نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

30/10/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

المعارضات السورية... فالج لا تعالج

30/10/2024 - علي العبدالله

إيران وتجرّع كأس السم

30/10/2024 - هدى الحسيني

كيف صارت إيران الحلقة الأضعف؟

23/10/2024 - مروان قبلان

الأسد والقفز بين القوارب

20/10/2024 - صبا مدور

هل ستطول الحرب الإسرائيلية نظام الأسد؟

20/10/2024 - العقيد عبد الجبار عكيدي


غيوم على الربيع التونسي




بدأت تجارب الربيع العربي في تونس، ثم امتدت لكثير من أرجاء العالم العربي، والملاحظ أنه حيث كانت تجارب الربيع العربي فإن كثيرا من الغيوم والعقبات قد صادفتها بقدر قل أو كثر. وقد تكون التجربة التونسية أقل التجارب غيوما، ولكنها مع ذلك لم تسلم من هذه الغيوم.


وقد بدأت التجربة التونسية بداية أكثر توفيقا من غيرها، وقد يرجع ذلك إلى عوامل متعددة، منها أن نسبة التعليم في ذلك القطر من أقطار العروبة ترتفع كما ونوعا عن غيرها، مما جعل الوعي بالتطورات العالمية أكثر نضجا. ومن العوامل المهمة أيضا أنه كان يوجد في تونس تنظيم نقابي قوي (اتحادات الشغل)، وكان ذلك التنظيم متأثرا بالتنظيمات النقابية في أوروبا، وخصوصا فرنسا التي تركت بصمات كثيرة على تونس.
لا أتحدث مع تونسي إلا ولاحظت أنه يستعمل مفردات فرنسية كثيرة في حديثه. ومن النوادر التي نرددها نحن أهل الشرق على التوانسة، أنهم إذا التقى أحدهم صديقا أو قريبا جرى الحوار كالآتي: أبوك سافا Ca va أمك سافاCa va أي: كيف حال أبيك؟ كيف حال أمك؟ هكذا هجنت اللهجة التونسية بكثير من المفردات الفرنسية، بل إن التعليم العالي كان حتى وقت قريب كله يقوم على اللغة الفرنسية.
المهم أن مستوى التعليم ومستوى الاتصال بأوروبا والتأثر بها كان في تونس أكثر منه في أي بلد عربي آخر. يضاف إلى ذلك كله الهروب السريع لزين العابدين بن علي هو وأفراد أسرته.
هذه بعض العوامل التي ساعدت على بداية نجاح التجربة التونسية.
وإلى جوار هذه العوامل المساعدة فهناك عوامل أصلية لعل أهمها أمران: وجود حركة قوية منظمة وعلى رأسها قائد مستنير هي حركة النهضة وقائدها راشد الغنوشي الذي سعدت بلقائه أكثر من مرة في أكثر من مناسبة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى انتخاب رئيس للجمهورية يمثل اليسار المعتدل المتفهم للأوضاع العربية تفهما جيدا. ولم يشأ الفريقان أن يستحوذا على كل الحياة السياسية وإنما ائتلف حزب النهضة مع حزبين آخرين وتألفت الحكومة من الأحزاب الثلاثة (ترويكا) وجرت انتخابات لمجلس تأسيسي على رأس مهماته وضع دستور جديد لتونس. وحصل حزب النهضة على نسبة عالية من أعضاء هذا المجلس ومع ذلك لم يشأ أن يستأثر بالسلطة ولا أن يقصي الأطياف الأخرى عنها كما حدث في بعض التجارب الأخرى.
وكان الاتجاه إلى ضرورة وضع دستور بواسطة مجلس منتخب اتجاها سليما ومنطقيا على اعتبار أن الدستور هو الذي يحدد سلطات الدولة وعلاقاتها ببعضها وعلاقاتها بالمواطنين، كما يحدد حقوق المواطنين وواجباتهم. باختصار يحدد الدستور هوية الدولة ونظام الحكم فيها وكيفية سيره.
وكان ذلك كله مبشرا بالخير، وكنت واحدا من الذين اعتبروا أن التجربة التونسية هي مثل يحتذى به في كل تجارب الربيع العربي.
ولكن مع ذلك كله فإن الربيع العربي في تونس لم يسلم من بعض الغيوم. وقد جاءت هذه الغيوم من بؤر يسودها نوع من الفكر المتخلف يتمسح بالدين، والدين منها براء. وقد تمثلت هذه الغيوم في إعلان جماعة من هذه الجماعات في بداية الثورة في منطقة نائية من إقليم الدولة إنشاء إمارة إسلامية!!
وحاولت السلطات في العاصمة أن تتغلب على هذا الأمر بالتفاهم والحوار ولكن لأن هذه العقليات الظلامية لا تؤمن بالحوار ولا تحسنه وتعتقد اعتقادا راسخا أنها وحدها على حق وأن الآخرين جميعا على ضلال، فإن الحوار لم يجد معها واستعملت سلطات العاصمة حقها المشروع في قمع هذا التمرد غير القانوني.
ولم تقتصر الغيوم على ذلك فقط، بل إن خلافات «آيديولوجية» بدأت تطل برأسها، فعلى الرغم من أن حزب النهضة الذي يقوم على أساس إسلامي مستنير إلى أبعد المدى يؤمن إيمانا حقيقيا بالدولة المدنية (دولة كل المواطنين) بل إنه فكر إسلامي لا يرفض العلمانية ويرى أن الإسلام الحقيقي يحض على العلم، ومن ثم لا يمكن أن ينكر العلمانية، فإن بعض الخلافات بدأت تظهر بين توجهات المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية اليساري وبين الحزب ذي المرجعية الإسلامية على نحو ما بينا.
ولكن هذه الخلافات كانت تحل بطريق حضاري يقوم على أساس الحوار وعلى ضرورة التوافق في هذه المرحلة من أجل إكمال طريق الثورة التونسية.
ساعد على ذلك أن الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة والدكتور المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية قد عاشا فترات طويلة في المنفى في بعض البلدان الأوروبية، وخصوصا فرنسا، وقامت بينهما علاقات إنسانية وتفاهمات سياسية وإرادة مشتركة في إنقاذ تونس مما كانت فيه من فساد واستبداد. وساعد ذلك كله على السير في الطريق خطوات غير يسيرة.
وقد تملكتني الدهشة عندما سمعت مؤخرا أن سحابة أخرى قد ألمت بسماء تونس وعكرت ربيعها. سمعت أن هناك خلافات بين أنصار مذهب الإمام مالك (وهو المذهب الغالب في الشمال الأفريقي) وبين أنصار المذاهب الإسلامية الأخرى.
وأقول أصابتني الدهشة لأن هذه المذاهب الفقهية جميعا ترتد إلى أصل واحد وأنها اجتهادات لأشخاص يجوز في حقهم الخطأ والصواب. ولم يقل أحد منهم إنه بلغ الحقيقة كلها دون غيره.
هم اجتهدوا رأيهم ومن جاء للأمة برأي خير منه فللأمة أن ترتضيه. كلها اجتهادات بشرية من أجل تحقيق مصالح البشر في معاملاتهم المدنية والتجارية وفي شؤون الأحوال الشخصية. وفي هذا الأمر (الأحوال الشخصية) فإن تونس كان لديها «مسطرة» أحوال شخصية «قانون أحوال شخصية منذ أيام بورقيبة» أكثر تقدما من غيرها من البلدان العربية.
تقديري أن كل هذه الغيوم ستبددها الإرادة الشعبية في التغيير وستعبر تونس نحو الديمقراطية رغم كل الصعاب لأن هناك تصميما لدى الذين يتولون الأمور على بلوغ هذا الهدف. هدف الدولة المدنية الديمقراطية. والله الموفق.

يحيى الجمل
الخميس 13 سبتمبر 2012