أهمية كلام شخص مثل دينيس روس، فضلا عن كونه مؤثرا في توجيه الرأي في النخب السياسية بواشنطن فيما يخص السياسات المتخذة في الشرق الأوسط، هي في أن موقف الإدارة الأميركية مع الرئيس باراك أوباما كان «مباركة» الربيع العربي بقيادة الإخوان المسلمين، ومد يد الصداقة لهم، بل والضغط على خصومهم من أجلهم، وكان آخر ذلك التحذيرات المتتالية للمجلس العسكري المصري من أجل عدم «إعاقة» التقدم الإخواني في الاستيلاء على الدولة المصرية بشكل «عميق». وكان من مظاهر السخط من التدخل الأميركي في مصر لصالح الإخوان، رشق وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من قبل بعض المتظاهرين المصريين أثناء زيارتها الأخيرة إلى مصر.
روس وجه عتابا مزدوجا للحكم الإخواني في مصر وإدارة الرئيس أوباما «اللينة» تجاه السياسات الإخوانية، فقال في مقالته التي نشرت في الصحف الأميركية وفي جريدة «الشرق الأوسط» أيضا قبل أيام: «يجب أن يكون موقف الإدارة الأميركية واضحا، إذا استمر هذا السلوك سيتوقف دعم الولايات المتحدة (...) والليونة في رد فعلنا في هذه المرحلة قد يكون جيدا بالنسبة لجماعة الإخوان، لكنها ليست كذلك بالنسبة لمصر».
«التجريب» الأميركي في هذه المرحلة بدعم التيارات الحركية الإسلامية للحكم، شبيه بالتجريب الأميركي سابقا، بعيد 11 سبتمبر بدعم التيارات الشيعية الحركية، بحجة قابلية التشيع للديمقراطية والتحاور، على عكس التسنن، كما هي نظريات المفكر الأميركي من أصل إيراني ولي نصر.. وهكذا يستمر التجريب هذه المرة بحجة أن وصول الإخوان للحكم «عربيا» سيحقق عدة مكاسب للغرب وأميركا، فهم سيحاربون التيارات الجهادية هذه المرة باسم الدين نفسه وليس باسم الوطنية «العلمانية»، وهم سيحافظون على سلامة الحدود والعلاقات مع إسرائيل، هذه المرة باسم «الجهاد» نفسه، ولن يغيروا كثيرا إلا في بعض «الرتوش»، ويبقى المهم هو الحفاظ على المصالح الكبرى، ولم لا؟ بغطاء شرعي جماهيري.
هل يلام الأميركيون؟ الأكيد أنهم يبحثون عن مصالحهم، سواء بالعمامة أو الطربوش أو القبعة.. لكن كم هو العمر الافتراضي لهذه التجربة الأميركية هذه المرة؟ وكم ستدفع الشعوب ثمنا لها من العمر؟
يبقى سؤال أخير حتى لو جارينا التفكير «البراغماتي» الأميركي، وهو: هل وصول الإخوان للحكم في العالم الإسلامي، سيكبح عنفوان وتزمت الجماعات الدينية، أم سيطلقه من عقاله في سباق خطير نحو «التسلح» الأصولي على غرار التسلح النووي؟ مجرد سؤال على خلفية ما يجري في تونس وغزة ومصر هذه الأيام.
--------------------------
- الشرق الأوسط