قبل شهور طويلة، كانت الثورة السورية في نصاعتها الأولى، مظاهرات سلمية بامتياز، وتمرد شعبي يخلع القلب، بدأ ببراءة أطفال كتبوا على الجدران عبارة 'الشعب يريد إسقاط النظام'، وجرت مواجهة البراءة بالغلظة والوحشية، وبخلع الأظافر والتعذيب الهمجي، فانفجرت 'درعا' البطلة، والتي كانت أول الغيث في هطول مطر الجموع على أسفلت الشوارع، ومشت رغبة التغيير إلى مدن أخرى، وإن صمتت حلب الشهباء ولا تزال، وأصمت دمشق الفيحاء آذانها، إلا من غضب ظاهر على حوافها، وفي ريف دمشق بالذات من 'دوما' إلى 'الزبداني'.
وتبدو سورية الآن، وكأنها معلقة على مشنقة انتظار طويل، ثارت ولم تنتصر ثورتها إلى الآن، ونزفت ولم يتوقف القمع، وصار خبزها دمها، وخبرها اليومي قوافل من شهداء جدد، يسقطون بيد نظام لم يطلق رصاصة منذ حرب 1973، ولم يتطلع إلى تحرير الجولان بقطرة دم، وأعد جيشا جــــرارا، لا لكي يحرر به شبر أرض، بل ليحتل نفوس الناس، ويحسب عليهــم شهقاتهم وزفراتهم، ويقتلهم بلا رحمة، وقد كان كل ذلك كافيا لضمان صمت الناس فيما مضى، لكنه لم يعد كذلك بعد ثورة الأطفال، فقد استيقظت سورية ببراءة ورودها، وغادرت مرابع الخوف، وعرفت قوة الناس حين يستيقظون من نومة أهل الكهف، وحين يغادرهم الفزع الثقيل الموروث، وحين تتفتح الأزهار من جراحهم، وتنمو حدائق الحرية فوق القبور، فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.
كانت الثورة السورية في سيرتها الأولى مثالا دراميا رائعا، حفظت تفوقها الأخلاقي بطبيعتها السلمية التامة، لم يخالطها ميل طائفي، ولا ميل لمبادلة القتل بالقتل، لكن إمعان النظام في القتل خرج بها عن طبيعتها الأولى، ودخلت على الخط ضلالات أغرت بها وقائع التجربة الليبية، والتي بدأت بثورة سلمية صافية تحولت بعدها إلى حرب دمار أهلي، وجرت الاستعانة بتدخل أجنبي أطفأ فرحة ليبيا بنهاية الديكتاتور القذافي، وحول ليبيا بعد القذافي إلى دولة افتراضية موزعة على سلطات مدن وميليشيات لجماعات، وكان الإغراء الليبي مسيئا لنصاعة وسلمية وذاتية الثورة السورية، تغير علم التظاهر على الطريقة اللليبية، وجرت محاولات لخلق 'بنغازي' سورية، وجرى سحب الثورة السورية لإرتهان خارجي، وكانت تلك فرصة النظام لتصعيد قمعه الدموي، واثبات دعواه عن وجود ميليشيات مسلحة وجماعات إرهاب، وتدخل أجنبي لتسليح وتنظيم متمردين، وتسعير الصراع الطائفي، وجر البلد إلى حرب أهلية طاحنة، غاب معنى الثورة، وبرز معنى الحرب الأهلية، وبدت سورية وكأنها دخلت أو تكاد إلى النفق المظلم، بدت الثورة السورية محتجــــزة، وقفـــزت إلى المشهد قيادات تطفلت على نزيف الدم، وادعت لنفسها دورا قياديا لم يكن لها في أي وقت، وارتزقت على موائد العواصم الخليجية والغربية، وغسلت وجه النظام الكئيب القاتل الناهب، ومنحته وجها وطنيا مستعارا لم يكن له أبدا، وعززت - عمليا - دعواه بأنه يخوض معركة وطنية ضد التدخل الأمريكي الغربي وتابعه الخليجي، وكان غريبا ومثيرا للسخرية ان يجري تصوير الملك عبد الله عاهل السعودية، وكأنه بطل الثورة العربية وسند الثورة السورية، ومع أن الملك - إياه - لا يسمح لشعبه بمجرد انتقاد حكمه، أو حتى إبداء ملاحظة، ويعتبر حكمه - مع كهنته - أن المظاهرات حرام وكفر بواح، وأن كلمة ثورة شرك بالله.. وبجلالة الملك.
ولأن الحق لا يضاد بعضه بعضا، فمن الضروري كشف اختلاط الأوراق على ساحة سورية النازفة، فالثورة حق لا مراء فيه، وإسقاط النظام السوري هو الحق كله، وتماما كما أن من حق الناس إسقاط النظام السعودي، وغيره من نظم القهر العربية الديناصورية، والنظام السوري لا يمثل الشعب السوري، ودستوره الجديد لا يفيد في تجميل الوجه القبيح، ودستوره الحقيقي هو القتل والنهب والتدمير، كما أن معارضة الخارج المريبة لا تمثل الشعب السوري، وبعض وجوهها في مرتبة العمالة الصريحة، وكلها تتطفل على عذاب الشعب السوري، وتستحلب ثورته، وتخنقها عمليا، وتقدم خدمة جليلة للنظام من حيث تدري أو لا تدري، فلم يثر الشعب السوري من أجل تنصيب زيد أو عبيد، ولا من أجل تحويل سورية إلى بلد محطم مفكك، أو إلى إمارة تابعة للخلافة الأمريكية، بل ثار الشعب السوري لتحطيم الديكتاتورية الباغية السارقة، ومن أجل تحصين استقلال سورية بحرية شعبها، ولا يوجد ثوري حقيقي يقبل بنجدة استعمارية، وسيناريو احتلال وضياع العراق ليس قابلا للتكرار في سورية، تماما كما أن سيناريو الهوان الليبي ليس واردا، ومثل هذه السيناريوهات تخاصم معنى الثورة، فكرامة الشعب وكرامة الوطن صنوان لا يفترقان، وفك 'العروة الوثقي' لا يقود سوى إلى مذابح أفظع مما يجري في سورية الآن بآلاف المرات، والتورط في الخطيئة يجعل السوريين كالمستجير من الرمضاء بالنار، والحل هو أن تستقر النجوم في مداراتها، وأن تصمد الثورة السورية في ساحاتها ووسط عذاباتها، وبصورة سلمية تامة تستعيد للثورة تفوقها الأخلاقي، وأن تثبت عليه واثقة بنصر الله، وأن تفضح دموية النظام، وأن تصل به إلى حافة الهزيمة التي لا مفر منها في النهاية، وأن تفض صمت دمشق وحلب بالذات، وقتها سوف تتزايد ظاهرة انشقاقات الجيش، ويزيد الشقاق والانشقاق في رأس الحكم المنهك، وتنتصر الثورة لسورية لا على سورية.
وتبدو سورية الآن، وكأنها معلقة على مشنقة انتظار طويل، ثارت ولم تنتصر ثورتها إلى الآن، ونزفت ولم يتوقف القمع، وصار خبزها دمها، وخبرها اليومي قوافل من شهداء جدد، يسقطون بيد نظام لم يطلق رصاصة منذ حرب 1973، ولم يتطلع إلى تحرير الجولان بقطرة دم، وأعد جيشا جــــرارا، لا لكي يحرر به شبر أرض، بل ليحتل نفوس الناس، ويحسب عليهــم شهقاتهم وزفراتهم، ويقتلهم بلا رحمة، وقد كان كل ذلك كافيا لضمان صمت الناس فيما مضى، لكنه لم يعد كذلك بعد ثورة الأطفال، فقد استيقظت سورية ببراءة ورودها، وغادرت مرابع الخوف، وعرفت قوة الناس حين يستيقظون من نومة أهل الكهف، وحين يغادرهم الفزع الثقيل الموروث، وحين تتفتح الأزهار من جراحهم، وتنمو حدائق الحرية فوق القبور، فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.
كانت الثورة السورية في سيرتها الأولى مثالا دراميا رائعا، حفظت تفوقها الأخلاقي بطبيعتها السلمية التامة، لم يخالطها ميل طائفي، ولا ميل لمبادلة القتل بالقتل، لكن إمعان النظام في القتل خرج بها عن طبيعتها الأولى، ودخلت على الخط ضلالات أغرت بها وقائع التجربة الليبية، والتي بدأت بثورة سلمية صافية تحولت بعدها إلى حرب دمار أهلي، وجرت الاستعانة بتدخل أجنبي أطفأ فرحة ليبيا بنهاية الديكتاتور القذافي، وحول ليبيا بعد القذافي إلى دولة افتراضية موزعة على سلطات مدن وميليشيات لجماعات، وكان الإغراء الليبي مسيئا لنصاعة وسلمية وذاتية الثورة السورية، تغير علم التظاهر على الطريقة اللليبية، وجرت محاولات لخلق 'بنغازي' سورية، وجرى سحب الثورة السورية لإرتهان خارجي، وكانت تلك فرصة النظام لتصعيد قمعه الدموي، واثبات دعواه عن وجود ميليشيات مسلحة وجماعات إرهاب، وتدخل أجنبي لتسليح وتنظيم متمردين، وتسعير الصراع الطائفي، وجر البلد إلى حرب أهلية طاحنة، غاب معنى الثورة، وبرز معنى الحرب الأهلية، وبدت سورية وكأنها دخلت أو تكاد إلى النفق المظلم، بدت الثورة السورية محتجــــزة، وقفـــزت إلى المشهد قيادات تطفلت على نزيف الدم، وادعت لنفسها دورا قياديا لم يكن لها في أي وقت، وارتزقت على موائد العواصم الخليجية والغربية، وغسلت وجه النظام الكئيب القاتل الناهب، ومنحته وجها وطنيا مستعارا لم يكن له أبدا، وعززت - عمليا - دعواه بأنه يخوض معركة وطنية ضد التدخل الأمريكي الغربي وتابعه الخليجي، وكان غريبا ومثيرا للسخرية ان يجري تصوير الملك عبد الله عاهل السعودية، وكأنه بطل الثورة العربية وسند الثورة السورية، ومع أن الملك - إياه - لا يسمح لشعبه بمجرد انتقاد حكمه، أو حتى إبداء ملاحظة، ويعتبر حكمه - مع كهنته - أن المظاهرات حرام وكفر بواح، وأن كلمة ثورة شرك بالله.. وبجلالة الملك.
ولأن الحق لا يضاد بعضه بعضا، فمن الضروري كشف اختلاط الأوراق على ساحة سورية النازفة، فالثورة حق لا مراء فيه، وإسقاط النظام السوري هو الحق كله، وتماما كما أن من حق الناس إسقاط النظام السعودي، وغيره من نظم القهر العربية الديناصورية، والنظام السوري لا يمثل الشعب السوري، ودستوره الجديد لا يفيد في تجميل الوجه القبيح، ودستوره الحقيقي هو القتل والنهب والتدمير، كما أن معارضة الخارج المريبة لا تمثل الشعب السوري، وبعض وجوهها في مرتبة العمالة الصريحة، وكلها تتطفل على عذاب الشعب السوري، وتستحلب ثورته، وتخنقها عمليا، وتقدم خدمة جليلة للنظام من حيث تدري أو لا تدري، فلم يثر الشعب السوري من أجل تنصيب زيد أو عبيد، ولا من أجل تحويل سورية إلى بلد محطم مفكك، أو إلى إمارة تابعة للخلافة الأمريكية، بل ثار الشعب السوري لتحطيم الديكتاتورية الباغية السارقة، ومن أجل تحصين استقلال سورية بحرية شعبها، ولا يوجد ثوري حقيقي يقبل بنجدة استعمارية، وسيناريو احتلال وضياع العراق ليس قابلا للتكرار في سورية، تماما كما أن سيناريو الهوان الليبي ليس واردا، ومثل هذه السيناريوهات تخاصم معنى الثورة، فكرامة الشعب وكرامة الوطن صنوان لا يفترقان، وفك 'العروة الوثقي' لا يقود سوى إلى مذابح أفظع مما يجري في سورية الآن بآلاف المرات، والتورط في الخطيئة يجعل السوريين كالمستجير من الرمضاء بالنار، والحل هو أن تستقر النجوم في مداراتها، وأن تصمد الثورة السورية في ساحاتها ووسط عذاباتها، وبصورة سلمية تامة تستعيد للثورة تفوقها الأخلاقي، وأن تثبت عليه واثقة بنصر الله، وأن تفضح دموية النظام، وأن تصل به إلى حافة الهزيمة التي لا مفر منها في النهاية، وأن تفض صمت دمشق وحلب بالذات، وقتها سوف تتزايد ظاهرة انشقاقات الجيش، ويزيد الشقاق والانشقاق في رأس الحكم المنهك، وتنتصر الثورة لسورية لا على سورية.