.
فلماذا، والحال هذه، لا يقع اختيار فورد وكول محمدوف على... علي عقلة عرسان، رئيس اتحاد الكتّاب العرب طيلة 28 سنة متعاقبة متصلة، وعضو اللجنة المركزية لحزب البعث، والمسرحي، والروائي، والشاعر، والمفكر، والمعلق السياسي...؟ هل في وسع أحد أن يرى على يديه آثار دماء السوريين، وبالتالي ألا يندرج مباشرة في التصنيف السحري: 'مَنْ لم تتلطخ يداه بدماء السوريين'؟ ألا يقرأ المرء مقالاته عن 'الأزمة' في سورية، فلا يعثر فيها إلا على ندب ونواح وبكاء وعويل، ولافتات مسرحية بالمعنى الميلودرامي الأردأ: 'إن المقابر تتضخَّم والبيوت تتقزَّم'، أو 'إن الأنام في سورية عادوا إلى الخيام'، أو 'إن الأكاذيب تنتصر والحقائق تنهزم'؟ ألا تبدو مذمّته للمعارضة (مثل قوله: 'الكلّ شركاء في الدم والإثم والفتك والإنهاك، وتغييب العقل وإماتة الضمير وما يغشى البصيرة ويعشيها'، أو 'هناك من يضحون بالشعب والوطن من أجل ذواتهم وعنترياتهم') صالحة للاستعمال ضدّ النظام ذاته، إذا راودت الرجل فكرة 'الانشقاق' في أيّ يوم؟
فإذا قورن مندوب النظام الثقافي إلى الحوار مع الائتلاف، مع أي مندوب أمني أو عسكري أو سياسي، أو حتى اقتصادي؛ فإنّ عرسان لن يبدو أهون الشرور، فحسب؛ بل لعلّ الائتلاف سوف يجد فيه نِعْمَ المحاوِر، أو أفضلهم طرّاً! كيف لا، وهو ـ منذ سنتين، حين انطلقت الانتفاضة من حوران، مسقط رأسه ـ يديم إمساك العصا من منتصفها تماماً: يواصل امتداح 'السيد الرئيس'، صاحب 'المبادرات الإصلاحية'، و'حامل إرادة الخير'؛ ويرمي الآخرين، أجمعين، بسهام التآمر على 'سورية الجميلة'، دون ان نستبين الفارق في هذا بين سلطة أو معارضة: 'لكنني أريد أن أؤكد على أن من يملك النية الحسنة والحرص الحقيقي على البلد والشعب لا يمكن أن يقتل الشعب ويدمر البلد ويشرد الناس ويفقرهم ويستعدي على أهله وبلده الأعداء لكي يحقق انتصاراً لذاته على حساب بلده وأمته وذاته'. وما خلا 'السيد الرئيس'، المستثنى دائماً عند عرسان، ألا يبدو هذا الكلام وكأنه يشمل النظام أوّلاً، أو يضعه والمعارضة في سلّة مسؤولية واحدة؟
هذا النموذج 'الثقافي' لشخصيات النظام، التي يمكن أن يقبلها الائتلاف، هو أيضاً ذروة الكارثة في استيهام كسيح وعاجز ومؤود في المهد، يريده كيري ولافروف أن يتخذ صفة 'الحوار' مع النظام، لترتيب المرحلة الانتقالية. يداه ليستا ملطختين بدماء السوريين، هذه فهمناها، إذْ ليس متاحاً لجميع أهل النظام أن يسفكوا الدماء، حتى إذا ساورت بعضهم شهوة كهذه.
ولكن ما الذي يتبقى له، وهو محض مثال طبعاً، غير هذه 'الفضيلة'، التي لاكتها الألسن وتداولتها الأقلام حتى صارت لصاقة رثة مهترئة؟ يتبقى له أنه ظلّ، طيلة 28 سنة، رأس حربة النظام في الرقابة على مصنّفات الأدب السوري المعاصر، والتنكيل بالأدباء بعد تصنيفهم في خانة المارقين العصاة المنشقين عن خطّ الاتحاد/خطّ السلطة.
وعلى نحو محدد، يتبقى له اضطهاد الروائي السوري الكبير الراحل هاني الراهب، لأنّ الأخير ـ في واقعة تعود إلى العام 1985، أثناء مؤتمر اتحاد الكتّاب ـ أغلظ القول للمكتب التنفيذي المنتخَب، واعتبرهم رجال أمن لا أدب. بعد أيّام معدودات اعتُقل الراهب في مطار دمشق وهو في طريقه إلى اليمن حيث كان يعمل مدرّساً بالإعارة، وسُحب جواز سفره، كما فُصل على الفور من وظيفته كأستاذ للأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، وخُيّر بين التقاعد المبكّر أو تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الثانوية (هو الحائز على الدكتوراه في الأدب الإنكليزي، عن أطروحة متميّزة تناولت الشخصية الصهيونية في الرواية الإنكليزية). وهكذا، اضطرّ الراحل إلى الاستقالة، ومغادرة سورية للتدريس في جامعة الكويت.
وإذا جاز القول إنّ هذه المساجلة افتراضية، في الجوهر، إذْ قد يخطر على بال فورد وكول محمدوف ترشيح ضابط مخابرات لتمثيل قطاع النظام الثقافي (وذاك سوف يكون خياراً 'واقعياً'، بالفعل!)؛ جاز، في المقابل، التشديد على أن عناصر الافتراض إنما تنبثق من الواقع، وعليه تتكيء أيضاً؛ حتى إذا لاح أنه واقع إلى الخيال أقرب!
فلماذا، والحال هذه، لا يقع اختيار فورد وكول محمدوف على... علي عقلة عرسان، رئيس اتحاد الكتّاب العرب طيلة 28 سنة متعاقبة متصلة، وعضو اللجنة المركزية لحزب البعث، والمسرحي، والروائي، والشاعر، والمفكر، والمعلق السياسي...؟ هل في وسع أحد أن يرى على يديه آثار دماء السوريين، وبالتالي ألا يندرج مباشرة في التصنيف السحري: 'مَنْ لم تتلطخ يداه بدماء السوريين'؟ ألا يقرأ المرء مقالاته عن 'الأزمة' في سورية، فلا يعثر فيها إلا على ندب ونواح وبكاء وعويل، ولافتات مسرحية بالمعنى الميلودرامي الأردأ: 'إن المقابر تتضخَّم والبيوت تتقزَّم'، أو 'إن الأنام في سورية عادوا إلى الخيام'، أو 'إن الأكاذيب تنتصر والحقائق تنهزم'؟ ألا تبدو مذمّته للمعارضة (مثل قوله: 'الكلّ شركاء في الدم والإثم والفتك والإنهاك، وتغييب العقل وإماتة الضمير وما يغشى البصيرة ويعشيها'، أو 'هناك من يضحون بالشعب والوطن من أجل ذواتهم وعنترياتهم') صالحة للاستعمال ضدّ النظام ذاته، إذا راودت الرجل فكرة 'الانشقاق' في أيّ يوم؟
فإذا قورن مندوب النظام الثقافي إلى الحوار مع الائتلاف، مع أي مندوب أمني أو عسكري أو سياسي، أو حتى اقتصادي؛ فإنّ عرسان لن يبدو أهون الشرور، فحسب؛ بل لعلّ الائتلاف سوف يجد فيه نِعْمَ المحاوِر، أو أفضلهم طرّاً! كيف لا، وهو ـ منذ سنتين، حين انطلقت الانتفاضة من حوران، مسقط رأسه ـ يديم إمساك العصا من منتصفها تماماً: يواصل امتداح 'السيد الرئيس'، صاحب 'المبادرات الإصلاحية'، و'حامل إرادة الخير'؛ ويرمي الآخرين، أجمعين، بسهام التآمر على 'سورية الجميلة'، دون ان نستبين الفارق في هذا بين سلطة أو معارضة: 'لكنني أريد أن أؤكد على أن من يملك النية الحسنة والحرص الحقيقي على البلد والشعب لا يمكن أن يقتل الشعب ويدمر البلد ويشرد الناس ويفقرهم ويستعدي على أهله وبلده الأعداء لكي يحقق انتصاراً لذاته على حساب بلده وأمته وذاته'. وما خلا 'السيد الرئيس'، المستثنى دائماً عند عرسان، ألا يبدو هذا الكلام وكأنه يشمل النظام أوّلاً، أو يضعه والمعارضة في سلّة مسؤولية واحدة؟
هذا النموذج 'الثقافي' لشخصيات النظام، التي يمكن أن يقبلها الائتلاف، هو أيضاً ذروة الكارثة في استيهام كسيح وعاجز ومؤود في المهد، يريده كيري ولافروف أن يتخذ صفة 'الحوار' مع النظام، لترتيب المرحلة الانتقالية. يداه ليستا ملطختين بدماء السوريين، هذه فهمناها، إذْ ليس متاحاً لجميع أهل النظام أن يسفكوا الدماء، حتى إذا ساورت بعضهم شهوة كهذه.
ولكن ما الذي يتبقى له، وهو محض مثال طبعاً، غير هذه 'الفضيلة'، التي لاكتها الألسن وتداولتها الأقلام حتى صارت لصاقة رثة مهترئة؟ يتبقى له أنه ظلّ، طيلة 28 سنة، رأس حربة النظام في الرقابة على مصنّفات الأدب السوري المعاصر، والتنكيل بالأدباء بعد تصنيفهم في خانة المارقين العصاة المنشقين عن خطّ الاتحاد/خطّ السلطة.
وعلى نحو محدد، يتبقى له اضطهاد الروائي السوري الكبير الراحل هاني الراهب، لأنّ الأخير ـ في واقعة تعود إلى العام 1985، أثناء مؤتمر اتحاد الكتّاب ـ أغلظ القول للمكتب التنفيذي المنتخَب، واعتبرهم رجال أمن لا أدب. بعد أيّام معدودات اعتُقل الراهب في مطار دمشق وهو في طريقه إلى اليمن حيث كان يعمل مدرّساً بالإعارة، وسُحب جواز سفره، كما فُصل على الفور من وظيفته كأستاذ للأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، وخُيّر بين التقاعد المبكّر أو تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الثانوية (هو الحائز على الدكتوراه في الأدب الإنكليزي، عن أطروحة متميّزة تناولت الشخصية الصهيونية في الرواية الإنكليزية). وهكذا، اضطرّ الراحل إلى الاستقالة، ومغادرة سورية للتدريس في جامعة الكويت.
وإذا جاز القول إنّ هذه المساجلة افتراضية، في الجوهر، إذْ قد يخطر على بال فورد وكول محمدوف ترشيح ضابط مخابرات لتمثيل قطاع النظام الثقافي (وذاك سوف يكون خياراً 'واقعياً'، بالفعل!)؛ جاز، في المقابل، التشديد على أن عناصر الافتراض إنما تنبثق من الواقع، وعليه تتكيء أيضاً؛ حتى إذا لاح أنه واقع إلى الخيال أقرب!