نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


عزيزي بايدن... إن لم تسدّد أنت، فسيسدّد الآخرون!




منذ أربعة أعوام، وبلهجة تخلط بين الغرور والجدية، سألني سياسي أميركي مرموق في واشنطن "ما الذي يريده بوتين في سوريا؟" أجبته حينها: "بوتين ابن المدرسة الجيو-استراتيجية كيسنجر، أما أنتم فقد نسيتم مدرسته وترفعتم على الجيو-استراتيجيا، وهو ما ستدفعون ثمنه باهظاً".


نعم، أدى الترف الاستراتيجي الذي تلى انهيار جدار برلين إلى ضياع سمة العدو بالنسبة للبوصلة الأميركية لعقود. وببساطة ظنت قافلة متعاقبة من الرؤساء الأميركيين أن بمقدورها إدارة الظهر بصلف لحلفائها في الشرق الأوسط. فمن بوش إلى كلينتون إلى بوش الابن إلى أوباما وترامب، تغافلوا في البداية عن بديهيات الجغرافيا والجيو-استراتيجيا، بدعوى الاتجاه شرقاً. لكن التاريخ سرعان ما كلفهم ثمناً باهظاً وليعلمهم أن الطريق نحو موسكو وبكين تمر بهذا الشرق الأوسط. 
 
وحتى قبل وصول الرئيس بايدن للبيت الأبيض، كان واضحاً أن زمن اللامبالاة والأحادية القطبية قد سقط، ليصعد معه زمن جديد من التعددية القطبية والصراع الكوني حول ريادة العالم. لكن، تحت تأثير مناخ التيارات اليسارية المتطرفة في الحزب الديموقراطي، اعتقدت الإدارة الأميركية أن بإمكانها أن تحقق النجاحات لسياستها بعيداً من المملكة العربية السعودية. وساد اعتقاد اقتصادوي بأنه ما دام الاقتصاد الأميركي لم يعد منوطاً بنفط الخليج، تستطيع الولايات المتحدة أن تتجاهل أصدقاءها في الإقليم، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية. وسعت الدبلوماسية الأميركية في بداية عهد بايدن إلى إعادة ربط بعض الخيوط لتحالفاتها، لكن سرعان ما صار واضحاً أنها تدور في حلقات سائبة، غير مجدية.
 
فمن زيارات بلينكن للقدس ورام الله، إلى المبادرات العديدة نحو تركيا، إلى المبادرات حول العراق أو لبنان، إلى قمة العقبة، إلى الزيارات المتعددة لزعماء المنطقة لواشنطن، كان واضحاً أن الدوائر لا تكتمل وأن المشاريع لا تتطابق. وسواء كان الأمر متعلقاً بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي أو بالصراع في اليمن أو نظام بشار الأسد، أو تعلق الأمر ببناء تحالف للتصدي لضبط السلوك الإيراني بغضّ النظر عن نتائج فيينا، أو في ما يخص أسعار النفط الخ... كانت النتيجة كمن يردم الجمر تحت التراب. 
 
وبالنسبة إلى مراقب من المنطقة، كان من السهل أن نكتشف ذلك. ولعل بلينكن يعرف تماماً أن القطبة الناقصة في تركيب البنيان الاستراتيجي في الإقليم تكمن في الدور المركزي للمملكة العربية السعودية. وحتى بعد الزلزال الأوكراني، استمر المناخ في واشنطن في تجاهل هذه الحقيقة. وكما علّم التاريخ الإدارات السابقة أهمية هذا الشرق وأهمية عقدته الاستراتيجية العربية - السعودية، بدا أن بايدن لا يزال يحتاج لهذا الدرس. ذلك أن حماقة بوتين أعادت الجيو-استراتيجيا لا النفط ولا المال ولا الاقتصاد، لتصبح لبّ كل السياسات، وخاصة الأميركية منها.  
 
المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط، ليست قضية نفط ولا مال. وأميركا لا تحتاج إليها لمجرد دعم موقف الحليف الأوروبي في مجال الطاقة، وليست القضية مرتبطة بدور دول الخليج في ضبط العقوبات على روسيا. إنها أبعد من ذلك بكثير.
 
تقول بديهيات التاريخ والجيو - استراتيجيا في الإقليم، إنه من دون دور مركزي للمملكة العربية السعودية لا يمكن إعادة تدعيم الأمن الإقليمي الجماعي للمنطقة. فكيف يمكن تصور تحالف للجم إيران إقليمياً ونووياً دون دور للمملكة العربية السعودية؟ كيف يمكن تصور استمرار إشراف أميركا على الملاحة الكونية دون ذلك؟ كيف يمكن من دون تعاون ودور مركزي للمملكة العربية السعودية في المحيط الهندي والخليج، وبحر العرب، والأحمر، والمتوسط؟ بل كيف يمكن إنشاء تحالف لتدعيم النظام العالمي مالياً واقتصادياً في مواجهة محاولات تقويضه في الإقليم؟ وفيما تقوّض إيران جدوى الاتفاق النووي، ليس ثمة مغزى لمحاولة مجابهتها دون المملكة. 
 
وإذا كانت الولايات المتحدة وشركاؤها يديرون نظاماً عالمياً قائماً على الأمن الجماعي، فها هي الإدارة تتعلم من جديد أن النظام العالمي والأمن اللذين توفرهما لا يتجزآن. الشرق الأوسط والمملكة العربية السعودية تبقى مركزية لا يمكن فصلها عن مجمل الأمن الإقليمي والدولي. 
 
وفيما تعاد هيكلة الدولة ـ الأمة وتحديثها وإنماؤها في المملكة بشكل منقطع النظير، وفيما يُعاد بناء الدولة والمجتمع من أعلاه إلى الأسفل، تمر السعودية بواحدة من أعمق عمليات التحول في بنية الدولة، وعلى الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وتلاقي هذه التحولات العميقة المتسارعة دعماً جذرياً في صفوف شرائح سعودية واسعة، وعلى رأسهم الشباب والنساء. 
 
أمام هذا التحول تتبخّر كالهباء الحجج العقائدية لليسار الديموقراطي تجاه المملكة التي تمر بأحد أهم التحولات التقدمية في الإقليم منذ تسعة عقود. فيا لها من باهتة حجج اليسار الديموقراطي.
بدأ الانقلاب في الوضع العالمي من سوريا، وتكامل مع الغزو الروسي لأوكرانيا، في ظل من اللامبالاة العبثية الأميركية، سواء في العهد الديموقراطي أو الجمهوري، وكانت هذه العبثية الخبيثة هي المقدمة لما يحدث الآن في أوروبا. 
 
لا تنتظر المملكة نضج العقل الاستراتيجي الأميركي، بل تعيد تشكيل العمران الاستراتيجي في الإقليم من خلال مبادرات إقليمية ذاتية حثيثة. فحقائق الموقع الجيو-استراتيجي للمملكة ومحلها المحوري في ربط كل العقد هو الذي أعاد تجميع النجوم في الإقليم في اتجاه تعزيز دورها. 
 
هذه الحقائق ذاتها التي رأبت الصدوع مع قطر وتركيا وأوروبا، وهذه الحقائق ذاتها هي التي تفرض الدور السعودي في إعادة تشكيل التحالفات. ويمتد من لبنان إلى العراق إلى محور البحر الأحمر وشبكات الطاقة في البحرين الأحمر والمتوسط، وصولاً إلى توسع إيران والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ورغم ما يدور من حديث عن مشاريع إقليمية ترعاها الولايات المتحدة تشمل البحر المتوسط ومشروع نيوم، وجزر تيران وصنافير، فإن هذه المشاريع لا تشكل إلا سيناريوهات مرتبطة بتبلور الإطار الاستراتيجي العام للعلاقات الإقليمية، سواء في ما يتعلق بعملية ٰالسلام أو باستعادة الثقة بالسياسات الأميركية التي أصبحت لفترة أشبه البازار. 
 
وإذ تتلبد الغيوم فوق الشرق الأوسط من جديد، وتتزاحم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتقرع أبوابه بقوة، لا يمكن لإدارة بايدن الاحتفاظ بتأثيرها في الإقليم من دون رسم واضح للخطوط لاستعادة الثقة والتحالف مع دول الخليج عامة، والمملكة العربية السعودية خاصة. وعملياً، لا تملك أميركا ترف إدارة الظهر لهذه المهمة. 
 
تقف الإدارة الأميركية أمام تحد كبير خلال التحضير للزيارة المقبلة للرئيس بايدن للشرق الأوسط. فليس نجاح الجولة مرهوناً بنجاح دبلوماسيتها مع المملكة فحسب، بل إن تحقيقه سيشكل تحولاً مركزياً نحو تثبيت النظام العالمي للأمن والسلام في مرحلة ما بعد الزلزال الأوكراني. 
 
الوضع الإقليمي لا ينتظر اللاعبين الكسولين، فإن لم تسدد أنت، فسيسدد الآخرون.
-----------
النهار العربي

د . سمير التقي
الجمعة 27 ماي 2022