نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


زلزال قضائي في الولايات المتحدة






قضية "رو ضدّ وايد" من أشهر القضايا التي ناقشتها المحكمة العليا الأميركية. في عام 1970، رفعت نورما ماكورفي، وكانت تعرف وقتها باسم مستعار، جين رو، لحماية هويتها، دعوى قضائية ضد هنري وايد، المدعي العام لمقاطعة دالاس، تكساس، حيث كانت المدّعية تقيم، متحدّية قانون تكساس الذي يجرّم الإجهاض باعتباره غير قانوني إلا إذا أقرّ الطبيب أن الحمل يشكّل خطراً "مميتاً" على المرأة. وقالت رو، في الدعوى، إن قوانين الولاية كانت غامضة بشكل غير دستوري، وتحدّ من حقها في الخصوصية الشخصية الذي تحميه التعديلات الدستورية، الأول والرابع والخامس والتاسع والرابع عشر.


وصلت القضية إلى المحكمة العليا التي قرّرت، بعد سجال طويل ومعمّق، أن التعديل الرابع عشر يحمي الحق في الخصوصية، ويقع حقّ المرأة في اختيار الإجهاض ضمنه. وأقرّت المحكمة أن قانون الولاية الذي يحظر الإجهاض على نطاق واسع من دون مراعاة لمرحلة الحمل أو أي مصالح أخرى ينتهك هذا الحق.

كانت نتيجة ذلك أن النساء بتن يتمتّعن في الولايات المتّحدة بما تتمتّع به النساء في مختلف الدول الديمقراطية، الحق في الإجهاض قبل أن يصبح فيه الجنين قادراً على العيش خارج الرحم، أي نحو 24 أسبوعاً من أصل 39 أسبوعاً، هي المدّة المتعارف عليها للحمل. وكان القرار انقلاباً حقيقياً في مجال حقوق المرأة الأميركية، وسبباً مفهوماً لاحتفالات الليبراليين الأميركان بأكبر انتصار لهم منذ تحرير العبيد في 1863. في المقابل، لم يمرّ وقت من دون أن يحاول المحافظون اليمينيون الطعن فيه، مرّة ومرّة، ولكن القانون قاوم ذلك كله، واستمرّ.

الولايات المتحدة في طريقها إلى التضييق على الحريات الاجتماعية والسياسية، وسيسعد ترامب وأنصاره كثيراً بأي تشريع يكمّم الأفواه

اليوم، نحن على وشك أن نرى ذلك الانتصار معكوساً، ونشهد نكوصاً في الزمن نصف قرن إلى الوراء، على طريقة الخطف خلفاً، فيوم الإثنين الماضي (2 مايو/ أيار) جرت حادثة غريبة من نوعها في الولايات المتحدة، إذ نشر موقع بوليتيكو تسريباً من المحكمة الأميركية العليا عن مسوّدة قرار لإلغاء "رو ضدّ وايد"، بتأييد خمسة قضاة محافظين، ثلاثة بينهم عيّنهم رجل شبه أمي يحتقر النساء، هو الرئيس السابق دونالد ترامب الذي ساعدت سنوات رئاسته الأربع على نمو الأفكار اليمينية الشعبوية الرخيصة التي تشجّع العنصرية، وتحتقر النساء والملوّنين والأقليات واليهود، وتروّج ثقافة الهمجية وانعدام اللياقة السياسية والمجتمعية وازدراء العلم، ودفع نظريات المؤامرة وتشجيع حمل السلاح واستخدامه.

ولأن أميركا قائدة العالم الديمقراطي (وشبه الديمقراطي)، سرعان ما انتشرت الشعبوية شرقاً، فاجتاحت دولاً عديدة في أوروبا. ولنا في بولندا وهنغاريا مثلان ساطعان، بل ولنا أيضاً، في مثل آخر، في عدد الأصوات التي استطاعت مارين لوبان حصدها في الانتخابات الرئاسية في فرنسا، ورغم أنها لم تفز في الرئاسة، فقد عزّزت لوبان مواقعها بشكل غير مسبوق. على أننا لا يمكننا أن نلوم ترامب منفرداً، فالنزوع الشعبوي بات عنصراً ملازماً للجمهوريين الأميركان منذ سنوات، وقد ذهب، ربما من دون رجعة، العصر الذي كان فيه النواب الجمهوريون (والديمقراطيون) يصوّتون وفق قناعاتهم، حتى ولو كان ذلك ضدّ حزبهم، وانتهى الزمن الذي مضى فيه نواب جمهوريون إلى الرئيس ريتشارد نيكسون، ليقولوا له إن عليه أن يستقيل.

وحين توفي القاضي في المحكمة العليا، أنطونين سكاليا، في أول عام 2016، عيّن الرئيس باراك أوباما القاضي المعتدل ميريك غارلاند بديلاً عنه للمحكمة العليا، ولكن زعيم الأغلبية وقتها، ميتش ماكونيل، منع تقديم المرشّح للتصويت في مجلس الشيوخ، بحجّة أن أوباما في سنته الأخيرة، وأن الرئيس المقبل هو من يجب أن يعيّن البديل، مع أن أوباما كان لا يزال أمامه نحو 11 شهراً قبل انتهاء عهده. وماكونيل نفسه لم يتوان عن تقديم مرشّحة الرئيس ترامب المتعصّبة إيمي كوني باريت قبل أسابيع من انتهاء عهده.

 خمسة قضاة في المحكمة العليا مغرِقون في المحافظة، بينهم امرأتان، وبينهم قاضٍ أسود، وبينهم رجلان اتهما بالاغتصاب قبل تبوئهما قوس المحكمة

لم يكن الحال كذلك على الدوام. في عام 1973 صوّت خمسة قضاة أميل إلى المحافظة، وعينهم رؤساء جمهوريون، تأييداً للسيدة رو في صراعها ضدّ ولاية تكساس، في انتصار تاريخي حقيقي. بل كان القاضي الذي صاغ القرار، هاري بلاكمون، محافظاً وقريباً من الجمهوريين، وقد عيّنه الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون. اليوم، وبعد نصف قرن، يمكنك أن تعتقدَ أن المحكمة العليا ستكون أكثر انفتاحاً وليبرالية واعترافاً بحقوق النساء، ولكنك ستفاجأ بأن خمسة قضاة مغرِقين في المحافظة، بينهم امرأتان، وبينهم قاضٍ أسود، وبينهم رجلان اتهما بالاغتصاب قبل تبوئهما قوس المحكمة، سيقرّرون خلال أيام أن الإجهاض غير قانوني في الولايات المتحدة. وبينما القانون الفيدرالي يسمح بالحرية للولايات، وبالتالي، لن يتأثر الإجهاض في ولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك وواشنطن وكولورادو، فإن حوالي نصف الولايات ستُجبر بعض النساء على الولادة ضدّ إرادتهن، وسيشمل ذلك النساء جميعاً، بمن فيهنّ المغتصبات والمريضات وصغيرات السن، بدون تمييز.

ستسافر بعضهن إلى ولاياتٍ لا يزال الإجهاض فيها قانونياً؛ وسيزيد ذلك من الضغط على تلك الولايات. ولكن الأسوأ سيكون قيام النسوة اليائسات ممن لا يستطعن السفر بعمليات إجهاض غير قانونية. ينتهي المطاف ببعض النساء في السجن أو في المستشفى، أو في كليهما، وقد يؤدّي ذلك إلى وفاة بعضهن. ولكن قضاة المحكمة العليا لا يهتمون بذلك. لا يهتمون بفتاةٍ اغتصبها أحد أفراد العائلة، أو أم عزباء فقيرة تربي ولدين، ولا طاقة لها على الحمل والولادة ورعاية طفل ثالث، أو طالبة في المدرسة الثانوية حملت خطأ، وسيؤدّي حملها إلى تدمير تعليمها ومستقبلها. وهم قطعاً لا يهتمون بحقيقة أن أكثر من 75% من الأميركيين يؤيّدون حقّ المرأة في التصرّف في جسدها، وأن مئات ألوف الأميركيين خرجوا للتظاهر في الشوارع، رفضاً لمحاولة المحكمة القضاء على هذا الحقّ.

باختصار، لن تبدو أميركا ما بعد نقض رو ضد وايد مثلها ما قبل ذلك. فقبل قضية رو، نادراً ما كانت النسوة يحاكَمن بتهمة الإجهاض، على الرغم من أنهن كن يتعرّضن للتهديد في بعض الأحيان بالملاحقة القضائية لحملهن على الشهادة ضد مقدّمي خدمات الإجهاض. الآن ستعامل النسوة اللواتي يقدمن على الإجهاض باعتبارهن قاتلات، وجرى بالفعل القبض على النساء المتهمات بإيذاء أجنّتهن عن طريق تناول أدوية مجهضة أو محاولة الانتحار هرباً من الحمل، وتمّ سجن بعضهن بالفعل.

انتهى الزمن الذي مضى فيه نواب جمهوريون إلى الرئيس نيكسون، ليقولوا له إن عليه أن يستقيل

في الماضي، كان العِلم هو من يقرّر متى يكون الإجهاض مبرّراً، واليوم، حيث لا يثق اليمين الشعبوي على نطاق واسع بالعلم والخبراء الطبيين، بل ويظهر لهم العداء والبغضاء علناً، فإن الهيئات التشريعية ستحاصر الأطباء بالتشريعات التي تمنعهم من تقرير الخطر الذي يحدِق ببعض الحوامل، وبالتالي إنقاذ حياتهن. وبين أعضاء تلك الهيئات من هو نفسه متّهم بالاغتصاب والاتجار بالفتيات، كالنائب مات غايتس، وبينهم أميّون وأميات، كالنائبة ماجوري تايلر غرين.

في الوقت الحالي، تتمتع النساء اللائي يعشن في الولايات الزرقاء (تحكمها حكومات وبرلمانات ديمقراطية) بأمان، ولكن ربما إلى حين، فقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الجماعات المناهضة للإجهاض وحلفاءها في الكونغرس يخطّطون، بالفعل، لفرض حظر على الإجهاض في جميع أنحاء البلاد، في حال استعاد الجمهوريون السلطة، وهو ما سيحدُث على الأرجح في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ما سيشمل كلّ النساء في كلّ الولايات، زرقاء كانت أم حمراء.

ودعونا لا نخدع أنفسنا. لن يقتصر الأمر على الإجهاض، فالولايات المتحدة في طريقها إلى التضييق على الحريات الاجتماعية والسياسية، وسيسعد ترامب وأنصاره كثيرا بأي تشريع يكمّم الأفواه ويحاصر الحريات الاجتماعية، ويخفّض قوانين الزواج، ويؤبّد سيطرة الرجل الأبيض على النساء جميعاً، كما هي على الملوّنين والسكان الأصليين والأقليات بكلّ أنواعها، العرقية والدينية والجنسية. وكم أرجو أن أكون مخطئاً.
--------
العربي الجديد


وائل السواح
السبت 7 ماي 2022