. التسميات مهمّة مع اختلاف أهدافها. بينما حرص الكرملين على تجنّب صفة الحرب كان في ذهنه البُعد الداخلي بالدرجة الأولى حيث صاغ الرئيس فلاديمير بوتين عقداً اجتماعياً – سياسياً مع الشعب الروسي يعطيه صلاحية الحكم الأوتوقراطي برضا الناس وينصّبه مسؤولاً عن الدفاع عن روسيا في وجه “الغرب المعادي” الذي لا يحترم روسيا ولا يسمع لها بل يحقّرها، بحسب الخطاب السياسي لبوتين.
لم يرد الرئيس القويّ أن يعلن لشعبه أنه أدخل روسيا في حرب مع الغرب في أوكرانيا أو في ذهنه احتلال الأراضي بشراسة، فأصرّ على إضفاء صفة “العمليات العسكرية الخاصة”. وبحسب مصادر روسية، “تكمن المفارقة في أن داخل روسيا ليس هناك إدراك شعبي لحجم الحرب” التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، “فالحكومة تريد تسوية هذه المسألة من دون مشاركة شعبية. ذلك أن انخراط الناس ووعيهم بما يجري سيؤدّيان الى تبعات مختلفة”. ووصف المصدر هذه المفارقة بأنها “سريالية قاطعة”.
ما يجري على الأرض في أوكرانيا ويدخل في إطار التصميم الاستراتيجي لروسيا يتطلّب بكل تأكيد التدمير الكامل لأوكرانيا والاحتلال الوحشي لسنوات آتية في وجه معارضة وحرب استنزاف. إنما المهم الآن للرئيس بوتين هو الربح والفوز بالأراضي والانتصار عسكرياً، لا سيّما في منطقة دونباس. رهان بوتين هو أن أوروبا لا تمتلك القدرات اللازمة لصدّ الاستراتيجية الروسية، وأوكرانيا ستتكبّد خسائر أكبر بكثير من الخسائر الروسية بالذات في المعركة على دونباس.
وعليه، إنه يرى ويقرأ المعادلة العسكرية بأنها في مصلحته لدرجة أنه قد لا يحتاج الى استخدام السلاح النووي التكتيكي. فهو في نظره منتصر يزحف للاستيلاء على الأراضي الأوكرانية الحيوية بأي ثمن، فيما الغرب يكتفي بضخ السلاح والمال والدعم السياسي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
المفاجأة قد تأتي أثناء قمّة “الناتو” المزمع عقدها في مدريد في 29 و30 حزيران (يونيو) الجاري والتي تتم الاستعدادات لها لتوجّه ردّاً قويّاً لبوتين ولمنع فوزه بدونباس ليزحف بعد ذلك الى خاركوف وكييف العاصمة. وبحسب مصادر مطّلِعة، فإن حلف الناتو يفكّر حالياً، ليس في كيفية ضمان الانتصار لأوكرانيا، وإنما في كيفية تعطيل العمليات العسكرية الروسية فوراً لإيقاف روسيا عن خططها واستراتيجيتها.
تقول المصادر إن دول “الناتو” تستعدّ “للتدخّل” في أوكرانيا في ما وصفته بأنه “عمليات عسكرية خاصة” حماية لسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها بما يتطابق قانونياً مع ميثاق الأمم المتحدة. الأهم في هذه الاستراتيجية هو التمييز بين الهجوم العسكري على روسيا وبين الهجوم العسكري على القوات الروسية المعتَدية داخل أوكرانيا حصراً. في أي حال، إن دخول “الناتو” بصورة مباشرة على خط العمليات العسكرية الروسية سيكون تحوّلاً نوعيّاً في الحرب الأوكرانية وفي المواجهة مع روسيا.
المنطق وراء هذا التفكير في صفوف “الناتو” هو أنه لا مناص من إيقاف روسيا وخططها المروّعة لأوكرانيا فوراً وقبل إتمام قضم الأراضي وبدء الاحتلال. هذا أولاً. ثانياً، لا تريد دول حلف الناتو أن تتحمّل مسؤولية البدء بحرب عالمية ثالثة، لذلك تريد استفزاز روسيا لتقوم هي بتوجيه ضربة عسكرية الى دولة عضو في حلف الناتو، إنْ كان في بولندا أو دول البلطيق، فتكون هي البادئة بحرب عالمية ثالثة تتحمّل عواقبها وتكون المسؤولة عنها.
القرار الأساسي هو أن الغرب لن يسمح لروسيا بأن تلحق الهزيمة بأوكرانيا، ولذلك، تتوقع الأوساط الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية أن تخرج قمّة “الناتو” بقرارات كبرى على نسق التدخّل العسكري لـ”الناتو” ضد القوات الروسية داخل أوكرانيا حصراً. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: من يكون البادئ بتوسيع رقعة “العمليات العسكرية الخاصة” بين روسيا و”الناتو” الى خارج الأراضي الأوكرانية، وما هو توقيت مثل هذا التطوّر ومنطقه، ومن سيدفع الثمن الأكبر له؟
التدخل المباشر لـ”الناتو” ضد القوات الروسية في حرب أوكرانيا قد يكون كارثة للخطط العسكرية الروسية، لا سيّما أن المسافة لطائرات “الناتو” أقصر بكثير من المسافة للطائرات الروسية الى المواقع الأوكرانية العسكرية. وفي رأي الغرب، حتى وإذا استخدمت روسيا السلاح النووي التكتيكي داخل أوكرانيا، فإن المسؤولية التي ستقع على أكتاف روسيا بسبب مثل هذا التطور، ستزيد من عزل روسيا وتحميلها العواقب. فبالنسبة الى “الناتو” من المهم قدرة الحلف على القول: روسيا فعلتها وعليها تقع المسؤولية.
قرار دخول “الناتو” طرفاً مباشراً ضد روسيا في الحرب الأوكرانية ليس سهلاً، بل قد يكون مُكلِفاً لبعض القيادات، من بينها القيادة الأميركية. لكن خسارة أوكرانيا الى روسيا مغامرة أكبر للقيادات في حلف الناتو ومن بينها الرئيس جو بايدن. وبحسب تقديرات “الناتو”، سيكون الحلف هو الرابح في نهاية المطاف إذا حسم المعركة العسكرية ضد القوات الروسية. أما في السيناريو النووي، فيرى الغرب أن في حال استخدام موسكو السلاح التكتيكي، فإن عزل روسيا سيكون كاملاً بمعنى قطع روسيا عن العالم بما في ذلك قطع الإنترنت عنها… وربما حينذاك يستيقظ الشعب الروسي ليدرك أبعاد حرب بوتين في أوكرانيا.
فلاديمير بوتين لن يتراجع أمام الغرب مهما كان. قد يحاول الاستفادة من عروض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنوع من الوساطة وعقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي، إنما حصراً ضمن شروطه المرفوضة من قِبَل زيلينسكي. يسعى بوتين لاستخدام نظيره التركي رجب طيب أردوغان لوضع العصا في دواليب خطط “الناتو”، لذلك يغض النظر عن التوسّع التركي في سوريا – وأنقرة مرتاحة وتستغلّ الفرصة بامتياز.
أما في مسألة التوتّر الإيراني – الإسرائيلي، لا يزال فلاديمير بوتين يرى أن تطوّر التوتّر الى مواجهة يخدم مصالحه، وهو رغم استعداده لمباركة اختتام مفاوضات فيينا بصفقة غربية نووية – نفطية مع إيران ليبدو رجل دولة ولاعباً دولياً، فإنه لا يمانع انهيار الصفقة ويرحب بالتصعيد بين حليفه الإيراني وبين إسرائيل التي خذلته، في رأيه. فأي ما يشكّل احراجاً وصعوبة للرئيس جو بايدن، إنما هو موضع استحسان لدى الرئيس فلاديمير بوتين.
أين وصلت مفاوضات فيينا بين إيران وكل من الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا؟ إنها في مرحلة بالغة الدقّة ولربما في العناية الفائقة لكنها لم تدخل بعد الموت السريري منه والنهائي. حتى الآن، لا تزال طهران تتمنى وتسعى وراء رفع العقوبات عنها لكنها لم تتمكن بعد من إيجاد صيغة الخروج من أزمة التصعيد التي اختلقتها مضطرةً، نزولاً عند إصرار “الحرس الثوري” شطب اسمه من قائمة الإرهاب. هذا الى جانب الأزمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA وعقدة آليات مراقبة برنامج إيران النووي.
الرئيس الأميركي يبحث مع فريقه ودول معنية في الخطة “باء” كما تسوّق إدارته إعلامياً ضمن وسائل الضغط على طهران. زيارته الى إسرائيل وإلى السعودية تأتي في إطار أوسع من مجرد الضغط من أجل الصفقة النووية. فهي زيارة التأكيد على ترسيخ علاقة التحالف النوعية الاستراتيجية مع إسرائيل. وهي زيارة استدراك للأخطاء التي وقعت فيها إدارة بايدن في مطلع تقويمها للعلاقات الأميركية – السعودية والأميركية – الخليجية والتي انطلقت في اتجاهٍ سلبي. فالمحطة السعودية محطة إعادة العقارب الاستراتيجية في الموازين الأميركية – السعودية وفي موازين علاقات واشنطن مع دول الخليج العربية. إنها أيضاً زيارة إبلاغ الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن الكيل طفح معها، وأن سلوكها الإقليمي قد فرض نفسه عمليّاً على المحادثات النووية.
القيادات الإيرانية متوتّرة بسبب المواقف الأميركية كما بسبب الممارسات الإسرائيلية الموجّهة ضد إيران في سوريا وفي الداخل الإيراني- لذلك أن طهران تتأهّب للرّد عبر ساحات الحروب بالنيابة، وكذلك تتأهّب للرد المباشر على إسرائيل في خطوة نوعية.
أحد المصادر المطّلِعة على التفكير في صفوف “الحرس الثوري” الإيراني نقلت عنه أنه يجهّز “لشيء جدّيّ” الأرجح بعد 20 حزيران. الأجواء الإيرانية – الإسرائيلية لا تبشّر خيراً، بل إن ملامح المواجهة العسكرية تزداد لا سيّما في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية في مطار دمشق والتي أدّت الى إغلاقه.
ما قد يلجم المواجهة هو زيارة بايدن، ذلك لأن إسرائيل قد تقرّر أن إحراج الرئيس الأميركي ليس في مصلحتها، وأن تدمير الصفقة النووية مع إيران برمتها سيورّطها عسكرياً. فإسرائيل ترى أن رعاية إدارة بايدن لتطوير علاقاتها مع الدول العربية، بالذات الخليجية، مسألة فائقة الأهمية لا تريد أن تعرّضها للتصدّع.
أما إيران، فإنها قد تقرر أن مصلحتها تقتضي الصبر الاستراتيجي الذي تتباهى به، وأن إبرام الصفقة النووية لرفع العقوبات الاقتصادية عنها يقع في مصلحتها أكثر من خيار الانتقام عسكرياً من إسرائيل أو أميركا، في حروب مباشرة أو حروب بالنيابة.
زئبقية التوعّد والتفاوض ليست مطمئنة، والخوف ليس فقط من استمرار لبنان والعراق وسوريا واليمن في دفع الفاتورة الإيرانية وإنما من إندلاع مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، بالرغم من استبعادها لأسباب تاريخية في العلاقة بين البلدين والشعبين.
أفسنخاف ونخاف كثيراً من مواجهات غير اعتيادية في الساحتين الأوروبية والشرق أوسطية؟ أو أن هناك قطبة خفيّة لاحتواء المواجهات الكبرى؟ عسى خيراً في زمن زئبقية عسكرة الديبلوماسية.
النهار العربي
لم يرد الرئيس القويّ أن يعلن لشعبه أنه أدخل روسيا في حرب مع الغرب في أوكرانيا أو في ذهنه احتلال الأراضي بشراسة، فأصرّ على إضفاء صفة “العمليات العسكرية الخاصة”. وبحسب مصادر روسية، “تكمن المفارقة في أن داخل روسيا ليس هناك إدراك شعبي لحجم الحرب” التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، “فالحكومة تريد تسوية هذه المسألة من دون مشاركة شعبية. ذلك أن انخراط الناس ووعيهم بما يجري سيؤدّيان الى تبعات مختلفة”. ووصف المصدر هذه المفارقة بأنها “سريالية قاطعة”.
ما يجري على الأرض في أوكرانيا ويدخل في إطار التصميم الاستراتيجي لروسيا يتطلّب بكل تأكيد التدمير الكامل لأوكرانيا والاحتلال الوحشي لسنوات آتية في وجه معارضة وحرب استنزاف. إنما المهم الآن للرئيس بوتين هو الربح والفوز بالأراضي والانتصار عسكرياً، لا سيّما في منطقة دونباس. رهان بوتين هو أن أوروبا لا تمتلك القدرات اللازمة لصدّ الاستراتيجية الروسية، وأوكرانيا ستتكبّد خسائر أكبر بكثير من الخسائر الروسية بالذات في المعركة على دونباس.
وعليه، إنه يرى ويقرأ المعادلة العسكرية بأنها في مصلحته لدرجة أنه قد لا يحتاج الى استخدام السلاح النووي التكتيكي. فهو في نظره منتصر يزحف للاستيلاء على الأراضي الأوكرانية الحيوية بأي ثمن، فيما الغرب يكتفي بضخ السلاح والمال والدعم السياسي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
المفاجأة قد تأتي أثناء قمّة “الناتو” المزمع عقدها في مدريد في 29 و30 حزيران (يونيو) الجاري والتي تتم الاستعدادات لها لتوجّه ردّاً قويّاً لبوتين ولمنع فوزه بدونباس ليزحف بعد ذلك الى خاركوف وكييف العاصمة. وبحسب مصادر مطّلِعة، فإن حلف الناتو يفكّر حالياً، ليس في كيفية ضمان الانتصار لأوكرانيا، وإنما في كيفية تعطيل العمليات العسكرية الروسية فوراً لإيقاف روسيا عن خططها واستراتيجيتها.
تقول المصادر إن دول “الناتو” تستعدّ “للتدخّل” في أوكرانيا في ما وصفته بأنه “عمليات عسكرية خاصة” حماية لسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها بما يتطابق قانونياً مع ميثاق الأمم المتحدة. الأهم في هذه الاستراتيجية هو التمييز بين الهجوم العسكري على روسيا وبين الهجوم العسكري على القوات الروسية المعتَدية داخل أوكرانيا حصراً. في أي حال، إن دخول “الناتو” بصورة مباشرة على خط العمليات العسكرية الروسية سيكون تحوّلاً نوعيّاً في الحرب الأوكرانية وفي المواجهة مع روسيا.
المنطق وراء هذا التفكير في صفوف “الناتو” هو أنه لا مناص من إيقاف روسيا وخططها المروّعة لأوكرانيا فوراً وقبل إتمام قضم الأراضي وبدء الاحتلال. هذا أولاً. ثانياً، لا تريد دول حلف الناتو أن تتحمّل مسؤولية البدء بحرب عالمية ثالثة، لذلك تريد استفزاز روسيا لتقوم هي بتوجيه ضربة عسكرية الى دولة عضو في حلف الناتو، إنْ كان في بولندا أو دول البلطيق، فتكون هي البادئة بحرب عالمية ثالثة تتحمّل عواقبها وتكون المسؤولة عنها.
القرار الأساسي هو أن الغرب لن يسمح لروسيا بأن تلحق الهزيمة بأوكرانيا، ولذلك، تتوقع الأوساط الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية أن تخرج قمّة “الناتو” بقرارات كبرى على نسق التدخّل العسكري لـ”الناتو” ضد القوات الروسية داخل أوكرانيا حصراً. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: من يكون البادئ بتوسيع رقعة “العمليات العسكرية الخاصة” بين روسيا و”الناتو” الى خارج الأراضي الأوكرانية، وما هو توقيت مثل هذا التطوّر ومنطقه، ومن سيدفع الثمن الأكبر له؟
التدخل المباشر لـ”الناتو” ضد القوات الروسية في حرب أوكرانيا قد يكون كارثة للخطط العسكرية الروسية، لا سيّما أن المسافة لطائرات “الناتو” أقصر بكثير من المسافة للطائرات الروسية الى المواقع الأوكرانية العسكرية. وفي رأي الغرب، حتى وإذا استخدمت روسيا السلاح النووي التكتيكي داخل أوكرانيا، فإن المسؤولية التي ستقع على أكتاف روسيا بسبب مثل هذا التطور، ستزيد من عزل روسيا وتحميلها العواقب. فبالنسبة الى “الناتو” من المهم قدرة الحلف على القول: روسيا فعلتها وعليها تقع المسؤولية.
قرار دخول “الناتو” طرفاً مباشراً ضد روسيا في الحرب الأوكرانية ليس سهلاً، بل قد يكون مُكلِفاً لبعض القيادات، من بينها القيادة الأميركية. لكن خسارة أوكرانيا الى روسيا مغامرة أكبر للقيادات في حلف الناتو ومن بينها الرئيس جو بايدن. وبحسب تقديرات “الناتو”، سيكون الحلف هو الرابح في نهاية المطاف إذا حسم المعركة العسكرية ضد القوات الروسية. أما في السيناريو النووي، فيرى الغرب أن في حال استخدام موسكو السلاح التكتيكي، فإن عزل روسيا سيكون كاملاً بمعنى قطع روسيا عن العالم بما في ذلك قطع الإنترنت عنها… وربما حينذاك يستيقظ الشعب الروسي ليدرك أبعاد حرب بوتين في أوكرانيا.
فلاديمير بوتين لن يتراجع أمام الغرب مهما كان. قد يحاول الاستفادة من عروض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنوع من الوساطة وعقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي، إنما حصراً ضمن شروطه المرفوضة من قِبَل زيلينسكي. يسعى بوتين لاستخدام نظيره التركي رجب طيب أردوغان لوضع العصا في دواليب خطط “الناتو”، لذلك يغض النظر عن التوسّع التركي في سوريا – وأنقرة مرتاحة وتستغلّ الفرصة بامتياز.
أما في مسألة التوتّر الإيراني – الإسرائيلي، لا يزال فلاديمير بوتين يرى أن تطوّر التوتّر الى مواجهة يخدم مصالحه، وهو رغم استعداده لمباركة اختتام مفاوضات فيينا بصفقة غربية نووية – نفطية مع إيران ليبدو رجل دولة ولاعباً دولياً، فإنه لا يمانع انهيار الصفقة ويرحب بالتصعيد بين حليفه الإيراني وبين إسرائيل التي خذلته، في رأيه. فأي ما يشكّل احراجاً وصعوبة للرئيس جو بايدن، إنما هو موضع استحسان لدى الرئيس فلاديمير بوتين.
أين وصلت مفاوضات فيينا بين إيران وكل من الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا؟ إنها في مرحلة بالغة الدقّة ولربما في العناية الفائقة لكنها لم تدخل بعد الموت السريري منه والنهائي. حتى الآن، لا تزال طهران تتمنى وتسعى وراء رفع العقوبات عنها لكنها لم تتمكن بعد من إيجاد صيغة الخروج من أزمة التصعيد التي اختلقتها مضطرةً، نزولاً عند إصرار “الحرس الثوري” شطب اسمه من قائمة الإرهاب. هذا الى جانب الأزمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA وعقدة آليات مراقبة برنامج إيران النووي.
الرئيس الأميركي يبحث مع فريقه ودول معنية في الخطة “باء” كما تسوّق إدارته إعلامياً ضمن وسائل الضغط على طهران. زيارته الى إسرائيل وإلى السعودية تأتي في إطار أوسع من مجرد الضغط من أجل الصفقة النووية. فهي زيارة التأكيد على ترسيخ علاقة التحالف النوعية الاستراتيجية مع إسرائيل. وهي زيارة استدراك للأخطاء التي وقعت فيها إدارة بايدن في مطلع تقويمها للعلاقات الأميركية – السعودية والأميركية – الخليجية والتي انطلقت في اتجاهٍ سلبي. فالمحطة السعودية محطة إعادة العقارب الاستراتيجية في الموازين الأميركية – السعودية وفي موازين علاقات واشنطن مع دول الخليج العربية. إنها أيضاً زيارة إبلاغ الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن الكيل طفح معها، وأن سلوكها الإقليمي قد فرض نفسه عمليّاً على المحادثات النووية.
القيادات الإيرانية متوتّرة بسبب المواقف الأميركية كما بسبب الممارسات الإسرائيلية الموجّهة ضد إيران في سوريا وفي الداخل الإيراني- لذلك أن طهران تتأهّب للرّد عبر ساحات الحروب بالنيابة، وكذلك تتأهّب للرد المباشر على إسرائيل في خطوة نوعية.
أحد المصادر المطّلِعة على التفكير في صفوف “الحرس الثوري” الإيراني نقلت عنه أنه يجهّز “لشيء جدّيّ” الأرجح بعد 20 حزيران. الأجواء الإيرانية – الإسرائيلية لا تبشّر خيراً، بل إن ملامح المواجهة العسكرية تزداد لا سيّما في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية في مطار دمشق والتي أدّت الى إغلاقه.
ما قد يلجم المواجهة هو زيارة بايدن، ذلك لأن إسرائيل قد تقرّر أن إحراج الرئيس الأميركي ليس في مصلحتها، وأن تدمير الصفقة النووية مع إيران برمتها سيورّطها عسكرياً. فإسرائيل ترى أن رعاية إدارة بايدن لتطوير علاقاتها مع الدول العربية، بالذات الخليجية، مسألة فائقة الأهمية لا تريد أن تعرّضها للتصدّع.
أما إيران، فإنها قد تقرر أن مصلحتها تقتضي الصبر الاستراتيجي الذي تتباهى به، وأن إبرام الصفقة النووية لرفع العقوبات الاقتصادية عنها يقع في مصلحتها أكثر من خيار الانتقام عسكرياً من إسرائيل أو أميركا، في حروب مباشرة أو حروب بالنيابة.
زئبقية التوعّد والتفاوض ليست مطمئنة، والخوف ليس فقط من استمرار لبنان والعراق وسوريا واليمن في دفع الفاتورة الإيرانية وإنما من إندلاع مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، بالرغم من استبعادها لأسباب تاريخية في العلاقة بين البلدين والشعبين.
أفسنخاف ونخاف كثيراً من مواجهات غير اعتيادية في الساحتين الأوروبية والشرق أوسطية؟ أو أن هناك قطبة خفيّة لاحتواء المواجهات الكبرى؟ عسى خيراً في زمن زئبقية عسكرة الديبلوماسية.
النهار العربي