الآن تحضر داعش بأفعال قلما رأت البشرية شبيها لبشاعتها، وبتسونامي إعلامي يوصل تلك الأفعال إلى مليارات كوكبنا السبعة؛ فلا أحد يتذكر هيروشيما، ولا تمزيق العراق وقتل ما لا يقل عن مليون إنسان، ولا عن افغانستان، ولا عن السكوت على استخدام أسلحة كيماوية، ولا عن السكوت على جرائم إسرائيل. داعش تعيد الحياة لقيادة أمريكا للحلفاء؛ فلا تسمع اليوم إلا العبارة الأمريكية السحرية:” حلفاؤنا “. كل ذلك التقاعص الأمريكي والرخاوة امام الروس وكل تلك الاتهامات لإوباما بضياع الشور وخذلان العالم الحر يسحبه ثقب داعش الأسود؛ لتصل الأمور إلى ترجي أمريكا بالتدخل في وجه الإجرام. حتى “نظام” دمشق سحب مقولته ” الحرب الكونية على سورية بقيادة أمريكا ” وترجاها أن يكون إلى جانبها في محاربة داعش التي عاش على أفعالها.
إسرائيل التي اقتلعت الفلسطينيين من أرضهم وارتكبت مجازر بحقهم ودمرت بيوتهم وحياتهم ممتنة لداعش التي جسدت لها مقولاتها بانها تعيش في محيط إرهابي يهدد وجودها. الانشغال بداعش والحديث عن ظلاميتها ووحشيتها أدخل ما فعلته إسرائيل بغزة واهلها مؤخراً، وطمرمصادرة آلاف الدونومات من الأراضي الفلسطينية في الثقب الأسود لداعش.
” الجمهورية الإسلامية الإيرانية ” ممتنة لداعش لأنها كانت أفضل من يسوق لها نسختها من ” الإسلام الشيعي المعتدل ” بعد أن أحرجتها تدخلات حزب الله ولواء أبو الفضل العباس الدموية في سورية. لولا مساهمة إيران، لما أُزيح المالكي للتفرغ لداعش. وهذه ورقة قدمتها إيران مغصوبة، لأنها كانت أكثر المستفيدين( بعد نظام الأسد) من داعش. الآن تجد نفسها في صف الإجماع الدولي؛ وتحاول إشراك واليها في دمشق بالمهمة؛ وإن فشلت، ستقدم رأسه إكراما للمحفل الدولي؛ وكل ذلك من مفاعيل داعش؛ فلا بد لها من شكرها في النهاية.
بقي “النظام” السوري أكثر المستفيدين من داعش حتى صدور القرار 2170. مكابراً ومتظاهراً بالارتياح، حاول “النظام” فورا أن يحشر نفسه مع المجتمع الدولي، فوجد نفسه مضطرا لقتالها بعد أن رعاها كقفاز ذبح فيه الشعب السوري. رغم انقلاب السحر على الساحر مؤخراً، إلا أن “النظام” من أكثر الشاكرين والممتنين لداعش؛ فهي لم تكن إلا الثقب الأسود الذي ابتلع مذابحه وجرائمه. داعش أزاحت الأنظار عن الطائرات والصواريخ والبراميل التي استخدمها على شعبه متذرعاً انه يقاوم الإرهاب. داعش أزاحت الأنظار عن استخدامه للسلاح الكيماوي لقتل شعبه. غطت جرائم “النظام” على أفعال النازية – بحكم استهدافه لشعبه – فأتت داعش لتشكل منصة سعى ” النظام” من خلالهاالعودة او القفز إلى ساحة التأهيل عبر عرضه خدماته واستجدائه المشاركة في محاربتها. من جانب آخر، أعطت داعش حاضنته ومؤيديه مبرراً للبقاء إلى جانبه، فرغم أزمة الضمير المحتملة لديهم إلا أن إجرام داعش كان يساعدهم في المرافعة وفي تبرير ما يرتكبه من اعمال بربرية. داعش جعلت من يقاوم “النظام” في حالة إرباك واهتزاز مصداقية. لقد كان وقع صورقطع الرؤوس الذي نُسب لداعش ناسفاً وساحقاً وماحقاً لوقع استخدام النظام للسلاح الكيماوي. وازاحت صور آكل الأكباد صور 11000 ضحايا تعذيب في سجون النظام. إذا كان النظام ممتناً لإيران وروسيا في دعمهما له في البقاء؛ فحري به أن يتقدم بأسمى آيات الشكر لداعش التي قدمت له اهم تسويقاً لمقولته الأساسية بأن من يقف في وجهه ليس شعب سورية وإنما الإرهاب. لسوء حظه، على أي حال، تعود تلك التحية صفعة قاتلة إلى وجهه.
يبقى شعب سورية الجهة الوحيدة التي لا فضل لداعش عليها؛ بل الجهة الأساسية المتضررة، ليس فقط منها بل مِن كل مَن جنى، مِن وجود أو إيجاد داعش على الساحة السورية. فبقدر ما جنت القوى الغاشمة الذكورة أعلاه من داعش، بقدر خسارته المريرة من وجودها او إيجادها. الكل اشترك بقتله، وسحبت داعش إجرامهم إلى ثقبها الأسود. “النظام” أزاح شعب سورية كمقاوم للاستبداد؛ ونصّب من نفسه مقاوماً لإرهاب داعش لا لثورة شعب يريد الحرية. ضاع شعب سورية بين إرهاب دكتاتورية النظام ودكتاتورية إرهاب داعش. داعش شوّهت صورة السوري امام العالم وأنسته قضية هذا الشعب في مقاومة استبداد وإجرام النظام. من أراد الوقوف إلى جانبه تذرع بداعش خائفاً من وصول السلاح الذي قد يسعفه به للدفاع عن نفسه لأيدي داعش. والأصعب من كل ذلك مطلوب منه الآن أن يوجد الأرضية السياسية المناسبة والحاضنة المناسبة لقتال داعش؛ وهو المتضرر الأساسي من وجودها؛ أي عليه دفع ثمن الطلقة التي يُقتل بها.
ليزبد العالم ويرعد ويتوعد بالطريقة التي يشاء، فإنه مساهم بخلق هذا التكوين الأشوه لرمي قاذوراته ؛ في النهاية طابخ السم آكله؛ ولكن القوي كأمريكا وربيبتها كالمنشار: في حياة داعش يكسبون وفي مماتها يربحون. من جنى من داعش في حياتها حتى القرار 2170، سيكون أكبر الخاسرين؛ وأكثر المستفيدين من وأد الداعشية سيكون من تضرر من وجودها.
------------------------
كلنا شركاء