هكذا هي حال السياسة في البلاد العربية وأنت تشاهد الموت وأشلاء الأبرياء على كل الطرقات وفي كل البلدات. الكل يطل ليحظى بالصورة، ويتقدم كيفما شاء، بل ويحلل ويقلل من المآسي المروعة، ثم تكتشف أنك الوحيد الذي لا يفهم ما يجري، حتى ولو كان المتحدث «فصيحاً» وناطقاً بلغتك الأم. الصمت يحضر، متمتماً بالغضب. الذهول «يجفل» من الأسئلة والإجابات، حتى وإن استنطق الصمت واتسعت مساحات الثرثرة السياسية، على نطاق واسع من منطقة لا تغادرها الأزمات والحروب والنكبات.
الدول العربية «بليدة» بلا استثناء. الدول العربية «بائعة» للوم والغم. الدول الغربية «بائعة» للوهم. سورية تسبح في حمام من الدم منذ عامين وقهقهات بعضهم لا تتوقف. في مراكش حضر الزاعمون أنهم «أصدقاء سورية»، لكنهم - كما هم - لم يغيِّروا من خطاباتهم الناقصة. في مراكش، حضر المنافقون والصادقون سواءً، والقاسم المشترك بينهم الخطاب عن سورية. كذب كثير منهم (ورب الكعبة)، كما يقول صديقي السوري الشهم الأشم.
سورية يُذبح فيها المئات ويُجرح الآلاف وينزح الملايين. المستقبل في قلوب السوريين قاتم، لكنه قائم، بحثاً عن الكرامة والعدالة ونشوة الانتصار من دون انتظار أكاذيب الباحثين عن شاشة تنقل الصوت والصورة، في كل محفل إقليمي ودولي. في الثورة السورية يزف الشهداء والنصر يقترب.. بعد أن كان الجبناء يتحاشون الصورة المروعة اليومية، وظلوا ينتظرون تقارير رجال المخابرات والسفارات وذوي العاهات المستديمة، الذين لا يفرقون بين الماء والدماء.
نعم للسوريين، لا تحترموا ولاتجاملوا من عاداكم، ولو من وراء حجاب. عاقِبوا موسكو شريكة الأسد في قتلكم وربيبة «الفيتو» القاتل. كذِّبوا واشنطن علناً، وافضحوا نفاق البيت الأبيض وتصريحات إدارة أوباما المرتبكة. حاسِبوا العرب... (حكومات وشعوباً) على فشلهم في مساعدتكم ومحاولة إنقاذكم، ولو بالتظاهرات والمسيرات والصوت الجماهيري. حاصِروا إيران وحلفاءها، كما حاصروكم وآذوكم وكذبوا وطغوا واستكبروا وشاركوا في قتل أبنائكم ونسائكم. علموا «مالكي» العراق أن ذاكرتكم لا تشيخ، بل تزداد حيوية وشموخاً. أشُدّ على أيديكم وقلوبكم مثنى وثلاث أن تعلِّموا لبنان الذي «ينأى بنفسه» كذباً وزوراً، دروساً في تلقيم المرتزقة وشبيحة الإعلام حجراً وراء حجر.
طالِبوا بمحاكمة نبيل العربي والأخضر الإبراهيمي، وقبلهما الفريق الدابي، وكل من حاول أن يقفز على حقوقكم المشروعة، مرحباً بالمهمة على حساب دمائكم، ليلتقط الصورة ويحظى بمهمات سفر «دولارية»، زاعماً أنه يبحث عن مساعدتكم، وهو يشاهد المذابح والمجازر اليومية، فيمتطي الطائرة من عاصمة إلى أخرى، ليكتب تقريراً بليداً، من دون أن يسكب دمعة حزن أو يرفّ له جفن.
أرجوكم، قاطِعوا العرب المنافقين الذين لا يزالون يحتضنون سفارات الأسد ولم يغلقوها ويتجاهلون الاعتراف بـ»الائتلاف». قاطعوا الذين قبلوا ببقاء شبيحة الأسد بين ظهرانَيهم، ليعقدوا صفقات تجارية ويحاربوا الشرفاء ويبرروا نحر الأطفال وبقر بطون النساء. ضَعوا لنا قائمة عار لركل هؤلاء القتلة و»الكذبة» أو من يُسَمون عشيرة «باب الحارة»، وهم ليسوا إلا شلة من المرتزقة والمتاجرين والكاذبين الذين تجمعهم صفات النذالة لا العروبة.
---------------------
الحياة اللندنية