نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


«عيدية» أحمد معاذ الخطيب… لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً!





في ختام مبادرة حوار جديدة، شاء هذه المرّة أن يطلق عليها صفة «عيدية» إلى الشعب السوري، بمناسبة الفطر وانقضاء شهر رمضان؛ توجه أحمد معاذ الخطيب الحسني، الرئيس الأسبق لـ»الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، بمناشدة إلى النظام السوري كي «يرسل أحد ذو صلاحية»، والخطأ اللغوي من الشيخ، الذي كان يتحدّث بمزيج من الفصحى والعامية. وهذا الـ»أحد»، إذا جاء، فسيلاقي «مجموعة من خيرة القيادات السورية، مستعدة أن تتفاوض مع النظام من أجل وطن حر وكريم»؛ وهي «لا تبحث عن منصب ولا موقع»، وغايتها «أن نتناقش في هذا الموضوع، قبل أن تقتلنا المشاريع الإقليمية والدولية»…


 قبل هذه الخاتمة، كان نصّ «العيدية» قد اتخذ صفة المبادرة بالفعل، حتى إذا عفّ الشيخ عن تسميتها هكذا؛ قائمة على خمسة مطالب، تحمل نبرة المناشدة العاطفية، يتساوى النظام مع الشعب السوري (بعد أن اخرج الخطيب «المعارضة المرتهنة» من المعادلة) في تحمّل مسؤولية الاضطلاع بها: 1) الحيلولة دون تقسيم سوريا ؛ 2) استقلال القرار السياسي السوري (إزاء ثلاثة مشاريع هدّامة: إيران، وبعض دول الخليج، و»القاعدة »)؛ 3) تنحّي النظام والمعارضة (لصالح «كثيرين من أبناء البلد يمكن أن يحملوها)؛ 4) وقف القتل والدماء والخراب؛ 5) حلّ سياسي تفاوضي يُلزم النظام والمعارضة، ويتضمن العدالة الانتقالية.

لافت، بادىء ذي بدء، أنّ تشخيص الخطيب لـ»معارضة مرتهنة» ليس صائباً وسليماً وصادقاً، فحسب؛ بل هو هو متأخر كثيراً، أيضاً، بالنسبة إلى رجل كان على رأس ذلك الارتهان قبل أشهر معدودات فقط، وتلمّسه وعايشه وعاينه، ساعة بساعة، ومؤتمراً بعد آخر، وعاصمة أثر أخرى… لكنه لم يشر إليه على النحو النقدي الصريح الذي ينتهجه اليوم، بل لعله غاص فيه حتى أخمص القدمين، وارتهن له ومعه، وتستر عليه أيضاً. هذا تفصيل أخلاقي، وسلوكي، يجرّد نقد الخطيب الراهن من حدود دنيا في المصداقية، تسري أوّلاً على زاعم مدوّنة وطنية وتصالحية، طوباوية وفروسية، لكنها في الآن ذاته ترتكز على مرجعية دينية تنهى عن الغشّ والخداع والتقلّب، وتفرض على الرائد ألاّ يكذب أهله.
مدهش، ثانياً، أن يكون الخطيب، خلال رئاسته للائتلاف، قد صال وجال وأقام في غالبية العواصم الخليجية التي يصنّفها اليوم (دون أن يسمّي، كعادته أبداً!) ضمن المشروع الإقليمي التخريبي الثاني؛ ولا يكتفي الآن بالغمز من أجنداتها في سوريا (وهذه كلمة حقّ، بالطبع، حتى إذا أُريد منها الباطل)، بل يساويها بالمشروع الإيراني، القائم على «أحلام إمبراطورية»، لا نفهم من الشيخ طبيعتها: فارسية، أم شيعية، أم أيّ مزيج منهما ينتهي إلى التوسع الإقليمي والسيطرة على شعوب المنطقة. هنا، أيضاً، يبدو الخطيب وكأنه ليس ذاك المعارض الهمام الذي منحته تلك العواصم الخليجية (راغباً سعيداً، وليس كارهاً متمنعاً) مقام الصدارة في القمم والمؤتمرات والاجتماعات، كي تدجّنه صحبة رفاقه ورفيقاته في «القيادة»؛ أو كأنه طمس ذلك الماضي من ذاكرته الشخصية، ظاناً أنّ المنصتين إلى «العيدية» قد اقتفوا أثره في الطمس وتفريغ الذاكرة!
مثير للشفقة، ثالثاً، أن يواصل الشيخ إنتاج، وإعادة إنتاج، وطرح مبادرات لا تبلغ أسماع أيّ «ذي صلاحية» في نظام بشار الأسد، ولا حتى في صفوف «المعارضة المرتهنة»؛ حتى كأنّ الخطيب استهوى الوقوف على أطلال حوارات وهمية واستيهامية، وامتهن إطلاق الصرخات التي لم تعد قادرة حتى على ترجيع الصدى. ففي 23 أيار (مايو) 2013 طرح الشيخ مبادرة (لم تكن، البتة، «عيدية»!)، شعارها الآية القرآنية: «ومَنْ أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»؛ بدأت، بدورها، من نبرة بكائية رثائية تقول: «منعاً لاضمحلال سوريا شعباً وأرضاً واقتصاداً وتفكيكِها إنسانياً واجتماعياً نتقدم بهذه المبادرة حقاً لبلدنا وأهلنا علينا، واستجابةً عمليةً لحلّ سياسي يضمن انتقالاً سلمياً للسلطة». أحلام تلك الساعة ذهبت بالمبادِر إلى درجة إعطاء «رئيس الجمهورية الحالي» مهلة لا تتجاوز 20 يوماً، كي يعلن «قبوله لانتقال سلمي للسلطة، وتسليم صلاحياته كاملة إلى نائبه السيد فاروق الشرع أو رئيس الوزراء الحالي السيد وائل الحلقي». البنود الأخرى تضمنت حلّ مجلس الشعب، وتسليم «رئيس الجمهورية» كامل صلاحياته خلال شهر بعد قبول الانتقال السلمي، وتكليف الحكومة (بصفتها المؤقتة وخلال 100 يوم) بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ومغادرة «الرئيس الحالي» البلاد ومعه 500 ممّن يختارهم مع عائلاتهم وأطفالهم، دون تقديم ضمانات قانونية للمغادرين، والتزام جميع الاطراف بوقف استخدام الأسلحة الثقيلة…
لقد أسمع الشيخ لو نادى حيّاً، لأنّ لائحة ردود الأسد على تلك المبادرة تنوّعت، ميدانياً، بين قصف الغوطة بالأسلحة الكيماوية، ومسرحية مؤتمر جنيف، ومهزلة الانتخابات الرئاسية، وإلقاء فاروق الشرع إلى سلّة المهملات؛ وفي غضون ذلك، وسواه: سفك دماء الآلاف من السوريين، وإلقاء مئات بعد مئات من براميل الموت، والإيغال أكثر فأكثر في الشحن الطائفي… في المقابل، لا أحد من أهل النظام، حتى إذا كان مستوى مسؤوليته لا يتجاوز الدرجة العاشرة، اكترث بالتعليق على مبادرة الخطيب، أو السخرية منها والتهكم عليها في الأقلّ.
فاجع، رابعاً، أن يجهل الشيخ طبائع النظام بعد كلّ ما جرى ويجري، وهرمية الحلقة الأعلى، الأضيق، في معمار السلطة؛ حيث يتربع الأسد نفسه (في شخصيته الأمنية والعنفية الأقصى اعتمالاً، واكتمالاً، منذ توريثه صيف 2000). مَن هو الشخص «ذو الصلاحية»، الذي سيبادر إلى ملاقاة «عيدية» الخطيب؟ العميد ماهر الأسد (الشقيق، والقائد الفعلي للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمنفِّذ الثاني للحلّ الأمني، بعد شقيقه الكبير)؟ أم يفكّر الشيخ الخطيب في أمثال العميد ذو الهمة شاليش (ابن عمّة الأسد، ورئيس حرسه الشخصي، والمشرف الفعلي على جهاز أمن الرئاسة، وصاحب الصلاحيات الأمنية والعسكرية والمالية الواسعة التي تتجاوز بكثير رتبته العسكرية أو موقعه الوظيفي)؟ أو اللواء علي مملوك، أحد كبار مهندسي الفاشية القصوى في البلد؟ أو اللواء جميل حسن، مدير إدارة المخابرات الجوية، صاحب المزاج الدموي الشهير؟
هل يعقل أنه يقصد الدكتورة نجاح العطار، نائبة الأسد؟ أو أيّا من الإمعات، أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث؟ أم هو رامي مخلوف، صيرفي النظام وتمساح الفساد؟ أم الفئة العليا من التجار ورجال الأعمال، شركاء وخدم النظام، أمثال الأخرس والغريواتي والشهابي وحمشو…؟ ومن جانب آخر، مَنْ هي تلك الـ»مجموعة من خيرة القيادات السورية» التي ستجلس على الطرف المقابل من طاولة الحوار مع النظام؟ أهم بشر لهم وجوه وأسماء، أم أشباح هائمون في السديم؟ 
مهين، خامساً، وفي خلا
صة القول، أن يتوجه الخطيب إلى الأسد ـ قاتل الأطفال، وفق تصنيفات جنائية وقانوية دولية، ورأس نظام لم يتوقف عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم بحقّ الإنسانية منذ آذار/ مارس 2011 ـ بهذه النبرة الاستعطافية؛ المضحكة من باب المرارة، قبل أن تكون مبكية من باب المأساة. أهذا، الأسد، هو الذي يُسأل: «هل ترى الأطفال الصغار تتقطع أيديهم وأرجلهم؟»؛ أو: «لماذا التضييق على الناس؟»؛ أو: «لماذا الحصار؟»؛ أو: «لماذا تقصف المدنيين بالليل والنهار؟»؛ أو: «لماذا تمنع الناس من جوازات السفر؟»… أين يعيش الشيخ، في نهاية المطاف: على هذه البسيطة، التي لم يشهد تاريخها، بأسره، همجية تعادل ما يرتكبه الأسد وبهائمه؛ أم هو منزوٍ في كوكب استيهاماته، يجترّ المبادرات الخرساء، ويطلق الصرخات البكماء؟

----------------------------------------------
القدس العربي

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

 


صبحي حديدي
الجمعة 1 غشت 2014