لا يأتي الدعم الغربي لأوكرانيا كونها بلداً أوربياً فقط كما يتحدث اليمين الأوربي، بل لأسباب أخرى أهمها وجودها على حدود أوربا الشرقية؛ مما يعني دق جرس الإنذار بين دول شرق أوربا والتي تشكل نطاق الحماية لأوربا، أيضاً هناك تخوف من رغبة بوتين بالتوسع غرباً في حال انتصر في أوكرانيا.
أدرك العالم ولو متأخراً بأنَّ ما يجري في أوكرانيا هو نتاج السماح لروسيا بالتدخل بشكلٍ فظ في سوريا، دون تحجيم دورها، الأمر الذي زاد من طموحات بوتين الشخصية بالعودة للساحة الدولية، وذلك من خلال استخدام وسيلتي القوة المفرطة في أوكرانيا والضغط على أوربا اقتصادياً من خلال التحكم بإمدادات النفط والغاز.
ما أربك حسابات بوتين هو الموقف الأوربي الموحّد ضده، وحزمة العقوبات المتتالية التي فرضها الغرب، الأمر الذي وضعه أمام خيارين لا ثالث لهما؛ الأول: الذهاب بعيداً في العمليات العسكرية مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك، سواء أدى ذلك إلى عزل روسيا دولياً أو إلى خسارتها اقتصادياً وسياسياً.
والثاني: التراجع عن عمليته العسكرية والظهور بمظهر الخاسر، الأمر الذي يتعارض مع طبيعة بوتين الشخصية وكذلك العقيدة العسكرية الروسية.
لذلك فإن الغرب مطالب اليوم بأن يُخرج بوتين من الورطة التي وقع فيها الجميع، بأقل الخسائر للغرب وبإيحاء النصر لبوتين، فحشر بوتين في الزاوية سيدفعه للتورط أكثر والتصعيد بصورة أكبر.
لذلك يعمل الأمريكان، بعد نهاية الشهر الأول للغزو الروسي، وبعد استيعاب صدمة الهجوم الروسي، على خطين متوازيين؛ الأول دعم الأوكران بالسلاح الدفاعي وليس الهجومي بالتزامن مع التصعيد الإعلامي.
والثاني ترك المجال لبوتين بالتراجع إلى حدود الدونباس ولوغانسك، والتوصل لاتفاق يظهر به بوتين وكأنه حقق الهدف من حملته العسكرية دون ظهوره بمظهر المنهزم.
السؤال الذي يطرح نفسه في حال حدوث اتفاق سياسي بين الأوكران والروس؛ هل سيعيد بوتين مغامرته العسكرية في مكان آخر أم أنه استوعب الدرس؟
والسؤال الذي يهمنا كسوريين؛ هل سينعكس ذلك على الأرض السورية، وهل سيكون انعكاسه سلباً أم إيجاباً؟
يبقى حديث الرئيس الأوكراني زيلينسكي لمن يلتقيهم؛ بأنه لو تمَّ لجم روسيا في سوريا لما حدث ما حدث في أوكرانيا.
فهل يعود العالم لسياسة الردع المبكر مستفيداً مما يحدث، أم سيقول الأوكران: "أكِلنا يوم تُرِكت سوريا وحيدةً لأنياب الدب الروسي!".
----------
الطريق