محمد الطيب غزال المكنى بأبي الطيب، والملقب بحسب الثوار بشيخ المجاهدين، ولد عام تسعة وثلاثين من القرن الماضي، في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وعندما لاحت بشائر الثورة كان أبو الطيب قد تجاوز عتبة عامه السبعين، لكنه ومنذ اللحظة الأولى اشتعل فيه الشباب والهمة، وعند أول صرخة انطلق يحفز أبناءه وأحفاده، للبذل مهما كان الثمن، وكان في كل ذلك يتقدمهم، ليعطي أفضل مثال للقدوة.
وحين فُرض على السوريين الكفاح المسلح لمواجهة العنف المفرط من جانب النظام المجرم، لم يبخل أبو الطيب من ماله فقام بشراء ما قدر عليه من سلاح، وحمل بندقيته متقدماً الأبناء والأحفاد مستلهماً عزيمة الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري الذي بقي مجاهداً لآخر حياته.
الكفاح المسلح
بدأ أبو الطيب كفاحه المسلح في الخطوط الأولى وارتقى فيها، وكانت الشرارة من معارك تحرير مدينة الباب في شهر آب 2012 وتحرير كتيبة الرادار في الشعالة بالقرب من مدينة الباب، ثم انتقل الى حلب لينضم ومجموعته إلى صفوف الجيش الحر منخرطاً في لواء التوحيد، بعد إعلانه تشكيل كتيبة (أحفاد المصطفى) جل عناصرها من الأبناء والأحفاد البالغ عددهم نحو أربعين فرداً.
بدأت مشاركته في مقارعة قوات النظام في أحياء حلب القديمة وخاض معارك ضارية في سوق الموازين وسوق البرتقال، ثم انتقل للمشاركة في معارك أحياء سيف الدولة وصلاح الدين والإذاعة، حيث المواجهات الأعنف والأقوى في حرب شوارع التي تحتاج همة الشباب وسرعتهم بالتنقل من شارع إلى شارع، ومن بناء إلى آخر تحت وابل من قصف المدفعية والطيران، ومشاركة قوية للقوات الخاصة والحرس الجمهوري التي تعتبر النخبة في جيش النظام، ثم شارك مع كتيبته في معركة تحرير اللواء 80، ومعارك تحرير مدينة الطبقة، خاتماً مشواره النضالي الزاخر بالبطولات في معركة تحرير عدة أبنية في حي سيف الدولة زادت عن عشرين مبنى وأسر عدد من عناصر النظام، لطالما لهج بصوته عالياً بمعاملتهم بمقتضى الدين والأخلاق والعرف.
المعركة الأخيرة
قبل يومين من معركته الأخيرة طلب منه أولاده الذهاب في إجازة لإبعاده عن المعركة التي تحتاج إلى لياقة عالية وسرعة في الجري وخفة في الحركة والمناورة وتعتبر من أصعب المعارك حتى على الجيوش المحترفة، وعندما علم أن أبناءه يخططون للمعركة، استقل سيارة وجاء مسرعاً إلى حلب ليلتحق بهم، قائلاً لهم: (ما أنتم أرجل مني، ولا مشتاقين للجنة أكثر مني).
كان فجر يوم الاثنين في الخامس والعشرين من شهر آذار 2013 حيث أيقظ الجميع وصلى بهم الفجر إماماً، شاحذاً الهمم رافعاً المعنويات، مذكراً بمعاني التضحية والشهادة، بعد أن كان اطمأن على تجهيز لوازم المعركة من سلاح وعتاد وذخيرة وطعام، كقائد متمرس، تالياً عليهم وصيته بعدم إيقاف المعركة في حال أصيب أو استشهد، وإبقائه في أرض المعركة حتى انتهائها وختم "بعدها ليأخذني أحد أبنائي ويواريني الثرى في مسقط رأسي، وأن تحافظوا على وحدتكم وتماسككم، ومبادئكم الوطنية والثورية".
خاض أبو الطيب الغمار فارساً مغواراً لا يشق له غبار، وكان يوم الاثنين، صائماً مستبشراً بلقاء وجه ربه العزيز الغفار، ملتحقاً بابنه إسماعيل وحفيده خليل اللذين سبقوه إلى الجنة كما كان يقول دائماً: (لا تحزنوا عليهم فقد سبقونا إلى الجنة).
في أحد شوارع حي سيف الدولة المرصود بقناص من قوات النظام، أصر أبو الطيب التغطية على المقاتلين، وكان يتقدمهم خارجاً من ذلك البناء إلى الشارع المرصود، وبعد عدة محاولات، تمكن منه القناص، وفاضت روح الشهيد إلى بارئها.
زادنا الهمة والأمل
كنت أُكثر من زياراتي له في مقره في حي سيف الدولة مستلهماً منه معاني الصبر والتحمل، متعلماً منه دروساً في التواضع والقيادة الرشيدة، من خلال تعامله مع عناصر كتيبته كأخ كبير يساهم في إعداد الطعام وجلي الصحون وتنظيف المقر وصيانة السلاح، وكان حريصاً على أن يكون له نوبة رباط كغيره من المقاتلين، وقد حاولت جاهداً تطبيق سلوكه وتعامله مع عناصره في المجلس العسكري.
كنت معجباً جداً بحسه وخطابه الوطني العالي وحذره رغم تدينه من تمدد الجماعات المتشددة والتنبيه لخطورتها، بأنها ستكون الخنجر المسموم في خاصرة الثورة.
تقاسيم وجهه الطيبة، وكأنها أبجدية تراصفت حروفها لتستقبلك بأبهى وأجل العبارات، لا أعرف أحداً في حلب التقى "أبو الطيب" إلا وخرج أسيراً لهذه الشخصية.
من مقولاته الشهيرة عندما كان أبناؤه وأحفاده يحثونه على إسراع الخطى أثناء قطع بعض الشوارع المرصودة بقناص النظام: (يا بني الطلقة التي ستصيبك مكتوب عليها اسمك، ما أصابك لم يكن ليُخطئَك وما أخطأك لم يكن ليُصيبك).
استشهد شيخ المجاهدين أبو الطيب ولكنه بقي حياً في ذاكرة السوريين ووجدانهم مُخلداً اسمه في صفحات مرصعة سيخُطها التاريخ بماء من ذهب إلى جانب عبد القادر الصالح وأبو الفرات والساروت والرائد ياسر العبود والمقدم محمد الخطيب والآلاف من أبطال الثورة السورية.
------------
تلفزيون سوريا