نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


في المئوية العراقية : ماذا نقرأ ؟ ولمن نقرأ ؟




مرّت مئوية تأسيس الدولة العراقية قبل بضعة شهور مثل لصّ يتخفّى في الظلام . نشرت وزارة الثقافة العراقية بعضاً من الكتب المكتوبة على عجالة تناول فيها مؤلفوها بعض جوانب الثقافة العراقية من أدب ورواية وفلسفة وسياسة وقانون ؛ لكنّ الكتابة جاءت باردة شبيهة بأطروحات أكاديمية ناقصة . لم تكن هذه الكتابات لتزيد عن كونها إسقاط عبء مئوية التأسيس عن كاهل كارهين لفلسفة التأسيس ذاتها . عامت الكتابات في مياه السواحل الضحلة ولم تغامر في اختراق الدوامات العميقة . أما الاحتفاليات الحكومية الخجولة بهذه المئوية فكانت استطراداً لفلكلوريات مجتمعية ساذجة .


 
لاخير يرتجى من الفعاليات الحكومية الرسمية ؛ لكن ماذا بشأن الفرد العراقي ؟ أفضلُ مايمكن أن يفعله العراقي المهجوس بالمعضلة العراقية هو قراءة رصينة لتأريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها الرسمي كمملكة عام 1921 حتى أيامنا البائسة هذه . لكن ماذا يقرأ ؟ ولمن يقرأ ؟
عجيبٌ أمر العراق ! نشأ كدولة لها علم وجيش ودستور متقدم ونظام تعليمي وصحي واعد أيام لم تكن الهند أو الباكستان أو الكثير من الدول العربية أو الافريقية والاسيوية دولاً مستقلة . كانت بدايات العراق تشي بإمكانية خلق دولة محورية تتبنى نمطاً مقبولاً من ليبرالية يمكن تطويرها بثبات ، ولم أكن مغالية عندما كتبتُ في مقالة سابقة لي أنّ العراق كان ممكناً له أن يكون ( ياباناً في الشرق الأوسط ) ؛ لكنّ ماحصل لاحقاً كان خيبة أمل كبرى وضياعاً لعقود عديدة من فرص التنمية السياسية والاقتصادية . هذه تفاصيل يمكن أن نقرأها في كتب رصينة مكتوبة بعقل هادئ وليس في كتب تتناول جوانب محدّدة تراقِصُ فيها بعض العواطف الفائضة وغير المعقلنة لشرائح كبيرة من العراقيين . لسنا في حاجة إلى تكرار مرويات شعبوية عن ( دهاء نوري السعيد ) أو ( سفرطاس الزعيم ) أو ( طيبة عبد الرحمن عارف ) ،،،، إلخ . يجب تحديد الأوصاف بمواصفاتها المحدّدة في سياقاتها من غير فيوض عاطفية .
قليلةٌ هي الكتب التي تتناول جوانب محدّدة من تأريخ الدولة العراقية برصانة أكاديمية مشهودة . يكتب بعض العراقيين عن العراق وكأنه ( متجر أو بقالة أو علوة خضار ) تسوده الترتيبات السياسية وكأننا في سرادق محفل عشائري واسع . ينبؤنا واقع الحال أنّ كتاب حنا بطاطو الموسوم ( العراق : الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية ) لم يزل منذ نشره عام 1978 كتاباً معيارياً لتناول تأريخ الدولة العراقية ؛ لكنّ أرجحيته تكمن في كونه مترجماً إلى العربية . توجد العديد من الكتب الممتازة المكتوبة عن العراق باللغة الانكليزية ، منها مثلاً الكتب التالية : بريطانيا في العراق : صناعة ملك ودولة ، لمؤلفه بيتر سلوغليت ، والذي أصدرته المدى مترجماً هذه السنة ، وأيضاً كُتُب تشارلس تريب ، و توبي دوج .
لابدّ هنا من الإشارة إلى الجهود الطيبة التي يبذلها الدكتور سيار الجميل في تأسيس مدرسة عراقية في الكتابة التأريخية الرصينة ، وليس هذا بالغريب عليه ؛ فهو أحد التلاميذ الخُلّص للبروفسور ألبرت حوراني ، المؤرخ الأكثر رصانة لتأريخ الشعوب العربية ومنطقة الشرق الأوسط ، ومؤلف الكتابين ذائعي الصيت ( تأريخ الشعوب العربية ) و ( الفكر العربي في العصر الليبرالي ) ، والكتابان مترجمان إلى العربية لمن يحبّ قراءتهما بهذه اللغة .
الدكتور الجميل أنشط مؤرخ عراقي معاصر ، لايتردّد في فتح مغاليق الخفايا الاشكالية في الموضوعات التأريخية . عندما تقرأ له كتاب ( بقايا هيكل ) المنشور عام 2008 ستعرف الكثير عن ألاعيب البروباغاندا ومراكز القوى ومايمكن أن تفعله الكراهية المسبقة في تمرير الأحداث التأريخية في عنق زجاجة ضيقة ، ومن ثم جعل الأمور تبدو وكأنها حقائق مطلقة . إنها لعبة لغة ومناورات تعلي الشأن الشخصي على حساب القيمة التأريخية والنزاهة الفردية .
كثيرةٌ هي الكتب الرصينة التي نشرها الدكتور الجميل ( تُعدّ بالعشرات ) ، وكلها تستحقّ قراءة متفحصة لأنها نتاج عقل هادئ بعيد عن الشعبويات الزاعقة صفرية القيمة . قرأت من كتبه : تكوين العرب الحديث ، إنتلجنسيا العراق : دراسة في النخب العراقية المثقفة الحديثة ، زعماء وأفندية ، وأرى أنّ كتابه الأخير المنشور حديثاً ( الملك فيصل الأول : أدواره التأريخية ومشروعاته النهضوية ) مساهمة رائعة من جانب الدكتور الجميل في إثراء فكر المئوية العراقية بعمل ينصفُ ملكاً مظلوماً ويكشف عن جهوده الفذة في إرساء دعائم دولة وسط ظروف مشتبكة ومعقدة .
كُتُبُ الدكتور الجميل – وكذلك كتاباته في موقعه الالكتروني – تستحقّ قراءة دقيقة وتفكّراً كبيراً ، ومن يقرؤها سيخرج بحصيلة ثرية من الأفكار التي تستحثّ إعادة النظر في تأريخنا العراقي المثقل بالتباسات كثيرة وقراءات متحيزة .
------------
صحيفة المدى ، بغداد 9 يناير / كانون الثاني 2022 ،

لطفية الدليمي
الاثنين 10 يناير 2022