نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


عرفات جرادات: رمز الانتفاضة الثالثة




قيل إن السلطات الإسرائيلية قد ألقت القبض على عرفات جرادات بتهمة رشق قوات الشرطة الإسرائيلية بالحجارة، وبعد مرور 6 أيام على الاعتقال أعلنت السلطة الرسمية الإسرائيلية وفاته جراء أزمة قلبية. ربما ينظر البعض إلى هذا على أنه قصة قصيرة وخبر موجز للغاية، ولكنه قد يكون في حقيقة الأمر بداية لفصل جديد من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.


ثمة روايتان مختلفتان تماما لهذه القصة، إذ يقول الإسرائيليون إن جرادات توفي بشكل طبيعي تماما جراء أزمة قلبية. وفي الحقيقة، يستغرق أي تحقيق لمعرفة السبب الحقيقي لوفاة جرادات عدة أسابيع؛ فعلى سبيل المثال، نشر دان إيفن وجاك خوري مقالا في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بتاريخ 28 فبراير (شباط) 2013، يقولان فيه إن وزير الصحة الإسرائيلي قد أشار إلى أنه لا يزال غير متأكد من السبب الحقيقي وراء وفاة جرادات، الذي أثارت وفاته موجة من الاضطرابات في الضفة الغربية، مشيرين إلى أنه سيتم الإعلان عن النتائج النهائية للتشريح في غضون أسابيع قليلة. وقال مسؤولون في معهد الطب الشرعي في أبو كبير إنه لا يزال من غير الممكن تحديد سبب وفاة جرادات. ولا تزال العينات الإضافية المأخوذة من جسد جرادات، خلال عملية التشريح، تخضع للاختبار حتى الآن، ومن غير المتوقع أن يتم إعلان النتائج النهائية قبل نحو أسبوعين آخرين.
ومن المتوقع أن تمتد تلك الأسابيع إلى أشهر، ثم يتم نسيان وتجاهل القضية تماما، حيث تعد هذه طريقة شائعة للإعلان عن نتائج أي تحقيقات في إسرائيل، فعندما يواجه الإسرائيليون موجة عاتية للغاية، فإنهم يركبون تلك الموجة، ثم ينتظرون هنيهة حتى تهدأ، ولذا قيل إن اللعبة الأولى والأكثر أهمية التي يتقنها اليهود هي التحدث والتفاوض. وعلى هذا الأساس، لا يساورني أدنى شك في أنه سيتم نسيان قضية استشهاد جرادات، استنادا إلى الرواية الإسرائيلية.
وعلى الجانب الآخر، تختلف وجهة النظر الفلسطينية تماما عما ذكره الإسرائيليون، ولا سيما أن قصة الأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية قد باتت قضية قديمة، كما باتت قصص وفاتهم الغامضة داخل السجون شيئا مشينا في الوقت الحالي، حيث يتم قتل أي مواطن فلسطيني يقاوم الاحتلال، أما في حال الاعتقال فيتعرض الفلسطينيون للتعذيب وتدمير منالهم وإزالة أشجار الزيتون الخاصة بهم، وهذه هي القصة الحقيقية للفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم.
ولم يكن جرادات أول فلسطيني يقتل في السجون الإسرائيلية، حيث نشر الكاتب راسم عبيدات مقالا في جريدة «المنار» يوم 24 فبراير (شباط) الماضي، ذكر فيه عدد الضحايا الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، قال فيه: «باستشهاد الأسير عرفات جرادات، الذي كان موقوفا في سجن مجدو ويخضع للتحقيق، يرتفع عدد الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال ومراكز وأقبية تحقيقه إلى 203، منهم 71 استشهدوا جراء التعذيب في أقبية التحقيق، و51 نتيجة سياسة الإهمال الطبي، و74 استشهدوا بعد أن جرت عملية تصفيتهم وإعدامهم عقب الاعتقال مباشرة، و7 استشهدوا جراء إطلاق الرصاص عليهم في السجون، والتعذيب في السجون الإسرائيلية بأشكاله المتعددة والمختلفة، الجسدية والنفسية، ليس بالحالة النادرة أو الاستثنائية أو غير المألوفة ممارسته في أقبية التحقيق والسجون الإسرائيلية، بل هو سلوك ثابت انتهج بعد الاحتلال مباشرة، وهذا السلوك عملت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على تطويره وبشكل متدرج، بحيث أصبح نهجا ثابتا وجزءا أساسيا من العلاقة ما بين المعتقلين الفلسطينيين والجهة التي تمارس التعذيب (أجهزة أمنية وشرطية إسرائيلية) بمختلف تسمياتها».
ويبدو لي أن الإسرائيليين قد نسوا نقطة بسيطة للغاية، وهي أن العالم يتغير وأن العالم الإسلامي أيضا يتغير. أولا، خاضت إسرائيل ثلاث حروب لا تنسى، ولم تكن جميعها ضد بلاد إسلامية مثل حربي 1967 أو 1973، ولكنها كانت ضد حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.
ثانيا، تغير الصديق أو الحليف الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل، وهو مصر، بشكل تام. وفي كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، قدم شيمعون بيريس تقييما فريدا من نوعه للرئيس المصري السابق حسني مبارك، حيث قال: «سوف يذكر التاريخ على الأرجح أن مبارك أحد أعظم بناة مصر» (ص 134).
والآن، بات الجميع يعلم الوجه الحقيقي لإدارة مبارك وعائلته، فبعد عقدين من الزمن، أصبحنا نواجه شرق أوسط جديدا، ليس بالشكل الذي كانت تحلم به إسرائيل، ولكنه في واقع الأمر كابوس يؤرق الدولة العبرية.
ثالثا، إننا في عصر المعلومات، ومع وجود وسائل الإعلام الاجتماعية، بات من المستحيل إخفاء وجه الضحية في الوقت الراهن. وذات مرة، ألقى الشاعر سميح القاسم قصيدة بمناسبة استشهاد مواطن فلسطيني، قال فيها: «قتلوني وانتحلوا وجهي مرارا».
وفي الوقت الحاضر، تغيرت القصائد أيضا، وربما يبدو لي أنه ينبغي علينا أن نقرأ قصيدة أخرى للشاعر سميح القاسم في استشهاد عرفات جرادات، يقول فيها:
دم أسلافي القدامى لم يزل يقطر مني
وصهيل الخيل ما زال وتهليل السيوف
وأنا أحمل شمسا في يميني وأطوف
في مغاليق الدجى.. جرحا يغني
ويبدو أن جرادات أصبح رمزا للانتفاضة الثالثة، بعد الانتفاضة الأولى عام 1987، والانتفاضة الثانية التي جاءت بعد 13 عاما، عام 2000، وهذه هي الانتفاضة الثالثة التي تأتي بعد مرور 13 عاما أخرى، عام 2013، التي أعتقد أنها ستكون بداية لدولة فلسطين الحقيقية. إن قتل سجين بعد 6 أيام من اعتقاله لمجرد مطالبته بالديمقراطية والحرية أمر غير مقبول، وهو ما أدى إلى اندلاع اشتباكات يوم الأحد 24 فبراير (شباط) بين المئات من المواطنين وطلبة المدارس من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى في مناطق مختلفة من الخليل بالضفة الغربية، بعد استشهاد جرادات في أحد السجون الإسرائيلية.
إنه فصل جديد من تاريخ فلسطين المعاصر يجسد الشعب الفلسطيني والأمة الفلسطينية التي يعتقد الإسرائيليون أنهم غير موجودين من الأساس، وهذا هو ما يزعمه شيمعون بيريس في كتابه «الشرق الأوسط الجديد».

عطاء الله مهاجراني
الاثنين 4 مارس 2013