يضيف اللاجئ الذي اكتفى بالتعريف عن نفسه باسم أبو العبد أنّ "طلب العمل هو ما دفعني إلى إسطنبول، لكنّني من جهة أخرى لا أملك شيئاً في إدلب ولا أعرف أحداً هناك، فكيف يمكنهم ترحيلي؟"، متابعاً "فليحقّقوا السلام في سورية وليرحل النظام، حينها أعود طوعياً إلى مدينتي".
في هذا السياق، يرى رئيس تجمّع المحامين السوريين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل، أنّ "التعاطي مع اللاجئين السوريين يدلّ على إعادة تموضع أنقرة"، غير مستبعد اعتماد الإكراه مع اللاجئين "من ضمن ما يُطلق عليه العودة الطوعية، بعد محاولة الحكومة التركية قلب الطاولة على المعارضة ولو على حساب اللاجئين السوريين". يضيف قرنفل أنّ "تركيا تتحدّث عن عودة طوعية قانونية، لكنّها على الأرض لا تتمّ بشكل طوعي بل حقيقة الأمر هو اللجوء إلى الإكراه والتضييق من أجل عودة قسرية"، مشيراً إلى أنّ "المعلن هو إعادة التنظيم، في حين أنّ الهدف الحقيقي هو إشعار اللاجئ بعدم الاستقرار في تركيا من الآن فصاعداً". وبحسب تقديرات قرنفل، فإنّ "تركيا سوف تتابع الترحيل بعد الانتخابات لئلا يبقى على أراضيها أكثر من نصف مليون سوري"، الأمر الذي يرى أنّه "يخالف اتفاقيات حقوق اللاجئين وكلّ المبادئ القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان واللاجئ وكذلك قانون الحماية المؤقتة. فمن الممنوع ترحيل السوري إلى البلد الذي فرّ منه، فيما هم يلزمون المرحّلين على توقيع وثائق عودة طوعية ليخلوا مسؤوليتهم". ويشدّد على أنّ "هذا يخالف التزام الدولة التركية بالمواثيق الدولية التي وقّعتها والاتفاقات التي تبنّتها".
بالنسبة إلى سوريين كثيرين، فإنّ الموقف التركي الرسمي قد تغيّر، لا سيّما أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان يؤكّد على الدوام بقاء اللاجئين في تركيا إلى حين إيجاد حلّ سياسي وتوفير بيئة آمنة لهم. ويرون أنّ التصريح الذي أدلى به أردوغان، أوّل من أمس الثلاثاء، مثّل تبدّلاً جذرياً لدرجة "رمي ورقة السوريين كرمى للانتخابات". وكان الرئيس التركي قد كشف عن مشروع يتيح في حال تنفيذه "العودة الطوعية لمليون شخص من أشقائنا السوريين الذين نستضيفهم في بلادنا"، وذلك بعد عودة طوعية لنحو 500 ألف سوري إلى المناطق الآمنة التي وفّرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سورية عام 2016.
أضاف أردوغان في رسالة مصوّرة بثّت في أثناء تسليم منازل في الريف الشمالي من محافظة إدلب، شمال غربي سورية، شارك فيها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أنّ المشروع العتيد سوف يُنفَّذ بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، وسوف يكون شاملاً وفي 13 منطقة، في مقدّمتها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق، موضحاً أنّه سوف يُصار إلى بناء مرافق متنوعة في إطار المشروع مثل المدارس والمستشفيات وما إليهما.
وقد أوضح أردوغان، في رسالته نفسها، أنّ المشروع يتضمّن جعل التجمّعات السكنية المقرّر تشييدها مكتفية ذاتياً لجهة البنية الاقتصادية التحتية، "انطلاقاً من الزراعة وصولاً إلى الصناعة"، معلناً أنّ 57 ألفاً و306 منازل شُيّدت في الشمال السوري حتى اليوم، من ضمن الحملة الرامية لبناء 77 ألف منزل، بدعم من منظمات مدنية وبتنسيق من إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد). وقد ذكر أنّ تركيا تنفّذ أنشطة إغاثة يستفيد منها نحو ستة ملايين شخص في مناطق مختلفة بسورية.
يقول المحلل التركي سمير صالحة لـ"العربي الجديد" إنّ "الموقف التركي تبدّل ولا شكّ، لكنّ التغيّر الطفيف جاء لاعتبارات داخلية وأخرى إقليمية. فقد أشهرت المعارضة ورقة اللاجئين في وجه حزب العدالة والتنمية ومحاولة كسب الشارع قبل الانتخابات، في حين تغيّر الموقف الإقليمي من نظام بشار الأسد، خصوصاً بعد التقارب التركي الخليجي، وفي مقدّمته الإماراتي".
وبينما يستغرب صالحة التسريع في عودة السوريين قبل تأمين البيئة الآمنة على الصعيدَين الأمني والسياسي، قبل الصعيد الخدمي وكذلك الاقتصادي، يشير إلى أنّ "تركيا تستقبل أكثر عدد من الإخوة السوريين، وهي لم تقصّر منذ عام 2011، بل عاملت السوريين معاملة الأتراك على صعد مختلفة، التعليم والصحة والخدمات والحقوق. لكنّه بعد 11 عاماً على لجوء نحو 3.7 ملايين سوري، صار البحث عن حلّ أمراً ضرورياً للجميع، إذ لا تتوفّر مؤشّرات دولية إلى محاسبة النظام السوري ومن حقّ السوريين أن يستقّروا في أراضيهم". ويشدّد على أنّ "أنقرة لم تتخلّ عنهم، وهم سوف يكونون في مناطق ترعاها هي، إن لم نقل تسيطر عليها".
وحول قانونية الخطوات التركية واحتمال خرق المواثيق والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين، يقول صالحة: "طالما أنّ العودة طوعية، فلا خروق. وفي حال كان الترحيل بالإكراه، فإنّه من حقّ أيّ سوري رفع دعوة قضائية"، لافتاً إلى أنّه "سمعنا أخيراً عن لاجئ سوري مرحّل ربح قضية في هذا الإطار". ويأمل صالحة ألا يتعرّض اللاجئون السوريون "لأيّ مضايقات أو إكراه، على الصعيد الشعبي أو الرسمي، ليعودوا إلى شمال غربي بلادهم، والتذرّع بأنّهم الذين اختاروا العودة الطوعية".
في سياق متصل، يقول الناشط السوري طه غازي إنّ "ما نشهده اليوم في حقّ السوريين بتركيا يتعلّق بملفَّين؛ الأوّل داخلي يتعلق بانسياق التكتل الحاكم لخطاب المعارضة والثاني خارجي يتعلق بموقف تركيا الجديد"، لافتاً إلى "ما كشفه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو عن تفاهمات منذ عام 2016 مع المجتمع الدولي، جزء منها يتعلّق بالعودة الطوعية في خلال جدول زمني بحسب الاتفاقات". يضيف أنّ "مؤسسات المعارضة السورية المجتمعة في أستانة تعلم بالأمر لكنّها لم تصارح السوريين".
ويوضح غازي المتخصص في الدفاع عن قضايا اللاجئين أنّ المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري هي "غير قادرة على استيعاب عودة مليون سوري إضافي، فهي مكتظة أصلاً بنحو خمسة ملايين سوري، جلّهم من النازحين. وهو ما يعني أنّنا سوف نكون أمام حالة تشبه حالة قطاع غزة؛ كثافة سكانية وبطالة. ومن شأن ذلك أن يخلّف آثاراً اجتماعية واقتصادية، في حين أنّ ما يُحكى عن مشروعات وبنى تحتية لن يجدي نفعاً ولا كفاية للسكان. وسوف نكون أمام حالة إعادة توطين وليس عودة طوعية، إذ من المفترض والطبيعي أن يعود كلّ لاجئ إلى مدينته وقريته وبيته، لا أن يُرمى بهم إلى غزة السورية". ويتوقّع أن "تتسارع عملية إعادة التوطين في الفترة المقبلة، مع تسجيل مزيد من التضييق على اللاجئين، بعد تجميد بطاقات الحماية المؤقتة (كملك)، إلى جانب صعوبات إدارية وتقييد للسكن وإجبار السوريين المخالفين على التوقيع على العودة الطوعية".
ويلفت غازي إلى أنّ موضوع "العودة الطوعية" للاجئين السوريين إلى بلادهم هو "فتح الطريق أمام تقسيم سورية"، مرجّحاً أنّ "الحكومة التركية، وبفعل ضغوط داخلية وخارجية، ترمي اليوم ملف اللاجئين وكأنّه كرة من المشكلات، على الرغم من يقينها بأنّ الحلّ يبدأ برحيل النظام وليس بتحويل شمال غربي سورية إلى قطاع غزّة آخر
------------
العربي الجديد:".