مقبلا في اذهان البعض حين يقارنونه بالاستعمار الاسدي المحلي الذي اعدم في مجزرة كيماوية واحدة اضعاف ما قتله الاحتلال الفرنسي من السوريين في ربع قرن ونيف .
وحين تذكر ميسلون بذلك الصوت الساحر والعميق لدلال الشمالي:
كم لنا من ميسلون نفضت.. عن جناحيها غبار التعب فلا بد أن يذهب الصوت وسامعوه إلى مقبرة بسيطة على بوابات دمشق تضم رفات اول وزير دفاع سوري يستشهد في سبيل الوطن ولا يحول الأوطان إلى مزارع يحلبها ويبيعها، وحين يأتي أوان الدفاع عنها يكون أول الهاربين وآخر من يخرج من المختبئين.
وقصة استشهاد يوسف العظمة يجب أن نتذكرها يومياً، لا كلّ عام مرة كما يحدث هذه الأيام، ففي استشهاد ذلك الرجل في معركة محسومة سلفاً ومعروفة نتائجها عبرة تفيد هؤلاء الذين خرموا آذاننا بتحليلاتهم وفذلكاتهم، عن قوة العدو ومؤيديه، وعن موازين القوى التي ليست في صالحنا.
ولم تكن تلك الموازين في صالح يوسف العظمة، الذي خرج لمواجهة الجيش الفرنسي على بوابات دمشق ببضع بنادق وأقل من مائة عسكري، وكان المتفذلكون، وهم موجودون في كل الأزمنة والأمكنة، قد قرأوا على مسامعه حكاية موازين القوى وطلبوا منه أن يسكت ويستسلم ويحافظ على روحه وأرواح من معه، فقال لهم تلك العبارة التي لا تزال ترنّ وسترنّ في أسماع الدهر إلى أبد الآبدين: «لأن نموت خير من أن يقول التاريخ دخل الغزاة الفرنسيون دمشق دون مقاومة».
واستشهد البطل ومعه رفاقه وجاء الجنرال غورو بعد اللنبي ليقول لقاهر الصليبيين الرابض قرب الجامع الأموي والمكتبة الظاهرية: «ها قد عدنا يا صلاح الدين».
وعادوا إلى حين، لكن الروح المقاومة التي بثها استشهاد يوسف العظمة وابطال ميسلون، سرت كالنار في الهشيم، وقام الجيل الثاني من المجاهدين كإبراهيم هنانو وصالح العلي وسلطان باشا الأطرش وحسن الخراط وهم يمثلون مختلف الطوائف والمناطق، قاموا بطرد الفرنسيين رغم أن ميزان القوى ظلّ في صالحهم على الدوام، لكن المعادلات السياسية تغيرت تغيراً جذرياً لصالح الذين يحملون نفحات من روح يوسف وصلاح الدين.
وحين خرج المستعمر السهل الواضح، جاء المستعمر الأصعب، الذي حاول شرحه وتبسيطه المبصر اليمني الأكبر عبد الله البردوني:
غريب أمر ما يجري وأغرب منه ان تدري وهل تدرين يا صنعا من المستعمر السري؟
وصنعاء هي معظم العواصم العربية، التي أفاقت على شكل جديد من أشكال مصادرة السيادة يتمثل في احتكار القرار الاقتصادي، والاستراتيجي، والإيحاء لشعوب المنطقة وحكامها بأن مركز صنع القرار ليس في بلادهم وأن عليهم أن يكتفوا بدور الوكيل المحلي مثل مندوبي الشركات الكبرى.
وهذا الكلام غير صحيح، فهم قادرون على اتخاذ القرار، وقادرون على المقاومة، وقادرون على رفض سياسة الأمر الواقع، لكن عباقرة «موازين القوى» لهم بالمرصاد في كل مكان، وهم يحللون لهم الجبن والكافيار ويحرمون عليهم الوضوء بلمعان السيوف كما فعل يوسف العظمة ورفاقه الذين لم يوقفوا الدبابات الفرنسية ولا اسكتوا مدافع غورو، لكنهم صنعوا ما هو أهم من ذلك بتكريس مبدأ المقاومة مهما كانت الظروف ومهما كان شكل موازين القوى ٫ وذلك التكريس لمبدأ مقاومة المحتل الواجبة سواء كان محتلا اجنبيا كما في الماضي او محتلا محليا كما في الحاضر حيث اثبتت العصابة الاسدية خلال اكثر من نصف قرن انها أخطر من اي احتلال وتتفوق في المجازر على اسرائيل التي تدعي زورا وبهتانا مقاومتها ، وهذا النوع من المقاومة الانسانية من اجل الكرامة والحرية يختلف شكلا ومضمونا عن تجارة المقاومة والممانعة التي طورتها ايران وسماسرة العصابة الاسدية للتضليل
ويا أيها الواقعيون الافتراضيون لقد شبعنا واقعية لم تجلب لنا غير الذل والخراب «فنقّطونا بسكاتكم مأجورين»، ففي الأفق جيل جديد يحنّ إلى مثالية وشجاعة يوسف العظمة، ويعتقد أن العين تستطيع أن تقاوم المخرز وتنتصر عليه، ولا يريدون للتاريخ أن يسجل استسلام أمة عظيمة انصياعاً لرغبات السماسرة والمنتفعين، واستجابة للشعارات الباهتة والتحليلات البائسة لفلاسفة موازين القوى وغيرهم، من المتفذلكين ممن أساءوا بجبنهم، وتحريفاتهم للواقعية والواقعيين، ونسوا أن الحق قوة عظمى تنتصر دائماً.. ولو
بعد حين.
-------------
قبل عامين مرت الذكر» المئوية لمعركة ميسلون في 24 من تموز عام 2020 ويتذكرها الشعب السوري سنويا في عيد الاسنقلال
بعد حين.
-------------
قبل عامين مرت الذكر» المئوية لمعركة ميسلون في 24 من تموز عام 2020 ويتذكرها الشعب السوري سنويا في عيد الاسنقلال